منتدى راجعون الى الله
عوده الذئب ..................روايه طويله 5e6e128532

انرت منتدانا زائرنا الغالى اذا اردت التسجيل فمرحبا بك
منتدى راجعون الى الله
عوده الذئب ..................روايه طويله 5e6e128532

انرت منتدانا زائرنا الغالى اذا اردت التسجيل فمرحبا بك
منتدى راجعون الى الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى راجعون الى الله


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولالتسجيل
النيابة العامة والنيابة الادارية ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة موضوعات متجددة تجدها بمصداقية فقط على منتدى راجعون الى الله ....
تابعوا معانا يوميات حنفى وحمديه والناس الموئعتيه فقط وحصريا بقسم القصص والمواعظ بمنتدانا منتدى راجعون الى الله
بمناسبة اقتراب شهر رمضان الكريم اعاده الله علينا وعليكم باليمن والخير والبركات ندعوكم لزيارة قسم (رياض الجنه الرمضانى )بمنتدانا لمتابعة كل ماهو مفيد وجديد فى الشهر الكريم
عايز تتابع وتعرف كل حاجه عن علماء بتحبهم ومفكرين وشيوخ اجلاء بتتمنى تكون زيهم تابع معانا فى منتدانا بقسم المفكرين والعلماء وسوف تجد كل ماتتمنى ان تعرفه عن مشايخنا وعلمائنا ومفكرينا
عندك موهبة الكتابه ؟؟؟عايز تقول رأيك ونفسك تبقا صحفى والكل يقرا مقالاتك ؟؟؟؟نورنا فى جريدة منتدانا منتدى راجعون الى الله (مقالات الاعضاء وبس)

 

 عوده الذئب ..................روايه طويله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جوجو
مشرفة قسم
مشرفة قسم
جوجو


الساغة الأن :
الاقامة : القاهره
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 5264
نقاط : 5612
تاريخ التسجيل : 10/06/2009

عوده الذئب ..................روايه طويله Empty
مُساهمةموضوع: عوده الذئب ..................روايه طويله   عوده الذئب ..................روايه طويله Empty18th فبراير 2010, 9:55 pm

عودة الذئب


مقدمة
عاصفة هوجاء تهبّ، فيخاف منها الناس والحيوانات، فتدمّر العاصفة كلّ شيء حتى لا يجد الناس مكانًا يجتمعون فيه، فالشجر قد اقتلع من جذوره، والبيوت قد تهدّمت،
ويبقى ذئب وحيدا يقف بشموخ على صخرة ناظرًا إلى العاصفة، فيتشبث الذئب بمكانه دون حراك، حتى عندما ينسلخ جلده يبقى صامدًا لا يتحرّك ، ولا يصرخ عند الموت, ويبقى محدقًا بعدوّه إلى أن يموت.
هكذا نحن.....
سنبقى على الجبل, ننظر إلى الموت المحيط بنا دون أن نخاف منه
(1)
جلس شاردا على حافة صخرة كبيرة يتأمل قطرات الماء التى تسيل ببطء وانتظام من أوراق شجرة قريبة معلنه انتهاء الشتاء القارص وبداية الربيع
كانت الشجرة الفتيه تحاول جاهدة ان تنفض عن أوراقها بياض الشتاء الباهت , وتستبدله بخضرة الربيع الزاهى , لتلون الحياة بالبهجة بعد شهور طويلة من القتامه
تتبعت عيناه قطرات الماء التى انزلقت من الجليد النائم فوق الأوراق لتهوى سريعا الى الأرض وتستقر عند الجذع الضخم .
زهرة صغيرة...
جذبت عيناه اليها ومنعتهما من الصعود مجددا الى قمة الشجرة
زهرة تسكن عند الجذع , يحيط بها بيت من ثلج زجاجى تطل منه على العالم , تترقب عودة الربيع ليذيب قضبان سجنها الزجاجى , لتخرج للحياة من جديد
تمنى لو يمد يديه اليها , يكسر السجن الجليدى من حولها , يعيد اليها الحياة .
لكنه تذكر ان الأوان لم يحن بعد.
رفع عينيه الى السماء . ومد بصره بعيدا.....
خلف قمم الجبال التى تغطيها الثلوج ...
هناك ...
حيث ترك قلبه
عاوده الحنين والشوق للعوده الى هناك...اليها...
اصطدم الهواء البارد بوجهه فاستنشقه بعمق وكأنما وبرغم البعد يجد فيه رائحتها ..تمنى لو يتشبث بأنفاسه...ببقايا عطرها الذى يدفئ قلبه
أيها القائد.....
غادر شروده وحنينه وكتم شوقه بين ضلوعه والتفت الى محدثه الذى قال : لقد عاد الشابين من المهمه التى أرسلتهما فيها
كرر الجندى عندما لم يتلق ردا : أيها القائد .انهما بانتظارك
قال القائد ببطء وبعد صمت : أنا قادم
عادت عيناه تنجذب من جديد للزهرة الصغيرة السجينه , ثم امتدت بعيدا خلف قمم الجبال , ألقى بنظرة حانية أخيرة اليها هناك...
زفر بقوه وعزم....ولمعت عيناه ببريق قوى وهو يهمس :
سأعود............
.................................................. ..
دخل القائد الى الحجره التى ينتظره فيها الشابين وقال بجديه واقتضاب : السلام عليكم
رد الشابان الذان دخلا العشرينات منذ شهور قليلة السلام وهما يقفان أمام القائد باعتدال وعلى وجه أحدهما استقرت ابتسامة ثقة كبيرة لفتت انتباه القائد وجعلته يتأمله قليلا قبل أن يقول : اجلسا
جلس الثلاثة حول منضده صغيرة فى وسط الحجره , وأصغى الشابين باهتمام الى القائد الذى قال مباشرة:
كيف كانت المهمه ؟ وما آخر الأخبار؟
قال الأول بجديه : لقد جمعنا كل المعلومات اللازمه عنه ..ولكن...
يبدو أن المهمه ستكون شديدة الصعوبه
شبك القائد أصابعه فوق المنضده وقال بهدوء: لكن الأمر يستحق , فلاتنسى أنه شديد الأهميه بالنسبة لنا ..
قال الثانى وابتسامته الدائمه تضفى بريقا غريبا على وجهه مما جعل القائد ينظر فى وجهه طويلا وهو يستمع اليه :
قد يكون الأمر صعبا لكنه ليس بمستحيل , وبقليل من التفكير يمكن أن نرسم خطه محكمه للإيقاع به
تنحنح الأول وقال بتردد : ولكن المسافه طويله للغايه , والأمر شديد الخطوره وقد نتعرض للكشف فى أى وقت
لن نستطيع انجاز المهمه
رماه القائد بنظرة قوية وقال بعزم : لابد من انجاز المهمه مهما كانت التضحيات , سنحضره الى هنا مهما كان الثمن
ثم أردف بلهجة واثقه : لدى خطه محكمه
أخذ القائد يشرح خطته للشابين وبعد أن انتهى
الأول بدهشه : حقا , خطه شديدة الإحكام , ولكن؟ألن يشك فى الأمر؟
قال الثانى وابتسامته تتسع لتشمل كل وجهه وهو يقول بحماس كبير :الطعم أقوى بكثير من أن يدع له فرصه للشك...
قال القائد ونظرة شديدة الدهاء تطل من عينيه :
هذا صحيح .انه شديد الطمع , وأنا أستغل هذا جيدا , لن يفوت مثل هذه الفرصه أبدا , حتى لو كانت لديه نسبة شك بسيطه
قال الأول : ولكنه شديد الدهاء , أخشى أن يفاجئنا بحركه غادره.
القائد بثقه : لن يدرك الأمر الا بعد أن يكون بين أيدينا
وقريبا جدا , سيكون بين أيدينا
قال الجمله الأخيره وهو يطبق قبضته بقوه وعيناه تشعان ببريق شرس , يجعلهما أشبه بعينى ذئب
...............................................
أطلت شمس الصباح الدافئه تقبل وجه النهر الجميل وتنثر حبات اللؤلؤ والماس فوق مياهه الصافية لتزيده جمالا وبهاءا فى أحد أيام الربيع الدافئ الذى يلقى بثوبه الأخضر الزاهى على الأشجار لترقص فرحة على أغنيات الطيور الشجية
ملأ محمد عينيه بذلك المشهد الرائع الذى يخلب القلوب والألباب وهو يقود سيارته المستأجرة عابرا فوق كوبرى قصر النيل فى وسط القاهرة والذكريات تأتى اليه من كل مكان
ذكريات الفتوة والشباب .
أيام عديده قضاها فى أحضان ذلك البلد الدافئ الحنون, بين جامعة الأزهر العريقه , وحى الدراسه , ومدينة البعوث
قطع ذكرياته عندما وصل الى وجهته.
الى شارع محمد على الشهير.
أوقف سيارته واتجه الى شارع المغربلين الضيق سيرا على قدميه
وفى هذا الشارع الضيق العريق الذى يقبع فى آخره أحد الأبواب الأثريه للقاهرة الإسلامية , جلس على مقهى صغير ليشرب كوبا من الشاى المصرى المعطر بالنعناع الذكى الذى اشتاق اليه طويلا , أثار وجوده فضول أهل المنطقه , فهو غريب عن أهل الحى الذى يعرف بعضهم بعضا جيدا, كما ان مظهره لا يبدو كسائح أتى لرؤية المعالم الأثريه للقاهرة القديمة , أخذوا يتأملونه بوسامته الشديده ووجهه الأبيض المشرب بحمره والذى يختفى أغلبه تحت لحيته المستديره الناعمة الشديدة السواد الا من بعض شعيرات بيضاء تناثرت فوقها
قام بعض رواد المقهى باستثارة فضول صاحب المقهى (الحاج جاد الله) ليعرف من هذا الضيف الغريب وما الذى اتى به فى ذلك الشارع الشعبى الضيق
اتجه الحاج جاد الله الى الطاوله التى يجلس اليها الغريب
وخاطبه بود قائلا : السلام عليكم
التفت اليه محمد وقال بابتسامة شديدة الوقار : وعليكم السلام ورحمة الله , تفضل بالجلوس
جلس صاحب المقهى وهو يقول بابتسامة ودودة :
يا مرحب يا مرحب....حضرتك مش من هنا؟
محمد بود مماثل : أنا من بلاد بعيده
جاد الله : يا أهلا وسهلا ...حضرتك أول مره تيجى مصر؟
محمد باقتضاب : أنا أزهرى ...
جاد الله : واسم الكريم ايه؟
محمد : محمد..
جاد الله : يا مرحب يا شيخ محمد ..أى خدمه؟
محمد : أبحث عن السيده فتحيه أم سلطان
جاد الله: مراة الأسطى بسيونى؟ أهه ..بيتها فى الزقاق اللى على يمينك ده.... البيت التالت
محمد : جزاك الله كل خير..سأذهب اليهم بعد أن أنتهى من الشاى
جاد الله بفضول : انما لامؤاخذه يعنى..أنا مش حشرى ولا حاجه..
هو حضرتك تعرفها منين؟..وعاوز منها ايه؟
التفت اليه محمد ببطء ورماه بنظره قويه أخجلته بشده
فضحك بخجل : ها هأ ..لا مؤاخذه..البيت أهه ..هما ساكنين فى الأرضى
يا اسطى بسيووووووونى . يا أبو سلطان, يا اسطى بيسووو
يلتفت الجميع صوب الصوت فيقابلهم فتى وسيم يدخل الحاره بصخب غير عادى مشاكسا بيديه فى مرح كل من فى طريقه
جاد الله بتأفف : يافتاح ياعليم ..ايه اللى حدفه علينا ده؟ ما كنا مرتاحين من وشه بقالنا اسبوع
ربنا يعدى اليوم ده على خير
يتأمل محمد الفتى باهتمام شديد ويركز نظراته عليه وهو يشرب كوب الشاى ببطء
كان يبدو من هيئته أنه شاب مستهتر , طويل. يرتدى ملابس ضيقه ذات ألوان صارخه , وشعره الفاحم طويل ومصفف بعنايه ولامع بفعل مثبتات الشعر الكيميائيه
يقترب الفتى من المقهى وهو يقبل أصابع يده بصوت ملحوظ: صباح الفل يا عم جاد
جاد الله بضيق : ما كنا مرتاحين...ياترى أنهى مصيبه حدفتك علينا
استرها يارب
الفتى : الله الله ..جرى ايه ياعم جاد؟ هو أنا كنت جوز أمك؟مالك كده واخدنى عالحامى؟
جاد الله : اطّرّق يله من هنا لحسن أقوم أمسح بيك الشارع
الفتى : ليه كده بس ؟ دانا كنت جايبلك طلبيه جديده ...وبسعر مهاود
جاد الله : تغور من وشك...ربنا يكفينا شرّك
ينظر الفتى تجاه محل الميكانيكى المواجه للمقهى ويشير بيديه بالتحيه : صباحك قشطه ياعم فرغلى
يظهر على وجه فرغلى الإشمئزاز ويدير ظهره له ولا يرد
يعود الفتى لجاد الله : بالراحه شويه عليا يا عم جاد..مش كفايه أبا بسيونى ...طردنى من البيت و مش عاوز يبص فى وشى؟
جاد الله : من عمايلك السوده..كفايه البهدله اللى اتبهدلها بسببك جرجروه عالقسم وسين وجيم.....مخدرات يابن ال...ولا بلاش
انت يله مش هاتبطل شغل الشياطين ده
يلاحظ الفتى أن محمد لم يحول عينيه عنه منذ بداية الحوارفيركز نظراته عليه وهو يقول مخاطبا جاد بمسكنه :
طب والله برئ ..دول حتتين حشيش عمى الواد قطوشه هو اللى دبسنى فيهم
يا عمر ...يا عمر ..
يلتفت الجميع الى صوت الفتاه التى تطل من شرفة بيت فتحيه وهى تقول : تعالى أمى عاوزاك
يشير الفتى بيده وهو يقول : ماشى ..جى على طول
جاد الله : يالله يله غور من هنا ...وبطل شغل اللبط بتاعك ده
الفتى : ماشى يا معلم...أنا رايح أشوف أمى
يتابعه محمد بعينيه وهو يتمايل مختالا فى مشيته حتى يغيب داخل بيت فتحيه أم سلطان ثم يلتفت الى جاد الله ويسأله باهتمام : ابنها؟
جاد الله بانفعال : ابنها مين؟ الله يحرقه...دا واد ابن حرام
يلتفت اليه محمد ويرميه بنظره قاسيه
فيرتبك جاد الله ثم يستعيد هدوءه : ولا مؤاخذه..أصله مش ابنها ....هى مربياه بس ....بيقولوا انه ابن الدكتور صابر اللى كانت بتشتغل عنده من 17 سنه
يكمل جاد الله باهتمام من وجد مستمع جيد : الدكتور ده كان بيسافر كتير ..وهو اللى اداها الواد ده ...جالها بيه فى ليله ووصاها عليه واداها فلوس ..وقالها ان اسمه عمر الديب
ضحك جاد الله بسخريه : أهه حاجه كده زى الأفلام العربى
يظهر ان الواد ده ابنه من ...أستغفر الله...أصله ماكانش متجوز...ومالوش قرايب...ولما جوزها بسيونى عرف...شال الواد وراح على بيت الدكتور علشان يرجعهوله..لكن مالقاهوش...
البواب قاله ان البوليس قبض عليه ولحد النهارده محدش يعرف راح فين
الأسطى بسيونى ومراته ما هانش عليهم يرموا الواد فى الشارع..ربوه وسط عيالهم ورضعته على بنتها زينب ...البت اللى كانت بتنادى عليه من شويه
عارف يا حضرة !
كل ما كنت بشوفه وهو صغير, كنت أقول لنفسى : الواد ده يا اما يطلع حاجه كبيرة قوى, يا اما يطلع حرامى
من صغره والذكاوة والنباهه بتنط من وشه
كان واد حلانجى كده, بس دمه خفيف, والحارة كلها تحبه
ده حتى الأسطى بسيونى كان بيحبه قوى, وكان بيفضله على عياله اللى من دمه ولحمه
لكن تقول ايه...بلوه واتحدفت عليهم
محمد بهدوء : لا يمكن أن نحاسب انسان على خطأ ارتكبه غيره
جاد الله : انت أصلك راجل طيب,ما تعرفش اللى عمله
الواد ماتمرش فيه اللقمه الحلال اللى كالها فى بيت الأسطى بسيونى. ..اتلموا عليه شوية عيال صايعه ومشى فى كل السكك البطاله, اشى سرقه على نصب على مخدرات....ياساتر ..عامل زى المنشار...همه يجيب فلوس وبس
دا حتى المدرسه..مافلحش فيها ...كان بيسرق العيال ..وطردوه منها بفضيحه
مش بقولك...دا واد ابن حرام
نهض محمد بحده ووضع بضعة ورقات نقديه على الطاوله وهو يقول متجهما باقتضاب : شكرا على الشاى ...السلام عليكم
ورحل بخطوات سريعه مودعا بنظرات العجب والدهشه من جاد الله.
..................................................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جوجو
مشرفة قسم
مشرفة قسم
جوجو


الساغة الأن :
الاقامة : القاهره
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 5264
نقاط : 5612
تاريخ التسجيل : 10/06/2009

عوده الذئب ..................روايه طويله Empty
مُساهمةموضوع: رد: عوده الذئب ..................روايه طويله   عوده الذئب ..................روايه طويله Empty18th فبراير 2010, 9:56 pm

(2)
دق محمد باب منزل فتحيه أم سلطان
وعندما فتح الباب فوجد عمر أمامه ينظر اليه باستغراب وعيناه تمتلئ بالريبة
عمر : مش انت اللى كنت قاعد مع جاد الله القهوجى ؟؟
قال محمد بجديه وهدوء : السلام عليكم ..أريد التحدث الى السيده فتحيه أم سلطان
عمر بريبه : نقول لها مين؟
محمد : صديق للدكتور صابر عبد التواب
جلس محمد ينتظر السيده فتحيه على الأريكه البلديه فى وسط الصاله الضيقه فى بيتها الصغير القديم الذى ينضح الفقر من جدرانه المتهالكه الممتلئه بالشقوق,
وجلس أمامه الأسطى بسيونى الذى قدم مسرعا عندما ناداه عمر من دكانه الذى يقع فى آخر الحاره
جلست السيده فتحيه بعد أن قامت بنفسها بتقديم واجب الضيافه للضيف الذى بدأ يتحدث اليهم قاطعا كل نظرات التساؤل والشك فى العيون : أنا محمد ...صديق الدكتور صابر عبد التواب
تعرفت الى الدكتور صابر عندما كان مكلفا من قبل نقابة الأطباء المصريه بمهمه انسانيه طبيه فى بلادى
وتصادقنا كأعز الأصدقاء...وقبل سفره قدم لى الدعوه لزيارته فى مصر , وغادر بلادى ولم أراه منذ سبعة عشر عاما وطوال هذه المده لم تتح لى الفرصه لزيارة مصر..وعندما تحسنت الأحوال واستطعت الحضور الى مصر , ذهبت لزيارته ولم أجده
فتحيه بأسى وهى تمصمص شفتيها: يا حول الله يارب
بسيونى : البوليس قبض عليه من 17 سنه ومحدش يعرف له طريق جره
محمد بدهشه : لماذا ؟؟
بسيونى : والله ما حد عارف, أهم بيقولوا سياسه , وناس بتقول انه كان مع الجماعات
تجهش فتحيه بالبكاء : دا كان راجل سكره, ما يستحقش اللى جراله, الله يجازى اللى كان السبب
هز محمد رأسه بأسف وتنهد بحزن
بسيونى : انما ولا مؤاخذه حضرتك بتتكلم عربى كويس؟
محمد يلتفت اليه : أنا أزهرى, تعلمت فى الأزهر, وقضيت فى مصر فترة شبابى
التفت محمد الى عمر الجالس قبالته على كرسى خشبى قديم ونظر فى عينيه وهو يقول : أنت عمر؟
عمر بريبه : ايه! انت تعرفنى؟
يظهر شبح ابتسامه على زاوية فمه وتطل من عينيه نظره غريبه وهو يقول : أنت الذئب
ينظر اليه الجميع فى صمت والدهشة تطل من عيونهم بقوة
عــــــــــــــــــــــمــــــــــــــــــــــــــ ر
شق المكان صوت صراخ رهيب قادم من الحارة أفزع كل من فى البيت
جرى عمر الى النافذة : ايه ....فيه ايه يا ريس فرغلى؟
فرغلى بغضب : انزلى هنا يابن الديابه لا أطلع أشرحك
عمر بغضب : ايييييه انت هاتشتغلى؟
طب أنا نازلك....
يخرج من المنزل جريا وهو يهتف : جرى ايه؟ واقف تسيحلى فى وسط الحاره؟حصل ايه
فرغلى يمسكه من ملابسه : فين ايراد الورشه يا كلب يا حرامى؟
من ساعة ما اصطبحت بوشك وانا بقول اليوم ده مش هايعدى على خير
عمر يدفع يده بغضب : ماتشتمش....وانا مالى أنا ومال ايراد الورشه؟
هو أنا جيت جنبك؟ماتشوف مين اللى دخل الورشه النهارده
مفيش حرامى وابن حرام فى الحاره غيرك..ودينى اما قبيت بإيراد الورشه لأبيتك متفشفش فى أحمد ماهر
حووووووده...كتفه
يحيط به صبيان الورشه ويمسكوا بيديه
عمر بغضب : هى دى المرجله ؟ بتخليهم يكتفونى؟
يبدأ فرغلى بالضرب فيه بوحشيه وهو يقول : فين ايراد الورشه ..انطق يا حرامى
يتجمع كل من فى الحاره ويقفوا متفرجين الا من بعض التعليقات :
مش حرام ..كلكوا عليه؟
أحسن يستاهل...دا حرامى
يصرخ عمر من الألم ويسب فرغلى الذى رفع يده لتنزل على وجه عمر...
لكنها لم تنزل.... لأن يدا أخرى أشد قوة اعترضتها
التفت فرغلى بغيظ الى الشخص الطويل الممسك بيده ليصطدم بعينين يملؤهما غضب مخيف وصوت صارم يقول : يكفى هذا
ارتبك فرغلى بشده, لكنه قال : محدش يتدخل بينى وبين ابن الحرام ده...دا سرق ايراد الورشه
عمر وهو يبكى : والله ما سرقت حاجه...هو انتوا ماعندوكوش حرامى غيرى؟
محمد بصرامه : كم المبلغ؟
ينظر اليه فرغلى بدهشة : 200 جنيه
يعطيه محمد المبلغ ببساطه وهو يقول محذرا: خذ المبلغ ولا تلمسه
ينتهى الموقف وينفض الجمع وهم بين مذهول ومتعجب من هذا الغريب الذى يدفع مالا لرجل لا يعرفه من أجل انقاذ لص لا يعرفه
مسح عمر دموعه فى كمه وهو ينظر بدهشة لهذا الغريب الغريب
قال محمد باقتضاب : تعالى, أريد أن أتحدث اليك
نهض عمر من الأرض, وانطلق خلفه بصمت وفضول لا مثيل له حتى وصلا الى حيث ترك السيارة
فتح محمد باب السياره وهو يشير الى الباب المقابل ويقول بلهجه آمره : اركب
تردد عمر ونظر اليه بارتياب
قال محمد منهيا تردده : هل تحب أن تكسب مالا؟
اتسعت عينا عمر بلهفة : أنا خدامك
محمد بصرامه : اذا اركب
ركب عمر بجواره, وانطلق محمد بالسياره ليدور بينهما حديث طويل
..................................................
عمر : انت مين يا عم الشيخ
محمد : أخبرتك من قبل...أناصديق للدكتور صابر عبد التواب
عمر : لكن ماقولتليش..هاتدينى فلوس ليه؟
محمد : سأعرض عليك عرض...ما رأيك أن تعمل معى ؟
عمر بتردد : ماشى ...تحت أمرك..بس.....
لامؤاخذه ازاى هاتشغلنى معاك وانت عارف انى حرامى؟
قال محمد فى هدوء : لأننى اعتدت عدم الحكم على الناس الا من خلال تصرفاتهم...وحتى الآن لم يبدر منك ما يجعلنى أرفضك
عمر : طب وكلام الناس؟
محمد : أنا أرى الأشخاص بعينى وعقلى ...لا بكلام الناس
عمر بدهشه: يااااه...انت بتفكر غير الناس كلها!!
محمد باهتمام : لماذا طردت من المدرسه؟
عمر : لا..أنا محدش يقدر يطردنى ..أنا اللى سبتها بمزاجى
محمد : لماذا؟
عمر : بصراحه زهقت منهم ..أصل المدارس مابتكسبش فلوس ..أنا كده أحسن
محمد : كان بإمكانك العمل والدراسه معا
عمر : الصراحه قرفت من المدرسه باللى فيها
كنت ماشى كويس وميت فل و14 ..لحد أولى اعدادى..لحد ما الواد شوقى ابن الأسطى فرغلى ما اتنقل الفصل بتاعى
أكمل بسخريه مريره : أبوه راح للمٌدرّسه وقال لها ..الواد ده مايقعدش جنب ابنى, أصله ابن حرام..ومن يومها بقى الفصل كله يبعد عنى زى ما أكون جربان, أما شوقى بقى, كان كل ماتضيع منه حاجه يلزقها فيا..ويشتكى للمٌدرّسه انى سرقته.
مع انهم كلهم عارفنى من سنين...
ومن يومها وكل حاجه اتشقلبت
هز محمد رأسه بتفهم : وكلما ضاع شئ أو سرق شئ ..
فالسارق دائما موجود
عمر بسخريه : عليك نور ...بس ...
وعنها وسبتلهم المدرسه مطربقه على دماغتهم...
وده كمان ريح عم بسيونى, ايه اللى يزنقه يصرف على عيل مش من عياله؟
محمد يهز رأسه بأسف : وأنت لم تدخر جهدا لتؤكد لهم الصوره التى فى ذهنهم عنك ....
صورة اللص
عمر بمراره : لو كنت عمالتلهم قرد, برده هافضل فى نظرهم ابن حرام...
وادينى خدتها من قصيرها وبقيت حرامى ...
آل ضربوا لأعور على عينه, قال خسرانه خسرانه
محمد : ما رأيك فى من يمنحك فرصه تثبت بها عكس ما يظنونه..
تثبت جدارتك فى مكان آخر لا يعرفك فيه أحد, فى مكان لا يقيّم فيه الإنسان الا بعمله
عمر : ايدى على كتفك
محمد محذرا : ولكن احذرك فستسافر الى بلاد بعيده للغايه... والعمل هناك شاق تماما وقد لا تتحمله
عمر : ياعم خليها على الله ...أنا بعون الله أفوت فى الحديد... وبعدين مش انتوا هاتدونى أجرى؟؟ خلاص ..
قالوا ايش بلدك يا جحا؟ .قال اللى فيها الفلوس...هاهاهاها
محمد بجدية : حسنا ...فلتجهز حاجياتك, ولتعود لتودع أهلك...
فقد يطول السفر الى سنوات
عمر : يا عم قول يا باسط...أهل مين؟أنا ماليش أهل, دى حاره غجر, وكمان ماليش حاجات, أهه على فيض الكريم
عقد محمد حاجبيه وقال بدهشة : وماذا عن أمك التى أرضعتك ؟ وأباك الذى رباك؟
عمر بلا مبالاه : أبا بسيونى , ما هايصدق, دا مش عاوز يشوف وشى , وأمى مابتحبش المشاكل
دى الحاره كلها هاتفرح وتزغرد علشان ارتاحوا منى
صمت عمر قليلا, ثم قال بعد تردد : بس ..ليا سؤال....
انت بتعمل كده ليه؟
محمد : أخبرتك من قبل, من أجل صديقى الدكتور صابر..
فأنا مدين له بالكثير
كما أنى أريد أن أثبت لك أن هناك من يعاملون الناس بتعاليم الإسلام
لا بنظرتهم الضيقة للحياة
ان من ينظر للحياه من خلال الإسلام, يجدها أكبر بكثير مما يعتقد الناس
عمر بريبه : لاموآخذه الكلام ده مش داخل دماغى
يعنى ...طب مافيه ألف واحد غيرى واحسن منى كمان ومعاهم شهادات ويستحقوا المساعده أكتر منى
يصمت قليلا ثم يقول : انت كنت تعرف أبويا؟
محمد ينظر اليه باعجاب بذكاءه ويقول ببساطه : ربما
دهش محمد عندما لم يتلقى أى رد أوكلمه أو حتى انفعال من عمر
عقد حاجبيه بدهشة وسأله: ألا يهمك أن تعرف انك لست ابن زنى؟
عمر يفتعل اللامبالاه وهو ينظر بشرود الى الطريق :ماتفرقش كتير..
بالعكس ..كده أحسن, خلاص اتعودت
وبعدين مش يمكن لو عرفت مين أهلى أقع فى مصايب وقواضى؟ أمال يعنى ايه اللى يخليهم يرمونى الا اذا كانوا واقعين فى مصيبه؟
سوق يا عم سوق خلينا نشوف أكل عيشنا, بلا أهل بلا هم
خلينا فى السفر والفلوس
وسافر عمر مع محمد بعيدا...
الى أين؟
الى عالم مجهول, وحياه جديدة, لا يعرف ما ينتظره فيها
.................................................. ..
(3)
نجحت المهمه..... أحضرناه
هتف الشاب الباسم دائما بحماس شديد لكن القائد لم يلتفت اليه فسأله بدهشه : أيها القائد....ايها القائد......هل سمعتنى؟
نزع القائد نفسه من شروده الذى اعتاد الجميع عليه والتفت ببطء الى الشابين الذين نجحا فى انجاز المهمه و قال بهدوء : هل آذاه أحد؟
قال الشاب الباسم وقد أطفأ رد فعل القائد حماسه : لا ..لم يمسه أحد بسوء
أكمل زميله : فقط عصبنا عينيه حتى لا يعرف الطريق
القائد : وأين هو؟
أجاب الشاب : فى الحجره التى فى نهاية الممر
القائد : حسنا ...سأراه بنفسى
هم بمغادرة المكان لكنه توقف فجأه ونظر اليهما قليلا ثم اقترب من الشاب الباسم وسأله: ما اسمك؟
الشاب وقد عاد اليه حماسه وابتسامته : جوهر
التفت الى زميله وسأله : وانت؟
أجاب : أحمد
قال القائد بلهجه آمره : لا تغادرا المكان فسأطلب من القائد أن يضمكما الى كتيبتى
خفتت ابتسامة جوهر وظهر على وجهه خيبة الأمل , لكن القائد لم يبالى وتركهما ورحل بصمت...
التفت أحمد الى جوهر وسأله بدهشه : ماذا دهاك؟ لماذا يبدو عليك الضيق؟
جوهر : لا أريد أن أترك أصدقائى ..لقد عشت معهم أياما طويله وتشاركنا فى كل شئ ..الطعام والشراب ..حتى النوم .ولنا ذكريات جميله معا
أحمد متعجبا : عجبا لأمرك ..كنت أظنك ستفرح .فما من شاب الا ويتمنى الإنضمام لكتيبة الذئب
زفر جوهر بضيق وقال : ألم أقل لك من البدايه أن وجودنا هنا لسبب آخر غير هذه المهمه
كما أن تصرفاته غريبه للغايه , ألا ترى كيف يعاملنا؟
صمت قليلا ثم أكمل بشرود : لا أظننى سأحتمل البقاء هنا طويلا
.................................................
دخل القائد الى حجرة الأسير فوجده جالس على الكرسى قبالة الباب وهوينظر اليه بمقت شديد
سحب القائد كرسى آخروجلس أمامه تماما
اندفع الأسير يقول بانفعال وتوتر شديد ونظرات الكراهية تطل من عينيه كسهام حاده : لن تحصلوا منى على كلمه واحدة ...لقد قمتم باستدراجى بحيلة خبيثة, لكنكم لن تستفيدوا من ذلك مهما فعلتم
فأنا أفضل الموت على أن أبوح بأى كلمه..
انزعوا أظافرى, حرقوا جسدى..لكنى لن أنطق بكلمه
كان القائد يجلس هادئا صامتا وعينيه مركزتين فى عينى الأسير الزائغتين...
كانت نظراته الثابتة تشع بالقوة على الرغم من لثامه الأسود السميك الذى يخفى رأسه ووجهه, والمغطى من أعلاه بعصابة خضراء مكتوب عليها كلمة التوحيد
قال بصوته الهادئ العميق والذى زاد من توتر الأسير :
من قال أننا سنفعل أى شئ من ذلك ؟
أعرف تماما مدى عنادك, وكم أنت صعب المراس
الأسير بتوتر منفعل : اذا ماذا تريدون منى؟
القائد بهدوء شديد يحطم الأعصاب : لا شئ....فقط سنستضيفك لدينا لبعض الوقت لنرى كم تساوى لديهم
الأسير : لا ...لن تنالوا أى مكاسب على حسابى
القائد ببرود أشد من الثلج : حقا ...أنت وحدك لا تساوى شئ,
لكنها رتبتك ..
ترى ..كم تساوى من وجهة نظرهم؟
الأسير باستفزاز : تتكلم تماما كاللصوص وقطاع الطرق
القائد بهدوء : من وجهة نظرك فقط ..لقد اختطفت شخصا, أو بضعة أشخاص
لكنكم اختطفتم بلدا بأكملها ...بكل ما فيها
وكل ما نفعله الآن هو محاولة لإسترداد ما سرقتموه منا...والعودة الى أرضنا
الأسير بانفعال شديد : واهمون..هذه الأرض لنا, وستظل لنا لأننا الأقوى
القائد بسخريه شديدة : هل تعتقد حقا أنكم الأقوى؟
ولكن نتائج المعارك التى نخوضها ضدكم تقول غير ذلك
.................................................. .
يااااااه يا مولانا ...ايه ده...دانتوا بلدكوا فى آخر بلاد المسلمين
صاح عمر وهو يركب السياره بجوار محمد
محمد بهدوء : لقد حذرتك من البدايه أنها بلاد بعيدة والحياة فيها شاقة للغاية
عمر : بس أنا كنت فاكر اننا هانركب مركب ..طيارة...
لكن داحنا ركبنا كل الركايب اللى اخترعها البنى آدمين
طيارة ومركب وقطر وعربية..........
يا خبر أبياااااض ..ايه ده؟؟
مافاضلش غير الصاروخ....
واللى مجننى ...اننا عمالين نعدى على بلد ونسيب بلد, ودنك منين يا جحا؟
ابتسم محمد ابتسامة صغيرة وقال : يبدو أنك معجب كثيرا بجحا؟
الأمر ببساطة أن هناك توتر فى العلاقات السياسية بيننا وبين الدول المجاورة, لذلك اضطررنا الى تجنب العبور خلال أراضيهم
عموما أوشكنا على الوصول.
توقفت السيارة أمام منزل كبيرمن طابقين له فناء واسع
ترجل الإثنان ودخلا الى المنزل ومعهما الأمتعه..
استقبل أهل المنزل محمد استقبالا حارا, وأدرك عمر من حرارة الإستقبال أنهم عائلته
والغريب أن الجميع كان يتكلم العربية الفصيحة
ثم, بدأوا باغداق مشاعر الود والمحبة على هذا الضيف الجديد
وسلموا عليه بحرارة ..وكانت لحظات التعارف تحمل مشاعر دافئة صادقة تعجب لها عمر كثيرا, خاصة وانه غريب عنهم ولا أحد منهم يعرفه
السيدة الكبيرة, ربة المنزل وزوجة محمد وهى أم لأربعة
مالك ...فتى يافع يماثله فى العمر ودود مرح له ابتسامة طفولية لذيذة لا تختفى ابدا
زهرة.. فتاة جميلة هادئة فى الخامسة عشر لها وجه ملائكى يشع جمالا ونورا
خالد..طفل لطيف فى السادسة, وزينب طفلة جميلة, لم تتجاوز الثالثة
ازال استقبالهم الحار وترحيبهم الودود من نفس عمر كل توتر وخوف وزاد من شعوره بالأمان
بعد أن تناول الجميع الطعام, طلب محمد من مالك أن يصطحب عمر الى غرفته ليرتاح من عناء السفر
وفى اليوم التالى......
اجتمع محمد بعمر فى حجرة المكتب وحدهما, وبدأ يتحدث معه
عمر : ها يا مولانا.. كلنا وارتحنا وكله تمام, ايه بقى الشغل اللى هاشتغله؟
نظر اليه محمد طويلا وقال بهدوء : لقد كان استنتاجك صحيحا ... أنا حقا أعرف والدك
عمر بضجر : يا عم فضنا من دى سيره, مانا قلتلك مش عاوز أعرف حاجه
محمد :ألا تريد أن تعرف أن أمك.........
كانت أختى؟
عمر بذهول : أختك ؟؟.... يعنى انت!!
محمد بتأكيد : نعم ...أنا خالك أخو أمك
عمر بتوتر محاولا التغلب عليه بضحكه ساخره : هأ هأ ...ايه؟؟ جرى ايه يا مولانا؟؟ انت هاتسوق فيها ولا ايه؟
خالى ايه وبتاع ايه؟
لا ...أنا محبش اللعبه دى...عاوز تلفنى بكلمتين وتبلعنى بلقمه واحده؟؟
لااااا دانتا ما تعرفنيش...دانا ابن سوق ومحدش يضحك عليا
يصمت محمد طويلا, ثم يخرج من درج مكتبه صورة قديمة ويعطيها لعمر وهو يقول : انظر الى هذه الصورة وتأمل وجوه من فيها
تأمل عمر الصورة مليا, ودهش تماما عندما وجد احدهم يشبهه كثيرا
رفع عينين ملؤهما التساؤل والحيرة الى محمد
محمد بهدوء : هل لاحظت الشبه الكبير؟..
انه هو
يهز عمر رأسه برفض وعناد وهو يقول : شوف ...أنا ممكن أصدق أى حاجه...ممكن حتى أصدق لو قلتلى انى ابن الدكتور صابر...انما اللى انت بتقوله ده ..مش ممكن يدخل دماغى أبدا
أنا لا ابن ده ..ولا أنا من البلد دى..
أنا عمر ..عمر الديب
اقترب محمد منه وقال بتفهم : الدكتور صابر ليس والدك لكنه أنقذ حياتك ولم يكن باستطاعته أن يقول لخادمته أن اسمك هو..
عمر ديساروف .....
لم تكن لتستوعب ذلك أو يستوعبه أى من من حولها...
لذلك أطلق عليك عمر الذئب
وضع محمد يده على كتف عمر بقوة ونظر فى عينيه مباشرة وهو يكمل : ولم يكذب الرجل, نعم ..أنت حقا ذئب ......
ذئب شيشانى
اتسعت عينا عمر بخوف, وسقط قلبه فى قدميه
.................................................. ..............
يتبع........................................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جوجو
مشرفة قسم
مشرفة قسم
جوجو


الساغة الأن :
الاقامة : القاهره
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 5264
نقاط : 5612
تاريخ التسجيل : 10/06/2009

عوده الذئب ..................روايه طويله Empty
مُساهمةموضوع: رد: عوده الذئب ..................روايه طويله   عوده الذئب ..................روايه طويله Empty18th فبراير 2010, 10:01 pm

(4)
لا........لا...... مستحيل
هتف الأسير بغضب : لن تنالوا ما تريدون أبدا
لن تستطيعوا العودة أبدا, سنسحقكم سحقا
لسنا وحدنا هذه المرة...الجميع يؤيدوننا
القائد بصوت مخيف : نعم ...تحالف اللصوص الجبناء.... تغضون الطرف عما يفعلونه هناك, ليغضوا الطرف عما تفعلونه هنا
والمصلحه مشتركه......
القضاء علينا جميعا هنا وهناك
الأسير بتكبر وغرور : هل علمتم الآن أنكم أضعف منا بكثير
القائد بسخريه لاذعه : لازلتم تكررون نفس العبارات الهزيلة المعتقة, يبدو أنكم تكذبون الكذبة ثم تصدقونها
أليس لديكم جديد تقولونه ؟
ألم تصلكم نتائج المعارك التى خضناها ضدكم حتى الآن؟ ألا تعرف أعداد القتلى والجرحى من جانبكم؟ أم أنكم تخدعون قادتكم كما تخدعون شعبكم ؟
أم أن قادتكم هم الذين يخدعونكم , ويوهمونكم بالنصر المنتظر ؟
صرخ الأسير بمقت شديد : أنتم شرذمة ضئيلة وسنسحقكم سحقا بأحذيتنا, تماما كالحشرات
ضحك القائد ضحكة قصيرة متهكمة شديدة السخرية : نعم كما كنا منذ سنوات ليست بعيدة, وظل الوحش المرعب يردد بصوته الجهورى الأجوف بأنه سيسحقنا
و 7000 من جنودكم محاصرين فى العاصمة , يأكلهم اليأس
ليعودوا فى النهايه الى أحضان أمهاتهم وسراويلهم مبتلة من الرعب, مخلفين وراءهم أسلحتهم وعتادهم , وحتى أحذيتهم
نهض واقفا ونظر فى عينى الجنرال الصامت يرتجف غضبا وأكمل ببرود : فلتستمتع بقوتك فى سجننا أيها الجنرال وأنت تنتظر قادتك المغاوير ليبادلوك برجالى
وسنرى من منا يستطيع الصمود أكثر..
سنظل نقاتل ونقاتل حتى ترضخوا وتأتوا الينا صاغرين,
ثم أردف بلهجه ذات مغزى : كما حدث من قبل
رحل القائد.......
وتركه يغرق فى بحور من المشاعر المرتبكه والأعصاب المحترقه
.................................................. .........
مضت فتره طويله من الصمت ..الى أن استطاع عمر أخيرا أن ينطق : شـ ..شـ..شيشان !!
أنا!!! من الشيشان؟؟
هز محمد رأسه ببطء وهو يقول : نعم أنت ابن خالد ديساروف أعظم مجاهد شيشانى عرفته فى حياتى
كنت وأباك أصدقاء وأخوة فى الجهاد, وأقارب أيضا ..فزوجته من أغلى انسانه على قلبى ..
أختى خديجه
تنهد محمد بعمق وهو يقول : كان والدك طبيبا, عرفنى على صديقه الطبيب صابر عبد التواب الذى جاء الى هنا فى بعثة طبية تابعة للجنة الإغاثه الإنسانية المصرية...
استضافه خالد فى منزله عدة أشهر ..
كنا كأعز الأصدقاء...حتى....
قامت القوات الروسيه بمهاجمة العاصمة ..جروزنى
استدعاه مدير البعثة الطبية وأبلغه بضرورة الرحيل الفورى عن العاصمة ..
عاد مسرعا ليودع خالد ....لكن................
اتسعت عينا عمر اثارة, وقال متعجلا محمد ليعرف ما حدث : لكن ايه؟
أكمل محمد وقد كسا صوته حزن عميق : وجد البيت محطم وجميع من فيه قتلى...
كان الجنود الروس يبحثون عن أباك .. وقدر الله أن يكون موجود فى البيت فى هذا الوقت
لكن ...سبحان الله ...
استطاعت أمك أن تحميك وانت رضيع..أخفتك فى مخبأ عجز الجنود عن الوصول اليه وبقيت نائما حتى رحلوا
وعندما وصل الدكتور صابر وسمع صوت بكائك لم يدرى أين يذهب بك, والبلد كلها فى حالة من الجنون والفوضى..؟
أخذك معه على متن الطائرة المغادرة, وأدخلك الى مصر بطريقة لا يعلمها أحد غيره
ويبدو أنه كان يعلم مسبقا أنه سوف يعتقل, فتركك عند خادمته الأمينه
ضاقت عينا عمر بشك : ياسلام؟!!!!!!
وازاى عرفتوا انى سافرت على مصر؟
محمد : ترك لى الدكتور صابر رسالة مع أحد معارفى الذين كانوا يرافقون البعثه الطبيه
عمر غير مصدق : وسبتونى 17 سنه؟
محمد بأسى : الإجتياح الروسى لم يترك أخضر ولا يابس....
لقد غادر المجاهدون جروزنى الى الجبال تاركين كل شئ
ودارت معارك طاحنة لإستردادها, ولم يكن باستطاعتنا ترك مواقعنا كجنود والذهاب لأى مكان, ولا يمكن أن نحضرك الى هنا وسط آتون الحرب المشتعلة ...
كنت صغيرا للغاية..
وبعد أن أخرجنا الروس من جروزنى, لم يكن معنا ما يكفى من مال يغطى تكاليف الرحلة الى مصر واعادتك الى هنا
ناهيك عن الحصار الإقتصادى الذى فرض علينا, والتحرشات الروسية المستمرة, وتهديداتهم المستمرة بالإعتداء علينا
وبعد عدة سنوات حدث الإجتياح الثانى للشيشان ..وانخرطنا معهم فى حرب ضروس استنزفتنا تماما...
والآن تغيرت الظروف , أصبحت رجلا وخرج الروس من جروزنى من بضعة أشهر فقط, وعادت الحياه تسير
ابتلع عمر ريقه بصعوبه وصمت طويلا يحاول استيعاب ذلك الكم الهائل من المفاجآت , ثم نظر الى محمد وقال : وانتوا عاوزين منى ايه دلوقتى؟؟أنا مش فاهم
محمد بود هادئ : نحن أهلك ..يجب أن تعيش معنا هنا, فى وطنك
انتفض عمر من مكانه بعنف وقال فى ثوره : فين؟؟ هنا؟ أنا..أعيش هنا؟؟
محمد بصرامه : لقد وافقت من قبل ...هل تذكر؟
عمر بانفعال : لاااااا ..دا كان زمان..لما كان فيه شغل وفلوس وميه بتجرى....انما انت عاوزنى أعيش هنا؟ وسط البرد والتلج والحرب !!!
وفى بلد ما اعرفهاش, وسط ناس ماعرفهمش ولا أعرف بيرطنوا بأنهى لسان !!
لا يا عم ..أنا مروح بلدنا, ومتشكرين قوى على واجب الضيافه
محمد بغضب : هؤلاء الناس هم أهلك, وأنت منهم, أنت هنا عزيز كريم بينهم
زفر بضيق وهو يكمل : أفهم تماما مشاعرك, لقد ملء الوهن قلبك, استسغت الحياة تحت الشمس الدافئه, واستطعمت الأمان والراحة وأصبحا همك الأكبر, حتى لو ضحيت فى سبيلهما بنخوتك ورجولتك وابتلعت الذل والعار..لتنعم بالدنيا
ضغط أسنانه بقوة وهو يقول بغضب مكتوم : لن ..أسمح ..لك ..أبدا
أهل هذه البلاد لا يتنازلون عن أبناءهم مهما حدث
ينفعل عمر بشدة ويصرخ : محروقه بلدكوا عاللى فيها...فاكرنى هاقعد هنا ...لاااا فايت هالكوا مخضّره, أنا مش ابنكوا
أنا ابن حرام ...
سامع...ابن حرام
فجأه ....اصطدم عمر باعصار غاضب عنيف
انقض محمد عليه بقبضته ليكسر أنفه ويسقطه أرضا بعنف
ويبدأ عمر بالصراخ والعويل فيزيد من غضب محمد ويسحبه من ملابسه ويلكمه بعنف
ويأتى كل من فى البيت على صوته لينقذوه من محمد
وتمسك زوجته بيديه لتمنعه من ضرب عمر ويساعد مالك عمرعلى النهوض
محمد بغضب مخيف : اياك أن تنطق بهذه الكلمات أمامى
اياك أن تسب أباك أو أمك والا قتلتك
يستعيد بعضا من هدوءه ويكسو صوته الحزن وهو يقول :
لن تفهم أبدا ماذا يعنى أن تفقد أغلى الأصدقاء
.................................................. ...
فى الأيام التاليه ...................
استقر الحال بعمر فى بيت خاله ولم تدخر العائلة جهدا للإشعاره بأنه فى وطنه
كان الجميع يتعامل معه بلطف وحنان من أول السيدة الطيبة زوجة محمد التى كانت تمرضه وترعاه ...ومالك الظريف الذى كان يحاول التخفيف عنه بكل وسيلة, الى زهرة الرقيقة التى كانت تسأل عنه من وقت لآخر...
حتى الصغير خالد ..كان يحبه
لكن عمر كان لديه شعور دائم بالغضب والتمرد تزداد حدته ويظهر جليا كلما رأى خاله محمد أو احتك به
دخل عمر حجرة المعيشه بخطوات ملوله بطيئه ..فوجد العائلة كلها هناك..
الأب والأم والصغيران يشاهدون التلفاز, ومالك يجلس الى منضدة فى أحد أركان الحجرة يستذكر دروسه, وزهرة تجلس فى الركن الآخر تقرأ
اتجه عمر الى المنضدة التى يجلس اليها مالك وجلس على مقعد أمامه
مالك : مرحبا عمر ...سأنهى دروسى وأخلو اليك حالا...
كيف حال أنفك؟؟
عمر بغيظ : اسأل أبوك...ياااااااااسااااااتر ...ايه ده ؟؟
تصدق بالله ...
أنا كلت علق بعدد شعر راسى, وانضربت كتير وقليل ...
الا أبوك ..ده عليه ايد.. مرزبه!
شايلها ازاى ده ؟
يبتسم مالك وهو يقول بمرحه المعتاد : أبى مجاهد, ويجيد فنون القتال
يزفر عمر بضيق وملل : اف ..ايه ده ...
معندكوش هنا حاجه نتسلى بيها؟
مالك بمرح : اطلب أى شئ تريده
عمر بصوت خافت : معاك سيجاره ؟
مالك بدهشه : ماذا؟؟
عمر : سيجاره
مالك يبلع ريقه ويقول بصوت منخفض هو الآخر : لا...لا أحد هنا يدخن السجائر
عمر بتأفف : طب مفيش كوتشينه؟؟
مالك : ماذا قلت ؟؟...
لا أستطيع فهم أغلب كلماتك
عمر بضيق : يابنى هو أنا بتكلم عبرى؟؟
كوتشينه يابنى ..كوتشينه...ورق ...ورق..
مالك يهز رأسه بفهم : نعم ...فهمت ..
لا ...لاأحد هنا يلعب الورق
عمر : ياساتر ...انتوا عايشين ازاى!
مالك يبتسم : انتظر حتى أنهى ما فى يدى وسأجد ما يسلينا
يسند عمر مرفقه الى المنضدة ويريح خده على كف يده ويتثاءب بكسل ملول حتى تقع عينه على زهرة وهى تنهض من مكانها وتتجه الى المكتبة الكبيرة فى آخر الحجرة لتبحث عن كتاب
تطاردها عيناه ويستدير وجهه خلفها
فجأه ينهض مالك ويرتكز بمرفقيه الى المنضدة ويميل بجزعه ويقترب من عمر ويمسك وجهه بين أصابعه وينظر فى عينيه مباشرة وهو يقول بابتسامة مفتعلة : كن حذرا ..بعض أنواع التسليه قد تكون خطيرة ومؤلمة للغاية
يشيح عمر بيده : خلاص ياعم آسف, انت هاتعلق لى المشنقة؟
مالك ببساطه : فقط أحببت أن أنبهك ..فزهرة ليست فتاة عادية
ستفهم ذلك فيما بعد
عمر بلهجة معتذرة : ماشى يا عم.مسموح بالكلام ولا ده كمان ممنوع؟؟
يعود مالك الى مرحه : ولم لا ..انها أختك كما هى أختى
ينهض عمر ببطء وينظر حوله ثم يتجه الى المنضدة التى تجلس اليها زهرة التى شعرت به فرفعت عينيها من الكتاب وهى تقول بود وابتسامة هادئة على شفتيها : مرحبا عمر ...كيف حالك؟
عمر يجلس الى المنضدة وينظر للكتاب الذى بين يديها: الحمد لله....
ايه ده؟؟...كل ده كتااااااااب؟

انتى بتذاكرى ولا حد بينتقم منك؟؟
تبسمت ضاحكة : لا لقد أنهيت دروسى منذ قليل
عمر بدهشة : : أمال بتعملى ايه بالكتاب ده؟؟
زهرة : هذا كتاب تاريخ .....
عمر بعجب : بتقرى ده كله؟؟
زهرة : لا....بل أحفظه
عمر بذهول : ليه ؟؟ مين اللى بيعذبك كده؟؟
يشير بابهامه خلفه بتساؤل دون أن يتكلم
زهرة ضاحكة : لا ...ليس هو ...
بل أنا التى أريد ذلك ....أريد أن أشارك فى حفظ تاريخ هذا البلد
عمر ببلاهه : مش فاهم ؟؟ يعنى ايه تحفظى كتاب عشروميت صفحه؟..
ايه اللى يزنقك على كده ؟؟
زهرة بهدوء : لقد قاربت على الإنتهاء من حفظ ربعه
الأمر ليس صعبا كما تتصور ....
هذا ان أردت أن تفعله
عمر : : ماشى....لكن مش هو مكتوب فى الكتاب؟ والكتاب فى المكتبة؟
بتحفظيه ليه؟؟
زهرة : حتى أساعد فى انقاذه عندما يتكرر ما حدث فى الماضى
.................................................. ..
انهم يحرقونها........
قال القائد بألم شديد وهو ينظر هناك بعيدا من خلال المنظار المكبر
ترك المنظار وجلس مستندا الى صخرة وارتسم على وجهه الغضب ممزوجا بالألم وردد ثانية : انهم يحرقونها....يحرقونها...
أحمد بغضب : أصبحوا كالكلاب المسعورة منذ اختطفنا جنرالهم
جوهر : هزيمتهم الفادحة فى معركة دبيورت أشعلت جنونهم لقد قتل منهم أكثر من 800 خلاف الآليات والأسلحه التى غنمناها منهم لهذا يصبون حقدهم وغضبهم على جروزنى
القائد : سيدمرونها عن آخرها ان لم نتصرف بسرعه
يحرقونها أو يدمرونها ....انها لا تهمهم فى شئ
جوهر بهدوء : سوف يتوقفون قريبا ...
القائد بغضب : لا لن يتوقفوا الا عندما ترتوى نزعتهم الساديه لن أقف مكتوف الأيدى وأتركها تحترق
لن أتركهم يدمرونها
أبلغ بقية الكتيبة بالإستعداد ...
ارتسمت فى عينيه نظره مرعبه وهو يكمل :
سيكون الرد مزلزلا
.................................................. ...........
مش فاااااهم ...قالها عمر بضجر شديد
مالى أنا ومال ايفان الرهيب والشيخ منصور ولا شامل ده كمان
تنهدت زهرة وفكرت قليلا ثم قالت : حسنا سأحاول أن أشرح لك بطريقه مختلفة
نحّت الكتاب جانبا وأحضرت من المكتبه رقعة شطرنج رصت عليها القطع بطريقة معينه وعمر يراقبها باهتمام شديد, وبعد قليل انضم اليهما مالك بعد أن أنهى ما فى يده وأخذ يستمع لزهرة بشغف
زهرة : القطع البيضاء الكثيرة تمثل روسيا ..والسوداء تمثل المقاومة الشيشانية وهى على الرغم من قلتها العدديه أمام الأسلحه والإمكانيات الروسية الا أنها لم تهدأ أبدا فى أى فترة من الفترات على مدار التاريخ
قدمت قطعة سوداء للأمام وهى تقول : (الشيخ منصور أوشورما وحد العشائر الشيشانيه
)جمعت بيديها القطع السوداء كلها معا(
وأعلن الجهاد ضد الروس...لكنه هزم فى معركة نهر السونجا واعتقل ومات فى السجن عام 1793 )*
)أسقطت القطعه السوداء ثم أزاحتها من الرقعه وقدمت قطعه أخرى(
ثم ظهر الإمام شامل وأسس دولة اسلامية فى الشيشان وداغستان معا (رسمت دائره وهميه بإصبعها حول القطع السوداء(
وهو من أعظم العلماء المسلمين المجاهدين الذين نعتز بتاريخهم
ألتفت حوله قبائل الشراكسة والشيشان , وكل علماء القوقاز والتركستان ,وقاد حرب أستنزاف فى شعاب المنطقة ووديانها وجبالها أستمرت ثلاثين سنة وإستنزفت قوا إثنين من القياصرة هما نيقولا الأول (1825 –1855 م)(وألكسندر الثانى 1855 –1881م)
لكنها انتهت بهزيمة المقاومة عام 1864 م ووقع الشيخ المجاهد فى الأسر
)أسقطت القطعه الثانيه وازاحتها خارج الرقعة)
عمر بدهشة : ومات فى السجن ؟؟
زهرة بجدية : لا...بل أعدم ....
وتعتبر هذة الثورة الإسلامية أعظم ثورة فى تاريخ صراعنا مع روسيا القيصرية
لكنها للأسف لم تمتد طويلا فالصراع دائما كان بين شعب ضعيف الإمكانيات وإمبراطورية تملك إمكانيات كبيرة وتتلقى الدعم من القوى المجاورة ..
وبعدها بخمس سنوات فقط قام الروس بقتل 4000 شيشانى فى منطقة سالى محاولين اخماد الإنتفاضه ...
لكن الإنتفاضه لم تهدأ أبدا
وعندما ظهر الحاج أذن(قدمت قطعه جديدة) لم تمض ثمانى سنوات حتى أعلن امارة شمال القوقاز
ولكن فى عام 1925 تم سحق الإنتفاضة وأعلنوا الحرب على الشيشان واتهموهم بالإرهاب والتمرد
عمر بسخريه مريره : بقى كل ده وماكانوش لسه أعلنوا الحرب؟؟!!
زهرة : عام, 1944م أسس ستالين جمهورية الشيشان ذات الحكم الذاتى
ولكنه فى عام 1945 غدر بهم, وقامت قواته بابعاد ونفى قرابة مليون مسلم من ست جنسيات مختلفه الى سيبريا وكان نصفهم من الشيشان وداغستان
عمر بدهشة شديدة : ياااااااربنا!! مليون!!ونقلوهم ازاى دول؟
تغيرت لهجة زهرة وظهر الحزن عميقا فى صوتها :
كانوا ...كانوا يقومون بشحن المواطنين داخل عربات الشحن بالسكك الحديديه كالبهائم....
لم يرحموا المرضى ولا العجزه كبار السن
وترك المبعدون خلفهم كل ما يملكون من متاع وأغراض وأراض لتكون غنيمه للمستوطنين الروس القادمين الى الشيشان
ليس هذا وحسب... لقد مات نصف عدد المبعدين فى الطريق من وباء التيفوس نتيجة الإزدحام الرهيب فى عربات الشحن ..
كما مات آخرون فى معسكرات العمل فى كازاخستان
تلك الفترة كانت من أشد الفترات التى مرت علينا قسوة
نظر عمر حوله فوجد العائلة كلها قد التفت حول المائدة تستمع لزهرة وهى تحكى بأسلوبها الجذاب الشيق : وعاد الشيشانيون الى بلدهم عام 1957 ليجدوا أرضهم أصبحت ملكا لسكان جدد شكلوا ربع عدد سكان الشيشان .
تنهد عمر بعمق وهز رأسه غير مصدق : علشان كده بتحفظى التاريخ؟

زهرة : ليس هذا فحسب ..أنا أريد أن أكون من حراس التاريخ
الروس يحاولون باستماته طمس تاريخنا ومحو هويتنا( ففى حرب القوقاز الأولى قاموا بإلقاء كل المخطوطات فى بحيرة (كازن ـ ام) لكن الإمام شامل الكبير أمر كل كبار رجال العشائر بإعادة كتابة التاريخ وكل ما حدث حتى يورث للأجيال
ثم حاولوها ثانية أثناء حملة الإبعاد لكننا أنقذنا مخطوطاتنا بأعجوبه
ولن يكفوا عن ذلك ...سوف يعودون مرة بعد مرة ..لهذا لابد أن نستعد لهم...علينا أن نحافظ على تاريخنا بأرواحنا فهو الكنز الثمين الذى نورثه لأبناءنا وأحفادنا من بعدنا.ولن ندعهم يسلبونه منهم
أسند عمر ظهره الى المقعد وهو يتأمل رقعة الشطرنج بتفكير : رموا الكتب فى البحر ؟؟ الروس ولا التتار؟؟
ابتسمت زهرة وقالت : أظنك الآن قد بدأت تفهم
.................................................. ..
يتبع.............................
(5)
فى صباح يوم مشرق جميل خرج عمر الى الفناء على صوت مالك الشجى وهو يغنى وهو يقطع الأخشاب
في ليلة مولد الذئب خرجنا إلي الدنـــــيا
وعند زئير الأسد في الصباح سمونا بأسمائــنا
وعندما شاهده مالك, قطع أغنيته وحياه بحرارة..
اقترب منه عمر وقال : بتعمل ايه؟؟
مالك : أقطع الأخشاب واجهزها لأضعها فى المخزن للشتاء القادم
عمر بدهشه : ليه يابنى كده ...انت غاوى شقا؟؟
ماانتوا عندكوا ولا 60 دفايه جوه, اللى بالكهربا واللى بالغاز
مالك : اننا نفعل هذا كل عام .تحسبا لأى هجوم مباغت من الروس
عمر : يادى النيله..
أنا كان ايه اللى رمانى الرميه السوده دى
مالك يضحك من كلماته ويقول ببساطة : ان أول ما يقذفونه, هو شبكات الغاز والكهرباء والماء ليصيبوا الحياه فى البلاد بالشلل
ويتركونا نعانى من البرد ونقص الماء والكهرباء
عمر بضيق: ياساتر ....عاوزين يعذبوكوا!
قال مالك بمنتهى الثقة وعلى وجهه ابتسامة واسعة:
لا.................
بل يريدون ابادتنا
لم يعلق عمر ...لكن أثر الصدمة ظهر واضحاعلى وجهه
مالك بمرح : تريد أن تجرب ؟
اقترب عمر منه وامسك بآلة تقطيع الأخشاب وحاول أن يقلد مالك لكنه لم يكن بمثل مهارته ..فأخفق مرتين
ضحك مالك بمرح وبدأ يعلمه كيف يقطع الأخشاب وقضيا وقت ممتع معا يحوطهما الود والمرح الذى كان يضفيه مالك بشخصيته المرحه اللذيذة
وبعد أن انتهيا ..إتجه مالك الى المخزن ليضع فيه الأخشاب ...
أما عمر فقد جلس فى الفناء يتأمل الباب الخارجى ورأسه يمتلئ بأفكار كثيرة
(أعلم تماما ما يدور برأسك..)
انتفض عمر عندما سمع الصوت الآتى من خلفه
محمد : مهما حاولت ..لن تستطيع الهرب
تقدم محمد وجلس بجانبه
عمر بضيق ساخر: ماكنتش عارف انى معتقل هنا
محمد بهدوء : على العكس ..أنت حر تماما, وتستطيع الذهاب الى أى مكان فى أى وقت ...
ولكن....
خذ حذرك ..فالجو متوتر جدا هذه الأيام ولن يسرنى أن يعتقد الناس أن أحد أفراد عائلتى خائن أو جبان
ولن أستطيع الدفاع عنك اذا ما قرروا شنقك
جحظت عينا عمر ووضع يده حول عنقه وهو يبتلع ريقه بصعوبه
أكمل محمد بهدوء وهو يمد يده اليه بمفاتيح السيارة : اذا أردت الخروج فمن الأفضل أن تأخذ السيارة..هل تجيد القياده؟
أطبق عمر يده على المفاتيح وهو يهز رأسه بالإيجاب, وعيناه تتأملان محمد بمزيج من الدهشة والتحدى فى آن واحد
قال محمد وهو ينهض : احرص على ألا يضيع منك الطريق
تركه ودخل الى المنزل
وظل عمر جالس يفكر فى كلماته لبعض الوقت
ثم نهض واتجه الى السيارة وفتح بابها
عــــمـــــــر...
التفت خلفه فوجد مالك وزهرة قادمان من المنزل
مالك : هل ستخرج بالسياة ؟
هز رأسه بالإيجاب, فأكمل مالك : هلا أوصلتنا فى طريقك الى السوق ؟ تحتاج أمى لبعض المشتروات
وصلت السيارة الى السوق ونزل منها مالك وزهرة
مالك : يمكنك الذهاب الى غايتك, سنتدبرنحن أمر العودة
عمر : أنا ماكنتش رايح فى حته, هالف شويه أتفرج على السوق ونتقابل عند العربيه
افترق الثلاثه ...وسار عمر متمهلا واقترب من أحد البائعين يلتف حوله الناس, وأخذ يتأمل البضائع المعروضة لكنه مال على البضائع فأسقط بعضها وأخذ يلملم ما سقط بسرعه وارتباك وهو يعتذر للبائع الذى وقف بجواره يلملم بضاعته وهو لا يفهم شيئا مما يقوله عمر
سار عمر فى طريقه وعندما ابتعد عن البائع, وضع يده فى جيبه واطمأن على ما فيه وهو يبتسم بخبث : حلو...كلها 6 ,7 محافظ متختخه زى دى, ونرجع على بلدنا...آل عمرديساروف آل
سار يصفر ويدندن :
وانا كل ماجول التوبه يا بويا..ترمينى الماجادير ياعين
عـــــــــمـــــــــــروف..
التفت خلفه, فوجد زهرة تناديه من بعيد
وعندما اقتربت منه, قالت ببساطة وهى تبتسم: أعطنى الحافظة التى وجدتها
عمر بارتباك : نعم؟؟أنهى حا ..حافظه؟
زهرة : لقد رأيتك وانت تلتقطها........
من الأرض
قالت الكلمه الأخيره بلهجه ذات مغذى خاص
نظر اليها لحظات بصمت ثم ضحك بمرح مفتعل وقال : آآآآآآه
شوف ازاى..دانا كنت لسه هادورعلى صاحبها علشان أرجعهاله
قالت ببساطه وهى تبتسم : دع لى هذه المهمة
سأقوم أنا بها حتى لا تقع فى مأزق
نظر اليها بدهشة واستنكار
فأكملت مفسرة : اللغة ...لن تستطيع التفاهم معهم
هز رأسه ساهما كما لو كان غير مقتنع بتبريرها وأعطاها الحافظة
فذهبت لتعيدها وعندما عادت اليه قالت : عمر ...ما رأيك أن أعلمك لغتنا حتى يكون سهل عليك أن تتفاهم مع من لا يتكلمون العربية
رد عمر بحماس وقد وجدها فرصة مثالية للإقتراب من تلك المخلوقة الملائكية الجميلة للغاية : مااااشى ...بس فيه حاجه أنا مستعجب لها !!
انتوا ازاى بتتكلموا عربى كده؟
زهرة وهى تسير بجواره : لا تتعجب ..لقد دخل الإسلام الشيشان قبل ألف عام عن طريق التجار العرب ونحن ...أهل هذه البلاد مستمسكون بإسلامنا
القوقازيون عامة فى مختلف الجمهوريات قوم يعتزون بسمتهم القوقازي...زيهم .عادتهم . لغتهم . الإنتماء إلى أرضهم , وحبهم الشديد للإسلام ,لكن وقوعهم تحت الإحتلال أكثر من أربعة قرون ونصف غيبهم كثيرا عن الإسلام , فى الوقت الذى نفذ فية المحتلون الروس فى العهد القيصرى والعهد الشيوعى خطة محكمة لمسخ هويتهم , وتذويبها وزرع العادات والأخلاق الذميمة فى الشباب , ومحاولة تفتيت وحدتهم بإشعال الفتن بينهم , واستغلوا تعددهم العرقى الذى يصل إلى 72 قومية
فهم أشبة بالقبائل و يتحدثون أكثر من احدى عشرة لغة ..
لكن الروس لم يتمكنوا من تحقيق ما أرادوا
فنحن نحاول قدر ما نستطيع الحفاظ على تقاليدنا وعاداتنا القوميه ولغتنا العربية ولهذا نسعى دائما الى غرس العادات والتقاليد الإسلامية فى نفوس أبناءنا ليشبوا رجالا ويحافظوا على هويتهم...
وهذا ما جعلنا نستطيع الصمود والمقاومه فى عصر ايفان الرهيب ..أول قياصرة روسيا
تنهدت بحسره وقالت : لقد مر علينا وقت كنا فيه لا نتكلم ولا نكتب الا العربيه....وذلك عندما أعلن الحاج أذن امارة شمال القوقاز و جعل اللغة العربيه هى اللغه الرسميه ..وتوعد بالعقاب كل من ينسى اللغة العربية
ونحن نسعى باستمرار لبناء المدارس التى تعلم الدين واللغة العربية...
ولا تنسى أن ابى تعلم فى الأزهر..
عمر بدهشة : يانهار أبيض ...ايه ده؟ دانتى موسوعه
زهرة باسمة : ظننتك ستشعر بالملل من حكاياتى ..
ففى بعض الأحيان أثرثر كالمذياع ..أظن ان هذا بسبب محاولاتى لحفظ كتب التاريخ فقد انطبع أسلوب الكتب حتى فى طريقة كلامى
عمر : بالعكس داأنت بتشرحى وتبسطى المعلومه ولا أجدعها مدرس تاريخ
زهرة : حقا, أتمنى أن أصبح معلمة للتاريخ فى مدرسة اسلامية
صمت عمر قليلا ثم عاد يسأل : بس فيه ناس كتير هنا مابيتكلموش عربى
زهرة : بالطبع ..نحن نحاول باستماته الحفاظ على اللغة العربيه جيل بعد جيل ولكن هذا لا يعنى أننا نفلح دائما......
ففى بعض الفترات ...يكون الإحتلال طاغيا ....وأول ما يفعله هو محاولة القضاء على الدين والهويه وأول خطوه لذلك هى القضاء على اللغة العربيه
تماما كما حدث ايام حملات الإبعاد....فعندما عاد المبعدون الى بلدهم ...وجدوا الروس قد أغلقوا 800 مسجد وأكثر من 400 مدرسه لتعليم الدين واللغة العربية ..وبعض المساجد حولوها الى مراقص يشربون فيها الخمر
وفرضوا اللغة الروسية كلغه رسميه للبلاد وجرموا أستخدام اللغة العربية و التعليم الإسلامى, بل وإقتناء المصاحف فضلا عن تجريم ممارسة الشعائر..واقتناء الكتب الإسلاميه
فمن كان يضبط لديه مصحف, كانوا يسجنونه
عمر بصدمه : ياخبر أبيض!! حتى المصحف؟
وطبعا ماكنتيش تقدرى تلبسى الحجاب
قالت مبتسمة : لم أكن وقتها قد ولدت بعد, لقد تحسنت الأحوال كثيرا عن الماضى
رفع حاجبيه, وهز رأسه كمن فهم أخيرا : آآآآه
طب وايه اللى حصل بعد كده؟
أضاء وجهها الجميل ابتسامة أمل : أتدرى.. ان ما حدث كان له أكبر الأثر فى تقوية الوازع الدينى لدى الناس...وعادوا لإستكمال التعليم الدينى بشكل أقوى عن طريق الحلقات والدروس الخاصه وفى الخفاء
عمر بسخريه مريره : الدنيا دى غريبه قوى ....
ناس مش عاوزه تتعلم حتى لو سقوها العلام بالمعلقة ..وناس بتدفع حياتها وتتسجن علشان تتعلم
زهرة بفخر: ان تاريخ هذه البلاد غنى جدا بالجهاد والنضال من أجل الحفاظ على ديننا وحريتنا.......... وكانت..............
توقفت زهرة عن السير وظهر على وجهها تعبير غريب
عمر : ايه ؟؟فيه ايه؟؟ وقفتى ليه؟؟
قالت زهرة بارتباك : لا...أدرى..؟؟ أظن... أظننى ..أشعر بشئ ما؟
عمر بتوتر: ايه ؟؟حصل حاجه؟؟
نظرت فجأه الى السماء, وصرخت صرخه رهيبه :
احــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذر
.................................................. .......
احــــــــــــــــــــذاااااااااااااااااار
انهم يضربون فوقنا مباشرة بالمروحيات
صاح جوهر وهو يجرى باحثا عن مكان يحتمى به من القصف الروسى الرهيب
هتف أحمد : أين القائد ؟؟؟...أنا لا أراه
هتف جوهر بدهشة : ماهذا ؟؟ ..ماذا يفعل ؟؟
هل فقد عقله...انه يسير فى منطقه مكشوفه تماما
عجبا ..ألا يخشى على حياته
أحمد وهو يلهث من الإنفعال : نصحناه كثيرا لكنه يرفض دوما تجنب القصف القريب ..وحتى اذا ما أصيب ...لا يظهر ألمه أبدا
لم أر أحد فى مثل تهوره
جوهر :انظر ؟؟ انه يواجه المروحيه بصدر عار ....ماذا يفعل ؟؟
لا ..لايمكن أن !!
صرخ بعنف : لاااااا ...سيقتلونه ..... سيقتلونه........
.................................................. ...
(6)
عندما صرخت زهرة...لم يتخيل عمر أبدا ما سيحدث بعدها
لقد سمع صوتا قويا مرعبا أصابه بالفزع .. وقف جامدا كالتمثال للحظات ..الا أن زهرة دفعته بيديها بقوة ليجرى ناجيا بحياته
فى اللحظات الأولى, لم يفهم ماذا حدث...
لكنه شاهد الناس يركضون مذعورين لا يعرفون الى أين يتجهون, منهم من يفر هربا بسيارته ومنهم من يختبئ يحسب أنه فى مكان آمن, وآخر يجمع بضاعته هربا من القصف, وفى لحظات خلا السوق من الناس...
وبينما عمر وزهره يركضان, سمعا صوتا ينادى عليهما
التفت عمر, فوجد مالك يجرى باتجاههما, وعندما وصل اليهما صرخ : بسرعة .....الى الملجأ...يجب أن نصل الى الملجأ
لكنه توقف عندما شاهد سيده عجوز كانت تبيع فى السوق ... تحاول أن تجمع بضاعتها وتجرها وراءها وهى تفر من السوق هربا من الموت ..الا أن قدميها الضعيفتان وكبر سنها يعوقها
التفت مالك الى زهرة وقال : خذى أنت عمر الى الملجأ, وأنا سأساعد تلك العجوز
انطلق يجرى ولم يدع لهما فرصة للإعتراض
قادت زهرة عمر الى الملجأ الآمن من القصف ..
جلس عمر بجانب الحائط وهو فى حالة ذهول مما يحدث حوله
لم يشعر بمثل هذا الرعب فى حياته من قبل
وكان كل دقيقة ينظر الى زهرة الجالسه فى ثبات وهى تتمتم بآيات القرآن والأدعيه وكأنه يحاول أن يستمد منها الأمان
بعد مدة ليست بالقليلة, هدأت الأصوات الرهيبة, وانتهى القصف..
وخرج عمر وزهره من الملجأ, ومع أول خطوة ...ارتد عمر للوراء بصدمه من هول ما رأى ....
البيوت والمحال مهدمة والقتلى والجرحى فى كل مكان....
تقدم عمر ببطء وهو ينظر حوله بذهول تام .....
فجأه ............
انتفض بشدة واقشعر بدنه, وتسمر فى مكانه عندما وقعت عينه على جثة البائع الذى كان قد سرق حافظته منذ أقل من الساعه
كان الرجل ممددا على الأرض جثة هامدة ...وملقاة بجانبه حافظة نقوده التى ردتها اليه زهرة مفتوحه, والمال يخرج منها
لم يعرف ماذا يفعل ...لقد شل تفكيره وتجمدت مشاعره ...كان هذا الموقف من أقسى المواقف التى قابلها فى حياته
عـــــــمــــــــــــــــــر ..عــــــــــــمــــــــــــر..ساعدنى
افاق على صوت زهرة .. التفت اليها فوجدها منحنية على الأرض تحاول اسعاف صبى صغير ينزف بغزارة
حمل معها الصبى واتجها الى حيث تركا السيارة ...
تعجب عمر فالسيارة كانت سليمة على عكس ما كان يتوقع
اتجها بسرعه لمستشفى الأطفال ....
وهناك...
أخذ منهما الطفل أحد الأطباء, وكانت المستشفى كخلية نحل كبيرة
الكل يجرى ..
وبدأ الجرحى بالتوافد بكثرة, لدرجة أن الأسرة لم تكفى لكل المصابين, فاضطروا لوضع بعضهم على الأرض
وكان عمر من آن لآخر ينظر الى زهرة ويتعجب من قوة ثباتها و تماسكها فى مواجهة هذا الموقف الرهيب ...
لم تجزع, ولم تبكى
بل كانت تجرى فى أرجاء المستشفى تساعد الممرضات, وعندما طلب الأطباء متبرعين لنقل الدم...كانت أول المتبرعات, عندها هب عمربدلا منها
كان هناك نقص كبير فى الأدوية والأطباء, وأعداد المصابين فى تزايد مستمر, حتى أن بعضهم كان يموت قبل أن يستطيع الأطباء اسعافه...
طلبت زهرة من عمر مرافقتها لشراء الأدوية التى طلبها الأطباء من خارج المستشفى
وفى السياره ..كان رأس عمر يدور فيه سؤال لا يستطيع الخروج على لسانه ......
أين مالك؟
هل..........؟
.................................................. ..........
الـــــــــــــلـــــــــــه أكـــــــــــــبـــــــــر
الــــــــــــلـــــــــــه أكــــــــــــــبـــــــــر
هتف المجاهدون بسعادة بالغة
والتفت جوهر الى أحمد وصرخ باعجاب :
فعلها الذئب.....فعلها البطل .....أسقطها بضربة واحدة
التف المجاهدون حول القائد الذى وقف ثابتا ووجهه خالى من أى تعبير والمجاهدون يهنئونه بسعادة وهو شارد كعادته لا يرد الا بكلمة واحدة ....الحمد لله
كان عقله يسترجع تفاصيل ما حدث...
عندما بدأ القصف الرهيب بالمروحيات والصواريخ
سارالى منطقه مكشوفة, وهو يحمل فوق كتفه مدفع من طرازr. B . G ...رآه قائد احدى المروحيات وحيدا, فظنه صيد سهل
مال بالمروحية مقتربا منه ...لكن الذئب لم يتحرك أبدا بل نزل على احدى ركبتيه وبمنتهى الصبر والثبات أخذ يضبط مدفعه على كتفه وقائد المروحية يقترب وهو يضحك من ذلك المجنون المتهور الذى يواجه مروحية وهو راكع على احدى ركبتيه...
فهو حتما لن يستطيع اصابة مروحية حربية تناور فى الهواء
صوب الطيار سلاحها الى الذئب وهم بالضغط على الزر ....
لكن الذئب كان الأسبق .....
أطلق مدفعه بمنتهى الثقة والثبات وفجر الطائرة الى قطع صغيرة أمام أعين الجميع
مما جعل باقى المروحيات تهرب ظنا منهم أنه كمين
افاق القائد من شروده على أصوات زملائه وهم يهنئونه
ولكنه أنهى الموقف بجملة واحده : وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى
استعدوا ..
لقد كشف العدو موقعنا, وسنضطر الى تغييره
.................................................. ...............
يتبع......................
ألقى عمر برأسه المثقل بالهموم والآلام على وسادته بعد عودته الى المنزل بعد أن انتهى أشد وأقسى يوم مر به فى حياته...
أخذ يحدق فى السقف وهو يشعر بألم الدنيا يجثم فوق صدره
ترك لدموعه العنان عندما اطمئن أنه وحيد و بعد أن ظلت دموعه حبيسة طوال اليوم ..
شيئا فشيئا تحولت قطرات الدموع الى أنهار, وتحول البكاء الى نحيب ...
لم يدرى كم مر عليه وهو يبكى, حتى أطرقت يد حانيه على كتفه, وسمع صوت مالك الحنون : عمر ...اهدأ يا عمر ...ما بك؟؟
كان مالك قد عاد الى المنزل فى وقت متأخربعد عودة عمر وزهرة بمدة طويلة كاد فيها القلق عليه يقتل كل من فى المنزل ..
خاصة أمه
وعندما سألوه أين كان, أجاب : كنت أساعد فى نقل الجرحى الى المستشفى العسكرى...
أما الأب محمد, فقد ترك البيت منذ الغارة الروسية, ولم يعد
التفت عمر الى مالك وقال وهو يبكى وقال بكلمات متقطعة : أنا ...أنا ..مش عاوز أفضل هنا ..أنا عاوز أرجع مصر ...أنا لازم أمشى ...مكانى مش هنا...
مالك بتعاطف : اهدأ يا عمر, لقد مر كل شئ بسلام...
تريد أن تتركنا بعد أن أحببناك؟ لقد كنت أعتبرك صديقى
عمر : مالك ...خرجنى من هنا, لو بتحبنى صحيح خرجنى من هنا
أنا مش عاوز أموت ...عاوز أرجع على مصر..
ساعدنى ..لو صاحبى صحيح ساعدنى
مالك يفكر قليلا : ولكنى لا أعرف كيف أساعدك؟
عمر : فلوس ...عاوز فلوس ..علشان أقدر أرجع مصر
مالك يظهر على وجهه الإحباط الشديد : ليتنى أستطيع مساعدتك فما لدينا من مال لن يكفى لإعادتك الى مصر
عمر : ايه ؟؟ بس انتوا مش فقرا. وبعدين..طب ما أبوك راح مصر
قبل كده ...اشمعنى دلوقتى؟؟
مالك بتردد : لا أدرى ماذا أقول ...ولكن ..سأخبرك ...
منذ أن أعلن الرئيس الراحل جوهر دوداييف استقلال البلاد عن روسيا لأول مرة عام 1994 وهم يشنون علينا حربا شعواء لم تتوقف الى الآن, استنزفتنا استنزافا
وكلما دحرناهم ورفعنا راية الإستقلال, عادوا من جديد, حدث ذلك مرات عديدة
وكلما أخرجناهم من أرضنا, وعقدنا معهم الإتفاقيات والعهود بعدم الإعتداء, الا أنهم يخرقون بنود الإتفاقيه ويغيرون علينا من وقت لآخر كما رأيت اليوم...
لم يعترفوا أبدا باستقلالنا ويحاولون باستمراراغتيال قادة الجهاد والزعماء الذين يختارهم الشعب بالإنتخابات الحرة
ويحاولون باستمرار فرض حكام خونه موالين للحكومة الروسية مثلما اغتالوا الرئيس الشيشانى السابق سليم خان بندرباييف. وغيره كثير
وهم لا يسمحون لنا بفتح مطار العاصمة, ويمنعونا من التعامل مع العالم الخارجى حتى لا نتصرف فى مواردنا الطبيعيه من نفط وغاز
عمر بضجر شديد : ياعم أنا مالى ومال الكلام ده
قاعد تبرم فى دماغى من الصبح بكلام مش فاهمه!
أنا عاوز فلوس أرجع بيها على مصر
مالك : هذا ما أحاول أن أخبرك به, البلد كلها فى حالة ارتباك اقتصادى ..وما معنا من مال لن يكفى لإعادتك الى مصر
صمت قليلا ثم قال بعد تردد : لقد صرف أبى كل ماله لإحضارك الى هنا ..
وليس هذا فحسب, لقد باع أرضنا واستدان ليدبر مصاريف رحلة الذهاب والعوده
قد ترى تصرفه غريبا....
لكنه شيشانى........
لهذا يقول الشيشانيون (من الصعب أن تكون رجلا شيشانيا لما فى ذلك من أعباء يجب على الرجال تحملها)
ان أبى يضع مبادئه وعقيدته قبل نفسه وعائلته...
عمر بذهول : ليه؟ بيعمل كل ده ليه؟
وهو لا عمره شافنى ولا يعرفنى؟؟
مالك : ألم تدرك بعد ؟
لأنك ابن أخته وأعز أصدقاءه وليس هذا فحسب ..
والدك أحد أبناء عمومتنا...
لهذا لم يكن أبى ليتركك بعيدا عنا, فأنت أحد أفراد هذه العائله
عمر بدهشة : طب وانتوا.......
ازاى سبتوه يبيع أرضكوا؟؟
مالك وهو يبتسم ابتسامته الودودة البشوشه: سألنا فردا فردا .. حتى خالد الصغير ..وأجمعنا كلنا على ضرورة احضارك الى هنا لتعيش معنا
صمت عمر تماما ولم يستطع أن يرد, كانت الدهشه تملأه من هذه العائلة الغريبة التى تضحى بمالها وتستدين من أجل شخص لاتعرفه ولم تره من قبل
مالك : فيم تفكر؟
عمر بيأس : أمى وحشتنى قوى
مالك متسائلا : أمك خديجة؟
عمر : أمى فتحية..أمى اللى ربتنى
زمانها دلوقتى عامله عمايلها وقالبه البيت محزنه
أصلها حنينه قوى
أدرك عمر أخيرا أن عودته الى مصر ستتأجل الى ماشاء الله
هذا اذا ما استطاع تدبير المال اللازم لرحلة العوده
مالك بود خالص : عمر ..لقد أحببتك كثيرا وأعتبرك صديقى ...
تنهد بأسى وهو يكمل : منذ استشهاد أخواى وأنا أشعر بوحدة رهيبة, لم يزيلها سوى وجودك..
أحتاج لمن أتحدث معه ويسمعنى, لقد تغيرأبى كثيرا ولم يعد لديه وقت ليسمعنى
قال عمر بدهشة بعد ان استطاع مالك اخراجه من حالة الإنهيار التى اجتاحته :
هو انت كان ليك أخين ماتوا؟؟
هز مالك رأسه بالإيجاب وهو يقول : خالد وشامل استشهدا أثناء الاجتياح الروسى للشيشان, و قام أبى بدفنهما فى مقابر الأسرة, بجوار أمى
.................................................. .......................

قفز عمرجالسا على الفراش وقال بدهشة عارمه : ايه ؟؟أمك ؟؟
هى مش اللى جوه دى أمك ؟؟
مالك : لا ..انها زوجة أبى, تزوجها بعد موت أمى
لقد استشهدت أمى فى غارة مشابهه كالتى رأيتها اليوم
عمر بذهول : حاجه غريبه؟؟ بس دى بتحبكوا قوى
دى كانت هاتتجنن عليك لما انت اتأخرت
مالك : بالطبع ..وأنا وزهرة نحبها كثيرا, فهى فى مكانة أمى
عمر ومازالت الدهشه تلفه : وأبوك برده هو اللى دفنها؟؟
مالك : نعم ........دعك من هذا الآن, أريد أن أريك شيئا
نهض مالك من على فراش عمر واتجه الى فراشه وأخرج من تحته صندوق كبير, أخرج منه مجموعة لوحات قربها من عمر وقال : انظر ...ما رأيك ؟؟ هل تعجبك؟؟
تأمل عمر اللوحات المرسومه وقال : انت اللى رسمتها؟
مالك بابتسامة واسعة : نعم ...هل هى جميلة؟
عمر بدهشة وهو يتأمل فى اللوحات ويقلب فيها : دى بيوت!! حلوه..بس شكلها غريب شويه
مالك يعود بظهره الى الوراء ويعقد كفيه خلف رأسه مستندا الى ظهرالفراش بجانب عمر وعينيه تسافران بعيدا وابتسامة حالمة تملأ وجهه : يوما ما ....سيكون لدىّ شركة معمارية كبيرة.. وسأقوم بتصميم بيوت ستحدث انقلابا فى الطراز المعمارى فى القوقازبأكمله
هتف عمر وهو ينظر اليه بدهشة : الله يخرب بيتك ...دانتوا عيله عاوزه المرستان..
انت مش داريان احنا كنا فين النهارده؟؟
وسط الموت, بين الجثث والأنقاض
وانت بتحلم انك تبنى بيوت
ابنى يا خويا ابنى ...
وبصاروخ واحد يطربقوهالك على اللى فيها
مالك ببساطه شديدة : يدمروها ..وسأبنى غيرها
عمر : ياساتر عليك ...دانت كلح ..ايه يله البرود اللى انت فيه ده؟
اعتدل مالك وقال بحماس : أنت لا تفهم ..فعندما أصمم بيتا أكون معجبا به ولكن بعد فترة أمله, وأصمم أجمل منه, فأنا أعشق التجديد ..
وعندما أستطيع أن أحول تلك الرسومات الى حقيقة ستكون فرصة حقيقية لإثبات فنى ومهارتى فى التجديد والإبتكار
عمر : ياعينى عالفلسفه..
ودا ايه ده كمان ؟؟ ده جامع ؟؟
ايه ده؟؟ انت عامل له صحن ؟
مالك : نعم ...يذهلنى كثيرا الطراز القديم فى المساجد ..وخاصة المساجد المصريه ذات السقف المكشوف ..
من أروع الأشياء أن يصلى الإنسان تحت النجوم, وضوء القمر الهادئ الرقيق يتسلل الى قلبه, يملأه نورا ...
واذا ما أحب الجلوس فى المسجد للإعتكاف والتأمل, يقلب وجهه فى السماء يتفكر فى خلق الله...
بحث فى الصندوق ثانية وأخرج منه كتيب صغير وقال لعمر : انظر ..لدى كتاب هنا عن المساجد المصريه, فيه صورة لمسجد عمرو بن العاص
ومسجد طولون ...انه رائع . له مئذنة بسلم خارجى, تصميمه المعمارى مذهل حقا..
ومسجد محمد على شديد الروعه
عمر بضجر: ياعم مانا عارف كل ده...وعايش طول عمرىوسط الحاجات دى ..بس المساجد دى كلها ليها صحن ..يعنى مكشوفه ..ودى بقى ماتنفعش عندكوا هنا وسط السقعه والتلج
مالك بحماس : وهذا هو التحدى الحقيقى أن آخذ الفكره وأطورها وأبتكر فيها وأجعلها تتناسب مع بيئتنا...
أتعلم؟؟..فكرت أن أغطيها بقبة زجاجية
عمر : والله انت مجنون وهاتجننى معاك بقى بتحلم انك تبنى مساجد والبلد فى حرب؟؟
مالك وهو يشرد بعيدا ويقول بعزم : يوما ما ...سأبتكر أحجارا من مادة مضادة للقنابل والصواريخ, وتتحمل أقسى الظروف ..
سأبنى بها المساجد, فأول شئ يستهدفونه
المساجد.....
نظرعمرالى مالك بصمت وذهول وهو يفكر فى شخصيته العجيبه التى تتحدى الدمار والموت بكل هذا الأمل والتفاؤل
.................................................. ...........
(7)
أخيرا..........
عاد محمد الى أسرته وبيته بعد عدة أشهر قضاها فى معسكرات المجاهدين ...
نظر محمد الى مالك وزهرة وعمر وكأنما يراهم لأول مرة ..
لم يكن يصدق حقا أنهم نجوا من تلك المذبحة الرهيبة فى العاصمة
لقد أطلقت القوات الروسية صواريخ بعيدة المدى وقصفت الطائرات بقذائفها على المدنيين فى الشوارع والأسواق
وكانت الصواريخ تستهدف البيوت والمناطق المحيطة بالمستشفيات ..
وقتل من جراء هذا القصف مائة من المدنيين, وجرح مائتان بعضهم مات لخطورة الإصابه وقلة الدواء..ودمرت عشرات البيوت وعدة سيارات
((مذبحه تتكرر كثيرا))
ولقد اتجه محمد الى معسكرات المجاهدين فور علمه بالقصف وحتى قبل أن يطمئن على أولاده, ليدبر معهم طريقة للرد على تلك الضربة الروسيه الوحشية الغادرة التى انتهكت الإتفاقية والوعود الروسية بعدم الإعتداء
طوال مدة غياب محمد لم يكن عمر يعمل شئ سوى التفكير ....
التفكير فى كل ما يدورحوله
عجبا ...لقد ضبط نفسه يفكر..
لأول مره يفكر بهذه الطريقة وهذا العمق, لم تكن حياته السابقه تعتمد على التفكير, بل لم يكن لعقله أى دخل فى مسار حياته منذ ولادته, وكان يتعامل مع عقله وكأنه غير موجود, أو أنه عضو غير قابل للعمل, ويترك لجوارحه العمل دون أدنى تدخل من عقله
كانت شخصية محمد الغريبة تثير فضوله بشده وتدفعه دفعا للتفكير فيها حتى وهو بعيد.....
وبرغم حنقه الشديد عليه وغضبه منه
الا أنه كان ينظر اليه على أنه رجل عجيب أتى من زمن آخر ..
أو من عالم آخر...رجل يضحى بأى شئ وكل شئ بلا مقابل
والأم الصابرة التى لا تشكو أبدا برغم ثقل المسؤلية وضيق الحال على الجميع, وبرغم ترك زوجها لها لفترات طويلة..
لكنها تقف صامدة , تحمل البيت بلا كلل
تربى أبناءها وابناء زوجها بكل حب واخلاص ودون تفرقه
أما مالك..فهو يصيبه دوما بالجنون...
هو الوجه الآخر لشخصية والده, فهو عكسه تماما ..متفائل لأبعد الحدود ..ضحوك دائما, ينثر المرح فى كل مكان حوله ولايكف عن الغناء فى أى وقت ..
ويردد أغنية واحدة لا تفارقه أبدا ولا يغنى غيرها
وزهرة الرقيقة الهادئة...عجيبه أخرى من العجائب...
تحمل عقلا أكبر بكثير من سنوات عمرها, ولديها قدرة عجيبة للتأثير فى الآخرين واقناعهم
استطاعت اقناع عمر بتعلم اللغة الشيشانية وفى خلال عدة أشهر استطاع عمر اتقانها بشكل لا بأس به
وكذلك بعض كلمات من اللغة الروسية والتى كانت تتقنها زهرة بمهارة
وعندما انتهت الدراسة وبدأت العطله ..كان عمر يقضى معظم وقته بصحبة مالك وأصبح لدى زهرة المزيد من الوقت لتعلم عمر الكثير عن الشيشان وتاريخها
كان عمر يجلس شاردا عندما سألته زهرة : فيم تفكر؟؟
عمر: أبوكى ده غريب قوى..
زهرة : لماذا؟
عمر : والله مانا عارف..دا محارب ولا تاجر ولا امام جامع ولامدرس عربى؟
ابتسمت زهرة وقالت : انه كل هؤلاء..فهو فى الحرب مجاهد .. وعند الصلاة امام, وهو تاجر يكسب قوته من عمله بالتجارة, وهو معلم اللغة العربية لمن لا يعرفها
عمر : وازاى يمشى كده من غير مايقول هو رايح فين!
من غير حتى ما يطمن عليكوا
مالك ببساطته المعهوده وابتسامته البشوشه :
لقد اعتدنا ذلك .. فى المرة السابقه غادر دون أن يخبر أحدا .. وغاب عنا عام كامل... انه لا يتأخر أبدا عن الجهاد ..
أبى شجاع للغاية.. تربى فى أحضان الذئاب
عمر بدهشه : نعم ؟؟ يعنى ايه؟؟
يضحك مالك : انه تعبير دارج لدينا نقوله اذا ما أردنا أن نصف أحد ما بالشجاعة
أكمل بفخر : الشيشانيون مقاتلون أشداء أقوياء شجعان, ناهيك عن نبل أخلاقهم
عمر بيأس : وايه الفايده من دا كله ؟؟ هاتقدروا تغلبوا الروس؟؟ دول أقوى منكوا بكتير..مافيش حل للحرب دى الا انكوا تستسلموا
أطرقت زهرة تفكر بعمق ثم قالت : أفهم تماما ما تعنى...
نهضت من مكانها وأحضرت كتابا من المكتبة وقلبت فيه قليلا ثم فتحته على صفحة معينة وأدارته باتجاه عمر وقالت : أترى هذه الصورة ؟.انه علمنا ..انظر اليه جيدا

تأمل عمر الصورة باهتمام وهو يستمع الى زهرة وهى تقول : اللون الأخضر يرمز إلي الإسلام .
عمر بتساؤل : السلام؟
زهره تهز رأسها بالنفى وتقول مصححة : الإسلام
واللون الأبيض يرمز الى الشهادة واللون الأحمر يرمز الى كفاح الآباء والأجداد فى سبيل الحرية
وفى الوسط صورة الذئب ينظر الى القمر
أتعلم لم اخترنا الذئب رمزا لنا؟؟
هز عمر رأسه بالنفى ..فأكملت :
الذئب ليس أقوى الحيوانات, لكنه من وجهة نظرنا الأنبل..فهو لا يقاتل الا الأقوياء, وليس كالأسد والنمر الذى يفترس الضعفاء
لذلك, اذا ما أردنا وصف أحدهم بالشجاعة ..نطلق عليه ذئبا
بدا على وجهه عدم الإقتناع فقالت : مازلت لا تصدق ؟؟
هل تذكر ما قلته لك عن معسكرات الإبعاد الجماعى والسجون فى وسط آسيا؟؟
برغم قسوة الظروف وقتها وذل الأسر والنفى ..الا أن شيشانيا واحدا لم يستسلم ولم يخضع للحكم الروسى ..بل انهم كانوا يظهرون دائما عداءهم للروس بمنتهى الشجاعة..ليس هذا كلامى....بل كلام الكاتب الروسى سولجنستين الذى عاصر ما فعله ستالين بالشيشان في معسكرات الإبعاد الجماعي والسجون في وسط أسيا. لقد قال حرفيا (لك أن تكسر ظهورهم، لكن أحدا لا يستطيع أن ينال من روحهم المعنوية، فقد ظلت نفوسهم نمرا مقيدا بالسلاسل،لأنهم كانوا من الشيشان الذين لا يرهبون الموت)
تنهدت بعمق وأكملت بصوت هادئ لكنه يشتعل بالحماس والفخر : اننا قد نهزم ...لكننا لا نستسلم أبدا...فالحرية لدينا أغلى من الحياة
وخير شهادة, هى مايشهد بها الأعداء
صمت مالك وعمر تماما ليستمعا الى حديث زهرة الممتع
زهرة : (قرأت مرة عن مخطوط روسى شهير عمره أكثر من مائة وثمانين عاما وهو عبارة عن رسالة بعث بها الجنرال روس أرمولوف الى قيصر الكريملين ألكسندر الأول عام 1818 يبرر فيها سبب الخسائر الكبيرة للقوات الروسية ضد الشيشانيين .. ويتعهد بأنه سوف يبيدهم عن آخرهم ........
يقول فيها :
(( وأؤكد لكم يا فخامة القيصر العظيم أنه لن يرتاح لى بال طالما بقى شيشانى واحد على قيد الحياة..لأن هذا الشعب المشئوم بإمكانه تحريك روح الثورة واشعال شرارة الحرية حتى بين أكثر الناس تفانيا واخلاصا للإمبراطورية الروسيه وربما داخل الكريملين ذاته))
تنهدت وهى تقول بعزة : عمر ....نحن نؤمن تماما أننا سننتصر.. حتى لو لم نرى النصر بأعيننا فسيراه من بعدنا...
لكننا فى النهايه سننتصر
ظل عمر يحدق بها فترة كالتمثال, وكأن كلماتها الواثقة..قد اخترقته اختراقا
فى تلك اللحظه ...دخل عليهم خالد الصغير وقال : مالك ...عمر. أبى يريدكما
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

يتبع..........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جوجو
مشرفة قسم
مشرفة قسم
جوجو


الساغة الأن :
الاقامة : القاهره
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 5264
نقاط : 5612
تاريخ التسجيل : 10/06/2009

عوده الذئب ..................روايه طويله Empty
مُساهمةموضوع: رد: عوده الذئب ..................روايه طويله   عوده الذئب ..................روايه طويله Empty18th فبراير 2010, 10:03 pm

نعم......!!!!!!!!!!
هب عمر من مقعده صارخا بدهشة وغضب مقاطعا محمد
الجالس أمامه تماما : بقى انت جايبنى هنا عشان كده؟
عاوز تزود عدد جيشكم نفر!
عاوزنى أحارب معاكوا؟
دانا مدخلتش الجيش فى مصر, هادخله هنا!!
عاوزنى أموت؟
قال محمد وهو يحاول الإحتفاظ بهدوءه : ليس الأمر هكذا ...انه مجرد معسكر تدريبى للتدريب على فنون القتال واستعمال الأسلحه كما أنك لن تكون وحيدا...سيكون معك مالك...المفروض أن تفرح لأنك ستصبح رجلا...
عمر بانفعال وهو يشيح بيديه: لا لا الكلام الكبير ده مايجبش معايا أنا.....
أنا لا هاروح معسكرات, ولا هاتدرب, ولا هاحارب, ولا ليا دعوة بالموال ده كله
قال محمد وقد بدا الغضب واضحا فى صوته : أمازلت حقا لا تصدق أنك من أهل هذا البلد؟؟
قرب وجهه من وجه عمر وهو يقول بصرامه : أنت ذئب شيشانى ولا بد أن تعيش كالذئاب..
لايغرنك أننا الآن فى حالة هدوء نسبى مع الروس, ففى لحظة واحدة قد يتحول ذلك الهدوء الى جحيم مستعر
لقد بدأت تظهر نواياهم الخبيثة ومايبيتونه لنا
الم ترى بعينيك مافعلوه بنا ؟
هذه البلاد فى حالة حرب وكل أبناءها القادرين على حمل السلاح يجب أن يكونوا مستعدين للدفاع عنها فى أى وقت ثم أنك لن تحارب..انه معسكر تدريبى
ستذهب للتدريب على القتال ..لا الحرب
عمر وقد استشاط غضبا : لو كنت عارف من الأول انك جايبنى هنا عشان ترمينى فى الحرب ..ماكنتش جيت
اييييييه..انت عاوز منى ايه؟
عاوز تنتقم منى ليه؟ عملتلك ايه؟
.أنا مش هاحارب ...مش عاوز أموت... مش عاوز أموت...
قال محمد بصوت كالرعد والغضب يقطر من كلماته :
كن رجلا وتحدث كالرجال..أنا لا أفعل هذا بسبب عداء شخصى بينى وبينك فإبنى سيذهب قبلك...أنا أريد أن أصنع منك رجلا ... كل انسان هنا مسئول عن هذه الأرض ..فهى أمانة فى أعناقنا سيسألنا الله عنها ..لابد أن ندافع عنها حتى آخر قطرة دم فى عروقنا وحتى آخر رجل منا
عمر بعناد شديد : أنا مش من البلد دى, ومش ممكن هاعيش هنا ابدا...أنا راجع مصر ومش هاتقدر تمنعنى...أنا راجع, راجع ..
تفجر محمد بالغضب وهم أن يهجم على عمر ...لكن زهرة التى أتت مسرعة من الحجرة المجاورة على صوت النقاش الحاد وقفت أمامه وحالت بينه وبين عمر وهى تقول برجاء :
أبى أرجوك ...هل تسمح لى بكلمه؟
أكملت بسرعة دون انتظاررده: لا يمكننا اجباره علىالذهاب للمعسكر دون ارادته, لقد تربى فى بيئة غير بيئتنا وهو غير مؤهل نفسيا ولا جسمانيا ليعيش حياتنا, كما أن قضيتنا مازالت بعيدة تماما عن تفكيره
الأب بعناد وهو ينظر فى عينى عمر بقوة : عندما يعيش بين المجاهدين سيتربى ويتعلم كيف يكون رجلا
زهرة برقة : أبى ....انه غير مستعد نفسيا لفكرة الجهاد ... مشاعره غير مؤهله لإستيعاب الأمر والإيمان بالقضيه
لو ذهب الى هناك الآن بالتأكيد سيفشل
صمت الأب طويلا ..وأطال النظر فى عينى زهرة الجميلتين وهو يفكر بعمق ...
أما عمر ..فقد ظل ينقل عينيه بينهما وبداخله بركان يغلى بمشاعركثيره متناقضه
بعد قليل ...لان وجه محمد ونظر الى عمر وقال بصرامه حسنا ... فليذهب مالك وحده ..ولتبق أنت هنا ....وحدك...حتى تتعلم كيف تكون رجلا
لم يدر عمر لم لم يفرح؟؟ رغم أن هذا هو ما كان يريده...بل العكس ..لقد أصابه كلام محمد بصدمة ....أو كلام زهرة ..؟؟
لم يدرى أيهما أثاره أكثر...حتى عندما ذهب مع مالك الى حجرتهما, كان صامتا تماما ومالك يتحدث بحماس وهو يجمع أغراضه ويستعد للذهاب للمعسكر : أتعلم ...أنا سعيد لأنك ستبقى هنا...
أول الأمر شعرت بالضيق, لأننى سأكون وحيدا هناك, لكنى أدركت أهمية وجودك هنا, فأنا لن أكون موجودا ..
وأبى ..ربما اضطرته الظروف للرحيل كما حدث من قبل...
فمن سيعتنى بأمى واخوتى ؟؟ أوصيك بهم خيرا ...
ان وجود رجل فى البيت فى مثل هذه الظروف التى تمر بها البلاد أمر ضرورى
رجل ..!!!!!!!!!
رنت الكلمه بقوة فى أذن عمر وكأنه يسمعها لأول مرة
وقضى عمر الليلة وهو يتقلب فى فراش من الشوك..
لا يدرى ما الذى أصابه ....
كانت كلمات محمد وزهرة تدور فى رأسه وتمنعه من النوم..
ما الذى دهاه ؟؟.. ولماذا يشعر بكل هذا الضيق
ولماذا تأثر بهذه الكلمات رغم أنه سمع مثلها بل وأكثر منها من قبل....
شعر بجسده يكاد ينصهر من الحرارة, وروحه تكاد تزهق من الإختناق, دفع الغطاء بضيق وهب جالسا فى فراشه..
مسح بعض حبات العرق عن جبينه وهو يفكر
أخذ نفس عميق وغادر الفراش وبخطوات خفيفة اتجه الى حجرة المعيشه ...
سمع صوت محمد وهو يترنم بآيات القرآن الكريم بصوته الندى الجميل....اقترب منه وهو يصلى فى خشوع, وألقى بنظره الى الساعة المعلقه على الحائط, كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل بكثير ...
ظل يدور فى أرجاء الغرفة بنفاذ صبر منتظرا أن ينهى محمد صلاته
عندما انتهى محمد من الصلاة, اقترب منه عمر وقال بتردد :
أنا ...أنا ..عاوز أروح مع مالك ..
التفت محمد اليه وتنهد وهو يهز رأسه : أتظن أن هذا هو الوقت المناسب لإدعاء الشجاعه؟؟
عمر بغضب : لا ...أنا مش جبان, دانا بعون الله كنت بقفل شوارع فى مصر وأبيتهم من المغرب
خفض رأسه وتردد قليلا وهو يكمل : أنا...أنا ..رايح المعسكر
....................................
(Cool
فى الطريق الى المعسكر.........
شعر عمر بندم شديد وتمنى لو لم يكن استسلم لغضبه وشعوره بالإهانه من كلمات محمد ...وزهرة على وجه الخصوص وخوفه من أن تظنه جبانا
عمر........لم أنت شارد هكذا؟؟
التفت الى مالك الجالس بجواره فى السيارة حاملة الجنود التى تقلهما مع مجموعة كبيرة من أقرانهما الى المعسكر الذى سيقضيان فيه فترة التدريب وقال بشرود :
مش عارف يا أخى..حاسس كده بحاجه غريبة, زى ما أكون كلت قفا جامد قوى
مالك بدهشه : ماذا؟؟
عمر : قصدى ..زى ما يكون حد ادانى شلوط , أو مقلب حرامية نظر الى مالك والدهشة والذهول على وجهه, ففسر قائلا : يعنى, زى ماتقول كده حد ضحك عليا, خدنى على خوانه
قولى بصراحة..هى أختك زهرة كانت تقصد ايه بالكلام اللى قالته لأبوك؟
مالك ببساطه : أظنها كانت تريد أن تخلصك من الموقف وتبعدك عن غضب أبى.
زهرة هى الإنسان الوحيد القادر على اقناع أبى واذابة غضبه فى لحظات قليله..فهو يحبها أكثر من أى شئ آخر فى العالم
عمر يتنهد بضيق : كانت تقصد كده صحيح؟
ولا كانت بتستفزنى علشان أعمل اللى أبوك عاوزه؟
ضحك مالك بمرح : ليس هذا ببعيد ..فزهرة الجبل تخفى فى رأسها أكثر بكثير مما تبديه, كما أنها يمكن أن توصلك ببساطة وهدوء الى الجنون, كما كانت تفعل معى ونحن صغار
عمر بدهشه : بتقول ايه؟؟ زهرة الجبل ؟؟ اسمها زهرة الجبل؟؟
هز مالك رأسه بالإيجاب وهو يبتسم
عمر : وده اسم ده؟؟ ..اسم غريب قوى...
مالك وهو يضحك: ألا تعلم ؟؟ ان أجمل وأندر الزهور هى التى تنبت فى أحضان الجبل وفوق القمم, وهى تمتاز بقوة تحمل لا مثيل لها , فهى تقاوم الرياح والثلوج وتتغلب على قسوة الشتاء
ثم تعود لتتجدد فيها الحياة مرة أخرى,
انها مثال رائع على تجدد الحياة والصمود فى وجه أقسى الظروف
كان مالك يتحدث بحماس شديد وهو يرسم بقلمه على ورقة صغيرة أخرجها من جيبه, وبعد أن انتهى ..ناول الورقه لعمر الذى ما ان نظر فيها حتى أصابته دهشة شديدة...
لقد كانت تحمل رسما تخطيطيا لزهرة نادرة شديدة الجمال والروعه
تأمل الزهرة طويلا ثم نظر الى مالك وهز رأسه وابتسم بعجب
......................................
لم يستطع عمر اغماض جفنه لحظة واحده فى أول ليلة له فى المعسكر من شدة البرد. كان البرد قارسا بصورة لم يشهد لها مثيل وكان ينام هو ومالك داخل خيمة فى المعسكر مع أربعة آخرين ولم تفلح الأغطية الثقيلة فى التخفيف من بعض ما يشعر به من البرد
أخذ يتقلب يمينا ويسارا لعله يشعر ببعض الدفء, وعندما يأس انتفض من فراشه وأخذ يهز مالك حتى استيقظ وقال له بعصبية : مالك . قوم يله, قوم..خلاص, مش قادر أستحمل
البرد عندكوا هنا شنيع
مالك بصوت منخفض : اهدأ يا عمر حتى لا يستيقظ الجميع ..لا تقلق بعد يومين على الأكثر ستعتاد الجو . قد يكون الشتاء هنا قاسيا لكنه يمر كما تمر بقية الفصول
عمر يعلو صوته بغيظ : تعرف انك بارد وسمج زى جو بلدكوا تمام
أمسك عمر بالوسادة والقاها على وجه مالك الذى رد عليه بدوره ورماه بالوسادة فخفض عمر رأسه وتفاداها لتسقط خلفه وهو يقول بصوت عالى : نام, نام يابارد ياكلح ياسمج
لكنه صمت تماما عندما وجد الذعر قد ارتسم على وجه مالك . ثم انتفض بشده على صوت زئير قادم من خلفه فاستدار بسرعه ليجد خلفه تماما عملاق ضخم أشبه فى حجمه بالغوريلا الا انه أبيض
انكمش عمر وارتد للوراء حتى سقط على فراش مالك وهو يسمع العملاق يزأر من جديد ويتكلم بغضب بالشيشانيه
مالك يهمس له : انه يسأل من أِيقظه من نومه
همس فى أذنه بخوف : أناهاقتل الجبان اللى دعك المصباح
مالك : أِى مصباح؟
عمر : مصباح علاء الدين ..هو مش كان نايم فيه؟
مالك : لا .أعتقد أنه جبل جليدى انزلق حتى وصل الى هنا
عمر بتعجب : وله, هو كان طويل قوى كده بالنهار؟
مالك : أظن أنه اتحد مع ظله ضدنا
فزع الإثنان عندما صرخ المارد بغضب وحمل عمر من ملابسه بيد واحده . وحاول مالك الدفاع عنه فأمسك بذراع المارد الأخرى
لكن المارد حرك ذراعه فسقط مالك أرضا, ثم حمل عمر لأعلى بيديه وقذفه خارج الخيمة ليسقط على ظهره بعنف متألما وقبل ان يقوم رأى جسد مالك طائرا فى الهواء ليسقط فوقه تماما, ويصرخ عمر من الألم
رفع مالك رأسه وهو يتأوه بشدة ثم ابتسم بغيظ شديد وقال : لم تستطع ان تتحمل النوم داخل الخيمة تحت الأغطيه الثقيله!!! ابتسم ...ستنام الآن فى العراء
عمر بغضب وهو ينهض بسرعه ويتجه الى الخيمه : لاااا, أنا ما اتاكلش قونطه
عليا النعمه لأبات جوه غصبن عن حبة عينه
ودخل الى الخيمة وهو غاضب وبعد قليل سمع مالك صوته وهو يصرخ آآآآآآآآآه ثم رآه قادم اليه طائرا وسقط بجواره تماما
قضى عمر ومالك أغلب الليل سائرين أمام الخيمة ذهابا وايابا حتى لا يتجمدا من شدة البرد, ولم يكف عمر لحظة واحدة عن السباب واللعن لهذا المارد الذى اجبرهما على قضاء الليل فى العراء فى هذا الجو القاتل
وفجأه قرر عمر ان يغادر المعسكر وحاول مالك ان يمنعه لكن عمر استطاع بالفعل خداعه والهرب منه وتسلل الى خارج المعسكر دون ان يراه أحد
سار عمر لمدة طويلة حتى بدأ ضوء النهار يلوح فى الأفق
وفجأه سمع من ينادى عليه التفت فوجده مالك فهتف بغضب : ايه اللى جابك ورايا؟
مالك وهو يلهث : وعدت أبى أن أعتنى بك وأرعاك ..فأنت لا تعرف هذه البلاد جيدا
عمر وهو يجد فى السير بخطوات واسعه : صح, مش عارفها, علشان كده هارجع للبلد اللى عارفها
انا راجع على مصر
مالك وهو يجرى خلفه : هل جننت؟ كيف ستعود وليس معك مال ولا تعرف الطريق ..توقف يا عمر ..لو بقيت تسير هكذا لوصلت الى الحدود الداغستانيه
عمر وهو لا يتوقف عن السير : مايهمنيش
مالك : ولكنها تحت الإحتلال الروسى. سيمسكون بك
عمر : أحسن ما أقعد فى التلاجه دى ..مش ممكن هافضل يوم واحد تانى فى المكان الزباله ده
التفت له بغضب وهو مازال يسير بسرعه : وابعد عنى ..اياك تيجى ورايا
جذبه مالك من كتفه وصرخ فيه بغضب : توقف . نحن قريبون من الحدود. لن أدعك تذهب اليهم . سيقتلونك
دفعه عمر بكفيه بقسوة فى صدره وهو يقول بغضب : مالكش دعوة بيا, ابعد عنى وارجع لأهلك . أنا مش منكم .فاهم؟ اياك تيجى ورايا
أمسكه مالك من ملابسه وجذبه بغضب وقال : بل أنت تعنينى تماما فأنت ابن عمتى واوصانى ابى ان أرعاك
يضرب عمر ساعديه بقبضتيه ويجبره على ترك ملابسه وهو يقول بغضب : مش عاوز منك حاجه لأنت ولا أبوك .
أنا ماشى, وبحذرك تانى, اياك تيجى ورايا
يلكمه مالك فى فكه بغضب وهو يقول : أيها المجنون . أتريد أن تسقط فى يد الأعداء؟
يشتبك معه عمر فى معركه بالأيدى ويكيل له اللكمات وهو يصرخ : أنا حر .ان شالله أروح جهنم, مالكش دعوة
يتوقف مالك عن ضربه ويظهر على وجهه الحزن والغضب الشديد وهو يقول : اذا فأنت تريد أن تذهب الى الروس
يدفعه فى صدره بكفيه فى ضيق وهو يصرخ : فلتذهب . وليقتلوك .لن أحزن ولن أهتم لأمرك. ولكن اياك أن تخبرهم أنك ابن خالد ديساروف . لأنهم ان علموا فسيذيقونك العذاب ألوانا
أنت بالنسبة لهم غنيمه
عمر بتحدى : أنا مش ابنه, ارتحت
عقد مالك حاجبيه بغضب وظهر على وجهه الإشمئزاز واستدار ورحل فى صمت
أما عمر فقد أكمل طريقه وحيدا وظل يسير على أرض جبليه غير ممهده حتى كلت قدماه وأضناه التعب
تجمد فجأه فى مكانه عندما سمع صوت خشن يقول بالروسيه التى علمته زهرة الكثير من كلماتها : توقف ..والا أطلقت النار
التفت ببطء صوب الصوت فوجد جنديا روسيا يصوب سلاحه اليه فرفع يديه ببطء ووضعهما فوق رأسه وسقط قلبه بين قدميه عندما سمع صوت السلاح وهو يجهز للإطلاق
.................................................. ....
سيدى القائد ..لقد أسر الذئب
انتفض القائد الكبير من مكانه وصرخ بذهول : ماذا؟ كيف حدث ذلك
أحمد بحزن : كنا فى طريقنا الى موقع العمليه, واعترضتنا كتيبه روسيه للمشاه كان يبدو أنهم قادمون من أجلنا ..وأدركنا أن خبر العمليه قد تسرب اليهم بطريقة ما وكادوا يطوقوننا من الخلف لولا الذئب الذى استطاع أن يتسلل بمهاره واخترق الحصار وصعد فوق الجبل وأمطرهم بوابل من النيران فظنوا أنه كتيبه كامله تهاجمهم فاتجهوا اليه واستطعنا التخلص من حصارهم وحاولنا انقاذه فلم نستطع لأن قوات الإمداد قد وصلتهم, وحاصروا الذئب لكنهم لم يستطيعوا التقدم الا عندما نفذت ذخيرته ورأيناهم وهم يأسرونه وأرسلنا اثنين منا خلفهم ليراقبوهم ويعرفوا الى أين أخذوه
القائد الكبير بجزع : لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم
لابد أن نخلصه من أيديهم قبل أن يقتلوه ..اجمع لى قادة الكتائب الآن وأخبر كتيبة الأنصار بالإستعداد
جلس القائد الكبير وسط قادة الكتائب وأخذ يتشاور معهم فى الأمر
أحد القاده: ستكون مهمة تخليصه من أيديهم شديدة الصعوبه فالقاعدة التى نقلوه اليها عسيرة الإقتحام ولا شك أنهم قد شددوا عليه الحراسه
القائد الكبير يقول بعد صمت : لا يمكن أن نتركه بين أيديهم .. سيذيقونه العذاب ألوانا قبل أن يقتلوه ان حياته باتت مهدده
قائد آخر: سيدى القائد .. لدى خطه ...
.................................................. ....
يتبع............



(9)
جلس عمر وحيدا فى احدى الحجرات الصغيره داخل المعسكر الذى نقله اليه الجنود الروس بعد أن أسروه وأخذوه معهم وهو طوال الطريق يحاول اقناعهم بأنه ليس شيشانيا ..لكنهم لم يفهموا منه شيئا فلم يكن أحد منهم يعرف العربيه كما انه أخفى عنهم انه يعرف اللغة الشيشانيه
وبمجرد أن وصل الى المعسكر أخذوه الى أحد الضباط الروس يعرف العربيه لإستجوابه وبعد ساعتين كاملتين من التحقيق والإستجواب المرهق ..استطاع أن يقنع الضابط (أو هكذا ظن ) أنه كان يعمل فى السعوديه عندما التقى بأحد الرجال الشيشانيين الأغنياء قدم الى السعوديه فى عمرة واستطاع الرجل اغراءه بالمال ليعمل عنده فوافق وأخذه معه الى بلده ليعمل خادم له ولأسرته وعندما طلبوا ابنه للذهاب الى معسكر المجاهدين دفع الرجل مبلغا كبيرا من المال له ليذهب الى المعسكر مكان ابنه ووافق مضطرا وذهب الى المعسكر لكنهم كشفوا أمره فهرب منهم ثم وقع فى أيدى الروس وبرغم عدم اقتناع الضابط بالقصه ومحاولاته لمعرفة الحقيقه بالضغط النفسى على عمر ..الا أنه تركه أخيرا وأمر الجنود باصطحابه الى تلك الحجره
تنهد عمر بعمق ونهض من مكانه وأخذ يدور فى الحجره والقلق والخوف يسيطران عليه الا أنه تماسك قدر ما يستطيع وأخفى قلقه حتى لا يفتضح أمره عبر كاميرا المراقبه المثبته فى أعلى الحائط
أخذ يتأمل الحجره ويدور فيها بعينيه ..كانت صغيره ومتاعها قليل مجرد سرير صغير ودولاب ومنضده وأربعة كراسى
انتفض عمر وارتد للخلف عندما فتح باب الحجره فجأه واتسعت عيناه من الدهشه والإنبهار فقد كانت تقف على باب الحجره أجمل فتاه رآها فى حياته تأملها قليلا ثم صرخ فى نفسه : يا أولاد الأبالسه!! ايه..ابتديتوا تلاعبونى ؟
اهدا يا عمرلا تنكشف
اهدا وركز وفكر كويس فى اللى هاتقوله وتعمله
قالت الفتاه بلهجه عربيه سيئه :أهلا وسهلا ..هل أنت جائع؟
هز عمر رأسه ببطء ودون أن يتكلم
دخلت الفتاه الى الحجره وخلفها رجل يحمل صينيه عليها طعام وبعض المشروبات وضعها على المنضده ورحل وأغلقت الفتاه الباب خلفه ونظرت الى عمر وهى تقترب منه فابتسم لها عمر ابتسامه عريضه محاولا اخفاء قلقه وتوجسه
وضعت يدها على كتفه فانتفض مبتعدا عنها فرفعت احدى حاجبيها بدهشه وقالت : هل تخاف منى ؟
قال بارتباك : لا لا بس! ....
ثم نظر الى الطعام وأكمل : أصلى جعان
قالت وهى تضحك : تفضل الطعام أمامك
هجم عمر على المنضده وأخذ يلتهم الطعام التهاما فهو لم يأكل منذ أمس وجلست الفتاه فى الكرسى المجاور له وأخذت تراقبه وهو يأكل بمزيج من العجب والإشمئزاز
كان يأكل بطريقه غريبه ومقززه يأكل بيديه الإثنين ويصدر أصواتا عاليه بفمه تقزز أشد النفوس ثباتا
ولكن يبدو أن الفتاه استطاعت التغلب على ذلك فوضعت يدها فوق كتفه ومالت عليه وهى تقول : أتعلم أنك وسيم؟
نظر اليها ورسم على وجهه السعاده وفتح فمه المملوء بالطعام وضحك ضحكه شديدة البلاهه ثم أمسك بدورق الماء وأبعد الكوب جانبا ورفعه عاليا بعيدا عن فمه وأماله ليسقط الماء داخل بلعومه مباشرة مصدرا صوتا شديد الصخب جعل الفتاه تبتعد عنه
وضع الدورق على المنضده ثم تجشأ بصوت عالى جدا. انتفضت الفتاه من على المنضده وجلست على السرير بعيدا عنه
أنهى طعامه ونهض من على الكرسى ومسح أنفه وفمه فى كمه وكادت الفتاه تفرغ ما فى جوفها عندما تمخط عمر متعمدا على الأرض ثم مسح يديه فى ملابسه
ولكن يبدو أنها كانت مدربه جيدا فقد تجاوزت كل ذلك واقتربت منه من جديد ووضعت يديها حول رقبته فأزاح يديها ببطء وهو يبتسم ابتسامته العريضه وقال : لا لا بصى يا أختى, أصل الطريقة دى مش هاتنفع معايا
قالت بلغتها العربيه السيئه : وما هو الأسلوب الذى ينجح معك؟
قال : معلش يا أختى أصل بعيد عنك عندى الهسهس
قالت بدهشه : ماذا؟
عمر وهو يبتعد عنها : قصدى أقول يعنى عندى وسواس فى مخى ساعه تروح وساعه تيجى
لا وايه..باخاف من خيالى, وأمى قالت لى اوعى ياواد ياعمرمن الإيدز
علشان كده باترعب كل ما أشوف واحده حلوه زيك
رفعت حاجبيها بدهشه وصمت فأكمل : وبعيد عنك ياختى عندى حساسية من الريحة الحريمى, وكل ما أشم ريحة كلونيا حريمى, ألاقى جلدى احمر وجسمى كله قام عليا,واشتغل هرش
والاقى جسمى كله نطر دمامل وخراريج, بصى
رفع ملابسه فرأت بعض الدمامل الحمراء المتناثره على ظهره فانتفضت باشمئزاز بعيدا عنه
عمر بتساؤل : الا قوليلى يا أختى ..همه حابسنى هنا ليه؟
قالت بتأكيد : لا . اطلاقا فقط نحن نحميك من هؤلاء الإرهابيين فلا شك أنهم يبحثون عنك الآن
هز عمر رأسه ورسم على وجهه تلك الإبتسامه البلهاء لكنه من داخله كان يشعر بالخوف الشديد
جلست على السرير ووضعت ساقا فوق الأخرى وقالت : أخبرنى يا عمر ..أتريد أن تعود لبلدك ؟
قال بلهفه : أبوس ايديكى
قالت : وما الذى أتى بك الى هنا؟
قال بسرعه : الفلوس ..الفلوس طبعا يا حلوه
سألته : أنت تحب المال؟
قال : ومين مايحبهوش؟
قالت : أتحب لعب الورق؟
لمعت عيناه بقوه وقال : دا أنا معلم
قالت : حسنا انتظرنى قليلا حتى أعود
.................................................. ..............
اقترب الجنرال الروسى من الذئب بخطوات بطيئه حتى وقف أمامه مباشرة ووضع احدى قدميه على صخره والأخرى على الأرض وهو يمسك عصا غريبه أخذ يهزها فى يده وهو يتأمل الذئب
كان الذئب فى حاله يرثى لها فقد كان عار تماما ومعلق من رسغيه فى العراء بحبلين رفيعين ومغموس حتى خصره فى حفره مملوءه بالمياه المثلجه تجمد الدماء فى العروق بالإضافه الى درجة حرارة الجو التى تقترب من الصفر
قال الجنرال بشماته : اذا فأنت الذئب !!
أكمل عندما لم يتلق ردا : أتعلم كم كبدتنا من خسائر فى المال والجنود؟
رفع الذئب رأسه ببطء ورماه بنظره مخيفه ارتجف لها قلبه وقال بسخريه : أتريدنى أن أقدم اعتذارا رسميا؟
ضغط الجنرال أسنانه وظهر فى عينيه غضبا لكنه استطاع أن يتحكم فى تعبيرات وجهه بمهاره فرفع احد حاجبيه وابتسم بسخريه وقال : يعجبنى الرجل القوى الرابط الجأش
قرب العصا من وجهه وبمجرد أن لامست فكه سرى فيها تيار كهربائى صعقه صعقة شديده ارتج لها جسده بعنف واهتز الماء من حوله وبرغم ألمه الرهيب لكنه لم يتأوه أو يصدر أى صوت قال الجنرال ببرود شديد : هل أعجبتك ؟.انها فقط بدايه لفتح شهيتك..
صمت قليلا ثم قال بسخريه شديده : أتظن حقا أنكم ستنتصرون ؟ أنتم مجرد حشرات متمرده ارهابيه وسنسحققكم بأحذيتنا سحقا لقد أمسكنا بك داخل أراض روسيه وأنت تجهز لعمليه ارهابيه كبيره
سقطت أقنعتكم..لم يعد الأمر دفاعا عن أرض ولا مطالبه بالحريه بل مجرد زمره من العصابات المتمرده التى تقوم بعمليات ارهابيه
كان جسد الذئب يرتجف بشده من البرد لكن عيناه ثابتتان يشع منهما بريق مخيف وهو يقول : تلك الأكاذيب التى تملؤون بها آذان العالم لن تفت فى عضدنا داغستان ليست أرضا روسيه بل هى (أرضا مسلمه من أيام الخليفه المسلم الراشد عمر بن الخطاب أنتم تحتلون أرضا مسلمه ونحن نساعد أهلها الى تحريرها من جبروتكم وبطشكم انها من أقدم بلاد القوقاز اسلاما
كما أن القائد شامل باسييف وقادة داغستان قاموا بتأسيس الاتحاد الشعبى الشيشانى الداغستانى منذ عام 1998)*:
الجنرال وقد بدأ الغضب يتسلل الى صوته : داغستان روسيه وستظل روسيه وما فعلتموه فيها ليس سوى مجموعه من العمليات الإرهابيه التى ستحاكمون عليها وتعدمون
الذئب : وما تفعلونه الآن فى الشيشان أليس ارهابا؟ ألم تخرقوا بنود الإتفاقيه التى بيننا وبينكم و تضربوا مواقع مدنيه؟ألم ترتكبوا جرائم ضد الإنسانيه؟ ألم تحتلوا جروزنى رغما عن أهلها
ضغط أسنانه بقوه واهتز صوته من الغضب وهو يكمل : ألم تضربوا قوافل المهاجرين المدنيين العزل بالطائرات وتحرقوا حافلاتهم ؟ ان هذا هو الإرهاب بعينه
انكم تحتلون داغستان أيضا رغما عن أهلها وتجبرونهم على الخضوع لسلطتكم دون ارادتهم لقد ضربتم قرية كومادا بالطائرات والمدافع وهى قريه داغستانيه
الجنرال : لقد ضربناها بعد أن احتلها المتمردون الشيشانيين لنخرجهم منها
الذئب : لقد استنجد بنا أهل القريه أنفسهم بعد أن حاصرتموها وضربتموها بالطائرات والمدافع
الجنرال بغضب : لقد استدعتنا الشرطه الداغستانيه بعد أن فشلوا فى صد هجوم المتمردين الداغستانيين
ان داغستان روسيه وستظل روسيه هل تفهم؟
الذئب ساخرا : نعم . ورغما عن أنف أهلها جميعا
الجنرال وقد بدأ يفقد السيطرة على أعصابه : لا تدعى الشجاعه . فستهزمون عما قريب فليس لديكم القدره على مواصلة القتال لفترات طويله
الذئب بتحدى : لو لم تكن لدينا القدره على مواصلة القتال ضدكم لما دخلنا داغستان لنجدة اخواننا فى اقليمى بوتليخ وكراماخى ومساعدتهم على قتالكم بعد أن استنجدوا بنا

الجنرال بغضب هادر : سنرى الآن مدى شجاعتك الحقيقيه واعلم أنك لن تموت الآن بل ستموت قطعة قطعه ولتصرخ بكل قوتك ليسمعك الهك ويأتى لينقذك
ضحك ضحكه شيطانيه ومد يده الى أحد جنوده الذى أعطاه سلكا كهربائيا
فقال بسخريه شديدة البروده : هل تشعر بالبرد؟ حسنا ..سأدفئ لك الماء....استمتع بحمامك الدافئ أيها الذئب
وضحك ضحكه أشد من الأولى ووضع السلك فى الماء .................................................. ...
ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ
تصاعد الدخان كثيفا من السيجاره التى تتدلى من فم عمر وامتلأت منفضة السجائر التى أمامه على المنضده بكميه كبيره من أعقاب السجائر تشير الى مدخن شره , كان يمسك بين يديه ببضعة كروت من أوراق الكوتشينه و ينظر اليها بتركيز شديد, وحول المنضده التف ثلاثه من الضباط الروس يلعبون معه الورق
كشف كل منهم أوراقه على المنضده وظهر على وجوههم الإحباط . فتناول عمر ورقه أخرى من كومة أوراق مقلوبه على المنضده ورتبها وسط أوراقه ثم كشف أوراقه كلها على المنضده وهو يضحك بابتذال شديد : هأ هأ هأ هأ ااااااااااو قفف .. أنا بلاعب قفف
كل واحد فيكم يطرقع قفاه ويحط فلوسه هنا
ورغم أنهم لم يفهموا من كلمات عمر الساخرة شئ, وضع كل منهم ماله على المنضده وهم يتحدثون الى بعضهم البعض بعصبيه ويبدو عليهم الغيظ الشديد, وجمعها عمر أمامه بلهفه وهو يدخن السيجاره بشره
وقال : لو فضل الحظ كده ملالى, يبقى هارجع على مصر قريب جدا
بدأت اللعبه من جديد وبدأ عمر يرتب أوراقه لكنه بدأ يشرد ويتشتت ذهنه عندما وجد أمامه صورة بنت فى احدى الأوراق خيل اليه انها تنظر اليه . هز رأسه وأغلق عينيه بقوه وفتحهما وتعجب بشده فقد كانت تشبه زهره . كانت تنظر اليه بنظرات حزينه.. سحب ورقه من الكومه المقلوبه فوجدها ولد أخذ يفرك عينيه بيده فقد خيل اليه انه مالك . هز رأسه مجددا محاولا طرد تلك الأفكار من رأسه وبدأ يركز فى اللعبه . لكن كلمات زهره ومالك كانت تخترق رأسه اختراقا وتمنعه من التركيز فى اللعب
مالك : انهم يريدون ابادتنا
زهره : الحريه لدينا أغلى من الحياه
مالك : المساجد أول شئ يستهدفونه
زهره : نحن نؤمن تماما أننا سننتصر.. حتى لو لم نرى النصر بأعيننا فسيراه من بعدنا.....لكننا فى النهايه ....سننتصر
أفاق من تخيلاته على صوت أحد الضباط يقول له : العب
نظر اليه شذرا ثم أخذ نفس طويل من السيجاره وأكمل اللعب
فجأه انتفض الجميع على صوت صفارات الإنذار تدوى بقوه فى المكان تحدث الضباط الثلاثه الى بعضهم البعض ورحلوا مسرعين وبقى عمر وحيدا يفكر ومع أصوات طلقات الرصاص والمدافع التى تدوى فى أذنيه , شعر أنه فى مأزق حقيقى فماذا سيفعل به المجاهدون اذا ما تمكنوا من استعادته ؟وبدأت تراوده أفكار رهيبه أصابته برعب حقيقى
.................................................. .....
(10)
استرد الذئب بعض وعيه وبدأ يشعر بما حوله لكن عقله كان مشوشا تماما والرؤيه لديه مهتزه . الشئ الوحيد الذى طغى على كل حواسه هو آلامه الرهيبه
وصل الى اذنيه صوت صخب وضوضاء وموسيقى قادمه من بعيد فتح عينيه بصعوبه وبرغم أن الرؤيه لديه لم تكن واضحه الا أنه تبين أضواء ملونه مهتزه وأخيرا وبعد تركيز شديد تذكر أن فى هذه الأيام يحتفل الناس برأس السنه . بدأ الألم يذهب بعقله ويفقد وعيه من جديد ..لم يدر كم بقى على هذه الحاله يذهب وعيه من الألم والبرد ثم يفيق من جديد حتى سمع أصوات من حوله ففتح عينيه وأدرك أنه موعد تبديل وردية الحرس .
انصرف الحرس القديم وهدأ الوضع , سمع الذئب صوتا يهمس باسمه ففتح عينيه بصعوبه , كان الحارس يهمس له : أيها القائد. أبلغك تحيات القائد الكبير. اطمئن. سنخرجك من هنا سريعا ان شاء الله
عرفه الذئب من صوته ..لقد كان جوهر
رفعه الحراس الثلاثه من الماء وفكوا وثاق يديه التى لم يكن بمقدوره تحريكهما ولفوه فى غطاء سميك وحمله اثنان واقتادهم الثالث عبر طرقات مظلمه يعرفها جيدا بعيده عن الحراسه. حتى وصل الى مبنى مكون من دورين, دخل الثلاثه من الباب الخلفى , متبعين الحارس الذى فتح أحد الأبواب وأدخلهم الى غرفة واسعه بها جهاز حديث للتدفئه , وهمس قائلا : لا تضيئوا الأنوار .
ثم خرج وأغلق الباب خلفه , ووقف أمام الباب من الخارج يراقب الطريق .
ساعد جوهر وأحمد المتنكران فى زى الحرس الذئب على ارتداء حلة ضابط روسى ومع الدفء والتدليك بدأت يداه تتحركان تدريجيا
نظر الذئب اليهما وهما يساعدانه على ارتداء ملابسه وقال باعياء : كيف دخلتم الى المعسكر؟
همس أحمد: لدينا من يساعدنا . .
أغلب الجنود لديهم الإستعداد لبيع روسيا بأكملها من أجل المال والحكومه عاجزه عن دفع رواتبهم منذ عدة أشهر
كما أن الوقت مناسب جدا فأغلب الضباط والجنود الروس مشغولون فى الإحتفال برأس السنه , وقائدهم مغموس حتى أذنيه فى الخمر والرقص
فتح الباب فجأه , وظهر من خلفه الحارس الثالث وقال بقلق : أسرعوا .. ستمر دورية التفتيش بعد 15 دقيقه وسينكشف أمرنا
قال جوهر وعلى وجهه ابتسامة ثقه كبيره : اطمئن . لن يحدث ان شاء الله . لقد أعددنا للأمر جيدا.
أحمد : انتهينا . هيا بنا
انقضت العشر دقائق وبعدها دوت صفارات الإنذار فى أرجاء المعسكر
وعندما سمعها الجنرال قائد المعسكرهب من أمام المائده العامره بالطعام والشراب الفاخروسقط كأس الشراب من يده وهو يصرخ بلا وعى : الذئب !!!
انتابته حاله من القلق والتوتر الشديد ونظر الى صديقته التى كان قد دعاها الى احتفال خاص فى غرفته من دقائق قليله وقال بتوتر: ترى . ماذا حدث؟
جرى الى الشباك وأزاح الستائر وجالت عيناه فى أرجاء المكان
كان الإحتفال قد توقف وصمتت الموسيقى وخرج أغلب الجنود الى ساحة المعسكر التى حولتها الأضواء الكاشفه الى نهار وسادت بينهم حاله من الهرج
حاول أن يطمئن نفسه فهمس بصوت خافت : لا . لا يمكن أن...
انتبه على صوت طرقات على الباب . فتح الباب بسرعه فوجد أمامه أحد الجنود الذى حياه وقال بتوتر : سيدى الجنرال . لقد . لقد هرب الذئب
أصيب الجنرال بالوجوم قليلا من أثر الصدمه ثم انتابته حاله من الغضب الهائل وصرخ بعنف : ماذا !! مستحيل . والحرس . والأسوار . والجنود . والضباط .وِِِأين كنتم؟ سأعدمكم جميعا فردا فردا. ارفع درجة الإستعداد القصوى وأخرج فرقا للبحث عنه وأطلق كلاب الحراسه . لا يمكن أن يكون قد ابتعد كثيرا. يجب أن يكون بين أيدينا قبل أن يصل الخبر الى القائد الأعلى
انصرف الجندى لتنفيذ الأوامر وأخذ الجنرال قبعته العسكريه ووقف أمام المرآه يصلح من ملابسه بعصبيه شديده وهو يخاطب رفيقته : لا ترحلى , سأجده , وعندها لن أرحمه , انتظرينى , سأعود سريعا .
تسمر فى مكانه عندما رأى فى المرآه انعكاس صورة رفيقته وعلى وجهها ارتسم الرعب الشديد . التفت الى حيث تنظر وارتد للخلف بحده عندما رأى جوهر يقف أمام دولاب ملابسه المفتوح ويصوب سلاحه لهما وبيده الأخرى يضع سبابته فوق فمه مشيرا لهما بالسكوت وهو يقول بصوت خافت شديد الصرامه : شششش .اياك أن تحدث صوتا , لأن مسدسى أسرع من أى جندى سيأتى لإنقاذك أنت وهى
سمع صوتا خلفه فالتفت بحده فوجد الذئب يخرج من تحت سريره ومعه أحمد وهو يساعده على الوقوف ويصوبان سلاحهما باتجاهه
قال الجنرال بذهول : كيف . كيف دخلتم الى هنا؟
جوهر ببرود ساخر : دخلنا قبلك بدقائق وأعددنا لك مفاجئه كبيره بمناسبة العام الجديد , هل أعجبتك؟
وضعت الفتاه يدها على فمها برعب حتى لا تصرخ , أما الجنرال فقد تراجع الى الوراء حتى اصطدم بالكرسى فسقط عليه باستسلام وقال : والآن. ماذا تريدون منى؟
قال جوهر بابتسامه شديدة الثقه : نريدك أن تصحبنا فى رحلة للبحث عن الذئب
أدار الجنرال رأسه بحده ونظر الىالذئب وعقد حاجبيه بدهشه ودب الرعب فى قلبه
.................................................. ........
كان الموقف مخيفا بحق .
طلقات المدافع تدوى ليلا وهو فى موقف لا يحسد عليه ولا يدرى من أين يأتى الخطر
أخذت عيناه تدوران فى المكان بقلق وهو يفكر فى موقفه الراهن وما يمكن أن يفعله , وصلت عيناه الى كاميرا المراقبه المعلقه أعلى الجدار . أخذ يتأملها طويلا وعيناه تضيقان
فجأه نهض عمر من مكانه وأمسك بأحد الكراسى وضرب به الكاميرا بقوة انتزعتها من مكانها وقطع أسلاكها , ثم قذف الكرسى فى النافذة وكسر زجاجها
انتبه الجندى الواقف بالخارج يحرس باب الحجره الى صوت التكسير فاقتحم الغرفه ونظر فيها بسرعه فلم يجد أحد . جرى نحو النافذة وأمسك بالحديد الذى يغلق مدخلها وجذبه بقوه وهو يسأل نفسه بدهشه : ترى هل اخترق الأسير الحديد وفر من الشباك؟
لم يستطع أن يجيب على السؤال , بل لم تكن لديه فرصه ليفكر فى السؤال نفسه ومدى امكانية تنفيذه على أرض الواقع , لأن ضربة شديده أصابت رأسه من الخلف وأفقدته الوعى
ألقى عمر الكرسى الذى ضرب به الحارس من يده وانحنى على جسد الحارس الفاقد الوعى , وبدأ ينزع عنه حلته العسكريه بسرعه كبيره وهو يقول لنفسه : نفسى أعرف عنوان مصنع الموبيليا اللى بيتعاملو معاه, العفش عندهم جامد قوى والسراير عاليه لدرجة انها ممكن تخبى فيل تحتها
انتهى من ارتداء ملابس الجندى وأرخى قبعته فوق عينيه لتخفى نصف وجهه , ثم فتح الباب وتسلل الى الخارج متسترا بالظلام وحمد الله كثيرا فأغلب الجنود مشغولون بصد هجوم المدافع الشيشانيه التى تمطرهم بقذائفها من الجبال المحيطه واضطرهم ذلك لإطفاء الأنوار والكشافات القويه فى ساحة المعسكر
ظل عمر يجرى بحذرمحتميا بالمبانى حتى دخل الى الجراج محاولا ايجاد مكان آمن ليختبئ فيه وأخذ يتسلل بين السيارات الكبيره حتى لا يراه أحد كان الجو فى المعسكر شديد الفوضى وأصوات المدافع تصم الآذان والمدافع الشيشانيه تضرب بقوه من الجبال القريبه وكأن الجبال تقاتل معهم
هاى . أنت ......
تسمر عمر فى مكانه عندما سمع صوتا يتحدث اليه بالروسيه التى علمته زهره الكثير من كلماتها وتجمدت الدماء فى عروقه وكاد قلبه يتوقف من الخوف
.................................................
يتبع.....................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جوجو
مشرفة قسم
مشرفة قسم
جوجو


الساغة الأن :
الاقامة : القاهره
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 5264
نقاط : 5612
تاريخ التسجيل : 10/06/2009

عوده الذئب ..................روايه طويله Empty
مُساهمةموضوع: رد: عوده الذئب ..................روايه طويله   عوده الذئب ..................روايه طويله Empty18th فبراير 2010, 10:04 pm

توقفت سيارة الجنرال قائد المعسكر أمام البوابه منتظره أن يفتح لها الحرس الباب بعد أن يتأكدوا من هوية الجنرال فقد أصدر الجنرال أوامره بأنه سيخرج بنفسه وبصحبة اثنين من الضباط للبحث عن الذئب ..الأسير الذى فر من المعسكر وكأنه ماء سقطت عليه أشعة الشمس فبخرته دون أن تترك منه أدنى أثر
عبرت السياره بوابة المعسكر مودعه بنظرات التساؤل والعجب من جميع الجنود بسبب تصرفات الجنرال الغريبه لكن أحدا منهم لم يجروء على الإعتراض على أوامر الجنرال الغاضب
سارت السياره مسافه طويله وكل من فيها يخيم عليهم الصمت الثقيل حتى توقف أحمد الذى كان متنكرا فى زى سائق السياره فى منطقه آمنه وسط جبال عاليه ونزل جوهرمن السياره وهو متنكر فى ملابس ضابط روسى وفتح الباب المجاور للجنرال بحده
التفت الذئب الجالس فى المقعد الخلفى فى حلة ضابط روسى الى الجنرال الذى يجلس بجواره صامتا مكرها بفعل المسدس الملتصق فى جنبه وقال بصوت قوى : نهاية رحلتك
التفت له الجنرال برعب وأخذ يقلب عينيه بينه وبين جوهر وقال بتوسل : ماذا . هل . هل ستقتلونى؟ لقد نفذت كل ما أمرتونى به
الذئب بصرامه شديده : لو أردت أن أعاقبكم على كل جرائمكم فى حقنا . لما روتنى دماءكم جميعا..ولكننا لا نسعى للإنتقام بل. نسعى الى العوده. فلم يحن وقت الإنتقام بعد
أردف بلهجه مخيفه : انزل من السياره
نزل الجنرال على الفور وهو يرتجف رعبا وجذبه جوهر من ملابسه ودفعه بعيدا وهو يقول بسخريه : رحله سعيده للعوده الى المعسكر سائرا وحيدا فى ذلك الجو الجميل. أتمنى أن يجدوا صديقتك سريعا ويحلوا وثاقها . والا اضطرت لإنتظارك كل هذه المده
ثم قفز الى السياره التى انطلقت بسرعه واختفت فى الظلام
لتنفيذ الجزء الثانى من خطة الهروب
ووقف الجنرال وحيدا فى الظلام يرتجف بردا وخوفا يفكر فيما سيفعلونه به عندما يعود
.................................................. ..........
التفت عمر بسرعه الى من يحدثه فوجده أحد الضباط الروس يجلس داخل سيارة نقل كبيره مغطاه وهو يصرخ فيه بكلمات لم يفهم معظمها الا أنه حياه التحيه العسكريه ورد عليه بكلمه واحده فقط وهى : نعم سيدى
قلب عمرالأمر فى رأسه بسرعه ومن خلال حصيلة الكلمات التى أمدته زهره بها فهم تقريبا ما يريده الضابط
قفز الى السياره فى كرسى السائق وبدأ يقود السياره وقلبه يقفز من الخوف وحمد الله كثيرا فى نفسه أنه تصرف تماما كما يريد الضابط . خرج من الجراج وسار بالسياره حتى وجد نفسه يسير خلف طابور من ثلاث سيارات تحمل فوق ظهرها عددا كبيرا من الجنود
توقفت السيارات أمام بوابة المعسكر الخلفيه وشعر عمر وكأن الدقائق تمر عليه كدهر وهو يحاول أن يتماسك ويخفى خوفه حتى لا يفتضح أمره
وأخيرا عبرت السيارات البوابه وخرجت من المعسكر وهو خلفهم
طوال الطريق وعمر يفكر فى طريقه للهروب من السيارات التى أمامه والضابط الجالس بجواره
نظر عمر الى الضابط الذى بجواره فوجده اتكأ بظهره للوراء وأرخى القبعه على عينيه وظهر عليه النعاس فبدأ يخفض من سرعة السياره بهدوء وبشكل غير ملحوظ وبدأت المسافه بينه وبين السياره التى أمامه تتسع تدريجيا وفى كل لحظه كان ينظر الى الضابط بجواره ليتأكد أنه لم يلحظ ما فعله حتى ابتعد عن السيارات بمسافه كبيره
وفجأه انتفض عمر على صوت جهاز الإستقبال فى السياره وأخذ ينقل عينيه برعب بينه وبين الضابط المجاور له والذى استيقظ على صوت الجهاز.
ووقع عمر فى حيره شديده . فلو أمسك بالمايك فلغته الروسيه لن تساعده على فهم ما يقولون ولا الرد عليهم . وان لم يمسكه فماذا سيفعل مع الضابط الذى بجواره ؟
حسم أمره أخيرا عندما نظر اليه الضابط بدهشه وأمسك بالمايك وقال : نعم سيدى
أتاه الرد فى بضعة كلمات لم يفهمها جيدا فطال صمته وهو يختلس النظر الى الضابط الذى ينظر اليه بدهشه وريبه
فزع بشده عندما سمع دوى انفجار رهيب ورأى نيرانا تشتعل من بعيد فصرخ الضابط بكلمه لم يتأكد عمرتماما من معناها لكنه تراجع بالسياره ودار بها بعنف وعاد أدراجه بسرعه كبيره والضابط يصرخ وكذلك جهاز الإستقبال وأصوات الإنفجار وطلقات الرصاص تدوى من بعيد
وسط كل هذا الجنون ترك عمر المقود وانقض على الضابط فجأه وأخذ يضربه بكل قوته والضابط يبادله الضربات فى معركه شرسه وهو يحاول أن يصل الى مسدسه لكن عمر كال له عدة لكمات وفتح الباب المجاور له ودفعه خارج السياره لكن الضابط كان قويا بحق فتشبث بباب السياره وأمسك عمر بالمقود ليعدل من وضع السياره التى حادت عن الطريق ورأى الضابط وهو يحاول العوده الى السياره فدفعه دفعه قويه بقدميه الإثنين معا ألقت به خارج السياره بعيدا
أخذ عمر يلهث بشده وهو يمسح الدماء التى سالت على وجهه من أثر المعركه وأخذ يفكر فيما حدث وهو يقود السياره بسرعه فى طريق لا يدرى الى أين يذهب به
كان يشعر بالإمتنان الشديد لزهره ومافعلته من أجله
لم يكن يتوقع فى يوم من الأيام أن دروس اللغه الروسيه الممله التى كانت زهره ترهق نفسها وتقتطع من وقتها لتعلمه اياها ستنقذ حياته يوما ما
انتفض عندما سمع صوت طلقات ناريه يأتيه من كل مكان فخفض رأسه بخوف واختلت عجلة القياده فى يده وحاول قدر استطاعته السيطرة عليها لكن السياره انحرفت بشكل مخيف وخرجت عن الطريق واستطاع عمر بصعوبه كبيره ايقافها
نظر حوله فوجد المجاهدين بلباسهم المميز يحيطون به من كل مكان فرفع يديه فوق رأسه وصرخ برعب : لا تطلقوا النار .أنا شيشانى . أنا بستسلم . محدش يضرب نار
فتح باب السياره ببطء بعد أن أمره قائد المجاهدين ونزل منها مشبكا يديه فوق رأسه ورأى مجموعه كبيره من المجاهدين وهم يطوقون السياره من كل مكان
فى طريق العوده الى المعسكركان عمر يتعجب من نفسه ويتساءل عن السبب الحقيقى الذى جعله يختار جانب المجاهدين الشيشان دون الروس رغم تأكده من فرق القوه الهائل لصالح الروس الذى سوف يمكنهم من الإنتصار لا محاله
لماذا رفض البقاء فى المعسكر الروسى رغم أنه كان أكثر أمانا بالنسبة له؟ كيف حسم أمره بمثل هذه السرعه وقرر أن يهرب ويعود للمجاهدين برغم خوفه من أن يتهموه بالخيانه ؟
هل هو مالك؟أم زهره ؟ أم محمد ؟ هل يصدق حقا أنه ينتمى اليهم؟
.................................................. ..............
(11)
لأول مره فى حياته يشعر عمر بكل هذا الخزى والخجل وذلك عندما استدعاه قائد المعسكر الى مكتبه وهناك وجد مالك الذى ما ان رآه حتى أدار وجهه بغضب واشمئزاز
وقف الإثنان أمام قائد المعسكر الذى وجه حديثه الغاضب اليهما معا وقال : ما الذى دفعكما لمغادرة المعسكر ليلا دون اذن ؟
أجاب مالك بسرعه : أردنا جمع الحطب لنشعل النار لنتدفأ بها فالجو كان شديد البروده
القائد بصرامه : وكيف وصلتما الى الحدود الداغستانيه؟
مالك : لقد ضللنا الطريق وافترقنا عن بعضنا بسبب الظلام وقضيت وقتا طويلا فى البحث عن عمر فلم يكن باستطاعتى العوده للمعسكر بدونه وأنا أعلم جيدا أنه يجهل دروب وجبال هذه البلاد وعندما طلعت الشمس رأيتهم من فوق الجبل وهم يأسرونه ويأخذونه فى سيارتهم الى المعسكر.فعدت وابلغت القياده فى الحال اقترب القائد من عمر وقال بغضب : وأنت . أتعلم كم تكبدنا من مشقه ورجال وذخيره لننقذك من أيديهم ؟. لقد أرسلنا كتيبه كامله بمدافعها فى محاوله لاقتحام المعسكرلإنقاذك
ابتلع عمر ريقه بمزيج من الخجل والندم وقال بأسف : آ.آسف سيدى . مش هاكررها تانى
القائد : لا تعتذر . فابن خالد ديساروف يستحق أكثر من هذا
نظر اليه عمر بدهشه وصمت فابتسم القائد وقال : لا عجب انك ابنه فقد عدت الينا بسياره مملوءه عن آخرها بالأسلحه والذخيره . أغلب من فى المعسكر الآن يعتبرك بطل
نظر اليه عمر بذهول شديد . لقد عرف الآن فقط ماذا كان يحمل فى السياره التى كان يقودها. وحمد الله كثيرا وهو يتذكر عدد المرات التى نجا فيها هو والسياره من الإنفجار . نظر الى مالك الذى خلا وجهه تماما من ابتسامته المميزه المحببه للنفس
لم يشعر عمر فى حياته بالخجل أمام أى انسان بقدر ما شعر به فى هذه اللحظه أمام مالك
قطع أفكاره صوت القائد وهو يقول : ان ما يحيرنى حقا هو كيف أفلت بسيارتك من الكمين الذى أعددناه للسيارات الأربع التى خرجت من المعسكر؟
أتعلم أنك تذكرنى بوالدك رحمه الله ؟
يوما ما سأحكى لك عنه وعن بطولاته
تجاهل القائد الحيره والدهشه فى عينى عمر وقال : ولكن كل هذا لن يعفيك من العقاب على مخالفتك للأوامر وخروجك من المعسكر ليلا بدون تصريح .
التفت الى مالك وقال : وانت ايضا ستعاقب معه . والآن انصرفا
استدار عمر مغادرا مكتب القائد هو ومالك عندما استوقفه القائد قائلا : عمر . أظن أنك مدين لمالك بالشكر .. فلولاه ما عرفنا طريقك
هز عمر رأسه بخجل ونظر الى مالك الذى انصرف مغادرا فى صمت دون أن ينظر اليه
قضى عمر فترة التأديب محاولا بكل وسيله استرضاء مالك ومصالحته . لكن مالك كان غاضبا بشده وكان يعبر عن غضبه بالصمت لدرجة أنه كف حتى عن الغناء وكاد عمر أن يفقد عقله أمام اصرار مالك على الصمت
وانتهت فترة التأديب وعاد الإثنان الى الخيمه لينالا قسطا من الراحه وعاد عمر الى استجداءه والتوسل اليه أن يسامحه حتى كلمه مالك أخيرا وسأله بغضب : هل وجدت ما كنت تبحث عنه؟ لماذا لم تبقى فى أحضانهم ربما أعادوك الى مصر؟
عمر بأسف : مقدرتش أصدقهم, ولا أآمن لهم
مالك بسخريه شديده : حقا؟ وكيف اكتشفت ذلك الإكتشاف الخطير؟
عمر : أنا ماباآمنش للى بيلعبوا قمار
مالك بسخريه لاذعه : انظر من يقول هذا ؟ كيف لا تثق بهم وانت تلعب الورق؟
أكمل بضيق شديد : لا أدرى كيف يقول القائد أنك تذكره بوالدك رحمه الله !
عمر بندم شديد : أيوه ما بآمنش للى بيلعبوا قمار ..لأنهم زيى, مايتآمنلهمش
صمت مالك ولم يدرى ماذا يقول الا أن حدة غضبه بدأت تهدأ عندما استشعر صدق عمر وندمه فهز رأسه بأسف
وأكمل عمر : أنا هربت منهم مع انهم كانوا بيعاملونى كويس وأكلونى و....
قاطعه مالك بحده : وأطلقوا عليك فتياتهم الجميلات ليستخرجوا منك ما يريدون .... سمعت هذه القصه من كل من وقع فى الأسر .. هذا فى اليوم الأول فقط وبعدها....
صمت قليلا ثم قال بسخريه : لماذا لم تبقى معهم لتكتشف بنفسك؟
تنهد بأسف وقال : لقد كنت أعتبرك صديقى
أطرق عمر بأسف شديد وقال بخجل : كان لازم تعرف من الأول انى مينفعش أبقى صاحبك أنا . أنا مدمن قمار
نظر اليه مالك بصمت واختفى الغضب من وجهه ثم قال بتعاطف : لا شك أنك عشت حياة صعبه
عمر بسخريه مريره : صعبه؟ بأنهى لغه؟ بلغة البلد اللى جيت منها . ولا بلغة البلد دى؟ بيتهيألى الفرق كبير قوى
صمت مالك قليلا ثم نظر اليه وقد عادت ابتسامته الجميله تضئ وجهه البشوش وقال له بحب : ولكنى مازلت أعتبرك صديقى . يمكننا أن نصبح أصدقاء مثل أبوك وأبى . لقد كانت صداقتهما عجيبه حقا
استدار اليه بكل جسده و قال بحماس كبير : أتعلم .. كنت أحلم دوما أن يكون لى صديق أحبه أكثر من أى شئ وتبقى صداقتنا حيه مدى الحياه وحتى ما بعد الموت ألم تسمع حديث النبى صلى الله عليه وسلم أن الأخلاء المتحابين فى الله من الذين يظلهم الله بظله ؟ اسمع .. لقد قررت أن أجعلك شريكا لى فى شركة الهندسه التى أحلم بها وسنبقى أصدقاء دائما مثل والدينا ..لقد تعاهدا على الوفاء والإخلاص وأقسما أن يسمى كل منهما أول مولود ذكر له باسم صديقه ويتـ .........
صمت مالك فجأه . أسكتته النظره التى رآها فى عينى عمر وتغير لون وجهه
ضاقت عينا عمر وقال بصوت ظهر فيه بوضوح أثر الصدمه : بس أنا ما اسميش محمد
ابتلع مالك ريقه بصعوبه ولم يستطع الرد
أفاق عمر فجأه على حقيقه تاهت عن باله طويلا أو ربما تعمد نسيانها , لقد كانت له عائله. أب وأم واخوه وربما أخوات
أطرق برأسه طويلا يفكر فى صمت . ثم سأل مالك بصوت حزين : كان عندى اخوات قد ايه؟
أدرك مالك ما فعلته كلماته بعمر كما أدرك تماما أنه لن يستطيع أن يعيد الأمور الى ما كانت عليه فقال مباشرة وصوته يقطر بالأسف : ثلاثه
ضحك عمر ضحكه ساخره قصيره تمتلئ ألما ومراره وهو يقول : ورابعهم كلبهم....
همه فين دلوقتى؟
مالك بأسى : دفنهم أبى فى مقابر أسرتنا
اتسعت عينا عمر وفغر فاه وقال بذهول: أبوك !! أبوك دفن صاحبه وأخته وأولادهم؟
نهض عمر ببطء وهو لا يكاد يصدق وخرج من الخيمه , وحاول مالك أن يتبعه لكنه أوقفه بصوت يمتلئ بالدموع ودون أن يلتفت: عاوز أمشى لوحدى
سار عمر لمده طويله وهو لا يكاد يتبين طريقه من كثرة الدموع التى ملأت عينيه وتحولت الى أنهار تجرى على خديه تؤججها النيران التى اشتعلت فى قلبه
لقد صدق أخيرا أنه كانت لديه أسره كامله أب وأم وإخوه وربما أخت جميله كزهره . لو لم يذبحوا ربما كان قد اختلف كل شئ
وربما أصبح مثل مالك وزهره يتنعم فى ظل أسره جميله تحبه وترعاه وتعلمه .وتحميه من طيشه وجنونه
لم يدرى عمر كم من الوقت قضاه يبكى وحيدا فى البرد بقلب يملؤه الحزن والندم والألم ولم يخرجه مما هو فيه الا يد مالك التى أطرقت على كتفه بحب وصوته المملوء بالحنان وهو يقول : عمر . هون عليك يا صديقى فقد انقضت أعوام طويله ..لقد أتى الليل وازداد الجو بروده هيا بنا يا صديقى لنعود الى الخيمه
استلقى عمر على فراشه ووضع كفيه المتشابكتين أسفل رأسه. لكنه لم يستطع النوم . بل ظل يفكر فى أهله ثم التفت الى مالك المستلقى على الفراش المجاور له وسأله : مالك . شكلها ايه؟
مالك بتساؤل : من؟
عمر بشرود : أمى
التفت اليه مالك وقال : ألم يريك أبى صورتها؟
عمر بخجل : ماسألتهوش
مالك : عندما نعود الى البيت سأريك صورتها . أتعلم ان زهره تشبهها كثيرا
التفت اليه عمر بدهشه واهتمام : زهره!!!..
عاد يحدق فى سقف الخيمه وهو يقول بشرود : قد كده كانت أمى جميله ؟هى ما......
قطع حديثه عندما شق هدوء الليل صوت يشبه موتور سياره نقل فى الصيانه نهض من فراشه وأخذ يتبين هذا الصوت لقد كان صوت شخير قوى يصم الآذان
نهض مالك من فراشه بضيق واقترب من عمر الذى وقف بدوره ينظر باتجاه مصدر الشخير ثم نظر الإثنان الى بعضهما البعض فى صمت
.................................................. ....................
يتبع...........................
فجر اليوم التالى ...........
لم يستيقظ المعسكر على صوت أذان الفجر كما تعودوا . بل على صوت صراخ أجش أشبه بصوت طائره حربيه
تجمع كل الشباب فى ساحة المعسكر وهبطت عليهم الدهشه والذهول عندما رأوا حمدوف المارد الذى طرد مالك وعمر من الخيمه فى أول يوم لهما فى المعسكر مقيدا فى شجره كبيره بطريقه عجيبه
كان حمدوف ملفوف بعنايه فى أغطيته ومقيد فى سريره بكميه كثيفه من الحبال التفت حول السرير من أعلاه الى أسفله بحيث لا يظهر منها سوى رأس حمدوف فقط..أما السرير نفسه فقد كان يقف بشكل رأسى ومثبت بالحبال فى جذع شجره كبيره
لم يستطع الشباب كبح جماح الضحك الذى انتشر بينهم وهم يتعجبون ممن استطاع أن يفعل ذلك بحمدوف العملاق .أما حمدوف فقد ازداد غضبه وأخذ يصرخ بصوت جهورى ويتوعد بالإنتقام
وأخيرا استطاع قائد المعسكر اسكاته عندما أقنعه بأنه لن يفك قيده الا اذا تعهد بعدم اثارة المشاكل أو ايذاء أى فرد فى المعسكر
وبالفعل فك وثاقه بعد أن هدأ ثم رحل متجها الى مكتبه لكنه توقف قليلا فى الطريق أمام عمر ومالك ونظر اليهما نظره ذات مغذى وابتسم
..............................................
كان هذا المعسكر معد خصيصا لمجموعه كبيره من شباب الشيشان المتقاربين فى العمر وليس لديهم خبره سابقه فى القتال أو الحرب
وكان يقوم بتدريبهم مجموعه من أمهر المجاهدين الشيشانيين والعرب الذين ساهموا بدور كبيرفى تحريرالشيشان وعملوا فى تدريب الشيشانيين على كل من الأمور العسكريه القتاليه والمعلومات الإسلاميه
كانت الحياه فى المعسكر شاقه للغايه وكانت التدريبات مقننه وجاده ومتقنه ومتعدده ...تدريبات بدنيه وتدريبات على الأسلحه المختلفه واطلاق النار وفنون القتال المختلفه
ويتخلل اليوم محاضرات ودروس دينيه لتقوية الإيمان والترغيب فى الشهاده وحب الوطن ودروس فى التاريخ الإسلامى وقصص السابقين والسيره النبويه
وحلقات لتعليم اللغة العربيه لمن لا يعرفونها
أما الصلاه فقد كان لها عنايه خاصه فى برنامج المعسكر ...فقد كانت تقام فى جماعه على وقتها وكان الدعاء والقنوت فى كل صلاه والتشجيع على قيام الليل واقامة مسابقات فى حفظ وتفسير القرآن الكريم
واستطاع عمر بمساعدة صديقه مالك أن يتحمل تلك الحياه الشاقه التى لم يعتاد عليها ولم يعش مثلها أبدا
وكان عمر ومالك يتفننان فى اختراع المقالب والأفاعيل المضحكه ويوقعان فيها حمدوف العملاق الذى لم يستطع ابدا اكتشاف الشخص الذى يوقعه فى المشاكل
وشيئا فشيئا نمت صداقه متينه بين حمدوف وبين مالك وعمر فلقد اكتشفا أنه برغم جسده الضخم وسرعة غضبه المخيفه الا أنه يمتلك قلب طفل صغير يمتلئ بالطيبه والسذاجه واستطاع مالك وعمر الثأثير عليه وترويض سرعة غضبه بالحب ولم يعد حمدوف يستطيع الإبتعاد عنهما فكان الثلاثه يقضون كل أوقاتهم معا
.................................................
كان مالك يرتدى ملابسه العسكريه ويجهز سلاحه ويستعد للخروج والإنضمام لمجموعه من الشباب لتنفيذ أحد الأوامر التى كلفهم بها قائد المعسكر
سأله عمر الذى كان مستلقى على فراشه بعد أن انتهت نوبة حراسته : قائد المعسكر عربى ..مش كده؟
مالك بحماس وهو يعد سلاحه : انه أحد أتباع القائد خطاب رحمه الله. الذى كان قائدا لكتيبة الأنصار.. كتيبة المجاهدين الأجانب فى القوقاز
عمر بتساؤل: ومين خطاب ده؟
مالك بدهشه : ألم تسمع عنه أبدا ؟
عمر : سمعت عنه بس بسأل مين هو ؟؟
مالك : انه أحد المجاهدين العرب الذين خرجوا من بلادهم للجهاد ضد الروس وكونوا كتيبه تسمى كتيبة الأنصار. لكنه أروعهم على الإطلاق فهو جسور لا يعرف الخوف . حارب الروس فى أفغانستان وطاجيكستان وهنا . انه بطل . أسطوره . كبد الروس خسائر فادحه ..سأكمل لك قصته عندما أعود ....
انطلق مالك يجرى ليلحق بزملاءه فى المهمه
وخرج عمر من الخيمه متمهلا وأخذ ينظر الى مالك وهو يبتعد مسرعا ثم تنهد وقال : العالم مليان بالمجانين
قد يحتاج الإنسان لبعض الجنون حتى يستطيع أن يتواءم مع هذه الحياه
التفت عمر بحده نحو المتكلم فوجد أمامه قائد المعسكر يبتسم ظهر عليه الإرتباك الشديد لكن القائد اقترب منه وبادره بالسؤال : انت فى فترة الراحه الآن؟
هز عمر رأسه موافقا بحذر
فقال القائد : من مصر ..أليس كذلك؟؟
قال : أيوه
فقال القائد بابتسامه كبيره : أتعلم ماذا قال النبى صلى الله عليه وسلم عن بلادك؟
هز عمر رأسه بالنفى ولم يتكلم
القائد: قال عنها أن أهلها هم خير أجناد الأرض
عمر يسأله : أنت من تلامذة القائد خطاب؟
القائد وهو يسير بجواره وكأنه صديقه : أنا من كتيبة الأنصار .
أخبرنى بصدق . من كنت تقصد بالمجانين ؟ أنا لم أتعمد أن أستمع اليكما , لكن صوتك كان عال
قال بتردد وهو يسير بجواره : أنا بس كنت بستغرب . ازاى راجل يسيب بلده وأهله وفلوسه,علشان يروح أرض مايعرفهاش, ويحارب علشان يحرر وطن مش وطنه, وكل ده وبدون مقابل, ومن غير ما حد ما يطلب منه ده !
ضحك الرجل وقال : سأقول لك سر لا تخبر أحدا به .أنا أيضا كنت أظنه مجنونا . لماذا يفعل هذا . وكيف يفكر .. و كنت أسأل نفسى كثيرا ماذا تعنى كلمة وطن؟ هل هى الأرض التى نولد فيها أم التى نعيش عليها أم التى نموت وندفن فيها؟
أتعلم .. ربما يكون الوطن أكبر بكثير مما نظن أو حتى مما تستطيع عقولنا الضيقه أن تدركه...
اهتم لنفسك ..ولا تنسى أبدا أنك من خير أجناد الأرض
توقف عمر عن السير والتفت اليه بدهشه كبيره وعقد حاجبيه بتساؤل وهم أن يقول شيئا
لكن القائد تركه ورحل مسرعا وظل عمر واقف يحدق فى الطريق الذى ذهب منه وفى عقله أسئله كثيره
يوم بعد يوم كان عمر يشعر بأن شيئا ما بداخله يتغير ..شئ كبير للغايه
لقد كف عن الشكوى واعتاد البروده القارصه واندمج وسط شباب المجاهدين وأصبح لديه أصدقاء كثيرين
وكانت من أمتع اللحظات بالنسبة اليه عندما يعد هو ومالك المقالب المدبره المتقنه لأحد أصدقائهم فى المعسكر لإشاعة البهجه والمرح فى أرجاء المعسكروكثيرا ما وقعا فى المشاكل بسبب تصرفاتهما الطائشه وتعرضا للتوبيخ والتأديب من قائد المعسكر
كان مالك وعمر يقومان بجمع الحطب والأخشاب من التلال القريبه من المعسكر وكان مالك يغنى أغنيته الوحيده :
في ليلة مولد الذئب خرجنا إلي الدنـــــيا
وعند زئير الأسد في الصباح سمونا بأسمائــنا
زفر عمر بضجر شديد وقال بتأفف وهو يجمع الأخشاب: ياساتر, دانت ممل,
يا أخى خنقتنى.هو انت معندكش غيرها؟
من ساعة ما عرفتك وعمرى ماسمعتك بتغنى الا الأغنيه السكه دى..
ضحك مالك وقال : انها النشيد الوطنى لبلادنا
نظر اليه عمر بدهشه وهز رأسه بعجب : دانت تغيظ, نفسى أسمعك بتغنى أغنيه تانيه
جلس الى صخرة كبيرة وهو يقول : ما تغنى عن الحب..عن الجمال ..جدد
مالك بمرح وهو يحمل كومه من الحطب: عمر ..ألم تفكر يوما فى الزواج؟
عمر بلامبالاه : مين ؟ ..أنا !! أنا مابفكرش..أنا عايش حياتى زى ماهيه ..تمشى زى ماتمشى, يوم بيوم
مالك بدهشه كبيره : ماذا ؟ ألم تحلم يوما أن يكون لك بيت خاص بك وزوجه جميله وأطفال يشاكسونك؟ أليس لك أى أحلام؟
عمر : أنا مابفكرش بطريقتك دى ..أنت عايش كل حياتك فى الأحلام
مالك بتفاؤل : و سوف احقق كل احلامى ان شاء الله
سيكون لى شركة هندسيه كبيره وستكون شريكى كما اتفقنا وسأتزوج وأنجب أطفالا ..
وتنازلا منى سأمنحك شرفا خاصا ..سأسمى أول أبنائى باسمك
أتعلم أننى أحلم أن تكون فتاة أحلامى تماما كزهره
التفت عمراليه وقال بدهشه : زهره !!!
مالك : نعم ..زهرة أختى ..ليس من الضرورى أن تشبهها فى الملامح ولكنى أتمنى أن تكون بنفس أخلاقها وصفاتها
وأنت..بم تحلم؟
عمر بضجر : يابنى ماقلت لك انا مبحلمش, أنا صاحى على طول
تأمله مالك بدهشة كبيرة وهو يقول : وهل يستطيع الإنسان أن يعيش دون حلم خاص به, هدف يسعى لتحقيقه, قضية يدافع عنها ويموت فى سبيلها؟
ظل عمر واقفا فى مكانه يتأمله بدهشة, يفتش بداخله عن كلمات يقولها فلا يجد
تبدلت ملامحه فجأة, وعقد حاجبيه بشده وظهر فى وجهه الذعر وهو يقول : شش
سامع اللى أنا سامعه
مالك ينصت باهتمام ويلقى مابيديه من أخشاب ثم يجرى باتجاهه وهو يقول بخوف : اختبئ
انطلقا يجريان وهما يجران العربه التى تحمل الأخشاب ليخفوها عن الأعين وصعدا فوق تلة قريبه واختبئا جيدا وأخذا ينظران من موقعهما فوق التله فوجدا سيارة عسكريه صغيره مكشوفه تحمل خمسه من الجنود الروس قادمه من بعيد وتقترب باتجاههما
همس مالك : يبدو أنها دورية استطلاع اخترقت الحدود
عمر بخوف : هانفضل مستخبيين لحد ماتمر, وبعدها نرجع المعسكر
ظل الإثنان يراقبان السياره وهى تقترب . ثم التفت عمر بحده الى مالك عندما سمع صوت مدفعه يجهز للإطلاق فقال له بصوت خفيض : انت اتجننت ؟بتعمل ايه؟ مش لازم يحسوا بينا
ضاقت عينا مالك وارتسمت على وجهه ابتسامه أشبه بابتسامة صياد يهم باصطياد فريسه وقال بثقه : انهم فقط خمسه..هيا جهز سلاحك واستعد
عمر بحده وبصوت خافت حتى لا يسمعونه : ايه ؟ أنا عمرى فى حياتى ماقتلت حد
مالك وعيناه تشعان ببريق مخيف : ولا أنا ..ولكن هذا لا يهم ..يكفى أن تتذكر ما فعلوه بأسرتك وستجد السلاح ينطلق وحده
عمر باصرار : لا ..هانرجع المعسكر ونقول للقائد وهو يتصرف
اتسعت ابتسامة مالك واشتد بريق عينيه لمعانا وهو يقول : لا داعى لكل هذا ..نستطيع مفاجأتهم واصطيادهم بسهوله
عمر بذعر : مالك ..اياك تعمل حاجه والا هابلغ القائد ..سيبهم يمشوا ولما نرجع المعسكر يحلها ربنا
بدا على مالك وكأنه لم يسمع ما قاله عمر وأخذ يصوب مدفعه جيدا واقتربت سبابته من الزناد وهو يبتسم
واتسعت عينا عمر برعب
.................................................. ..
(12)
نزع الذئب نظارته المعظمه من على عينيه وهو يقول بغضب : انهم يحاصرون القائد حكيم ومن معه
جوهر : مرت ثمانى ساعات والوضع كما هو لا يتغير
الروس يحاصرونهم والقائد حكيم يرفض الإستسلام
الذئب : يجب أن نساعدهم بأى طريقه ..مستحيل أن نتركهم يسقطوا فى أيديهم
جوهر : أتسمع؟ انهم يستخدمون مكبرات الصوت
الذئب بغضب : يطلبون منه تسليم نفسه ..الأوغاد يريدون تحطيم معنوياتهم
نهض بسرعه من مكمنه فعاجله جوهر : الى أين أيها القائد ؟
الذئب بعزم : لدى خطه ...هيا بنا
تسلل الذئب والمجموعه التى معه من المجاهدين عبر ممرات جبليه ضيقه والتفوا من خلف القوات الروسيه التى تحاصر القائد حكيم وصعدوا الى قمة الجبل المجاور للقوات الروسيه وفتحوا النار عليهم وحدث ارتباك شديد للقوات الروسيه عندما فوجئوا بالنيران تأتى من خلفهم مما جعل القائد حكيم ومن معه يطلقوا النار بدورهم وبشكل مكثف
وانقلب الموقف تماما وبدأت القوات الروسيه فى التراجع عندما شعروا أنهم محاصرون مما أحدث فجوه كبيره وسط القوات الروسيه واستطاع القائد حكيم ومن معه الخروج من الحصار
فأخرج رجاله أولا ثم خرج من بعدهم وبينما هو يجرى أصابته طلقه فى ساقه فسقط أرضا فى منطقه مكشوفه للقوات الروسيه
رأى الذئب من فوق الجبل القائد حكيم وهو يسقط فصرخ فيمن معه : احموا ظهرى وأطلقوا النار بكثافه
نزل من الجبل عدوا على قدميه بسرعه كبيره ووصل الى القائد حكيم وسحبه من ذراعيه خلف صخره وسأله بعجاله : كيف حالك؟
فابتسم القائد حكيم بألم وقال : الحمد لله ..اصابه مباشره فى الركبه ..لماذا أتيت ؟ دعنى وعد الى رجالك
قال الذئب بحسم : سنعود معا
كثف المجاهدون اطلاق النار على القوات الروسيه وشتتوا انتباههم
رفع الذئب رأسه ونظر من خلف الصخره وعندما اطمئن ..حمل القائد حكيم فوق كتفه وانطلق يجرى باتجاه موقع المجاهدين
عبر ثلثى الطريق وفجأه ....
أصابته طلقه فى جانبه فاهتزت خطواته وترنح بشده وسقط أرضا هو والقائد حكيم
.................................................. .......
أطلق مالك النار على السياره الروسيه برغم اعتراض عمر الشديد فقتل أحد الجنود وأصاب عجلة السياره الخلفيه
توقفت السياره وترجل منها بقية الجنود الروس واختبئوا خلفها يحتمون من طلقات مالك وبدأوا يطلقون النار باتجاه مالك وعمر الذى ارتبك بشده وأمسك سلاحه وأعده للإطلاق .لكنه لم يطلق منه رصاصة واحده
أما مالك فأخذ يطلق عليهم النار لكنه لم يستطع اصابة أحد آخر فقد كانوا مختبئين خلف السياره وبدأ الغضب يسيطر عليه وعمر يصرخ فى أذنه برعب : مالك . مش هانقدرنهزمهم, يلا نهرب
ارتعدت اطرافه عندما اتاه من خلفه صوت سلاح يعد للإطلاق
وكان مالك الذى سمع نفس الصوت اسرع بكثير فى رد فعله
فالتفت بحدة ليجد أمامه اثنين من الجنود كانا فى السيارة والتفا حول الجبل ليطوقا مالك بعد ان عجزوا عن ايقاف نيرانه الكثيفه
فجأه صرخ مالك صرخه عنيفه غاضبه وهو يميل على جسد عمر الذى تحول الى صنم ذاهل ووجهه كتله من الرعب : أوغااااااااد
واعتصر سلاحه عصرا
ولكن..............
رصاصاتهما كانت تحمل لمالك اكثر من مجرد موت
كانت تحمل معها رياح الجنه...ولم يشأ مالك ان يرد الهدية, بل تلقاها بمجامع قلبه كحبيب يشتاق سنينا ليضم حبيبه
أما عمر فقد أصيبت أطرافه الأربعه بالشلل للحظات وهو يرى مالك يحميه بجسده ويتلقى عنه نصيبه من طلقاتهما فى صدره مباشرة
جن عمر تماما عندما انسكبت دماء صديقه الحبيب الى قلبه فوق ملابسه, وكأنما كان لون الدماء الأحمر القانى هو الذى ايقظه من ذهوله, وفجرت كل شئ فيه وحررته من قيود الخوف لتتحرك كل عضلة فى جسده, واولها سبابته التى عصرت زناد سلاحه عصرا حتى كادت ان تكسره
وتلقى الجنديان كم لابأس به من الرصاصات فى جسديهما, وبعدها التفت عمر حيث السيارة التى خرج من خلفها البقية المختبئة واقتربوا من التلة بعد ان اطمئنوا لقيام زملائهما بالقضاء على المقاوم وسلاحه الحاصد
وجرى عمر بكل قوته وهو يصرخ ماااااالك وورصاصاته مدفعه دون تفكير تحصد الجنود الروس الذين فوجئوا بوجود عمر واختفاء زميليهما
ظل عمر يطلق النار حتى أرداهم جميعا ولم تتوقف أصابعه عن الضغط على الزناد الا عندما فرغ سلاحه تماما
ألقى بسلاحه من بين يديه وعاد الى صديقه وحمل رأسه بين يديه وأسندها الى ساقه ووضع يده على صدره محاولا ايقاف الدماء التى سالت بغزاره وهو يقول والأسى والألم يقطر من كلماته: مالك . صديقى.اطمئن . انت بخير ..هأنقلك المعسكر وهايعالجوك, لازم يعالجوك..انت هاتخف.. اكيد هاتخف
ابتسم مالك كعادته ولكن ابتسامته هذه المره كانت شاحبة, وانتصر الألم على ملامح وجهه الباسم دائما, لكنه تماسك من اجل صديقه وقال : لماذا أرى وجهك عابسا ..ابتسم يا صديقى.. هل...
غلبه الألم فصمت قليلا ثم قال : هل تريدنى أن أغيظك وأغنى لك في ليلة مولد الذئب
حاول الضحك لكنه لم يستطيع : يبدو أنك ستعود للبيت بدونى
سالت دموع عمر غزيره وهو يقول بصوت حزين : اسكت ..ما تقلش كده . هاترجع معايا, مش ممكن أرجع من غيرك أبدا ..هاترجع معايا, انت فاهم
مش ها تموت أبدا
مالك بضعف : كلنا سنموت يا صديقى. المهم هو كيف سنموت؟
أوصيك بأمى وزهرة والصغيرين ..وأخبر أبى أننى أصبحت ذئبا يفخر به
انتحب عمر وتساقطت دموعه وقال بعناد : لا .مش ها تموت يا صديقى ..هاتفضل معايا لحد ما تحقق أحلامك..هانحقق أحلامنا سوا, فاكر؟
أحلامنا يا مالك ..هانحقق أحلامنا سوا
مالك : سامحنى يا صديقى ..لأننى أخفيت عنك أكبر حلم فى حياتى ..انه حلم تتضاءل بجانبه كل الأحلام
حلمى أن أموت شهيدا وأكون مع أخواى فى الجنه
عمر بحسره : لا. مالك .ماتسيبنيش لوحدى ..انت صديقى الوحيد
لم يرد مالك, ولكن شخص بصره الى السماء وقال بشرود : شامل. خالد. اشتقت اليكما
يصمت قليلا ثم يقول : ماذا تريدنى أن أقول يا خالد؟
يتلفت عمر حوله فلا يجد مخلوق غيرهما فيعقد حاجبيه وهو يراقبه بدهشه صامتا
يرفع مالك سبابته اليمنى الى السماء ويقول : أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
وتفيض روحه الى بارئها فتسقط يده وتتعلق عيناه بالسماء وتستقر على وجهه الطفولى الجميل أروع ابتسامه يمكن أن يراها انسان
صرخ عمر بلوعه وهو يحتضنه بقوه: ماااااااالك ..أخويا . صديقى . حبيبى ..ماتسيبنيش لوحدى
لازم ترجع معايا .لازم نرجع البيت سوا , مش هارجع من غيرك
.................................................. .
رفع الذئب رأسه من الأرض وهو يشعر بآلام رهيبه فى جانبه ..نظر الى القائد حكيم الذى أمسك به بلهفه وهو يقول : هل أنت بخير؟
هز الذئب رأسه ولم يتكلم
رأى المجاهدون الذئب والقائد حكيم وهما يسقطان فى منطقه مكشوفه للروس فكثفوا اطلاق النار بصوره كبيره أربكت الروس وأدت الى تراجعهم قليلا فتقدم المجاهدون عدة خطوات ليغطوا القائدين
تحامل الذئب على نفسه ونهض بصعوبه وأمسك بذراعى القائد حكيم وأخذ يجره باتجاه موقع المجاهدين تحت ساتر النيران التى يطلقونها
فصرخ جوهر الذى كان يقف فى المقدمه سأنزل اليهم احمونى
نزل من الجبل يجرى بكل قوته ومعه أحمد حتى وصلا الى سفح الجبل فوجد الذئب قد وصل قبلهما فأخذاهما الى منطقه آمنه
وفشل الحصار الذى دام ثمانى ساعات وانسحبت القوات الروسيه من الموقع تجر أذيال الخيبه
وساعد جوهر وأحمد القائدين على الوصول الى موقع المجاهدين
ورفض الذئب الإعتماد على كتف جوهر وتحامل على نفسه حتى وصل الى الموقع على قدميه.فسأله جوهر بقلق : كيف حالك؟
قال الذئب بهدوء : اصابه بسيطه ..لا شئ خطير
كشف جوهر عن مكان الإصابه وقال بجزع : يا الهى ..أنت مصاب بشده
نظر الى بقية المجاهدين وقال : يجب أن ننقلهما الى أقرب مستشفى ميدانى
فى المستشفى قام الأطباء بمعالجة الذئب واستخراج الرصاصه من جانبه وأصر جوهر على البقاء معه حتى يطمئن عليه
ولم يلبث أن رأى الطبيب حتى سأله بلهفه : كيف حاله الآن؟
الطبيب : الحمد لله هو الآن بخير ..عجيب أمر هذا القائد .كيف تحمل كل هذا؟.لقد استخرجت من جسده رصاصه عيار 12.7 مم
جوهر بدهشه : ماذا؟ ..انها ذخيره تستخدم لإختراق المدرعات والمواقع الحصينه ولكنها تجعل اللحم البشرى مثل اللحم المفروم ... والغريب أنه لم يظهر لنا أى دليل على الألم . بل تحامل على نفسه وأنقذ القائد حكيم
الطبيب بدهشه : من هذا القائد؟ وكيف يتحمل جسده كل هذا؟
جوهر : هو دائما يدهشنى هكذا انه يقوم الليل كل ليله ولا أراه الا صائما ..لم أشاهده يأكل أو ينام ..لا أعرف كيف يعيش؟!!
كما أنه قليل الكلام دائم الشرود حزين
الطبيب بعجب : ترى . ما الذى حدث له فى حياته ليصبح هكذا؟
.................................................. ........
لم يستطع عمر أن يتذكر أبدا كيف عاد بمالك الى البيت؟ ولا ماذا ركب ولا من ساعده
كل ما استطاع أن يتذكره هو أنه حمل جسد مالك الشهيد على كتفه وانطلق يجرى ويجرى ويتعثر ويسقط ثم ينهض ويحمله ويجرى من جديد وهو يبكى وينتحب والدموع تغرقه
حتى ..جفت دموعه تماما تاركه خطين واضحين على خديه ولم يعد يجد دموعا يذرفها
لم يتوقف عمر عن الجرى الا عندما فتح محمد باب البيت ونظر اليه وهو يحمل جسد مالك الشهيد بين ذراعيه
نظر اليه محمد طويلا بصمت, وتغير لون وجهه وتفجر الحنان من عينيه ونطقت ملامحه بالألم واللوعه . لكن عيناه لم تذرفان دمعة واحده ..اقترب من رأس مالك ومسح على شعره بحب كبير
تأمل عمر محمد بصمت طويلا وفهم أخيرا لماذا لا تبكى الذئاب
لقد جفت دموعها من كثرة البكاء والألم
حمل عمر ومحمد على اكتافهما جثمان مالك المغطى بعلم بلاده ووجهه مكشوف يحمل نفس إبتسامته الجميله وخلفه يسير المجاهدون بصمت مهيب
وأخذ عمر ينظر الى محمد بدهشه وعجب فهو صامت تماما ولم يذرف دمعه واحده ..حتى وصلوا الى المقابر وكان محمد هو الذى يقوم بكل شئ فهو الذى جهز القبر بنفسه ونزل فيه ثم نظر الى عمر ومد اليه ذراعيه ليناوله جسد مالك . لكن عمر تسمر فى مكانه وظهر على وجهه الألم وهو ينظر الى محمد بدهشه واستنكار وهو يفكر ..كيف له أن يدخل صديقه بيديه الى التراب
أومأ الأب اليه .لكنه لم يتحرك .فسارع المجاهدون بحمل الجثمان وناولوه للأب الذى احتضنه بقوه ونظر فى وجهه الجميل نظره طويله حزينه وقبل جبينه ثم أرقده بحنان
كان عمر يلقى النظرات الأخيره الى صديقه والحزن وألم الفراق يكاد أن يفتت قلبه
وبعد أن انتهى محمد من عمله وقف أمام القبر بجوار عمر الذى قال بعد صمت طويل : الآن فقط فهمت ..ماذا يعنى أن تفقد أغلى الأصدقاء
زفر الأب زفره حاره بحرارة اللهيب المشتعل فى أعماقه ثم وضع ذراعه على كتفه وقال : هيا لنذهب الى البيت يا بنى
التفت اليه عمر بكل جوارحه ونظر اليه نظره طويله وهو يفكر .. (بنى) لأول مرة يقولها, ولأول مرة يستشعر عمر كل هذا القدر من الحب فى صوته
ارتمى عمر بين أحضانه, ليشتم فيها حنان مالك أغلى انسان عرفه وأغلى انسان فقده
واحتضنه الأب بقوه عله يهدئ من حريق فؤاده لفقد الأحبه أو يداوى جراح قلبه المكلوم
فى البيت ...جلس عمر مطأطأ الرأس حزين
رفع رأسه ببطء وقال بألم : لماذا مات؟
تعجب عمر من نفسه
لأول مرة يتكلم بهذه الطريقة, كيف ينطق لسانه بالفصحى وكأنما لم يعرف غيرها فى حياته
فى لحظة واحدة نسى كل ماضيه, وكأنما عاش حياته كلها على هذه الأرض, فى لحظة واحدة انقلب عقله وقلبه ولسانه, ليتحول الى ذئب شيشانى
فى لحظة واحدة نسى عمر الديب ليعيش عمر ديساروف
التفت اليه الأب ببطء : مالك لم يمت ..انه شهيد
عمر وكأنه لم يسمع : لماذا قتلوه؟..لماذا مات بهذه الطريقه؟
تنهد الأب بحراره وقال : لأنه أراد ذلك
هب عمر من مكانه وقال بانفعال : لا..لم يكن يريد الموت, كان يحب الحياة بجنون..لقد عشت معه أياما طويله تشاركنا فيها الطعام والشراب, الألم والسعاده ..كان يحكى لى أحلامه..كان يحلم ببيت صغير وزوجه جميله وأطفال..
لماذا لم يحقق حلمه؟
الأب بهدوء : ومن قال أنه لم يحقق حلمه؟ . لقد اتخذ أقصر وأسرع الطرق لتحقيق الأحلام...لقد مات شهيدا من أجل الوطن
يصرخ عمر : اللعنه على الوطن ..أى وطن هذا ؟ الأرض البيوت ..الجبال؟ ..مالك أغلى من كل هذا..لماذا نقتل من أجل وطن تموت فيه الأحلام؟
الأب بقوه : عندما يستباح الوطن ..يستباح كل شئ .وتصبح الدنيا سوق كبير للنخاسه فيه الإنسان أرخص من تراب الأرض
أتاه صوت زهرة الحزين : لقد آثر مالك الموت على حياة أرخص من التراب..لقد نال ما تمناه ..أنا سعيده لأجله
عمر بدهشة غاضبة : أتقولين هذا؟ وهو الذى كان يحبك أكثر من أى شئ ؟ لقد كان يتمنى زوجة مثلك
زهرة ودموعها تسيل على خديها : وأنا أحبه وسأفتقده كثيرا ..ولكن لا يجب أن يتحول الحب الى أنانية وقيد لمن نحب فنحن لا نحزن عليهم بقدر ما نحزن لأنفسنا, نحزن لفقدنا لهم ووحدتنا من بعدهم.. ان كنا نحبهم حقا فيجب أن نتخلى عن أنانيتنا ونتمنى لهم السعادة التى لم ينالوها فى هذه الحياة
لقد نال مالك أقصى ما تمنى ..الشهادة مثل أخوينا وأمنا
عمر بدهشة : هو الذى أخبرك بهذا؟
زهرة : لم يكن بحاجة لأن يخبرنى حتى أعرف ما يفكر فيه ...
انه أخى
التفتت اليه وقالت : انت أيضا كنت تعرف
انتفض بغضب وهتف قائلا : لا ..لم أكن أعرف
زهرة بشجن حزين : بلى كنت تعرف ..لكن بداخلك طفل عنيد يخشى أن يصدق الحقيقة
صمت عمر تماما ولم يستطع أن يرد ..وكأن زهرة قد كشفت كل ما فى نفسه .وطال صمته وهو يفكر بعمق.وفجأه هب من مكانه وفتح الباب فاصطدم بوجهه الهواء البارد وسمع محمد يقول : عمر .. الى أين تذهب ؟
عمر بغضب : سأثأر له ..يجب أن يدفعوا الثمن غاليا
محمد : وكيف ستطفئ نيران ثأرك؟ تقتل عشرة ..عشرون ..مائة؟..وبعد؟
لن يحقق هذا ما كان يحلم به مالك
محمد بهدوء : ما لهذا نحارب.... فهدفنا ليس الإنتقام ..
الحرية يا ولدى ..اننا لا نسعى الى الإنتقام ..بل نسعى الى الحرية
وهذا هو مالايريدونه لنا
.................................................. ..............
يتبع.......................................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جوجو
مشرفة قسم
مشرفة قسم
جوجو


الساغة الأن :
الاقامة : القاهره
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 5264
نقاط : 5612
تاريخ التسجيل : 10/06/2009

عوده الذئب ..................روايه طويله Empty
مُساهمةموضوع: رد: عوده الذئب ..................روايه طويله   عوده الذئب ..................روايه طويله Empty18th فبراير 2010, 10:06 pm

(13)
أيها القائد.....
غادر الذئب شجونه وشروده والتفت الى جوهر الذى يقود السيارة بجواره وهو يقول باشفاق : مازلت شاردا حزينا كعادتك!!..أليس هناك نهاية لأحزانك؟
أدار الذئب وجهه ونظر الى الطريق المظلم بصمت فقال جوهر بلهجة اعتذار : عفوا لم أقصد أن أتدخل فيما لا يعنينى ...ولكن ..ولكنك صغير السن وتحمل فوق رأسك هموما لا يتحملها جبل
قال الذئب باقتضاب منهيا الحوار الذى كان من طرف واحد: وصلنا الى الموقع
ابتلع جوهر ريقه بحرج وأوقف السيارة الصغيرة التى يقودها وفيها الذئب واثنين آخرين من كتيبته وخلفهم ناقلتين كبيرتين ..واحدة تحمل الجنود والثانيه تحمل العدد والآلات والأسلحه والذخيره
نزل جوهر من السيارة وهو يقول :لقد درست المنطقه جيدا..هذا الجبل خلفه طريق للإمدادات يصل الى قاعدة عسكرية ..نستطيع اصطيادهم من فوق هذا الجبل وقطع طريق امداداتهم
الذئب : حسنا ولكن أريد أولا تمشيطا دقيقا للمنطقة وما حولها . يجب أن نتأكد أنها آمنه تماما
انتشر المجاهدون وأخذوا يمسحون المنطقة وهم يحملون أسلحتهم المجهزة والمعدة للإطلاق ثم بدأوا يصعدون الجبل يتقدمهم الذئب وأخذوا يفتشون الجبل تفتيشا دقيقا فلم يتركوا حجرا ولا حفرة الا وفتشوها ..دخل الذئب الى أحد الكهوف وأضاء كشافه القوى وأداره فى أرجاء الكهف الصغير, وشعر من الآثار على الأرض أن هذا الكهف يحمل آثار شخص دخله قبلهم بمدة قليلة
شعر بحركة مريبة فقفز بحركة سريعة الى جانب الكهف وأطلق وابلا من النيران ومع الطلقات السريعه التى دوت فى الكهف بصوت يصم الآذان سمع صوت صراخ نسائى يهتف : توقف ..لا تطلق النار. لا تطلق النار.
أوقف الطلقات وبدأ يتبين مصدر الصوت بحذر فرأى على ضوء الكشاف فتاة شقراء تخرج من خلف صخرة كبيرة فى جانب الكهف
قالت بصوت مذعور وهى تلهث : توقف . أنا صحفية
كان المجاهدين قد تجمعوا على صوت طلقات النار
أخرجت الفتاة هويتها وهى تتأمل الوجوه المتشحة بالسواد, والعيون التى تنظر اليها فى ترقب وحذر, وانتابها الخوف, لكنها تماسكت أمامهم
تفحص الذئب بطاقتها بالكشاف
أخذت الصحفية تلهث من الخوف والإنفعال وهى تقول : أنتم مليشيات المقاومة؟
جوهر : نحن المجاهدين ..أهل هذه البلاد
تنهدت بعمق وقالت : آه ..أخيرا وجدتكم..كنت أبحث عنكم من مدة طويلة
مدت يدها بالسلام نحو الذئب الذى كان أقرب الموجودين اليها وهى تقول : كاترين جوليان صحفية
مد الذئب يده نحوها فظنت أنه سيسلم عليها لكنها فوجئت بأنه يرد اليها بطاقتها وسمعته يقول من خلف لثامه الأسود الذى لا يظهر سوى عينيه : وما الذى أتى بصحفيه فى هذا المكان ..ووحدها؟
أصابتها الدهشه من معاملته الجافه ولهجته الخشنة ..لكنها تجاهلت ذلك وهى تقول : أنا فى مهمة صحفية هنا مع فريق من الصحفيين وكنا فى القاعدة العسكرية الروسية القريبة من هنا لعمل لقاءات وأحاديث مع الجنود
ابتسمت وهى تكمل : لكننى هربت من المعسكر الروسى وسرت حتى وصلت الى هنا وعندما هبط الليل اختبأت فى هذا الكهف
الذئب بخشونه : ولم فعلت ذلك؟
قالت بسرعه : لأننى كنت أبحث عنكم..الجميع يقابل الجنود الروس ويتتبع أخبارهم وينشرها .وأما المليشيات .فلا أحد قابلهم أو تحدث معهم أو حتى سمع وجهة نظرهم وأنا أريد أن أحظى بهذا السبق
التفت الذئب مغادرا الكهف بغضب دون أن يتكلم ونزل من الجبل بسرعة وخلفه جوهرالذى سأله : ماذا سنفعل بها أيها القائد؟
قال بضيق : سأصطحبها لأقرب قرية بها ممثلى اللجان الدولية
هتف جوهر : أتعلم كم تبعد عن هنا؟.المخاطرة كبيرة ..الأفضل أن نأخذها لأقرب معسكر للمجاهدين وهم يتولون اعادتها
الذئب بتجهم : لو فعلنا ذلك لأمتلئت صحف الغد بوصفنا بكلمات مثل الإرهابيين الخاطفين, ولتحولت قصتها لأفلام تبكى العالم عن المتوحشين الذين اختطفوا الصحفية البريئة
جوهر : لكنها عندما تعود بالتأكيد ستوضح لهم الأمر وتنشره
الذئب : قد لا يحالفنا الحظ لهذه الدرجة وتظل حية حتى تصل الى بلادها وتنشر الحقيقة ..لذلك يجب أن أعيدها الآن وفورا
جوهر : ولكن الطريق طويل وخطروقد يرصدوا السيارة وعندها...
الذئب : على الأقل عندها لن تكون فى معسكراتنا ولن يستطيع أحد أن يقول أننا اختطفناها أو عذبناها
وصل الى مكان السيارات وقفز الى السيارة الصغيرة وقال بلهجة آمره : أحضرها الى هنا ..سأقوم باعادتها بنفسى واستمروا أنتم فى تنفيذ الخطة, تعلم موعد ومكان اللقاء مع مجموعة القائد سليم
يجب أن تنجز الخطة بدقة شديدة ..هل فهمت
هتف جوهر بانفعال : ولكن ذلك خطر كبير على حياتك ..كما أنك قائدنا ..فلتختار أحد آخر لإصطحابها
قال الذئب بخشونة : نفذ الأوامر
التفت جوهر باستسلام لتنفيذ الأمر لكنه توقف عندما سمع الذئب يقول : جوهر ..
التفت اليه فقال الذئب بتأكيد : أنت القائد من الآن
صرخ جوهر بدهشه عارمه : لا ..مستحيل أنا...!!!
قاطعه الذئب قائلا بثقه : أعتمد عليك
ابتلع جوهر ريقه بصمت وعجب ولم يدرى ما يقول
وصلت كاترين الى السيارة التى جلس الذئب خلف عجلة قيادتها وقال لها باقتضاب : اركبى
فسألته بدهشه : الى أين؟
قال ووجهه الى الطريق : سآخذك لأقرب منطقة فيها ممثلى اللجان الدولية والصليب الأحمر
هتفت كاترين باعتراض : ولكنى لم أتم مهمتى هنا بعد
زفر بضيق وقال بصوت أصابها بالرعب : اركبى
ركبت بسرعة وانطلق الذئب بالسيارة وخلفه عيون المجاهدين
اقترب أحمد من جوهر وسأله : لماذا لم يأمر أحد منا باعادتها؟
هل يخاف علينا الفتنه ؟
قال جوهر وعينيه على السيارة التى ابتعدت بمسافه كبيرة: أظنه يخشى أن يتحدث أحد منا معها فتستطيع استدراجه للبوح بأسرار محظورة
تنهد أحمد بحراره وقال : وهل تظنه يستطيع أن يصمد أمامها؟
جوهر بتهكم : هل اختل عقلك؟؟ألا تعلم من هذا؟ انه الذئب..
كل ما أرجوه هو ألا يفقدها عقلها حتى تصل سالمة الى القريه
التفت خلفه ينظر الى الجبل وزفر بقوة قائلا : هيا فلدينا عمل يجب أن ننجزه
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
لم ينطق الذئب بكلمه واحده منذ أن انطلقا بالسيارة وأخذت كاترين تتطلع اليه من حين لآخر تنتظر أن يسألها أو حتى ينظر اليها لكنه لم يفعل فقالت : أظنك تتساءل لماذا لم أخاف منكم برغم ما يشيعه الروس عنكم من أنكم ارهابيين متوحشين آكلي لحوم البشر .. وانكم تتلذذون بتعذيب وارهاب الآخرين؟
انتظرت أن يرد . لكنه لم يلتفت حتى اليها
فقالت تستحثه : أنت تتعجب..تتعجب أليس كذلك؟
تجاوزت صمته وقالت وكأنه رد عليها : لأن من عادتى أن أقرأ كل ما كتب عن أى موضوع أريد أن أكتب عنه
وأشد ما أثار عجبى ما كتبه عنكم سولجنستين وكذلك ما كتبه المؤرخ الأوروبي ("روبرت كونكوست" في كتاب "قتلة الأمم"ألا تريد أن تعرف ما قاله عنكم؟
أكملت عندما لم يرد : كتب "لقد كانوا أسودا ذوي شهامة عسكرية تجلت في معاملتهم للأسرى والجرحى من الأعداء ولا غرو في ذلك، فقد كان القادة هم العلماء الذين يقاتلون دفاعا عن أرضهم ودينهم حتى آخر جندي وآخر سيف". )*
أليس غريبا أن يكون هذا هو رأى أعداءكم فيكم..؟
لهذا سعيت لمقابلتكم دون خوف..كنت أريد أن أتأكد من مدى صدق هذه العبارة
صمتت قليلا لتفسح له المجال ليتكلم ..لكنه لم يفعل ..زفرت بغيظ وقالت : الجو هادئ تماما على عكس ما كنت أتوقع
استفزها بشده صمته الغريب . فنظرت اليه بدقه برغم الظلام الذى لم يخفف منه سوى ضوء القمر وانعكاس مصابيح السياره القوية فوقعت عيناها على شئ يلمع فى يده, دققت النظر فوجدته خاتم زواج فى بنصره الأيسر فسألته بدهشه : متزوج؟ !!..عجبا رغم أن سنك صغير..أتساءل من هى المرأه التى تستطيع أن تتحمل حياة كتلك التى تحياها ؟
لم تستطع أن ترى ارتعاشة عضلات وجهه التى توارت خلف لثامه الأسود ..لكن صمته أصابها بالغيظ الشديد فقالت بضيق لا أفهم كيف يمكن لإمرأه طبيعيه أن تقبل بالزواج من رجل مثلك لديه كل هذه القدره على الصمت؟
غمرته أمواج من الحزن من جديد, كان رأسه يجيش بالذكريات ويملأ أذنيه صوت ضحكات قادمه من بعيد وهى تقترب وتقترب ويعقبها صوت جميل حبيب اليه أشعل الحنين فى قلبه وهو يهتف بحب: أنت كما أنت لن تتغير أبدا. منذ أول يوم فى زواجنا وأنت تسألنى نفس السؤال
عمر بحب : وحتى الآن لم تجيبينى ...
أخبرينى بصدق ..كيف لفتاة مثلك أن تقبل بالزواج ممن هو مثلى ؟
ابتسمت وهى تملأ عينيها بملامح وجهه : ربما أرى فيك ما لا يستطيع الآخرون رؤيته
عمر ساخرا : اذن فهل أصبح كل الناس من العميان؟
ضحكت وقالت : لا يا حبيبى ولكنهم لا يملكون قلبى ولا عينى ليروك بها
تنهد بعمق وقال بشرود : كم كان خالى رجلا عظيما - رحمه الله- ..كان يعطى بلا حدود .. منحنى أغلى ما لديه وأخشى ألا أكون جديرا به
اتسعت ابتسامتها قائلة : رأى فيك ما رأيته أنا
تنهدت بحراره وهى تكمل : ولكن بداخلك طفل عنيد ..يخشى أن يصدق الحقيقه
أتعلم أنك تشبهه كثيرا, أقصد فى طريقة التفكير والتصرفات
يبدو أن الفترة التى قضيتها بصحبته جعلتك تتوحد معه وتأخذ منه أشياء كثيرة
عمر بحب : وأكثر ما أخذت منه هو حبه الكبير لك
أيها القائد ..هل تسمعنى؟
أفاق من شروده على صراخ كاترين المغتاظ فالتفت اليها بدهشه قالت بغيظ شديد : كنت قد بدأت أظن أنك فقدت السمع كما فقدت الكلام فمنذ أن انطلقنا بالسياره من ساعه ونصف وانت لم تفتح فمك أبدا.. لاأدرى من أين لك بكل هذه القدرة الجبارة على الصمت
عقد حاجبيه و أنصت بإهتمام كبير
أوقف السياره فجأه فارتج جسدها بعنف وهتفت : ماذا حدث؟
قال بتوتر : لقد رصدوا السياره ..انزلى بسرعه
نزلت من السياره وانطلقت تجرى خلفه بسرعه كبيره عندما وصل الى مسامعها صوت هدير طائرة مروحيه وتساءلت فى نفسها ..كيف استطاع أن يلاحظ صوت المروحيه من هذا البعد؟
ظلا يجريان حتى وصلا الى منطقه جبليه واختبئا خلف الصخور
نظر الذئب من مكمنه فوجد ضوء المروحيه القوى مسلط على السياره ثم أخذت المروحيه تجول فى المنطقه بكشافاتها القويه بحثا عمن كانوا فى السياره
بدأ الذئب ينظر حوله يبحث عن مكان أكثر أمنا ثم قال لكاترين : اتبعينى
سارت خلفه بهدوء منحنية الرأس وهى تخشى أن يعلو صوت دقات قلبها المرتعب ويصل الى مطارديهما..حتى وصلا الى ممر ضيق فى الجبل فسألته كاترين بخوف : ماذا سيفعلون بنا ان وجدونا؟
قال بثقه : ان شاء الله لن يجدونا
قالت بقلق : لماذا يطاردوننا؟ وكيف علموا بموقع السيارة
قال بهدوء غريب وبصوت يشع بالفخر والثقة : لا يطاردوننا نحن,
لاشك أن جوهر نجح فى مهمته, وأثار كل الكلاب المسعورة, فخرجت تبحث عن أى فريسة تنفث فيها نيران انتقامها وغلها
قالت برعب : أتمنى ألا نكون نحن الفريسة
وجهت المروحيه بحثها الى الناحيه الأخرى من الطريق حيث ترك السياره على الجانب الآخر للطريق وانطلق يجرى فى الإتجاه العكسى كنوع من التمويه
وبعد أن قامت بعدة حركات دائرية, ابتعدت لتبحث فى مكان آخر
وعندما اطمئن لإبتعادها, خرج من مكانه وبدأ بعبور الممر مسرعا ولكن بحذر وكاترين خلفه حتى وصلا بعد مدة طويلة الى الجانب الآخر من الجبل
ألقت كاترين بجسدها المنهك على الأرض تستريح من عناء عبور الممر الغير ممهد والملئ بالصخور وقالت وهى تلهث بعد أن ابتعدا عن المروحية : والآن ..ماذا سنفعل؟
قال باقتضاب : سنمشى
هتفت بدهشه : ماذا؟ نمشى؟ أكاد أموت تعبا
كانت عيناه تجولان فى المكان وهو يقول : المكان هنا غير آمن, وقد يعودون من جديد ..لابد أن نرحل فورا
مدت يدها اليه وكأنما تطلب منه دون كلام مساعدتها على النهوض
ولكنه تجاهل يدها واستدار ومضى فى طريقه بصمت وكاترين خلفه تترنح من التعب وتكاد تنفجر غيظا من تصرفاته.
بدأ الفجر يغشى الليل معلنا مولد يوم جديد, عندما ارتمت كاترين على الأرض لتلتقط أنفاسها من فرط السير على أرض جبلية غير ممهدة, وعندما رفعت عينيها اليه, غمرتها الدهشة عندما رأته يوليها ظهره ويعيش مع صلاته
زفرت بقوة, وهزت برأسها فى عجب وهى تتساءل فى نفسها : أى قوة يمتلك هذا الرجل؟ وأى سكينة تهبط عليه فى تلك اللحظات الحرجه, وتجعله يصلى بكل هذا الخشوع برغم الخطر المحدق بنا؟
أنهى صلاته, وعاد يسير فى طريقه, ونهضت باستسلام صامت تتبعه بعد أن أدركت أن أى اعتراض تبديه ليس له جدوى أمام شخصيته القوية الآمرة
سارا لمدة طويلة, حتى صعدا الى جبل قصير ثم بدءا فى النزول من الجانب الآخر مع أول خيوط الشمس, ألقت بعينيها أسفل الجبل وتنهدت وهى تقول بسعاده كبيرة : أخيرا, قرية هناك, سنأكل ونرتاح
قال بهدوء وهو ينظر نحو القرية البعيدة : لاتتعلقى بالأمل كثيرا حتى لا تصابى بصدمة
التفتت اليه بحده وسألته : ماذا تقصد؟ لم أفهم كلامك
قال باقتضاب : ستفهمين عندما نصل الى هناك
.................................................. ..................................
يتبع.............................................. .........
تنفس عمر الصعداء عندما عبر الجنود من أمام باب البيت ولم يتوقفوا ..بل استمروا فى سيرهم وعندما ابتعدت أصواتهم
خارت قواه وانزلق جسده الى الأرض وظهره للجدار ..أسند رأسه الى الجدار وأغلق عينيه وهو يلهث بقوه وجلست زهره الى جواره وهى لاتزال ممسكة بيده وبيدها الأخرى مسحت حبات العرق التى تناثرت فوق جبينه وهى تقول بحنان : عمر ..هل أنت بخير الآن؟
أخذ نفس عميق .وهز رأسه موافقا و قال بعد تردد : نعم ..ولكن عليك أن تغادرى جروزنى الليلة
هتفت باعتراض : ولكن...
قاطعها بانفعال : ألا تدركين الخطر المحدق بك؟
انهم يبحثون عنى كالكلاب المسعورة..وأنا...أنا...
صمت قليلا وأدار وجهه بعيدا عنها حتى لا ترى الضعف فى عينيه
قالت بصوت بالغ الحنان : عمر..ما بك؟
قال بعد تردد : ..أخشى ..أخشى..أن يحترق قلبى وأفقد زهرة فؤادى ..
قد أتحمل كل عذابات الحياه لكنى لن أستطيع أن أتحمل أبدا أن تذبل زهرة روحى ..
نظر فى عينيها من جديد محاولا أن يستمد منهما القوه
فقالت بعد تفكير : عمر.. ان احترقت زهرة , فجبال بلادنا تنبت أجمل واندر الزهور
قال بحنين : ولكن قلبى لا يسع سوى زهرة واحده
ابتسمت بحب : وستظل تحيا فى قلبك ترتوى من حبك لهذه الأرض
أكملت فى شجاعه : لا تقلق علىّ ..سيصبح كل شئ بخير ان شاء الله
قال برجاء : زهره, يجب أن تغادرى جروزنى من أجلى, لن أتحمل أن أكون هناك وقلبى يتمزق من القلق عليكى فى كل دقيقة
عدينى أنك سترحلى مع قوافل المهاجرين أنت وأمك وأخوتك.
ولا تنسى أنك على وشك وضع طفلنا الأول
تنهدت باستسلام ثم قالت وهى تبتسم بحب : ماذا أقول ...لا أستطيع أن أخالف أمر زوجى, سأغادر غدا مع قوافل المهاجرين
ابتسم ابتسامة كبيرة وهو ينظر الى بطنها المتكور الذى يحمل طفلهما الأول ووضع كفه عليها وقال : وانت أيها الولد الشقى ..كن رجل البيت , ولترعى أمك فى غيابى..هل تفهم؟ كن ولدا مطيعا
خفتت ابتسامته وتنهد بقوه وهو يقول : لن يطول الأمر , سأعمل على أن نعود الى بيتنا سريعا
اشتعلت عينيه ببريق غاضب شديد الشراسه : لن ندعهم يهنئون فيها...سنخرجهم منها صاغرين
...............................................
انتفض الذئب مستفيقا من ذكرياته عندما لمع ضوء سريع قوى على وجهه ونظر الى كاترين فوجدها تبتسم والكاميرا على عينها فقال بغضب : صورتى ليست للنشر
أنزلت الكاميرا ببطء وهى تبتسم وتقول : أعلم..اطمئن فهذه الصورة ليست للنشر, فقط أحببت أن أحتفظ بصورة لذئب أنقذ حياتى
نظر الى الطريق بصمت, وشاركته صمته, حتى بدأ يهدئ من سرعة السيارة تدريجيا
التفتت اليه فوجدته قد عقد حاجبيه بقلق وهو ينظر بعيدا
قالت حينما انتقل اليها قلقه : ماذا حدث؟
قال مباشرة : هذا ما كان ينقصنا, حاجز تفتيش
لم يجد الذئب مناصا من التقدم, فتقدم بالسيارة نحو حاجز التفتيش المقام على الطريق
أخذت كاترين تتأمل المشهد والقلق يزداد بداخلها
طابور طويل من السيارات يتوقف أمام حاجز التفتيش الذى يقف عنده مجموعة من قوات الأمن الروسية وتقوم بتفتيش السيارات وتفحص أوراق وهويات العابرين على الطريق
انضم الذئب قسرا الى طابور السيارات, ولم يلبث أن اقترب منه أحد الجنود وطلب منه مغادرة السيارة هو ورفيقته, كما فعل مع جميع السيارات
غادرا السيارة باستسلام والقلق ينهشهما واقتربت كاترين منه وسارت بجواره وكأنما تحتمى به, وشعر هو بخوفها فقال بهمس وهو يسير بخطوات متمهلة : اطمئنى, سأتحدث اليهم, أعلم تماما مايريدونه
فكرت كاترين قليلا ثم قالت عندما اعطتها شجاعته الكثير من الطمأنينة : دعنى أحاول معهم, لا تنسى اننى صحفية ولى طرقى الخاصة
قال بسخرية ضايقتها : منوم أيضا؟
رفعت احدى حاجبيها بضيق وقالت : لدى اشياء أخرى أكثر فاعلية,
قالت وهى تتقدم : انتظر هنا فقد يرتابون بأمرك, سأذهب أنا اليهم
اجاب بصرامة وهو يضغط حروف كلماته مؤكدا : خلفك تماما
التفتت اليه بدهشة وقالت وهى تبتسم : حقا. مسلم !
لم تنتظر كاترين تعليقا منه على عبارتها, ولم يهتم هو بالتعليق بل تجاهل الأمر تماما, فقد كان ذهنه مشغول بالجنود وهم ينظرون اليهما وهما يتقدمان نحوهم
استجمعت كاترين شجاعتها وابتسمت وهى تتحدث الى جنود قوات الأمن الروسية
لكنها فجأة شعرت بالخوف, كانت ردود أفعالهم غير متوقعة ابدا بالنسبة لها
فقد ظهر فى وجوههم القلق والإرتياب, وبات واضحا لها عدم راحتهم لتواجد اثنين من الصحفيين فى ذلك المكان
وعبثا حاولت كاترين اقناعهم بالسماح لهما بالعبور للحاق ببقية الصحفيين
وارتعد قلبها رعبا عندما أمرها أحد الجنود ان تتنحى جانبا لحين التأكد من هويتهما وصدق روايتهما
واستسلمت كاترين وتبعت الذئب الذى انتحى جانبا وسار يفكر فى موقفهما الدقيق وهى بجواره حتى انضما الى مجموعة العابرين الذين غادروا سياراتهم بأمر من الأمن
جلس الذئب يراقب الموقف بهدوء وجلست كاترين بجواره والخوف يكاد ان ينتزع قلبها من مكانه برغم محاولاتها المستميته لترسم على وجهها تعبيرا طبيعيا
قالت بصوت هامس : ماذا سنفعل الآن ؟
قال بثقة شديدة : اطمئنى, حفنة من المال ستسوى الأمر على نحو جيد
أذهلها هدوءه الشديد فى ذلك الموقف الصعب وأخذت تنظر اليه نظرات تمتلئ بالإعجاب,
ولكنه لم يلاحظ نظراتها فقد كانت عيناه مشغولتان بمراقبة المكان وعقله يحسب حسابات الموقف الراهن بسرعة
تنهدت باحباط عندما ادركت انه لا يعيرها ادنى اهتمام برغم حرصه الشديد على حياتها
أدارت وجهها تتأمل فيمن حولها
كان المكان يمتلئ باعداد كبيرة من الشيشانيين ينتظرون الجنود ان يفرجوا عنهم وعن اوراقهم, وبسرعه أخرجت الكاميرا من حقيبتها وبدأت تلتقط الصور
لكنها توقفت فجأة عندما هتف أحد الجنود وهو يقترب منها بسرعة : ممنوع التصوير, ممنوع التصوير
أراد أخذ الكاميرا منها, لكن الذئب تدخل ووعده بعدم التصوير, ولم يتركها الا عندما أقنعه بأن أخذ الكاميرا قد يفسر على انه اعتداء على حرية الصحافة وقد يسئ لسمعة روسيا بأكملها
دست كاترين الكاميرا فى حقيبتها وهى تكاد تنفجر غيظا, وشغلت نفسها بتأمل ما حولها والتحدث الى الناس وتكوين صورة متكاملة عن الوضع فى تلك البلاد وأحوالها
جذب عينيها طفل صغير فى حوالى السادسة يجلس بالقرب منها وبجواره رجل كهل يبدو عليه الضجر الشديد, اقتربت كاترين من الصغير وبدأت تداعبه بحنان وتمسح على شعره, ثم أخذت تحادث الرجل الكهل حديث طويل, كانت فرصة لا يمكن ان تضيعها كصحفية للإقتراب من هؤلاء البشر ومعايشة واقعهم على الطبيعة ومعرفة المزيد عن مأساتهم عن قرب
نظر الذئب قليلا اليها وهى منهمكة فى الحديث مع الرجل, وتداعب الطفل بحنو, ثم ادار وجهه واخذ يتفحص وجوه البشر من حوله والتى يحكى كل منها دون كلام قصة مأساه يحياها كل يوم من قلة الغذاء وتدنى الخدمات الى انعدام الأمن
فجأة علا فى المكان صوت سيدة تتحدث بحدة وغضب, التفت الي الصوت ليجد سيدة شيشانية تقف امام جنديين ومشتبكة معهما فى مشادة حادة
تأمل السيدة التى توليه ظهرها, وقفزت الى رأسه صورة زهرة
فقد كانت السيدة تشبهها كثيرا من الخلف وهى ترتدى حجابها
بدأت الدماء تغلى فى عروقه وتتصاعد الى رأسه عندما رأى الجنديين يتعمدان مضايقة السيدة والتحرش بها
انتفض قائما من مكانه وتقدم من السيده وصورة زهرة لاتفارق قلبه, وقف أمام الجنديين مباشرة وحال بجسده بينهما وبين السيدة, وأخذ يتحدث اليهما بهدوء بصوت لم يصل الى كاترين التى وقفت تراقبه من بعيد بخوف وقلق
ازداد خوفها وهى ترى الجنديين يدفعانه فى صدره ولكنه لم يمد اليهما يدا, بل عاد يتحدث اليهما من جديد, بهدوء
لكن احد الجنديين اقترب من السيدة وبدأ يضايقها من جديد
وحاول الذئب ابعاده عنها بالحسنى بلا جدوى
وتفجر الموقف فجأة نيرانا ملتهبة مع صرخات مستنجدة أطلقتها السيدة عندما نزع الجندى حجابها من فوق رأسها بعنف وبصورة مفاجأة, ووجدت كاترين الذئب يهجم على الجندى بغضب هادر ويكيل له اللكمات العنيفة
تراجعت عدة خطوات للوراء برعب وجسدها كله يرتجف عندما أخرج الجندى الثانى سلاحه وصوبه نحو الذئب المشغول بعراكه مع الجندى الأول
وفجأة اندفع الكهل الذى يصاحب الطفل الصغير يجرى بسرعة, ودفع الجندى الممسك بالسلاح فى صدره, مما جعل الرصاصة تخطئ طريقها الى ظهر الذئب وتطيش فى الهواء
وازداد الموقف اشتعالا عندما انضم عدة رجال آخرين الى الذئب والكهل فى معركتهما مع الجنديين
واتى بقية الجنود يطلقون أسلحتهم بغزارة
وفجأة تشبثت كاترين بالطفل الصغير الواقف بجوارها, واحتضنته بقوة, وأصابها ذعر شديد
لم تكن تدرى لحظتها هل تحاول أن تحمى الطفل أم تحتمى به؟
وجد الذئب نفسه فى قلب النيران هو ورفاقه المدنيين الذين انضموا اليه برغبتهم
وتساقط قتلى من المدنيين الشيشانيين, وتفجرت الساحة بالدماء
مما دفع الذئب ان يرفع كفيه فوق رأسه ويصرخ بأعلى صوته : لا تطلقوا النار, نحن نستسلم
أدرك الذئب بخبرته فى التعامل مع الروس أنهم لن يتوقفوا الا عندما يصير المكان حماما من الدماء, كان يخشى على النساء والأطفال المتواجدين فى المكان
وبرغم ان الرجال الذين انضموا اليه دون ترتيب لم يكونوا يعرفونه, الا أنهم توقفوا على الفور عن القتال وكأنهم تلقوا ذلك الأمر من قائد لهم
وتوقفت أيضا النيران الروسية بعد أن خلفت عددا من القتلى, واقتادوا المجموعة الباقية المتمردة تحت تهديد السلاح الى بيت قريب كانوا قد أخلوا سكانه قسرا ليتخذوه مقرا لهم
وسار الذئب بين طابور الأسرى مستسلما ويده فوق رأسه,وعيناه تدوران فى المكان بحثا عن كاترين, وبمجرد أن رآها أشار اليها برأسه اشارة تعنى أن تذهب بالسيارة وتتركه لمصيره
ظلت كاترين ترتجف وهى تحتضن الصغير بقوة وبدأ الجنود فى صرف الناس حتى لا يحدث تمرد آخر
وانصرف البشر وقلوبهم تتميز من الحقد والغضب, وجوارحهم المكبلة تتمنى الإنتقام
بدأت كاترين بالتحرك وهى تبحث عن الكهل الذى يصحب الصغير, ولكنها كادت تخر على وجهها رعبا عندما وجدته بين الجثث المفترشة الطريق, وفى أثناء ارتدادها للخلف, كادت تتعثر بجثة اخرى, جثة المرأة التى بسببها, قامت تلك المذبحة
احتضنت الطفل باشفاق كبير وادارت وجهه الى كتفها حتى لا يرى ذلك المشهد الرهيب, ودموعها تتفجر بغزارة
واستسلم الصغير لها وأسند رأسه الى كتفها, لكن لدهشتها لم يبكى,
لم يبكى أبدا
بدأت الشرطة الشيشانية تتوافد الى المكان, وكاترين تتراجع وهى تحمل الصغير المتعلق بعنقها
انتفضت فزعا عندما اصطدمت بأحد الأشخاص, والتفتت بحدة لتجده أحد رجال الشرطة الشيشانية
حاول ان يهدئ من روعها, وسألها عما حدث, فقصت عليه كل شئ وأخبرته ان صديقها معتقل هناك فى ذلك المنزل,طمئنها الشرطى ووعدها بانه سيحاول اخراجه من هناك, ثم طلب منها طلبا غريبا,
طلب منها ان تقود السيارة وتنتظره على الطريق بعد مائتى متر
لا تدرى كاترين كيف عادت الى السيارة ومعها الصغير ولا كيف قادتها وجسدها يرتجف من الرعب, والأعجب انها لم تدرى كيف وثقت بذلك الشرطى وأطاعته وانتظرت فى السيارة فى المكان الذى حدده لها,
ربما لأنها لم تكن تمتلك اى حل بديل, أو ربما لأن الرعب قد شل تفكيرها,
جلست فى السيارة تنظر للصغير الذى استكان تماما فى المقعد المجاور لها وأدار وجهه الى النافذة ينظر الى السماء
تنهدت كاترين باشفاق كبير لهذا الصغير الوحيد, وتساءلت فى نفسها : لماذا لا تبكى؟
هل تكرر ذلك المشهد كثيرا أمام عينيك حتى لم يعد يثير فيك مشاعر الفزع؟
هل جفت دموعك من كثرة المعاناة والألم؟
اسندت رأسها الى المقعد باستسلام وتنهدت بقوة وهى تسترجع صورة الذئب والجنود يقتادونه مع الأسرى, وبدأت تشعر بألم كبير فى قلبها وهى تتذكر كيف كان حريصا عليها, وكيف أنقذ حياتها, وهى الآن عاجزة تماما عن تقديم أى معونة له
تمتمت بأسى : ترى ماذا يفعلون بك الآن؟ ..
أغمضت عينيها وأردفت بحزن وهى تتذكر ملامح وجهه : هل سنلتقى ثانية؟
طال الوقت عليها وهى جالسة فى السيارة تنتظر...
تنتظر ماذا؟
لاتدرى..
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
يتبع.....................................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جوجو
مشرفة قسم
مشرفة قسم
جوجو


الساغة الأن :
الاقامة : القاهره
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 5264
نقاط : 5612
تاريخ التسجيل : 10/06/2009

عوده الذئب ..................روايه طويله Empty
مُساهمةموضوع: رد: عوده الذئب ..................روايه طويله   عوده الذئب ..................روايه طويله Empty18th فبراير 2010, 10:09 pm

(15)
انتفضت فجأة بفزع شديد عندما فتح باب السيارة المجاور لها, ثم انقلب الفزع الى دهشة عارمة عندما وجدت الذئب أمامها
انتقلت الى المقعد المجاور بسرعة مفسحة له كرسى السائق, وتلقت الصغير على ساقيها وهى تتأمل الذئب وهو ينطلق بالسيارة بصمت وبسرعة كبيرة, وهى لا تكاد تصدق ما يحدث
كيف نجا من الأسر؟
شغل هذا السؤال تفكيرها تماما وهى تتأمل ملامحه الجامدة ووجهه الذى لم يلتفت اليها ابدا منذ ان انطلق بالسيارة
هتفت اخيرا بعد ان تمالكت اعصابها : كيف...كيف هربت؟
قال باقتضاب زاد من حيرتها وفضولها : تلقيت بعض المساعدة
ضاقت عيناها بشدة وقالت متسائلة : الشرطى الشيشانى..أليس كذلك؟
هز رأسه موافقا دون ان يتكلم, مما زاد من فضولها وغيظها من صمته
فهتفت بغيظ : الن تخبرنى بالتفاصيل؟
قال بصرامة : التفاصيل ليست ذات أهمية
لقد ساعدنى على الهرب وكفى
المهم الآن أننا مطاردون, وعلينا الوصول لمكان آمن قبل أن يصلوا الينا
استشاطت كاترين غيظا من أسلوبه الكتوم وعدم بوحه بتفاصيل هروبه والتى تتحرق فضولا لتعرفها
ولكنها أدركت من سابق تعاملها معه أنه ليس هناك قوة فى الأرض تجبره على الكلام مالم يكن راغبا بذلك
فآثرت الصمت على مجادلة عقيمة معه وأدارت وجهها الى النافذة المجاورة لها وهى تزفر بضيق شديد
لكن الذئب التفت اليها متسائلا : من هذا؟
نظرت اليه بدهشة وقالت ساخرة : لاحظته أخيرا !
انه الطفل الذى كان بصحبة الكهل الذى انضم اليك عند حاجز التفتيش
امتلئت عيناه بالأسف الشديد وهو يتأمل الطفل الذى استكان تماما بين ذراعى كاترين وبادله الصغير نظرات طويلة لم يستطع أن يتحملها فأدار وجهه الى الطريق بصمت
أكملت كاترين بلهجة غلب عليها الأسى : تعلق بعنقى, وعجزت عن تركه هناك وحيدا بعد أن فقد مرافقه
تعجبت كاترين كثيرا عندما نظر اليها الذئب ولأول مرة نظرة طويلة وحارت تماما فى تفسير تلك النظرة هل هى اعجاب, أم امتنان لما فعلته مع أحد اطفال بنى قومه
أدار وجهه الى الطريق من جديد بصمت
قالت بعد أن عاد اليها الهدوء : علينا أن نعيده لأهله
قال باقتضاب : وهل تعرفينهم؟
قالت : أخبرنى الرجل الكهل أنهم فى المستشفى الجنوبى
الغريب أنه هو ايضا لا يعرف أهله, لقد تولى مسؤلية اعادة الطفل لأهلة بعد أن اعتقلوا أمه فى جروزنى
عقد الذئب حاجبيه ولاح فى وجهه الألم, ثم عاد من جديد يتأمل ملامح الصغير ولانت عضلات وجهه بالحنان
ابتسمت كاترين قائلة : لم يرفع عينيه عنك منذ رآك, ترى , هل وجودك يشعره بالأمان؟ أم أنه ينظر اليك كمثل أعلى يتمنى أن يصبح مثله؟
أردف بلهجة حزينة : أو ربما كمجرم سلبه الأمل الوحيد المتبقى لديه ليعود الى أهله
قالت كاترين بتعاطف : على العكس, لو كان هذا هو مايدور بذهنه لرفض البقاء معنا, لقد كنت أراقبه جيدا, كان منجذبا اليك من قبل أن تبدأ تلك الأحداث الرهيبة عند الحاجز
قالت بتعجب : مازلت لا أفهم...كيف ألقيت بنفسك فى ذلك الموقف الرهيب؟ لقد نجوت بأعجوبة
أتزج بنفسك الى الهلاك من أجل امرأة لا تعرفها؟
قال بجدية : وماذا لو كانت تلك المرأة هى انت, أما كنت تتمنين أن يسعى اى انسان لإنقاذك؟
تفجرت نظرات الأعجاب الغامر من عينيها وارتسمت ابتسامة عاطفية على شفتيها وهى تقول بصوت يمتلئ بالعاطفة : أتمنى من كل قلبى لو كان هذا الإنسان ......هو أنت,
تنهدت بيأس عندما تجاهل الذئب مشاعرها الممتلئة بالإعجاب ولم يلتفت حتى اليها بل بقى صامتا وعيناه مشغولتان بالطريق,
قالت بعد صمت ولازالت الصدمة تؤثر فيها : لازلت عاجزة عن استيعاب ماحدث, لقد حدث الأمر بسرعة كبيرة وبشكل دموى يفوق حد التصور
لم يكن الأمر يستدعى كل هذا العنف
قال الذئب باقتضاب : (Up Mopping)
كاترين بدهشة : ماذا قلت؟
كرر الذئب : ((Up Mopping الكنس أو المسح"
وباللغة الروسية (zakhistki ).
كاترين باهتمام : وماذا يعنى ذلك؟
الذئب : (الكنس, أو المسح)هى الخطة التى وضعها الكرملين ووزارة الدفاع للتعامل مع الشيشان
وتقضي هذه الخطة بقيام قوات الأمن الروسية بتمشيط ومسح القرى والبلديات التي تمثِّل أماكن يشتبه بأن بها مقاتلين والقضاء عليهم في أماكنهم، فلا وقت لديهم للاعتقالات،
ثم تقام حواجز تفتيش يتم من خلالها اعتقال كل من يحاول الخروج، وإدخاله ما يعرف بمعسكرات الفرز, أو(filtration camps ) والتي تحولت بدورها إلى معسكرات تصفية، يتم من خلالها القضاء على من يشتبه في انتمائه للمقاتلين، وإطلاق سراح من تبقى
وذلك بالطبع مقابل رشوة مالية تدفع للجنود والضباط.
عقدت كاترين حاجبيها وقالت بدهشة عظيمة : أذكر أن منظمة العفو الدولية أصدرت تقرير موجز قالت فيه
(إنها عثرت على نمط جديد من انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة شمال القوقاز، فبعض الأشخاص يُعتقلون بصورة تعسفية ويُحتجزون بمعزل عن العالم الخارجي، وهناك يتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة لإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يقترفوها. وبمجرد توقيعهم على "اعتراف"، يُنقلون إلى مكان احتجاز آخر، حيث يُسمح لهم بالاتصال بذويهم وبمحامين من اختيارهم، إلا إن الاعتراف يبدو "دليلاً" كافياً لضمان إدانتهم.)
شردت كاترين بعيدا ودار فى رأسها شريط طويل من الذكريات وهى تسترجع كل ما رأته وكل مامر بها منذ أن دخلت أرض الشيشان وقالت ببطء : هل كان هذا هو مصيرك المحتوم لو لم يتدخل ذلك الشرطى لإنقاذك؟
أجابها صمته بأكثر مما كانت تريد
أسندت رأسها الى المقعد وأغمضت عينيها وكأنما لا تصدق : الآن فقط فهمت, إن "الحرب على الإرهاب" التي تشنها روسيا ما هى الا ذريعة لتبرير الانتهاكات المنظمة لحقوق الإنسان فى الشيشان
تنهدت بعمق وهى ممتنة فى أعماقها أنها نجت من ذلك المصير المظلم
قالت والدهشة لم تزايلها بعد : تساءلت كثيرا عن السبب الذى يضطر صحفية روسية كآنا بوليتكوفسكايا أن تقول فى صحيفة"نوفايا جازيت" أن دور قوات الأمن في الشيشان يتميز بالفوضى واللاقانون, لا يوجد أي قرار من أجل تنظيم عمل هذه القوات في الشيشان، ويبدو أن القرار الوحيد الذي اتخذ هو السماح لهذه القوات بفعل أي شيء"
قالت بعد صمت طويل : أخبرنى ..لم يطلقون عليك الذئب ؟
قال بهدوء: لست وحدى الذئب ..كلنا ذئاب
قالت وهى تبتسم : أقصد لم اتخذتم الذئب شعار لكم؟
قال بعد صمت : هناك أسطورة في ثقافتنا تقول: أنّ عاصفة هوجاء تهبّ، فيخاف منها الناس والحيوانات، فتدمّر العاصفة كلّ شيء حتى لا يجد الناس مكانًا يجتمعون فيه، فالشجر قد اقتلع من جذوره، والبيوت قد تهدّمت،
ويبقى ذئب وحيدا يقف بشموخ على صخرة ناظرًا إلى العاصفة، فيتشبث الذئب بمكانه دون حراك، حتى عندما ينسلخ جلده يبقى صامدًا لا يتحرّك ولا يصرخ عند الموت, ويبقى محدقًا بعدوّه إلى أن يموت
وهذا هو حال الشيشانيّ، فهو سيبقى على الجبل ينظر إلى الموت المحيط به دون أن يخاف منه
لهذا يشبّه المقاتل الشيشانيّ نفسه بالذئب ويعتدّ بصفاته التي يتميّز بها، فجعله فى علم الشيشان شعارًا له جالسًا على صخرة تحت ضوء القمر وحيدًا, للدلالة على عزلة الشعب الشيشانيّ من بقيّة الشعوب،
ان الذئب يستحيل ترويضه, تماما كالشعب الشيشانى .وهو مخلص لشريكه، ويساهم الذكر في تربية الجراء. وهو الحيوان الوحيد الذي يزداد شراسة مع التقدّم في العمر. و يكون في قمّة شراسته عندما يجرح. ولا يصرخ عند الموت, ويبقى محدقًا بعدوّه حتى يموت.
صمت قليلا, ثم أردف بلهجة عميقة اهتز له فؤادها : هكذا الشيشانى

علم الشيشان
قالت بسرعه حتى لا يعود لصمته وقد سرها كثيرا جذبه للحديث : كيف احتلت القوات الروسيه الشيشان؟
طال صمته لكنها لم تيأس من أن تجعله يتكلم فقالت : أريد أن أعرف الحقيقه
قال بهدوء: وبعد أن تعرفى الحقيقه؟
قالت بدهشه : أنشرها للعالم
قال بسخريه مريره : وهل سيغير هذا من الواقع ؟
عاد لصمته من جديد فقالت بدهشه : الا يهمك أن يعرف العالم الحقيقه ..أن يفهم قضيتكم ..أن يتدخل لحلها؟
قال : وهل تعتقدى أنهم لا يعرفون؟..انهم يعرفون منذ زمن بعيد ..منذ أول مرة اقتحم فيها الروس الشيشان بعد استقلالها عام 1994 وأجبرناهم على الخروج من أرضنا أذلاء عام 1996
خرج الروس ومنهم من يبكي من مرارة الهزيمة التي لحقت بهم على أيدي قلة من المجاهدين ، وقد كان الخروج بعد المفاوضات التي جرت بين الجنرال ليبد الممثل عن الحكومة الروسية ووزير الدفاع الشيشاني ، وقد صرح الجنرالات الروس للوفد الشيشاني : أننا سوف نعود إلى الشيشان ولو بعد خمسين سنة .
ولقد صدقوا.....
وعادوا مرة, ومرات, وكلما أخرجناهم, يعودوا من جديد
وفى كل مرة يكررون نفس السيناريو بحذافيره ..يتحرشون بنا, ويعملون على اثارة الفتن والقلاقل ويحاولوا اغتيال الزعماء وقادة الجهاد ليحطموا معنوياتنا.ويزرعوا عناصر من استخباراتهم داخل المجاهدين ويمارسوا علينا حصارا اقتصاديا شديدا بهدف تجويعنا , ويمنعونا من التعامل مع العالم الخارجى
وهكذا يمهدوا الطريق أمام التدخل العسكرى ..بعدها يقوموا بعمل سلسله من التفجيرات والعمليات الإرهابيه فى روسيا يتهمونا بها..وهكذا يكون المبرر أمام شعبهم وجنودهم وأمام العالم لغزونا موجود
قالت بدهشه : ولكن لماذا أنتم بالذات؟
قال بغضب : يريدون استغلالنا والاستفادة من النفط الشيشاني، ومن المناطق الزراعية والصناعية في الشيشان
كما أن الشعب الشيشانى من أبغض الشعوب إلى الروس، كما تذكر الأساطير والروايات الروسية.
يحلمون بتكوين إمبراطورية روسية على غرار أوروبا الموحدة وهذه الإمبراطورية لا مكان للإسلام فيها
هتف بمرارة : العالم كله يعرف ويبارك المجازر والإنتهاكات الروسيه فى حقنا
فى الحرب السابقة والتى قبلها, والتى قبلها, كم أعطونا من مواعيد لإيقاف الحرب دون أن نرى تحركا حقيقيا على الساحه مثل ما تحركت قوات الناتو خلال 48 ساعه فقط واتخذت قرارات صارمه فى تيمور الشرقيه منذ سنوات عديده .....ولكن نحن.... مسلمون
قال الكلمه الأخيره بسخريه لاذعه شديدة المراره
همت أن تقول شئ ...
لكنه سبقها قائلا : اقتربنا من القرية, سنبيت ليلتنا هنا فى مكان آمن, لدى عائلة شيشانية, فلا شك أنكما متعبان وجائعان
قالت باسمة : وأنت أيضا, أم أنك لا تجوع؟
قالت عندما لم يرد عليها : هل هذه العائلة هى احدى المساعدات التى قدمها لك الشرطى الشيشانى؟
قال بهدوء : الكثير من عناصر الشرطة الشيشانية متعاطفون مع القضية ومع المجاهدين, بل ان بعضهم سعى بنفسه للعمل فى الشرطة فى محاولة منه لتسخير جهوده فى مساعدة المجاهدين والتخذيل عنا
قالت باسمة : كما حدث اليوم!
لم يجيب ولكنه قال : وصلنا الى البيت المقصود
كان الظلام قد زحف على المنطقة كلها عندما دخل الثلاثة الى احدى منازل القرية الصغيرة
من أول لحظة وضعت كاترين قدمها فى ذلك المنزل وشعور عجيب بالراحة والأمان يغمرها
فبرغم موقفهم الدقيق ومطاردة الروس لهم, وقلقها من أن ينكشف سرهم أو أن يقوم أى شخص بالإبلاغ عنهم
وبرغم عدم سابق معرفتهم بأهل هذا البيت, الا أنها تعجبت تماما من كم الحفاوة والترحيب الذى غمرهم منذ أن وطأت أقدامهم ذلك البيت القروى الصغير
فالسيدة ربة البيت قامت بنفسها بالترحيب بهم وتقديم الطعام لهم, وابنها آدم الفتى الوسيم الملتحق حديثا بالجامعة وقف على خدمتهم والعمل على راحتهم
وعندما التف الجميع حول المائدة الزاخرة بالطعام الساخن الشهى. أخذت الأم الطيبة الطفل الصغير وأجلسته على ساقيها وبدأت تداعبه بحنان وتطعمه بيديها
لكن دهشتها كانت كبيرة عندما رفض الطفل أن يفتح فمه, أو يتناول أى طعام
نظرت الأم لكاترين بدهشة وسألتها : ألن يأكل؟
زفرت كاترين وقالت باحباط : لا أدرى كيف أتصرف..أخشى أن يكون مصاب بصدمه أو شئ من هذا القبيل, فهو لم يفتح فمه منذ أن التقيته, حتى أننى لا أعرف حتى الآن ما اسمه
مسحت الأم على شعر الصغير بحنان وحاولت اطعامه من جديد
لكن الصغير أبى
نقلت الأم عينيها بين الصغير والذئب, وقالت له : ربما لو رآك تأكل فقد يأكل
نظر اليها الذئب بدهشة وقال متسائلا : أنا؟
هزت رأسها قائلة : نعم, فهو لم يكف عن مراقبتك منذ أن جلست الى المائدة
ابتسمت كاترين مؤيدة : ألم أقل لك؟انه لا يشعر بالأمان الا فى وجودك
دارت عيناه فى وجوههم, ثم مد يده أخيرا الى الطعام وبدأ يأكل عندما وجد الجميع ينظر اليه فى انتظار أن يأكل
ولكم كانت دهشته عظيمة عندما فتح الصغير فمه هو أيضا وبدأ يأكل
ابتسمت الأم برضا واطمئنان, وهدأت كاترين وأخذت تستمتع بطعامها بهدوء بعد أن اطمأنت على الصغير
أما عمر فأخذ يتأمل ملامح الصغير مندهشا, من تلك النظرات العميقة الصامته التى يختصه بها دون الآخرين
لكن شعور ما انتابه فجأة وجعله يعجز عن تحمل نظرات ذلك الصغير فدفن بصره فى الطعام بصمت
بعد الطعام, جلس الجميع فى البهو الواسع يتسامرون بود حول المدفأة والتلفاز, وانضم اليهم الجد الكبير, الذى تجاوز الثمانين بأعوام عديدة
ودار الحديث حول أحوال القرية وأحوال البلد عموما, ولأشد ما أدهش كاترين أن أى منهم الجد أو الأم أو حتى الفتى آدم لم يسألونهما عن اى شئ أو عن سبب مقدمهم فى ذلك الوقت
واكتفوا بما قاله الذئب لهم من أنهما صحفيان ضلا الطريق وساعدهما الشرطى الشيشانى وأعطاهما هذا العنوان ليبيتا ليلتهما, ويلحقا فى الصباح ببقية الصحفيين
لكن الصمت هبط فجأة على الجميع عندما بثت نشرة الأخبار فى التلفاز نبأ الأحداث الدامية التى حدثت اليوم عند حاجز التفتيش, وانتبهت كاترين بشدة وعقدت حاجبيها باهتمام كبير عندما سمعت المذيع يقول أن ثلاثة من الإرهابيين هربوا من الموقع بعد أن قتلوا اثنين من قوات الأمن الروسية وجرحوا خمسة
وهبط قلب كاترين فى قدميها وسكن الرعب خلاياها عندما قال المذيع أن قوات الأمن الروسية تبحث عن رجل وامرأة انتحلا صفة صحفيان
نظرت السيدة فى وجه كاترين ولاحظت قلقها الشديد وفهمت بذكائها سبب القلق الذى اعتراها فقالت مطمأنة : لا أظن أن باستطاعتهم الإمساك بالصحفيين, فلا شك أنهما ابتعدا تماما عن المكان
وربما يكونان الآن فى مكان آمن يعجز أحد عن الوصول اليه
نظر اليها الذئب بامتنان كبير وقال بلهجة ذات مغذى : وربما يبيتان ليلتهما فى أمان بين أناس طيبون
هدأت كاترين تماما وشعرت بالأمن يحيط بها من جديد وهى تتأمل تلك الوجوه الودودة الطيبة, مما جعلها تتحدث براحة ودون تحفظ
تنهدت بأسى وهى تسترجع تلك المشاهد المؤلمة فى ذاكرتها قائلة : لا أدرى كيف بدأ الأمر؟ ولأى سبب تسال كل تلك الدماء؟
أمن أجل امرأة ترتدى الإيشارب يقتل كل هؤلاء البشر؟
ألم يكن من الأسهل أن تخلعه بهدوء ويمر الأمر بسلام؟
قال الذئب بلهجة صارمة : المشكلة ليست فى الحجاب, لو لم تكن تلك المرأة ترتدى حجابا لبحثوا عن الف وسيلة أخرى لإذلالنا واهانة مقدساتنا
نظرت اليها الأم وقالت بهدوء : يا بنيتى, الأمر ليس مجرد غطاء تضعه المرأة على رأسها, بل هو عقيدة فى صميم ديننا, وهم يفهمون ذلك جيدا
إنها حرب على الإسلام,
هتف الفتى آدم : هذا ليس موقفا فرديا, أو مصادفة, بل هى سياسة منظمة ومتعمدة,
قرأت تصريحا للرئيس الروسى يقول فيه : (إني أحارب عدوي الإسلام حتى لا تفشوا وتتجاوز إلى آخرين .) كما قال في تصريح آخر : (إننا سوف نقضي على الإرهابيين في داغستان والشيشان ثم نحول الباقين إلى النصرانية .)
أجابه الذئب : الرئيس الروسي لا هم له الا اصدار التصريحات التي يزايد فيها على تصريحات الرئيس الأمريكى، حين أعلن أن البلدين معًا في وجه "الإرهاب الإسلامي، أو الإرهاب الذي يشجع عليه الإسلام".أو الإسلام الفاشى كما يطلق عليه
قالت الأم والأسى يغمر كلماتها : يريدوننا عبيداً وخدماً لهم ويريدون أراضينا مرتعاً خصيباً لهم؟ ذلك المعنى ثابت ومترسخ فى العقلية الروسية, يتوارثونه جيل بعد جيل
قالت كاترين بألم : ولكن ماحدث هناك كان فظيع
قتل عدد كبير بلا ذنب ولا جريرة, وأسر عدد أكبر, يعلم الله الى أين أخذوهم ولا ماذا يفعلون بهم الآن
آدم بانفعال : لقد اعتدنا ذلك, القتل والخطف عند حواجز التفتيش يحدث بصورة كبيرة ومتكررة حتى أننا نصدق أنها عملية مدبرة ومقصودة
لقد استشهد أخى محمد عند أحد حواجز التفتيش, وبنفس الطريقة, ولسبب تافه للغاية
أكمل والغضب يقطر من كلماته : قوات الأمن تعتبر كل شيشاني إرهابيًّا، وتقتل المدنيين بلا حساب، ممااضطر رئيس وزرائهم إلى القول: (إن هذه العمليات ضد الإرهاب لا يمكن تفادي وقوع ضحايا مدنيين فيها.)
ومع ازدياد الوضع سوءاً, وكثرة أعداد القتلى والأسرى بدأ يظهر بوضوح الدور الإجرامي لهذه القوات، خصوصًا ما يتعلق بالرشاوى، فالمواطن الذي لديه وثائق يدفع 200 روبل رشوة حتى يمر، والذي لا يملك وثائق قد يدفع قرابة ألف روبل حتى يتم الإفراج عنه، إضافة إلى أعمال السلب والنهب والقتل، وهذا ما دفع "فيكتوركازينوف" موفد الكرملين أن يقول : "هناك جرائم ترتكب عند نقاط التفتيش، ويجب أن نعتذر عنها، ونطلب الصفح ممن جرت بحقهم".
أما وزير الداخلية الروسي فهو يعتبرالعمليات -على قسوتها- ضرورية، بل وتمت بصورة قانونية. وساند الكرملين وزير الداخلية عدة مرات: الأولى حين رفض الكرملين طلبًا للبرلمان بفرض حالة الطوارئ على الشيشان، والتي تسمح بتطبيق القانون العسكري على أي مخالفات تقع من الجنود والضباط الروس، والثانية حين رفض السماح للسفير الأمريكي في روسيا بزيارة الإقليم، كما رفض السماح لمنظمات وجمعيات حقوق الإنسان بالتواجد. وأغلق في وجهها الحدود، ومنعها من الاقتراب من الواقع المأساوي في الشيشان
لقدأصمَّت روسيا أذنها عن صرخات جماعات حقوق الإنسان،
قالت الأم بسخرية مريرة : مع ما تفعله بنا السلطات الروسية من عمليات التعذيب والاختطاف والاحتجاز السري للمدنيين. فلا حقوق لأى انسان,
هذا ان بقى على قيد الحياة
آدم : "الاغتصابات والتعذيب وأحكام الإعدام التي تنفذها القوات الروسية خارج سلطة المحكمة، تحدث هنا تقريبا بشكل يومي "، وكالة الأنباء الفرنسية
لذا فالجميع هنا فى حالة من الرعب جعلتهم لا يستطيعون حتى مساعدة جيرانهم, الأمر أسوأ بكثيرمن الحرب، وبإمكانك أن تسألى أي فرد هنا،
الجميع يرتعد خوفا.
قالت كاترين بعد أن أصبح الوضع شديد الوضوح بالنسبة لها : ولهذا لم يرتاحوا لوجودنا بوصفنا صحفيين عند حاجز التفتيش, لا شك فى أنهم يخشون أن نفضح ممارساتهم وأفعالهم اللآ انسانية
يريدون غلق الحدود، ومنع تسريب أخبار عن ممارساتهم في الشيشان سوى ما يمليه الروس فقط على الإعلام
الذئب : "لقد وضع رئيس الوزراء هدفه من الحملة على الشيشان، وهو، باختصار، أن تختفي الشيشان من الصفحات الأولى للصحف"
ونجحت الماكينة الإعلامية الروسية الى حد بعيد في تشويه صورة الشيشانيين في عيون الرأي العام الروسي، وبفضل خطتها الإعلامية المحكمة التي تقوم على التعتيم والانتقاء في البث والنشر خففت -إلى حد كبير- من الضغط الشعبى الداخلي على الكرملين، كما تمكنوا من منع وصول الحقيقة إلى الرأي العام العالمي، وتحولت القضية من قضية شعب يبحث عن الاستقلال إلى شعب إرهابي بأكمله
..........................................
يتبع..........................
ترددت كاترين طويلا قبل أن تقول: أرجو ألا تسيئوا فهمى..
ولكنى أتساءل, ما جدوى المقاومة، والعمليات المسلحة وهل تستطيع بلد صغير كبلدكم الصمود أمام الدب الروسى العملاق بكل عتاده وما يتلقاه من دعم خارجى وداخلى,

هل النضال ضد المحتل حقا مُجدٍ أم أنه مجرد انتحار كما يرى البعض؟

تخلل صوت الذئب العميق أذنيها وشعرت وكأنه يتسلل الى خلاياها : لولا هذا النضال لكانت قضية الشيشان عنوانًا كبيرًا في الصفحة الأخيرة –صفحة الوفيات- بدلاً من بقائها عنوانًا –ولو صغيرًا- على الصفحات الأولى.

الحرب ليست عسكرية فقط، بل إعلامية بالدرجة الأولى، ورغم محدودية إمكاناتنا فقد بقيت القضية حية حتى الآن.

ان صمود الشعب الشيشاني وتماسكه، وصمود مقاومته -والأهم من ذلك كله عدم استجابته لما تريد روسيا فرضه علينا- كل ذلك ساهم في إحياء القضية إعلاميًّا مرة أخرى،

التفت الجميع عندما سمعوا صوتا عجوزا واهن يتنحنح

لقد انضم الجد الكبير أخيرا للحوار, مال قليلا للأمام وبدا وكأنه يحكى عمرا طويلا, وسنينا غابرة : الحرب بين الروس والشيشان ليست وليدة ، بل هي قديمة, قد مضى عليها أكثر من أربع مائة سنة ، حدثت فيها مذابح كثيرة للشيشان على أيدي الروس ، وتهجير الشعب الشيشاني إلى سيبيريا وكازاخستان بأمر من الطاغية ستالين ، حيث قتل من البرد الأعداد الكبيرة ، وكذلك حروبهم الماضية ضد الشعب الشيشاني .

أعوام كثيرة مضت, لاهى بالقريبة ولا بالبعيدة

سنوات عايشت تفصيلاتها وأحداثها وتجرعت آلامها ومرارتها قطرة قطرة

أهوال وعذابات يعجز أعظم المؤلفين عن مجرد وصفها

حكايات وأحداث كان بطلها الأوحد هو الموت, فقط الموت

تنهد بعمق, وابتلع ريقه بصعوبة وكأنما يتجرع مرارات أعوام طوال بعدد سنوات عمره الكثيرة وبدأ يحكى بصوت حزين : من أزمان بعيدة وهم لا يحملون لنا سوى الكراهية والغدر والقتل

واذا ما حاولوا التقرب الينا فهذا لا يكون الا بهدف مصالحهم الخاصة ليجعلوا منا سلما يصعدون عليه ليصلوا لأهدافهم

حدث في عهد روسيا الشيوعيّة بعدما أطيح بالقيصريّة الروسيّة على أيدي الحركةالإشتراكيّة الشيوعيّة بزعامة لينين عام 1917م،

اتبع لينين إستراتيجية قذرة ليكسب التأييد العام، فقام بإلقاء خطب تنادي بحريّة الأقليّات التي اضطهدها القياصرة،

وأصدر وعودًا لهذه الأقليات بالانفصال والاستقلال وبالحريّة الدينيّة، بل قام شخصيّا بتسليم مصحف عثمان - رضي الله عنه- الذي كان بحوزة القياصرة ومجموعة منالوثائق الإسلاميّة والتاريخيّة الهامّة.

ومن هنا بدأت جمهوريّات إسلاميّة بالاستقلال بمباركة لينين نفسه،

ولكن كل ذلك كان يدار بخسة وغدر شديدين، فبعدما بدأت آثار قوّة النظام الجديد بالظهور أمر لينين بالزحف نحو البلاد الإسلاميّة دون سابق إنذار، ليبدأ المسلسل الجديد لإبادة المسلمين بشكل أبشع وأقذر ممّا كان عليه في العهد القيصريّ الروسيّ بمرات عديدة.

إنّه عصر دمويّ بكل معنى الكلمة، ونقطة حمراء في تاريخ البشريّة من صنع أكبر سفّاحين: ستالين ولينين، لقد تسببوا بقتل الملايين من المسلمين من دون ذنب،




قتل لينين حوالي 8 مليون نسمة من مسلمي القوقاز،

وبعد ذلك خلفه ستالين بقتله ما لا يقلّ عن 20مليون نسمة بأبشع الطرق منها:

مليون، رميًا بالرصاص

ومليونان من المعارضين، ومليون على أعواد المشانق

و7 مليون من الريفيين نتيجة التأميم،

و11 مليون في معسكرات العمل،

ومليون نتيجة النفي الجماعي ،





وكان من أحد الشعوبالتي تعرضت لهذا القهر والقتل هم شعب الشيشان.

لقد واجه الشيشان الاحتلال الشيوعيّ بقوّة، فظهرت ثورات عديدة ضدّ هذا الظلم، منها ثورة (إبراهيم قلدقت) عام 1934م وغيرها الكثير، وكان الشيوعيون يخمدونها بالقوّة وبالمجازر.

وفي أثناء الحرب العالميّة الثانية زادت أهمية القوقاز حينما قرّر هتلر ضمّها مع أوكرانيا للدولة النازية لتمدّها بالطعام والوقود،
ولكنّ الشيشان لم تتدخّل بين الفريقين ، وعندماانتهت الحرب أعلنت حكومة ستالين اعتبارها لشعوب الشيشان والأنجوش والقرم (شعوبا خائنة) نتيجة لعدم تدخلهم لصالح الشيوعيين وقت الحرب وزعموا كذبا بأن الشيشان اشتركوا فيصفوف الألمان ، وعليه بدأت في 23 فبراير عام 1944 م

عمليات الترحيل الجماعي إلى كازاخستان وسيبيريا المتجمدة التي تصل درجة الحرارة فيها إلى- 58 س تحت الصفر.

تمت عمليات الترحيل بواسطة القاطرات الطويلة البطيئة، و كانت الرحلة تستغرق ثلاثة أسابيع تقريبا في قطارات لم يكن فيها مرافق صحية ولا تدفئة ولا حتى مقاعد،

الكثير من المعمرين يذكرون هذه الرحلة الشاقة الرهيبة : كنا نتوضأ بالثلج ونصلى ... وربما شاهدت كثيرا منا ملقى على الأرض ميتا قد انكسر ظهره من شدة الصقيع

الكلاب القطبية كانت تجد فريستها منا فكانت تأكل أحشاء الإنسان وهو يصرخ : أبعدوا الكلب عني، وقد خارت قواه من شدة الجوع والبرد ولايستطيع الهرب ... وأين يهرب هذا المسكين والكلاب كثيرة تهاجم المخيم بشراسة

ولعدم وجود المرافق الصحية كان البالغون يضغطون على أنفسهم في القطارات ، فمات كثيرون منهم من تمزق المثانة ،

إلا أن الأطفال لم يكونوا قادرين على ذلك ، مما كان يؤدي إلى تبلل القش الذي فرشت به أرضيات العربات فتنبعث الروائح الكريهة غير المطاقة،

فيلجأ المهجرون إلى إخراج القش عند توقف القطار، فتتسرب الرياح القارصة داخل القطار.

أما الحياة في المهجر فكانت صعبة جداً ومليئة بالعقبات والصعوبات،

كانت درجة الحرارة تتدنى من الصفر بكثير، ومع عدم وجود بيوت وملاجئ للمهجرين

عام 1957م، أي بعد 13 سنة في المنفى، أعلن الرئيس ( خورتشوف) براءة الشيشان والشعوب الأخرى من التهم التي وجهت ضدهم،

فسمح لهم بالرجوع إلى بلادهم ، فرجع المعظم إلى ما يقارب من 150 ألف بقوا في كازاخستان وهاجر بعضهم إلى دول أخرى كبلاد الشام والعراق وتركيا

اتسعت عينا كاترين بشدة وتجمعت دموع غزيرة فى مقلتيها قاومتها بقوة حتى استطاعت التغلب عليها وابت ان تنحدر على خديها
قالت بصوت متهدج : لا أصدق..أكاد حقا لا أصدق كيف لكم بتحمل كل تلك الأهوال والمصائب؟
كيف لم تخضعوا فى ظل كل تلك المآسى؟
كيف تسرى فيكم روح المقاومة حتى الآن؟

قال آدم بحماس : الشعب الشيشاني لا يعرف الهزيمة ، فكما يسمينا الروس [ الشعب الذي لا يرهب الموت ].
وكما قيل عنا :" لك أن تكسر ظهورهم ولكن لا تستطيع أن تنال من روحهم المعنوية"
لقد استشهد أخواى وزوج أختى فى الحرب الأخيرة

تساءلت كاترين بدهشة عارمة : فقدت ثلاثة من اخوتك ؟
لم؟ وكيف؟ وأين هى أختك؟

قالت الأم بأسى : تزوجت من جديد وهاجرت مع زوجها الطبيب مصطحبة طفليها لكي لا ترى وجوه قتلة شعبها.
وهى الآن تعمل في مخيمات اللاجئين في أنجوشيا

شردت عينا عمر بعيدا, وقال بصوت حزين : هنا, على هذه الأرض يتكرر هذا المشهد بالعشرات, بل بالمئات

أعرف أُسرا عديدة فقدت كل أبنائها الاثنين أو الثلاثة أو الخمسة لازالت الشيشان صامدة, تقدم أبناءها ثمنا لدينها وحريتها منذ مئات السنين, وحتى الآن.

نظرت كاترين الى الأم وقالت بتعاطف كبير : وأنت..لم لم تغادرى؟

رفعت الأم رأسها وقالت بعزة واباء : لأن أرضنا هاهنا, وسنظل هنا حتى ندفن فيها, لن نتركها لهم

كاترين بدهشة : مع كل مايحدث لكم؟ وكل هؤلاء القتلى؟
ألا تشعرون بالخوف؟

قال الجد بصوت يفيض ايمانا وصدقا : هذا لأن ما نحمله فى قوبنا وما يريدون هم نزعه منا راسخ فينا كرسوخ الجبال فى أرضنا

قالت الأم بصوت يمتلئ فخرا : انه الإيمان يا ابنتى.. الإيمان

اشتعل المكان بصوت الذئب يمتلئ برائحة الثأر والإنتقام وعيناه تنضحان بغضب مرعب :

"الشيشانيون لن يسامحوا أبدا روسيا المجرمة التي تبيد الشعب الشيشاني

سوف يحاسبون على موت مئات الألوف من الأطفال و النساء الشيشانيات المسنات،

على التعذيب الوحشي و المعاملة المهينة التي يعاملونا بها

على المعتقلين في مخيمات الاعتقال الجماعي،

على المقابر الجماعية الممتلئة بجثث أشخاص قضوا نحبهم من جراءالتعذيب دون ذنب أو جريرة

على دموع أطفالنا الذين تيتموا،

على آلام الأمهات اللاتي فقدن أطفالهن, أغلى ما لديهن في الدنيا."

ارتجف قلب كاترين رعبا وهى تتأمل وجهه الذى احمر غضبا وهو يردف : في الجرائم المرتكبة ضد الله و الإنسانية, لا وجود للزمان ولاالنسيان ولا يُعفى عنها أبدا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جوجو
مشرفة قسم
مشرفة قسم
جوجو


الساغة الأن :
الاقامة : القاهره
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 5264
نقاط : 5612
تاريخ التسجيل : 10/06/2009

عوده الذئب ..................روايه طويله Empty
مُساهمةموضوع: رد: عوده الذئب ..................روايه طويله   عوده الذئب ..................روايه طويله Empty18th فبراير 2010, 10:12 pm

التفتت كاترين الى الصغير الذى تحول الى تمثال صامت يحدق باتجاه واحد فقط, وكأن الحياة قد خلت


حوله الا من الذئب, فلم يعد ينظر الى سواه


أحست الأم بقلقها على الصغير فوضعت حدا للموقف بقولها : أعتقد أنكم بحاجة الى النوم بعد يومكم
ذاب الثلج تحت قدميه من وطأة الحرارة المنبعثة من لهيب الحزن والغضب الذي يعربد في أعماقه, والذكريات تطارده من كل مكان
عمر .......


ارتجف قلبه بقوه عندما رأى تلك النظرة الأليمة فى عينى القائد



كان وجهه يقطر حزنا وأسفا . وعيناه تهربان بعيدا حتى لا تلتقيان بعينى عمر



ابتلع القائد ريقه وقال بتردد : لقد . لقد قصفوا مخيمات اللآجئين وقوافل المهاجرين



قاموا بمجزة بشعة لأهلنا المدنيين



دمروا ثلاث حافلات مدنية محملة بالمهاجرين وقتلوا جميع من فيها من أطفال ونساء وشيوخ



عمر....أوصيك بالصبر كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم



احمد الله واسترجع ...فزوجتك....



من الشهداء




زلزل جسده ولم يستطع الوقوف على قدميه وكاد جسده يهوى أرضا, لولا أنه استند بكفيه الى سطح مكتب القائد سقط رأسه بين كتفيه وأغمض عينيه بقوة وأخذ جسده ينتفض بعنف



وضع القائد يده فوق كتفه وهو يقول بحزن عميق : أوصيك بالصبر يا عمر




خرج صوته مشروخا ممزقا من الحزن والغضب : احترقت أشجار الصبر, واستحالت رمادا تذروه الرياح.



ولن تعود أبدا الا اذا ارتوت من دمائهم




طال صمته, ثم رفع رأسه, كان وجهه كقطعة من لهب, وتساقطت حبات العرق على جبينه ووجهه برغم برودة الجو أطلت من عينيه نظرة ترجف أعتى القلوب صلابة وبحروف انطلقت من بين أسنانه كسهام نارية قال : سنشعل الأرض جحيما من تحت أقدامهم, لم يتركوا لنا خيارا سوى القتال حتى الشهادة,



يجب أن نحرر أرضنا مهما كان الثمن




أغمض عينيه بحزن بالغ وظهرت عاطفة جياشة فى وجهه وهو يكمل : وليرحم الله شهداءنا



منذ هذه اللحظه ...........


والمقاومة لا ينطفئ اوارها,



سنوات عديدة لم تخمد فيها جذوة المقاومة لحظة واحدة



قاموا خلالها بضربات موجعة للقوات الروسيه وكبدوا الروس خسائر فادحة



كانت عملياتهم الحربية مضرب المثل فى الدقة والمهارة واعمال الخسائر الكبيرة فى قوات العدو



كانوا حقا شوكة فى حلوقهم



وكلما ظن الروس انهم قضوا على المجاهدين, واخمدوا ثورتهم وسيطروا على الشيشان



خرجوا اليهم من عمق الجبال بعملية جديدة أشد وأنكى, تحطم الروح المعنوية للجنود فى صفوف الجيش الروسى استطاعوا أن يوقعوا بالروس شر هزيمة فى مواقع عديدة حتى أن الجنود الروس كانوا يفرون ويخلفون وراءهم أسلحتهم وعتادهم ليثبتوا من جديد أن المقاومة لازالت تسرى فى روح ذلك الشعب الأبى, وأن الغازى لا يمكنه أن يتمتع بالنصر لمدة طويلة، حتى ولو بقي قرونًا، وهذا ما عبَّر عنه الكاتب الأمريكي "سكوت روبنسون" الذي يكتب لصحيفة الكريستيان ساينس مونيتور- عندما قال:



"من السهل على روسيا أن تعلن انتصارها في الشيشان، لكن الواقع غير ذلك. وفي الوقت الذي يعلن فيه كبار القادة الروس أنه لم يَعُد هناك متمردون، توافينا الأخبار بعكس ذلك، فهناك اشتباكات وعمليات قتالية وضحايا روس"



هذه الدولة الصغيرة "المشاكسة" أثبتت دوما بما يتوافر لشعبها من قوة الإرادة ورصيد الإيمان أنها دولة عصية على التطويع , وأن شعبها تتأبى عليه نفسه أن يرضى بتذويب هويته وطمس حضارته الإسلامية العريقة وكان الذئب واحدا من أشد القادة بأسا على الأعداء, وأشرسهم على الإطلاق, حتى أكسبته عملياته العسكرية البارعة شهرة واسعة بين شباب المقومة, وجعلت اسمه أمل لكل شاب يتمنى الإلتحاق بكتيبة الذئب وكذلك اكتسب شهرة كبيرة بين صفوف الجنود الروس, الا أنها كانت شهرة عكسية تنبع من الكراهية الشديدة والخوف بلا حدود فذكره فقط يعنى بأسا شديدا ودماء جنود وضباط مهدرة, وخسائر فادحة فى العدة والعتاد الروسى مما جعلهم يطلبون رأسه وبشدة, ورصدت المكافآت الكبيرة لمن يدل على أية معلومات تقودهم الى الذئب, أو حتى تكشف عن شخصيتة الحقيقية الغامضة, التى لا يعرفون عنها شئ



وباءت كل محاولاتهم للوصول اليه بالفشل وكلما حاولوا الوصول اليه, فاجأهم بعملية جديدة تهز صفوفهم وتقوض أحلامهم بالقضاء على الذئب, أو حتى التوصل الى أية معلومات تقود اليه صار أسطورة وأمل وقدوة لكل شباب المجاهدين صار رعب وخزى وهزيمة فى نفوس أعدائه, صار علامة استفهام كبيرة بعد سؤال بسيط, لا يحتمل سوى اجابة بسيطة : من هو الذئب؟



هو ذلك الإنسان الوحيد الغريب المتألم, المحترق الفؤاد لفقد أغلى الأحباب



ذلك الإنسان الذى يحيا فقط ليصنع لنفسه موتة كريمة, ويبنى لنفسه قبرا فى أرض حرة



ذلك الإنسان الذى كل أمله فى الحياة أن ينال شهادة تحمله ليحيا مع من يحب فى عالم لايعرف الظلم أو الغدر أو الخيانة



ذلك الإنسان الذى لايرضى سوى بالإسلام دينا مهما بذل من تضحيات, ومهما فقد كل غال


ألقى عمر برأسه على الوسادة, خائر القوى بعد المجهود الذى بذله طوال اليوم, والسير الذى أضناه طوال الليل, حتى أنه لم يدخل الى غرفة آدم الا بعد أن صلى الفجر,



وظن أنه لن يستطيع النوم كعادته كل ليلة, ولكنه نام بالفعل


وكان نومه امتداد آخر لذكرياته وآلآمه ظل يسبح فيها حتى الصباح


وعندما بدأ يشعر بالحياة من حوله, أحس بشئ ما يستقر بين ذراعيه


شئ يمتلئ حياة, وتنبعث منه أنفاس تدفئ وجهه


انتفض مستيقظا, ورفع الغطاء عن رأسه ووجهه ليرى ذلك الشئ الملتصق به


تأمل ذلك الوجه الملائكى عبر شعاع الضوء القادم من النافذة, وتعجب كثيرا


كيف استطاع هذا الصغير أن يهرب من كاترين ويدخل الى غرفته دون أن يشعر به أحد, ويختبئ بين أحضانه حتى الصباح؟


انتبه على صوت طرقات متعجلة على باب الحجرة


خلص ذراعه برفق من تحت رأس الصغير النائم بعمق, وفتح الباب بسرعة ليجد أمامه كاترين بوجهها القلق


قالت بسرعة : عفوا اذ أيقظتك ولكن الصغير....


وضع سبابته على فمه مشيرا اليها لتخفض صوتها, ثم افسح الطريق وأشار بيده الى الصغير النائم فى الفراش



ولم يكن يتوقع أن تندفع كاترين الى الداخل بسرعة وتقف أمام الفراش تنظر الى الصغير, ثم انحنت تمسح على شعره بحنان وقالت بقلق :

يا الهى, لقد أفزعنى حقا, تخيلت أنه رحل وحده


التفتت الى عمر الذى لايزال متجمدا عند الباب المفتوح



اتسعت ابتسامتها وهى تقول :


انه يحبك, ولا يشعر بالأمان الا فى جوارك.

لك تأثير عجيب على كل من يقترب منك


كانت نظرات الإعجاب تشتد من عينيها ثم انقلب الإعجاب فجأة الى ضيق شديد واحباط عندما خفض بصره وأشاح بوجهه الى الحائط متجنبا النظر اليها



قال بصرامة وهو يهم بمغادرة الحجرة :


استعدى,علينا الرحيل فى أسرع وقت


تناولوا افطارهم, ثم قاموا بتوديع الأسرة الطيبة الكريمة التى استقبلتهم



وشكرتهم كاترين بامتنان كبير لحسن ضيافتهم


ولم تنس الأم الطيبة أن تجهز لهم كمية من الطعام ليتزودوا بها فى رحلتهم


طوال الطريق وكاترين تحاول باستماته جذبه للحديث من جديد


الا أن صمته هذه المرة كان أشد وأقوى


وكلما اضطر للكلام كان يرد عليها باجابات مقتضبه للغاية, مما أورثها شعورا بأن سؤالها الأخير الذى سألته اياه هو السبب فى ذلك الجدار السميك الذى بناه حول نفسه


ترى هل تجاوزت منطقة محرمة لديه؟


كان السؤال يلح عليها بشدة. لكنها انتبهت فجأة عندما أوقف السيارة وتكلم أخيرا :


سأتركك هنا, ادخلى هذه القريه التى أمامك, ستجدى هناك ممثلى اللجان الدولية والصليب الأحمر ومخيمات اللآجئين


نزلت من السيارة ببطء وقالت بصوت رقيق وهى تبتسم له : أشكرك لكل ما فعلته لأجلى


لم يرد عليها, بل لم يلتفت اليها



فانتقلت عيناها تلقائيا الى الصغير ومسحت على شعره وقالت بحنان وهى تنظر فى عينيه الوديعتين :


كنت أتمنى أن أظل معك حتى تعود الى أهلك وأطمئن عليك

أنا متأكدة أنك ستكون فى أمان معه


قبلت رأس الصغير بحب وتنهدت بعمق وهى تقاوم دمعة تصر على مغادرة جفنيها : وداعا يامن لا أعرف اسمه
أتمنى حقا أن تعود لأهلك,
فليرعاك الله


التفتت الى الذئب قائلة : أتعلم أن هناك تشابه كبير بينكما, أنت أيضا لا أعرف اسمه


أدركت تماما ان سؤالها الضمنى لن يحظى باجابة سوى صمته المعتاد, لكنها لم تغضب من صمته هذه المرة, بل قالت بصدق :
سأنشر كل ما سمعته ورأيته ..أعدك أن يصل صوتكم الى العالم


قال ساخرا دون أن يلتفت اليها : ان كان للعالم آذان . فليس لهم قلوب ..ورغم كل مايفعلوه بنا فسوف نعود وننتزع حريتنا بأنيابنا


ارتجف قلبها من كلماته وهى تراقبه وهو ينطلق بالسيارة بسرعة, ورحلت عيناها خلفه باعجاب كبير, ثم رفعت احدى حاجبيها لأعلى وهمست بابتسامة كبيرة : أنا واثقة من أننا سنلتقى ثانية


دخلت القرية وظلت تبحث عن زملائها حتى وجدتهم واستقبلوها بفرحة وترحاب كبير بعد أن ظنوا أنها اختطفت



وهب المصور المرافق لها من مكانه وهو يهتف بدهشة عارمة :


كاترين, أين كنتى؟ وكيف وصلتى الى هنا؟


قالت وهى تنظر الى مدخل القرية هناك حيث رحل الذئب : لو قلت لك اننى جئت الى هنا فى رعاية ذئب ..ما صدقتنى


فجأة دب فى أطرافها نشاط غريب وقالت بحماس وهى تتجه بسرعة الى الحمام : أحتاج الى أخذ حمام وتبديل ملابسى بسرعة, فعلى المغادرة الآن


سألها المصور بدهشة عارمة : الى أين؟
هل نسيت أن علينا العودة الى الديار غدا؟


قالت بسرعة : لن أعود, فلم أكمل موضوعى بعد, عليك بتدبير سيارة لنا, سترافقنى الى المستشفى الجنوبى


قال بذهول : ماذا؟


التفتت اليه والتمعت عيناها ببريق عجيب : حدسى يخبرنى أن قصة كبيرة بانتظارى هناك


وصل الذئب الى المستشفى الجنوبى, وهناك قابل مدير المستشفى وحكى له قصة الصغير الذى لم يتكلم كلمة واحدة منذ التقاه



وكان الطبيب رحيما ومتفهما الى أقصى مدى, فتطوع برعاية الطفل والبحث عن أهله, وأوصى احدى الممرضات باحتضانه ورعايته حتى يعثر على أهله


شكره عمر كثيرا ورحل


رحل دون أن يودع الصغير, أو حتى ينظر فى عينيه


فلم يعد فى قلبه مكان لألم فراق جديد


لم يعد هناك مكان لحزن, فقد طفح الكيل وزاد


رحل وحيدا...........


فعليه العودة الى المجاهدين, الى حياة الجهاد والسلاح, تلك الحياة التى لايعرف غيرها من أعوام بعيدة


منذ أن فقد كل أحبته, ولم يعد له فى هذه الحياة رفيقا سوى سلاحه


منذ أن فقد بيته, وأصبحت كهوف الجبال بيتا له


رحل وحيدا, لايحمل معه شئ سوى ذكرياته,


وأمل............


أمل أن يعود يوما الى وطنه ليدفن هناك بين أهله وأحبته الذين رحلوا


هل يمكن أن يراها مرة أخرى قبل موته؟


وقف بجوار السيارة, ورفع هامته, وامتد بصره بعيدا عابرا الأميال والمسافات


هناك, وكأنه يراها, وكأنه يشم عطرها الذى يدفئ قلبه رغم البعد


قد تمحى جروزني عن الخريطة كما يتمنون ويقولون


ولكن هل يمحى المعنى!


الرعب أو الرهب ..


تلك هى جروزنى


سميت باسم قيصر روسيا "إيفان الرهيب"


لم يكن يخطر بباله أن الاسم الذي اختاره لها كان ضده لا له ، فقد كانت دائماً شديدة عليهم


سنة 1818 أراد الجنرال يرملوف أن يجعل من تلك المدينة أو الحصن آنذاك رمزاً للإرهاب أو الرعب الروسي, حتى لا تستيقظ جذوة الجهاد وروح النضال وحب الحرية في نفوس الشيشانيين على مر الأزمان ..


يرملوف, عمل الإستراتيجية ذلك الزمان ..


لكن إستراتيجيتهم الآن,هى محو جروزني عن الخريطة ..


ولكن...محو غروزني يعني تهجير آلاف المواطنين الشيشان المسلمين من ديارهم..


قسما من المهجرين سيذوبون في الشعب الروسي, وعندها, علينا كمسلمين محاربتهم انذاك لأنهم معتدون واعداء..


وقسماً منهم سيذوبون في بقية الشعوب يسهل السيطرة عليها .


إما بقية العظمى سيلجأون إلى الجبال ويعيشون مع البورز صديقهم الوفي (( البورز أي الذئب )) وعلى مر الأيام والأزمنة ستعاود تلك القبائل الجبلية الشرسة محاربتهم لبني جلدتهم الذين ذابوا في الشعب الروسي.


وهذا هو الجنون بعينه, ولكنه حدث!


حدث عبر مئات السنين من الحروب المتواصلة


يتمنى الروس محو جروزني في التاريخ


واذا اختفى الرمز هل سيختفي المعنى !


لقد انقلب المعنى إلى الضد


فكل لغات العالم تنطق بـ(جروزني)


أصبحت تلك الكلمة رمزا,ً


بمعادلة رياضية قلبت معادلات الأرقام في الحسابات العسكرية في العالم لصالح المناضلين ضد إرهاب واستعمار الدول


جروزني, أو كوكاسيا


(بوابة آسيا)


قلب القوقاز


فطالما اللغات تحمل المعاني, معيدة إلى الذاكرة جروزني .. المخيف , المرعب , الرهيب ..


فلا تزال بوابة آسيا عصية على الروس


والمقاومة الشيشانيّة ستستمرّ على الجبال وفي أيّ مكان


طالما هناك شيشانيّ واحد ينبض قلبه إيمانًا ويدافع عن بلده وعن حريته،


وإنّ الله ناصر لعباده،


وسيأتي يوم يندم فيه الروس على غطرستهم.


لم يدرى كم من الوقت ظل واقفا بجوار سيارته أمام المستشفى


فقد جرفته ذكرياته وأفكاره بعيدا من جديد


لكن يدا امتدت اليه لتعيده قسرا الى محيطه الذى لم يغادره سوى بعقله وأفكاره فقط


أدرك أخيرا أنه لم يرحل بعد


وعندما استدار ليرى صاحب اليد التى أعادته الى الواقع


فوجئ بعينى الصغير تتطلعان اليه بتوسل


ورغما عنه قرأ فيهما تلك الكلمة التى حاول كثيرا تجنبها


(ابق معى)


لم يعد الهروب يجدى


وعليه المواجهة


نزل على احدى ركبتيه واقترب من الصغير, وتطلع برهة الى عينيه


لكنه هز رأسه وقال بحسم :


لا أستطيع, يجب أن أعود الآن

انت هنا فى أمان
اطمئن, سيجدوا أهلك, وستعود الى أحضانهم من جديد


هب من مكانه بسرعة واتجه الى السيارة وفتح بابها, وهم بالركوب حتى لا يرى دموع الصغير التى تجمعت بغزارة فى عينيه



أبى..


تجمد تماما فى مكانه, وعصفت الدهشة بعقله وقلبه



التفتت ببطء الى الصغير الذى بدأت دموعه فى الهطول, ليسمعه من جديد يردد باصرار :


أنت أبى


لم يدرى مايمكن أن يقوله,



ولا كيف يتصرف,


فظل على صمته للحظات,


حتى نطق أخيرا :


أنا...لست.....


انعقد لسانه وعجز عن النطق,



واتسعت عيناه بشدة,


وارتج قلبه بعنف,


حينما أخرج الصغير من جيبه شئ يعرفه جيدا


حافظة سوداء صغيرة


حافظة زهرة


ومن داخل الحافظة أخرج صورة ضوئية أعادت اليه ذكرياته دفعة واحدة


صورته مع زهرة
حمله فوق كتفه وانطلق يجرى به بعيدا


كان الخوف يعبث بقلبه


لقد عادت اليه الآلام من جديد, وكأنما لم تمر السنون, وكأن الزمن قد توقف عند تلك اللحظة الأليمة


لحظة موت مالك


أول ألم شعر به فى حياته, وأقسى ألم


وبرغم سيل الآلام التى عاناها عبر حياته القصيرة


الا أن المرة الأولى تبقى دائما هى الأشد والأقسى على النفس والروح


ما أشبه اليوم بالبارحة


أعادت اصابة جوهر الى عقله حادثة استشهاد مالك, وكأنما حدثت الآن


أخذ يسترجع ماحدث


لقد تم الهجوم على موقع كتيبته ومحاصرتها فوق الجبل


لكن جنوده المجاهدين قاتلوا بشراسة واستبسال لفك الحصار


ونجحوا أخيرا فى دحر الروس الذين تراجعوا تحت وطأة نيران المجاهدين


وتفقد الذئب رجاله, ليجد جوهر مسجى على الأرض وصدره ينزف بغزارة, وأحمد يحتضن رأسه, ويضع يده على صدره محاولا ايقاف النزيف


نزل على احدى ركبتيه وقال لأحمد بقلق : كيف حاله؟


قال أحمد والخوف يملأ عينيه : اصابته شديدة


نظر الذئب فى وجه جوهر الشاحب, وعقد حاجبيه بقلق


أحمد : علينا نقله الى المستشفى على الفور


بدأ الشرود يحتل عقله وهو يستمع الى جوهر بصوته الواهن: لن يجدى, لن يسعفكم الوقت بعد أن دمروا السيارة, والطريق الى المستشفى طويل
لدى طريق أقرب بكثير


احتضن السماء بعينيه وقال بابتسامة شاحبة : طريق الجنة


اعتصر الذئب عينيه بقوة, وهز رأسه, وكأنما يريد ابعاد صورة ما تصر احتلالها


فتح عينيه ليجد أمامه وجه آخر, وجه يألفه ويحبه كثيرا


أشاح بوجهه وأغلق عينيه بألم, وهو يحاول باستماته أن يبعد عن عينيه ملامح مالك التى احتلت قسرا وجه جوهر
مما جعل جوهر يقول بحزن : هل ملامحى قاسية الى هذه الدرجة؟
رغم كل شئ, كان العمل فى فريقك هو أفضل شئ حدث لى على الإطلاق
لقد كانت الأيام التى قضيتها بصحبتك من أفضل الأيام التى قضيتها فى حياتى
لقد علمتنى الكثير ....
كنت أعلم أنك فى النهاية ستقودنى الى الجنة


عجز عمر عن تحمل كلمة اخرى


أخذ نفس عميق, وهز رأسه بقوة, وأجبر نفسه على النظر فى وجه جوهر, وحاول أقصى جهده استعادة ملامحه الأصلية


فجأة, أطبق بيده على ملابس جوهر وهو يقول بغضب : لازال الوقت مبكرا يا فتى, أتظن أن الوصول الى الجنة بتلك السهولة؟
عليك أولا أن تدفع مهرها


رفعه عمر بذراعه وحمله فوق كتفه وجوهر يتأوه


هتف أحمد بدهشة : الى أين تأخذه؟ الطريق طويل, لن تقدر


قال بعزم : فعلتها من قبل
والآن, على أن أحاول من جديد
وضع عمر جوهر برفق على المحفة الطبية ذات العجلات, ووقف يراقبه وهو يتجه الى حجرة العمليات, ولكنه مرة أخرى عجز عن النظر فى وجهه عندما تذكر مالك, فابتعد متألما وألقى ببصره الى نافذة قريبة


وبعد فترة, شعر بيد قوية تربت على كتفه, التفت ببطءالى القائد الكبير الذى قال باعجاب: تبهرنى دائما بأفعالك
لقد نجحت فى انقاذ حياته


أغمض عينيه وقال براحة : حمدا لله


وقف القائد بجواره يتطلع الى الجبال البعيدة عبر النافذة وهو يقول : ما رأيك فى هذا الشاب ؟


صمت الذئب قليلا ثم قال : يشبه شخصا كنت أعرفه


ابتسم القائد وقال : لهذا اخترته من بين 50 شابا وأرسلته اليك , كنت أعلم مدى احتياجك لإنسان مثله


صمت القائد قليلا ثم قال : عمر..لم لا تعود الى بيتك؟
أستطيع تدبير هوية جديدة لك, كما أن الروس لا يعرفون شخصيتك الحقيقية


أطرق عمر بحزن ثم رفع رأسه وقال بأسى : ولمن أعود ؟ لقد رحل الأحبة جميعا


القائد بتعاطف : أتخشى من ألم الذكريات؟


تنهد بعمق وقال بحنان أبوى : لم أخش عليك يوما من الموت, ولا من الأسر وما يمكن أن يفعله الروس بك ..
ولكن كل ما أخشاه أن تسحق الأحزان روحك, سيظل الحزن يأكل من قلبك وشبابك حتى يفنيك بأسرع مما تفعل رصاصات الأعداء
انظر لنفسك يا بنى, انك لم تغادر العشرينات بعد


أغمض عمر عينيه بألم وقال بصوت يقطر حزنا : لقد كانت تحمل طفلى الأول, لكم تمنيت أن أحمله, أضمه الى قلبى, أسمع بكاءه, ألمس وجهه الصغير وأصابعه الدقيقه


القائد باشفاق : هون على نفسك يا بنى فلست وحدك المكلوم


أشار الى الجبال البعيدة وقال : كل من يحيا على هذه الأرض, وفى تلك الجبال, مصاب بجراح قد لا تندمل مدى الحياة
لكن الحياة لابد وأن تستمر ولابد أن نحياها طالما كتب الله لنا الحياة


عمر بأسى: لكم دعوت الله أن أموت شهيدا لألتقى بأحبتى .. انتظرت طويلا أن يأتى الموت لكنه لم يأتى


القائد بعطف : لكن الله كتب لك الحياة فيجب أن تخضع لمشيئته


صمت قليلا ثم قال : عمر .. لقد رزقك الله الصبر ولكنى أرى أنك بحاجة الى أن ترتقى الى درجة أعلى ..
أنت بحاجة الى الرضا ..فارض يابنى بما قسمه الله لك وعش حياتك بما يرضى الله حتى يحين أجلك الذى كتبه الله لك ..
تزوج واعمل وعمر هذه الأرض
فلا يعقل أن نتركها اليهم ليعمروها ونظل نحيا فى الجبال
أما ان كنتعاجز عن تحمل الذكريات الأليمه, فلن أكلفك مالاتطيق
ولكن لدى حل آخر..


صمت قليلا ثم قال : ما رأيك أن تعود الى مصر؟


نظر اليه باستنكار وقال بألم : وحدى؟


القائد : نعم, ربما يشفى جراحك هواءها ونسيمها وذكريات طفولتك وصباك , وربما تجد هناك من تتزوجها وتستطيع أن تخفف من أحزانك


هز عمر رأسه نفيا ببطء, ومد عينيه الى قمم الجبال البعيدة : لم يعد بامكانى أن أعود الى مصر..
أصبحت جزءا من هذه الأرض وقطعة من هذه الجبال , كل أحبتى هنا .ان كل ما أتمناه الآن أن أموت وأدفن بجوارهم حتى لا أستوحش فى حياتى وفى قبرى أيضا


زفر القائد بأسى وقال باشفاق : ما رأيك فى رحلة أخرى؟ زيارة الى بيت الله الحرام؟


التفت عمر اليه وظهر فى عينيه الحنين وقال : نعم ..نعم ..أتوق الى هذه الزيارة بكل جوارحى


قال بحزن : لكم تمنيت أن تكون زهرة معى فى هذه الرحلة, لكم تمنت أن ترى بيت الله الحرام بعينيها


القائد : هون على نفسك يا عمر ..فإنها شهيده


أغلق عمر عينيه بقوة وقال : ولكنى أشعر بها حولى فى كل مكان, لاترى عينى سواها, ولاتسمع أذنى الا صوتها


القائد بتعاطف : ارض يابنى, ارض بقضاء الله حتى يرضيك الله
سأرحل الآن لأدبر لك الرحلة التى اتفقنا عليها, وعندما تعود, سيكون لنا حديث آخر, ربما تصبح أكثر قدرة على تقبل فكرة زوجة جديدة وحياة جديدة


همس بحنين جارف وهو يعصر عينيه ألما : ولكن قلبى لا يسع سوى زهرة واحدة


سمع صوتها يشدو فى قلبه : وستظل تحيا فى قلبك ترتوى من حبك لهذه الأرض


تنهد بعمق وقال : آه يا أحبتى ..كم أشتاق اليكم


رفع عينيه الى السماء وقال برجاء : رب لا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين


الشاق


اتجهت كاترين مع الصغير الى الغرفة التى أعدتها الأم لهما


وأخذت تتأمل الغرفة ومحتوياتها, كانت غرفة واسعة مريحة, ومرتبة جيدا وتحوى كل الأثاث الضرورى


وسبل الراحة أخذت الأم تدور فى الغرفة وتتأكد من ان جهاز التكييف يعمل بشكل جيد, وكذلك الإضاءة


سألتها كاترين بدهشة : يبدو أن جهاز التكييف لم يعمل من مدة طويلة


قالت الأم : نعم, فمن وقت طويل لم يأتينا ضيف


قالت بدهشة : الا تستخدمون تلك الغرفة الا عندما يأتيكم ضيف؟


الأم : في كل منزل في القرية غرفة مخصوصة للضيف، تسمى "غرفة الضيف"، جاهزة دوما للإستقبال


في أي وقت, ولا أحد من أهل البيت يمكنه استخدامها ، إكرام الضيف واحترامه له مكانة عظيمة لدى


الشيشانيين, وخاصة فى القرى" فالبيت الذي لا يدخله ضيف- لا تدخله البهجة والسرور "، كما يقول


المثل الشيشاني


كاترين بامتنان كبير : لا أدرى ماذا أقول, ولكنى حقا سعيدة للتعرف باناس مثلكم أتمنى الا يتسبب وجودنا


هنا فى أية مشكلات أو يعرضكم لأية مضايقات اقتربت منها الأم وأمسكت بيديها وهى تبتسم مطمئنة وقالت


بلهجة حانية : نامى قريرة البال, واطمئنى فمن قواعد إكرام الضيف عندنا، الحفاظ على حياته، والدفاع


عن كرامته، وحماية ممتلكاته مهما حدث ونحن قوم نحب أن نتمسك بتقاليدنا.


التفتت الأم للصغير, فوجدته قد توسد الفراش واستغرق فى نوم عميق


اقتربت منه وخلعت حذائه بهدوء ووضعت رأسه على الوسادة برفق, وغطته بالأغطية الثقيله


قالت كاترين براحه : أحمد الله أنه نام أخيرا


أردفت بأسف كبير : كنت أظنه لن ينام أبدا بعد ما رآه اليوم, لكم أشعر بالألم والشفقة لحاله


تنهدت الأم بعمق وقالت بحزن : هناك آلاف من الأطفال مثله, بل وأسوأ حالا منه, لهم الله, فهو نعم المولى


ونعم النصير


قالت كاترين : هل يمكن أن أتحدث الى زميلى؟


الأم : بالتأكيد,


خرج عمر من حجرة الفتى آدم بعد أن نادته الأم بناء على طلب من كاترين


تركتهما الأم فى بهو البيت واتجهت الى غرفة الجد لتطمئن عليه


قال الذئب بهدوء : هل تشعرين بالراحة هناك؟


هزت رأسها وقالت باسمة : بالتأكيد, فالسيدة لا تدخر وسعا لطمأنتى واشعارى بالراحة


قالت بعجب : هل كل العائلات الشيشانية بتلك الحفاوة؟


قال بتأكيد : كما تقول الأساطير، وُلِد الشيشاني و قطعة حديد في إحدى يديه- رمز المحارب، وقطعة جبن


في اليد الأخرى- رمز إكرام الضيف.


قالت متعجبة : لم يسألونا أى سؤال, لم أتينا, أو من نحن!


قال بهدوء : خلال الأيام الثلاثة الأولى من غير اللائق أن يٌسأل الضيف أي سؤال,فالضيف لدينا يعيش في


البيت كعضو شرف بين العائله.


تنهدت وقالت : أظن أنك تشعر بالراحة هنا فآدم فتى لطيف, أليس كذلك؟


شرد قليلا وقال : نعم, يذكرنى بشخص ما


قالت بعد تردد : أود أن أقول لك شئ, عليك أن تكون أكثر حرصا فى اظهار مشاعرك السلبية تجاه الروس


أمام الصغير فكما أخبرتك, هو ينظر اليك كمثل أعلى, ويراقب كل حركاتك وتصرفاتك, ويتوحد مع مشاعرك


أيا كانت التفت اليها وقال بهدوء يشع بالغضب العارم المعربد فى أعماقه : أتظنى أنه ينتظرنى لأعلمه


كيف يكره قتلة أهله وشعبه؟


لم لا تسألينه عن أمه المعتقلة فى جروزنى؟


لم لاتسألينه أين أباه الآن هل فى إحدى المعتقلات يتجرع العذاب ألوانا بأحط الطرق وأشنعها على الإطلاق


أم رحمه الله بالإستشهاد فى مقبرة جماعية لم تكتشف حتى الآن


لم لاتسألينه عن أهله, وماذا يفعلون فى المستشفى الجنوبى؟


كم منهم لايزال على قيد الحياة


وكم منهم استشهد متأثرا بجراحه من جراء القصف الروسى؟


وكم منهم فقدوا أعضاءهم أو أصيبوا بعاهات لن يبرأوا منها مدى الحياة؟


لم لاتسألينه أين بيته؟


وهل لازال هناك منه بقايا؟ أم محى من الوجود؟


الروس لاينتظرون منا أن نعلم أولادنا كراهيتهم, فهم يقومون بهذا الدور ببراعة منقطعة النظير


وفى كل الأحوال, نحن الخاسرون, يخسر أبناءنا سلامهم النفسى, ويعيشون ما أراد لهم الله البقاء معاقين


نفسيا, يحملون أمراضا لا شفاء منها


ظلت تتأمله وهو يتحدث, وعينيها تتسع بتأثر كبير, وعجز جفناها عن حمل كل هذا القدر من الدموع,


فتركتها تنسكب على خديها


ظلت صامتة لفترة, حتى وجدت أخيرا ما تقوله : اذا فقضية السلام, قضية خاسرة؟


عقد حاجبيه بشدة وقال بنفس صوته الهادئ الذى يحمل الغضب الكثير : هناك حكمة شيشانية تقول (من


لاينشد السلام, يقع فى الحرب)


وجهت السؤال الى الجانب الخاطئ, عليك أن تسأليهم هم, هل يريدون السلام؟


قالت بتعاطف كبير : لقد عانيت كثيرا, أليس كذلك؟


قال مؤكدا : كأى انسان يحيا على هذه الأرض, ويسكن تلك الجبال, يسعى الى الحرية ويرفض أن يترك


وطنه للغزاة


قال منهيا الحوار : والآن عليك الذهاب الى النوم, فغدا أمامنا رحلة شاقة


اتجه الى باب البيت, فاستوقفته قائلة بدهشة كبيرة : الى أين فى هذه الساعة المتأخرة؟ والجو شديد


البرودة


قال وهو يفتح الباب ليخرج : سأتفقد الطريق, لتأمين المكان


قالت قبل أن يخرج : فقط سؤال أخير


نظر اليها فقالت بتردد : هل.....هل زوجتك جميله ؟


شعرت كاترين بالندم وتمنت لو لم تسأله وذلك عندما شاهدت النظرة الحزينة التى هربت من عينيه قبل أن


يخرج بسرعة ويغلق الباب خلفه دون أن ينطق بكلمة أخرى


تنهدت بعاطفة كبيرة وهى تقول بحنان : أيها الوحيد الغريب


لكم تفتقد أحضان أهلك وأحبتك,


لكم تشتاق الى دفء بيتك


و تراب وطنك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جوجو
مشرفة قسم
مشرفة قسم
جوجو


الساغة الأن :
الاقامة : القاهره
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 5264
نقاط : 5612
تاريخ التسجيل : 10/06/2009

عوده الذئب ..................روايه طويله Empty
مُساهمةموضوع: رد: عوده الذئب ..................روايه طويله   عوده الذئب ..................روايه طويله Empty18th فبراير 2010, 10:15 pm

لأول مرة منذ زمن بعيد تطل أنهارالرضا من عينيه وتنفرج أساريره بابتسامة حانية تمتلئ حبا وشوقا


لم يصدق أبدا أن بامكانه أن يستعيد ذلك الشعور الرائع الذى فقده من سنين طويلة,


حمله وضمه الى صدره بذراعيه, كما لو كان يتمنى أن يذوب فى دمائه ليملأ قلبه


أبقى عينيه مغمضتين بقوة وكأنما يتمنى أن يدوم ذلك الشعور للأبد


ملأ صدره بتلك الرائحة التى افتقدها طويلا, رائحة الحياة


لكم عاش طويلا ميت بين الأحياء, أو حى بين الأموات


حتى أتى ذلك الصغير الجميل ليعيد اليه كل المشاعر التى افتقدها طويلا


وكأنما تجمع فيه كل من أحبهم فى حياته


حب زهرة,


حنان مالك,


عطف محمد


احتضن طفله الذى لم يراه أبدابقوة كبيرة,


وكأنما يحتضنهم جميعا,


وهمس فى أذنه بشوق عارم : مالك


أخذ يمسح على ظهره وشعره


أبعد رأسه قليلا عنه وأخذ يتحسس ملامحه الصغيرة بأنامله, وكأنما يريد أن يحفظها فى قلبه, ثم أمسك بيده وانهال يقبل أصابع يديه الصغيرة بحب طاغى


انطلق فيض الحب والحنان المكبوت طويلا فى أعماقه,


انطلق سيلا يحطم كل السدود ليتحول الى أنهار من القبلات أغرق بها صغيره الذى أعاد الى قلبه دماء الحياة لينبض بالحب من جديد,


وأشرقت ابتسامته من جديد لتذيب جليد حرمان السنوات الطويلة
رفعت كاترين عينيها عن الصورة الفوتوغرافية الصغيرة التى تحملها بين أصابعها, وأخذت تتأمل الذئب بذهول

كان يجلس الى منضدة مستندا بمرفقيه اليها ورأسه بين كفيه, وحول المنضدة جلست هى والقائد وسيدة أخرى لا تعرفها,

أما الصغير, فقد كان نائما فى الدور العلوى

أرادت كاترين أن ترد عليه, كانت تحمل الكثير والكثير من الكلمات التى يمكن أن تقال

لكنها هربت كلها من رأسها عندما فاجأها بعد الصمت الطويل بكلماته الممتلئة باصرار وعناد لم تقابل مثله فى حياتها

أدارت عينيها فى وجوه الجميع علها تجد من يقول كلمة تثنيه عن عزمه

لكنها أدركت أن حالة الذهول التى أصابتها قد أصابت الجميع أيضا

شخص واحد فقط من الجلوس استطاع أن يكسر حالة الصمت التى طغت على كل من فى الحجرة

وبعينين سكنتهما الدموع فلا هى عادت من حيث أتت, ولا هى غادرت الى خديها قالت أم مالك وزهرة بصوت يقطر بالألم : لم تفعل مافعلته الا لأنها كانت تريد انقاذك
بمجرد أن وصلنا نبأ اصابتك ونقلك الى مستشفى فى جروزنى, لم تستطع البقاء ليلة واحدة, فاصطحبت مالك وغادرت الى جروزنى, وأصر خالد على مرافقتها حتى لاتكون وحيدة

تنهدت بألم وهى تكمل : كان الأمر كله مجرد خدعة لإستدراجها الى جروزنى لتقع فى قبضتهم
لقد جاءت الطعنة من شخص شديد الثقة, لم نكن ندرى أنهم استطاعوا شراءه
لا أحد يمكن أن يتوقع ابدا أنه خائن

ضرب المنضدة بقبضته بغيظ شديد وهب واقفا, ثم استدار الى النافذة ليخفى الغضب الرهيب الذى غزا ملامحه

قال بعد صمت : تلك هى معركتنا الحقيقية
مع الخونة والعملاء
لن تدرى أبدا من أين تأتيك الطعنه

استند بكفيه الى النافذة وطال صمته, وخيم الصمت على الجميع,

لقد نجت زوجته من موت محقق عندما فاجأها المخاض بعد تركه لها بسويعات قليلة

تخلفت عن حافلة المهجرين التى كان يجب أن تركبها

أنقذها مالك الصغير من هلاك محقق

وفى نفس اللحظة التى عرف فيها بنجاتها, صدمته الحقيقة المؤلمة

فهى الآن أسيرة بين أيديهم, بين أيدى الأعداء

تنتظر أن يبادلوها به

فاما حياته ....أو حياتها

نطق أخيرا بصوت ينتفض غضبا : لم أكن أتوقع أن هناك ما هو أشد وأقسى على النفس من الوحدة وفقد الأحبة
جحيم الإنتظار وأن تكون سببا فى ايذاء أقرب الناس اليك
سأعود من أجلها مهما كان الثمن

هتفت كاترين بعد أن عجزت عن الصمت : هل جننت؟ أتريد أن تحقق لهم ما يريدونه؟
لن يتركوك حيا أبدا, اذا ما وضعوا يدهم عليك
يمكننا ان ننقذها بطريقة أخرى
أستطيع أن أحرض عليهم الصليب الأحمر, ومنظمات حقوق الإنسان, بامكانهم التدخل و.......

التفتت اليها عمر ببطء وهو يقول : يبدو أنك لم تدركى بعد طبيعة الصراع الروسى الشيشانى
استطاعت روسيا اقناع العالم أن القضية هى شأن روسى داخلى, وأن الشيشانيون ماهم الا مجموعة من المجرمين الخارجين على القانون الروسى

هتفت بغضب : مابك؟ أتلك هى نظرتك للأمور

قال بأسى : بل نظرة العالم الينا والى قضيتنا

لن يتدخل أحد من أجل مجموعة ينظرون اليها كارهابيين, خاصة فى ظل التحالف العالمى الذى تقوده أمريكا ضد الإرهاب
وطالما أننا مسلمون, فنحن اذا........ مدانون

هتفت كاترين بعناد : لا يمكن أن تيأس الآن, هناك الكثيرين يؤمنون بعدالة قضيتكم ويتعاطفون معكم

قال : ولكنهم للأسف, ليسوا فى موقع سلطة, أو بيدهم قوة يمكن أن تساعدنا
ليس لنا سوى ثقتنا بالله, ومواصلة المقاومة والصمود حتى نحرر أرضنا ولو بعد آلاف السنين

هتفت كاترين : وماذا عن صغيرك؟ الى من تتركه, وماذا سيكون مصيره بعد رحيلك ورحيل أمه؟

قال ببطء : له الله.. ثم جدته وخالته, وكل الشيشانيين, هم أهله

كاترين : اذا فلقد اخترت .......حياتها مقابل حياتك

نظر اليها وقال : بل حياتى مقابل حريتها

عقدت حاجبيها بدهشة وتساءلت بشك : تقصد زوجتك؟

أخيرا تحدث القائد قائلا بحزم : ومن أجل هذا فأنا أمنعك من العودة
لا يمكننى التضحية بقائد مثلك
المقاومة تحتاجك بشدة,
نستطيع أن نتدبر الأمر,
سنبحث عن طريقة لإخراجها من هناك, ولكن دون التضحية بك

قال بهدوء : المقاومة ستستمر بى أو بدونى,
من مئات السنين, وطوال حروبنا معهم لم تتوقف المقاومة أبدا لموت واحد منها
فالمقاومة ليست فردا, بل هى الشعب بأكمله

التفت مجددا الى النافذة, وراح يتأمل الجبال البعيدة والوديان والأشجار وهو يقول بشرود : وحتى لو أفنوا شعبنا, ستحاربهم الجبال والسهول والأشجار والجليد
ستحاربهم الأرض والسماء
رحم تلك الجبال لن ينضب أبدا عن اخراج المجاهدين
أعلم أنها هناك, تنتظرنى وواجبى يحتم على أن أعود اليها

تأمله الجميع بصمت ولم يجروء أحدهم على قول أى شئ

ومرة ثانية ظل عقل كاترين يردد نفس السؤال دون أن يتحرك لسانها : أزوجته يقصد؟
هل ستعود؟

قالها الصغير ودموعه تطل بقوة من بين جفنيه وهو يتشبث بملابس عمر الذى جلس على احدى ركبتيه ليكون قريبا من صغيره

سقط عمر فى بحور من الحيرة وهو ينظر فى عينى مالك, ولم يجد له نجاة سوى صمته

ولكن فى النهاية, كان مضطرا للإجابة على السؤال المؤلم, فهز رأسه ببطء وقال : لا أدرى!
ولكن, يوما ما عندما تصبح ذئبـ..., أعنى رجلا
عليك أن تقطع هذا الطريق, وتعبر تلك الجبال لتعود الى هناك

حمله بين ذراعيه ونهض من الأرض ونظر بعيد وهو يمد ذراعه ليشير باصبعه بامتداد البصر

وعينا مالك تتابع اصبعه وترحل بعيدا الى قمم الجبال, وصوت أبيه يدوى فى أذنيه : هناك, أصلك وجذورك, واليها يجب أن تعود يوما ما

تلاقت عيونهما فى صمت, وعجز عمر مجددا عن احتمال نظرات الصغير, فاحتضنه بشوق عارم وحنان فياض, وامتلئت عيناه بالدموع, لكنها ظلت حبيسة جفنيه

وتعلق الصغير برقبته بكل قواه, لكن عمر انتزعه من أحضانه بقسوة وأنزله رغما عنه, واخذ نفس عميق وفرد قامته بقوة لينتصر فى النهاية على دموعه, ويدفنها فى صدره

أعطاه ظهره حتى لا يضعف من جديد, وخرج من الباب وهو يسير بخطوات سريعة قويه تعصر الثلج تحتها مخلفة أثرا بارزا لآثار قدميه

أخيرا ترك دموعه تتحرر من صدره عندما تأكد أنه أصبح وحيدا

فأغرقت وجهه وكبده يتفتت ألما لفراق صغيره, حبة قلبه

بدأت خطواته تتباطأ, وصورة مالك تملأ عينيه وقلبه, وهو يتذكر دقائق ملامحه, وأصابعه الصغيرة, وأنفاسه الدافئة وهى تعانق وجهه, وذراعيه حول عنقه

تمنى لو يروى قلبه بضمة أخيرة من ذلك الملاك المتدفق بالحنان

توقفت قدماه عن السير رغما عنه, وكادت قواه تخور ويلتفت للخلف, أو يعود جريا الى صغيره

لكنه كافح باستماته ليتغلب على ضعفه, وأعتصر عينيه ليفرغ آخر قطرة من دموعه

عقد حاجبيه, واستنشق الهواء البارد بقوة, وهو يصطدم بوجهه

ولم يفتح عينيه الا عندما جفت دموعه تماما

وحل محل الضعف, نظرة تمتلئ عزما واصرارا

وبدأت أصوات كثيرة تأتيه من كل مكان, أصوات يعرفها جيدا

عندما يستباح الوطن ..يستباح كل شئ .وتصبح الدنيا سوق كبير للنخاسه فيه الإنسان أرخص من تراب الأرض

أرضنا هاهنا, وسنظل هنا حتى ندفن فيها, لن نتركها لهم

كلنا سنموت يا صديقى. المهم هو كيف سنموت؟

لازالت الشيشان صامدة, تقدم أبناءها ثمنا لدينها وحريتها منذ مئات السنين, وحتى الآن.

هدفنا ليس الإنتقام ..
الحرية يا ولدى ..اننا لا نسعى الى الإنتقام ..بل نسعى الى الحرية
وهذا هو مالايريدونه لنا

انه حلم تتضاءل بجانبه كل الأحلام
حلمى أن أموت شهيدا



عمر .... نحن نؤمن تماما أننا سننتصر .. حتى لو لم نر النصر بأعيننا فسيراه من بعدنا...
لكننا فى النهايه سننتصر



احتفظ بصوت زهرة وكلماتها فى أذنيه وقلبه, وانتفضت عروقه بالإصرار وتضاءلت رغبته فى الإلتفات للخلف حتى اختفت تماما

سار بخطوات أقوى وأسرع, يدوس الثلج مخلفا أثرا أعمق فيه, وعيناه تنظران للأمام, تتطلعان للعودة اليها

أما الصغير, فقد خرج من الباب وعيناه متعلقة بآثار أقدام أبيه الغائرة فى الثلج, وتتبعت عيناه خطواته حتى توقفت عند نقطة سوداء بعيدة

ظل متشبثا بتلك النقطة السوداء الصغيرة التى توقفت وسط لوحة كبيرة بيضاء رسمها الثلج الكثيف, حتى تحركت أخيرا وتحركت معها عيناه, وقلبه يسافر خلف الجبال والسهول البعيدة

يمضى الى حيث يرحل أباه

وبدأ لسانه يتحرك وهو يهمس بصوت خفيض يعلو بالتدريج ليبدو واضحا فى حروف كلماته انه ينشد أغنية

ويعلو صوته وكأنما تردد معه الجبال





في ليلة مولد الذئب خرجنا إلي الدنـــــيا



وعند زئير الأسد في الصباح سمونا بأسمائــنا


وفي أعشاش النسور أرضعتنا أمـــهاتنــا


ومنذ طفولتنا علمنا آباؤنا فنون الفروسيــــة


والتنقل بخفة الطير في جبال بلادنا الوعـــرة


لا إله إلا الله


لهذه الأمة " الإسلامية " ولهذا الوطن ولدتنا أمهاتنا


ووقفنا دائماً شجعانا نلبي نداء الأمــــة والوطن


لا إله إلا الله


جبالنا المكــــسوة بحجر الصـــــوان


عندما يدوي في أرجائها رصاص الحــــرب


نقف بكرامة وشرف علي مـــر الســــنين


نتحدي الأعداء مهمــــا كانت الصعــــاب


وبلادنا عــــندما تنفجر بالبـــــــارود


من المــحال أن ندفن فيها إلا بشرف وكرامـــة


لا إله إلا الله


لن نســتكين أو نخضـــع لأحـــــد إلا لله


فإنها إحـــدى الحسـنيين نفــــوز بــــها


الشهــــــــــــادة أو النصـــــــر


لا إله إلا الله


جراحنا تضـمدها أمــــــهاتنا وأخواتنا بذكر الله


ونظرات الفــــخر في عيونــهن تثير فينا مشاعر


القــــــــــــوة والتحـــــــــدي


لا إله إلا الله


إذا حالـــــوا تجويعنا سنأكل جذور الأشجار


وإذا منع عنا الماء سنشرب نــــــدي النبات


فنحن في ليلة مولد الذئب خرجــــــنا للدنيا


ونحن دائماً سنبقي مطيـــــــعين لله والوطن


وهـــــــذه الأمـــــــــــــة


لا إله إلا الله ...



النشيد الوطنى للشيشان


تمت بحمد الله وفضله


وبهذا أرجو أن أكون قد أفدتكم
وشكراً لكم جميعاً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جوجو
مشرفة قسم
مشرفة قسم
جوجو


الساغة الأن :
الاقامة : القاهره
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 5264
نقاط : 5612
تاريخ التسجيل : 10/06/2009

عوده الذئب ..................روايه طويله Empty
مُساهمةموضوع: رد: عوده الذئب ..................روايه طويله   عوده الذئب ..................روايه طويله Empty3rd يونيو 2010, 1:06 pm

مش عجباكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عوده الذئب ..................روايه طويله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى راجعون الى الله :: منتدى راجعون العام :: قسم راجعون الى الله العام-
انتقل الى:  
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط راجعون الى الله على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى راجعون الى الله على موقع حفض الصفحات