منتدى راجعون الى الله
الباب الثالثباب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب 5e6e128532

انرت منتدانا زائرنا الغالى اذا اردت التسجيل فمرحبا بك
منتدى راجعون الى الله
الباب الثالثباب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب 5e6e128532

انرت منتدانا زائرنا الغالى اذا اردت التسجيل فمرحبا بك
منتدى راجعون الى الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى راجعون الى الله


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولالتسجيل
النيابة العامة والنيابة الادارية ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة موضوعات متجددة تجدها بمصداقية فقط على منتدى راجعون الى الله ....
تابعوا معانا يوميات حنفى وحمديه والناس الموئعتيه فقط وحصريا بقسم القصص والمواعظ بمنتدانا منتدى راجعون الى الله
بمناسبة اقتراب شهر رمضان الكريم اعاده الله علينا وعليكم باليمن والخير والبركات ندعوكم لزيارة قسم (رياض الجنه الرمضانى )بمنتدانا لمتابعة كل ماهو مفيد وجديد فى الشهر الكريم
عايز تتابع وتعرف كل حاجه عن علماء بتحبهم ومفكرين وشيوخ اجلاء بتتمنى تكون زيهم تابع معانا فى منتدانا بقسم المفكرين والعلماء وسوف تجد كل ماتتمنى ان تعرفه عن مشايخنا وعلمائنا ومفكرينا
عندك موهبة الكتابه ؟؟؟عايز تقول رأيك ونفسك تبقا صحفى والكل يقرا مقالاتك ؟؟؟؟نورنا فى جريدة منتدانا منتدى راجعون الى الله (مقالات الاعضاء وبس)

 

 الباب الثالثباب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
تركيه الخضرى

راجع متفوق
راجع متفوق



الساغة الأن :
الاقامة : المملكه العربيه السعوديه
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 788
نقاط : 1750
تاريخ التسجيل : 22/08/2009

الباب الثالثباب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثالثباب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب   الباب الثالثباب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب Empty5th مارس 2010, 12:01 am

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، وقول الله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وعن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير -رضي الله عنه- فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ قلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت. قال فما صنعت؟ قلت: استرقيت، قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي. قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال: لا رقية إلا من عين أو حُمَة قال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع.

ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: عرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي، ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد؛ إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فنهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك.

فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا، وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبروه فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم. قال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم قال: سبقك بها عكاشة .


--------------------------------------------------------------------------------


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد:

فإن الاهتمام بالعلم، والرغب فيه، والحرص عليه، والإقبال عليه دليل صحة القلوب؛ لأن القلب إذا صحا لنفسه وعرف ما ينفعه فإنه سيحرص على العلم؛ ذلك لأن الله -جل جلاله- مدح أهل العلم ورفعهم على غيرهم درجات قال سبحانه: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وقال -جل وعلا-: أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ .

فعدم استواء من يعلم مع من لا يعلم، هذا إنما يذكره ويعيه أهل الألباب: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ وأما الجاهل فهو لا يعرف أنه جاهل، ويقنع بالجهالة، ثم هو لا يعلم معنى العلم وأهمية العلم، وأن العلم هو الشرف الأعظم في هذه الحياة.

ولهذا قال العلماء: من دلائل أهمية العلم أن الله -جل جلاله- ما أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو بالازدياد من شيء إلا من العلم فقال سبحانه لنبيه: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا وما أمره بالازدياد أو بدعاء الازدياد من غير العلم وكفى بذلك شرفا.

العلم يشترك كثيرون في الاهتمام به، لكن لا يستوون في أخذه، ولا في طريقة أخذه، وهم طبقات فمنهم المتعجل الذي يظن أن العلم يحصل في أسابيع أو في أشهر، أو في سنين معدودة، وهذا بعيد عن الصواب؛ لأن العلم لا ينتهي حتى يموت المرء، وبقي من العلم أشياء كثيرة لم يعلمها، فإن العلم واسع الأطراف واسع الجنبات.

والله -جل وعلا- هو ذو العلم الكامل، وأعطى البشر بمجموعهم أعطاهم بعض علمه، فهذا يفوت عليه شيء من العلم، وذاك يفوت عليه شيء من العلم، ولكن بمجموعهم لو جمع علم من فيها لكان شيئا قليلا جدا من علم الله كما تضع الإبرة في البحر ثم تخرجها لم تنقص من ماء البحر شيئا.

وإذا كان كذلك فإن رَوْم العلم لا يمكن أن يكون بإطلاق بل ينبغي لطالب العلم أن يكون متدرجا فيه، والتدرج سنة لا بد منها، هي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي سنة الصحابة، وهي سنة أهل العلم بعدهم.

فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ما علم الصحابة العلم جملة واحدة وإنما علمهم في سنين عددا. في مكة علمهم أصل الأصول الذي به سلامة القلب وصحته وسلامة العقل وصحته ألا وهو توحيد الله -جل جلاله- والبراءة من كل ما سوى الرب -جل وعلا-.

ثم بعد ذلك أتى العلم شيئا فشيئا لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكل أخذ من العلم بقدر ما يسر له وقدر له، هكذا أهل العلم من بعد الصحابة لا تجد أن أولئك خاضوا العلم خوضا واحدا، فمنهم من برز في علم العربية، ومنهم من برز في علم الأصول، ومنهم من برز في التفسير، ومنهم من برز في الحديث، ومنهم من برز في علوم الآلة الأخرى كالمصطلح ونحوه، ومنهم من برز في الفقه، وهكذا في علوم شتى.

وإذا كان كذلك كانت وصية ابن شهاب الزهري التي لا بد أن نحفظها كانت وصيته نِعْم الوصية حيث قال: "من رام العلم جملة ذهب عنه جملة، إنما يطلب العلم على مر الأيام والليالي".

فالمتعجلون لا يُحَصِّلون العلم فلا بد إذن من التدرج، ثُمَّ ثَمَّ صنف آخر أيضا من الشباب أو من طلاب العلم وهم المتذوقون، المتذوقون أهل التذوق في أخذ العلم يأتي ويطلب علما ما مدة قليلة، ثم يأتي ويحكم على هذا العلم أو يحكم على مَن يعلم ذاك العلم، وأيضا ينتقل إلى آخر، ثم يحكم على ذلك العلم الآخر، وعلى من يعلم ذلك العلم الآخر.

وهذا دليل نقص في العلم ونقص في الإدراك والعقل؛ لأن العلوم لا يحكم عليها إلا من حواها من جميع جنباتها، وأحاط من ورائها، وهذا لا يتأتى لأكثر الشباب الذين يتذوقون تجد أنه في مدة من الزمن، أشهر أو سنة حضر عند فلان من أهل العلم، أو من المعلمين من طلبة العلم، فحكم على نفسه، أو على ذلك المعلم بأنه كذا وكذا، ثم انتقل إلى غيره.

ثم في الآخر تجد أن هذا النوع ييأس، ولا يُحَصِّل علما كثيرا ذلك؛ لأنه تعجل وكان متذوقا في العلم والتذوق بمعنى كثرة التنقل، والأخذ من هذا بشيء، والأخذ من ذاك بشيء، هذا لا يكون المرء به عالما، ولا طالب علم، وإنما كما قال الأولون: يكون أديبا؛ لأنهم عرفوا الأدب بأنه الأخذ من كل علم بطرف، وهذا مما لا ينبغي أن يسلك.

يعني: أن يكون طالب العلم الذي أراد صحة العلم وصحة السلوك فيه، لا يصلح أن يكون متذوقا، إذن فرجع السبيل إلى أن يكون مؤصلا نفسه متدرجا في العلم، والتأصيل أمره عزيز جدا، تأصيل العلم وتأصيل طالب العلم، وأن يحفظ كما حفظ الأولون.

انظر إن كنت معتبرا، انظر كتب التراجم، حيث ترجم أولئك المصنفون لأهل العلم تجد أنه في ترجمة إمام من الأئمة، وحافظ من الحفاظ تجد أنهم يذكرون في أوائل ترجمته، أنه قرأ الكتاب الفلاني من الكتب القصيرة من المتون المختصرة، وقرأ الكتاب الفلاني، وحفظ كذا، وحفظ كذا، لماذا يذكرون هذا ويجعلونه منقبة لأولئك؟

لأن حفظ تلك المتون وقراءة تلك المختصرات هي طريقة العلم في الواقع، وهذه سنة العلماء، ومن تركها فقد ترك سنة العلماء في العلم والتعليم منذ تشعب العلم بعد القرن الرابع الهجري؛ لهذا ينبغي لك أن تكون حريصا على التأني في طلب العلم، وأن تُحْكِم ما تسمع وما تقرأ شيئا فشيئا.

ومن المهمات أيضا ألا تدخل عقلك إلا صورة صحيحة من العلم، لا تهتم بكثرة المعلومات بقدر ما تهتهم بألا يدخل العقل إلا صورة صحيحة للعلم، إذا أردت أن تتناولها تناولتها بالاحتجاج أو بالذكر أو بالاستفادة تناولتها تناولا صحيحا.

أما إذا كنت تدخل في عقلك مسائل كثيرة، وإذا أتى النقاش لاحظت من نفسك أن هذه المسألة فهمتها على غير وجهها، والثانية فهمتها على غير وجهها لها قيد لم تهتم به، لها ضوابط ما اعتنيت بها فتكون الصور في الذهن كثيرة، وتكون المسائل كثيرة، لكن غير منضبطة وليس ذلك بالعلم.

إنما العلم أن تكون الصورة في الذهن للمسألة العلمية منضبطة من جهة الصورة، صورة المسألة، ومن جهة الحكم، ومن جهة الدليل، ومن جهة وجه الاستدلال فهذه الأربع تهتم بها جدا.

أعيدها: الأولى: صورة المسألة.

الثانية: حكم المسألة في أي علم في الفقه، أو في الحديث، أو في المصطلح، أو الأصول، أو النحو، أو التفسير إلى آخره، حكم المسألة.

الثالث: دليلها، ما دليل هذا الذي قال كذا وكذا.

الرابع: ما وجه الاستدلال؟ استدل بدليل كيف أعمل عقله في هذا الدليل فاستنبط منه الحكم؟ فإذا عودت ذهنك على هذه الأربع سرت مسيرا جيدا في فهم العلم.

والذي يحيط بذلك الاهتمام باللغة العربية والاهتمام بألفاظ أهل العلم؛ لأن من لم يهتم بألفاظ أهل العلم، وبلغة العلم لم يدرك مراداتهم من كلامهم هذه كلمة لأجل أن بعض الإخوة طلب أن تكون مقدمة لهذا الدرس حتى يجتمع من يريد حضور درس التوحيد، ولو تهيأ أن نجعل كل يوم عشر دقائق في بيان وصية أو في بيان شيء مما تهتمون به لكان ذلك مناسبا، إن شاء الله تعالى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


هذا الباب باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، وقد ذكر في الباب قبله، فضل التوحيد، وما يكفر من الذنوب، وهذا الباب أرفع رتبة من بيان فضل التوحيد، فإن فضل التوحيد يشترك فيه أهله، وأهل التوحيد هم أهل الإسلام، فلكل من التوحيد فضل، ولكل مسلم نصيب من التوحيد وله بالتالي نصيب من فضل التوحيد وتكفير الذنوب.

أما خاصة هذه الأمة فهم الذين حققوا التوحيد؛ ولهذا عطف هذا الباب على ما قبله؛ لأنه أخص، باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، وتحقيق التوحيد هو مدار هذا الباب تحقيقه بمعنى تحقيق الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ومعنى تحقيق الشهادتين تصفية الدين يعني ما يدين به من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، فصار تحقيق التوحيد يرجع إلى ثلاثة أشياء: الأول: ترك الشرك بأنواعه الأكبر والأصغر والخفي. والثاني: ترك البدع بأنواعها. والثالث: ترك المعاصي بأنواعها، وتحقيق التوحيد صار تصفيته من أنواع الشرك، وأنواع البدع، وأنواع المعاصي.

وتحقيق التوحيد يكون على هذا على درجتين: درجة واجبة ودرجة مستحبة، وعليها يكون الذين حققوا التوحيد على درجتين أيضا، فالدرجة الواجبة أن يترك ما يجب تركه من الثلاث التي ذكرت يترك الشرك خفيه وجليه صغيره وكبيره، ويترك البدع، ويترك المعاصي هذه درجة واجبة.

والدرجة المستحبة من تحقيق التوحيد، وهي التي يتفاضل فيها الناس من المحققين للتوحيد أعظم تفاضل، ألا وهي ألا يكون في القلب شيء من التوجه أو القصد لغير الله -جل وعلا- يعني: أن يكون القلب متوجها إلى الله بكليته ليس فيه التفات إلى غير الله، نطقه لله وفعله وعمله لله، بل وحركة قلبه لله -جل جلاله-.

وقد عبر عنها بعض أهل العلم أعني: هذه الدرجة المستحبة أن يترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس، يعني في مجال أعمال القلوب وأعمال اللسان وأعمال الجوارح.

فإذا انوجد تحقيق التوحيد الذي هذا فضله، وهو أن يدخل أهله الجنة بغير حساب ولا عذاب رجع إلى تينك المرتبتين، وتحقيقه تحقيق الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله.

هذا الباب، باب: "من حقَّق التوحيد دخل الجنة بغير حساب" وقد ذكر في الباب قبله فضل التوحيد، وما يكفر من الذنوب، وهذا الباب أرفع رتبة من بيان فضل التوحيد، فإن فضل التوحيد يشترك فيه أهله، وأهل التوحيد هم أهل الإسلام، فلكل من التوحيد فضل، ولكل مسلم نصيب من التوحيد، وله بالتالي نصيب من فضل التوحيد وتكفير الذنوب.

أما خاصة هذه الأمة فهم الذين حققوا التوحيد؛ ولهذا عطف هذا الباب على ما قبله؛ لأنه أخف.

باب: "من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب" وتحقيق التوحيد هو مدار هذا الباب، تحقيقه بمعنى تحقيق الشهادتين "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" ومعنى تحقيق الشهادتين: تصفية الدين يعني: ما يدين به من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، فصار تحقيق التوحيد يرجع إلى ثلاثة أشياء:

الأول: ترك الشرك بأنواعه: الأكبر، والأصغر، والخفي.

والثاني: ترك البدع بأنواعها.

والثالث: ترك المعاصي بأنواعها.

وتحقيق التوحيد صار تصفيته من أنواع الشرك، وأنواع البدع، وأنواع المعاصي، وتحقيق التوحيد يكون على هذا على درجتين، درجة واجبة، ودرجة مستحبة، وعليها يكون الذين حققوا التوحيد على درجتين -أيضا-، فالدرجة الواجبة: أن يترك ما يجب تركه من الثلاث التي ذكرت، يترك الشرك خفيه وجليه، صغيره وكبيره، ويترك البدع، ويترك المعاصي، هذه درجة واجبة.

والدرجة المستحبة من تحقيق التوحيد وهي التي يتفاضل فيها الناس من المحققين للتوحيد أعظم تفاضل، ألا وهي ألا يكون في القلب شيء من التوجه أو القصد لغير الله -جل وعلا-، يعني: أن يكون القلب متوجها إلى الله بكليته، ليس فيه التفات إلى غير الله، نطقه لله، وفعله وعمله لله، بل وحركة قلبه لله -جل جلاله-، وقد عبر عنها بعض أهل العلم -أعني هذه الدرجة المستحبة- أن يترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس، يعني: في مجال أعمال القلوب، وأعمال اللسان، وأعمال الجوارح.

فإذا رجع تحقيق التوحيد الذي هذا فضله، وهو أن يدخل أهله الجنة بغير حساب ولا عذاب، رجع إلى تينك المرتبتين، وتحقيقه تحقيق الشهادتين "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" لأن في قوله: "لا إله إلا الله" الإتيان بالتوحيد، والبعد عن الشرك بأنواعه؛ ولأن في قوله: "أشهد أن محمدا رسول الله" البعد عن المعصية، والبعد عن البدع؛ لأن مقتضى الشهادة بأن محمدا رسول الله: أن يطاع فيما أمر، وأن يصدق فيما أخبر، وأن يجتنب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، فمن أتى شيئا من المعاصي والذنوب، ثم لم يتب منها، أو لم تكفر له، فإنه لم يحقق التوحيد الواجب، وإذا أتى شيئا من البدع، فإنه لم يحقق التوحيد الواجب، وإذا لم يأتِ شيئا من البدع، ولكن حسَّنها بقلبه، أو قال: لا شيء فيها، فإن حركة القلب كانت في غير تحقيق التوحيد، في غير تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، فلا يكون من أهل تحقيق التوحيد، كذلك أهل الشرك بأنواعه ليسوا من أهل تحقيق التوحيد.

وأما مرتبة الخاصة التي ذكرت، ففيها يتنافس المتنافسون، وما ثم إلا عفو الله ومغفرته ورضوانه.

باب "من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب" استدلَّ الشيخ في هذا الباب بآيتين وبحديث، أما الآية الأولى قال -رحمه الله-: وقول الله -تعالى-: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ هذه الآية فيها الدلالة على أن إبراهيم -عليه السلام- كان محققا للتوحيد.

وجه الدلالة: أن الله -جل وعلا- وصفه بصفات، الأولى: أنه كان أمة، والأمة هو الإمام الذي جَمَع جميع صفات الكمال البشري، وصفات الخير، وهذا يعني: أنه لم ينقص من صفات الخير شيئا، وهذا هو معنى تحقيق التوحيد.

والأمة تطلق في القرآن إطلاقات، ومن تلك الإطلاقات: أن يكون معنى الأمة الإمام المقتدى به في الخير، وسمي أمة؛ لأنه يقوم مقام أمة في الاقتداء؛ ولأنه يكون من سار على سيره غير مستوحش ولا متردد؛ لأنه ليس مع واحد فقط، وإنما هو مع أمة.

الوصف الثاني الذي فيه تحقيق التوحيد إنه قال: قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وهاتان الصفتان، " قانتا لله": صفة، "حنيفا": صفة، ولكن هذه وهذه متلازمتان؛ لأن القنوت لله معناه دوام الطاعة، وملازمة الطاعة لله -جل وعلا- فهو ملازم الطاعة لله -جل وعلا-، "حنيفا" هذا فيه النفي، ففي قوله: "قانتا لله" الإثبات، في لزوم الطاعة، ولزوم إفراد التوحيد، وفي قوله: "حنيفا" النفي، قال العلماء: الحنيف هو ذو الحنف، وهو الميل عن طريق المشركين، مائلا عن طريق المشركين، مائلا عن هدي وسبيل المشركين، فصار إذن عنده ديمومة، وقنوت، وملازمة للطاعة، وبعد عن سبيل المشركين.

ومعلوم أن سبيل المشركين الذي صار إبراهيم -عليه السلام- حنيفا عن ذلك السبيل، يعني: مائلا عن ذلك السبيل بعيدا عنه معلوم أنه يشتمل على الشرك والبدعة والمعصية، فهما أخلاق، فهي ثلاث أخلاق المشركين، شرك وبدعة، ومعصية من غير إنابة ولا استغفار.

قال: وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ "لم يك": يك هذه هي يكن، وفي النفي يجوز حذف النون، نون يكن في مثل هذا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وفي آية أخرى وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وهما جائزان في اللغة، إذا جاءت يكن في سياق النفي -كما هي معلوم-.

وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ المشركين: جمع تصحيح للمشرك، والمشرك: اسم فاعل الشرك، و"ال" -كما هو معلوم في العربية- إذا جاءت قبل اسم الفاعل، أو اسم المفعول، فإنها تكون موصولة، كما قال ابن مالك في الألفية:

وصفــة صريحـة صلـة "ال"

وكونها بمعرب الأفعال قل



والاسم الموصول عند الأصوليين يدل على العموم، فكان إذن المعنى وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يعني: ولم يك فاعلا للشرك بأنواعه، لم يك منهم، ولم يك من الذين يفعلون الشرك بأنواعه، و-أيضا- دل قوله: وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ على أنه ابتعد عنه؛ لأن "من" تحتمل أن تكون تبعيضية؛ فتكون المباعدة بالأجسام، ويحتمل أن تكون بيانية؛ فتكون المباعدة بمعنى الشرك.

المقصود أن الشيخ -رحمه الله- استحضر هذه المعاني من الآية، فدلته الآية على أنها في تحقيق التوحيد، قال -جل وعلا-: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ؛ ذلك لأن من جمع تلك الصفات، فقد حقق التوحيد، ومن حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب.

في تفسير إمام الدعوة المصنف الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله-، في تفسيره لآخر سورة النحل، فسر هذه الآية، فقال -رحمه الله-: "إن إبراهيم كان أمة لا يستوحش مسالك الطريق من قلة السالكين" "قانتا لله": لا للملوك ولا للتجار المترفين، "حنيفا": لا يميل يمينا ولا شمالا، كحال العلماء المفتونين، وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ خلافا لمن كثر سوادهم، وزعم أنه من المسلمين، وهو من التفاسير الرائقة الفائقة البعيدة المعاني وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ .

قال بعد ذلك: وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ هذه من آيات في سورة المؤمنون، وهي في مدح خاصة المؤمنين، ووجه الاستدلال من الآية على الباب أنه قال: وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ "لا يشركون" نفي للشرك، كما ذكرت لكم من قبل أن النفي إذا تسلط على الفعل المضارع، فإنه يفيد عموم المصدر الذي استكن بالفعل، يعني: كأنه قال -جل وعلا-: " والذين هم بربهم لا يفعلون شركا، أو لا يشركون، لا بشرك أكبر، ولا أصغر، ولا خفي" والذي لا يشرك هو الموحد، فصار عندنا لازم، وهو أن من لم يشرك أي أنواع من الشرك، فإنه ما ترك الشرك إلا لتوحيده.

قال العلماء: قدَّم هنا قوله: "بربهم" وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ؛ لأن الربوبية تستلزم العبودية، فصار عدم الإشراك في الربوبية معناه عدم الإشراك في الطاعة، وعدم الإشراك في العبودية، وهذا وصف الذين حققوا التوحيد؛ لأنه يلزم من عدم الإشراك ألا يشرك هواه، وإن أشرك المرء هواه أتى بالبدع، أو أتى بالمعصية، فصار نفي الشرك نفيا للشرك بأنواعه، ونفيا للبدعة، ونفيا للمعصية، وهذا هو تحقيق التوحيد لله -جل وعلا.

فإذن الآية دالة على ما ترجم به الإمام -رحمه الله- من قوله: "باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب" وأولئك قال فيهم الله -جل وعلا-: وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ .

أما الحديث فهو حديث طويل، وموضع الشاهد منه قوله -عليه الصلاة والسلام-: فنظرت، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض، فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئا، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبروه، فقال هم: الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون .

هذه في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهذه صفة من صفاتهم، وتلك الصفة خاصة بهم لا يلتبس أمرهم بغيرهم؛ لأن هذه الصفة كالشامة يعرفون بها، من هم الذين حققوا التوحيد؟ قال: هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون فذكر أربع صفات: الأولى: أنهم لا يسترقون، ومعنى يسترقون يعني: لا يطلبون الرقية، والطالب للرقية في قلبه ميل للراقي؛ حتى يرفع ما به من جهة السبب، وهذا النفي لا يسترقون لأن الناس في شأن الرقية تتعلق قلوبهم جدا أكثر من تعلقهم بالطب ونحوه، فالرقية عند العرب في الجاهلية، وهكذا حال أكثر الناس لهم تعلق بها، فالقلب يتعلق بالراقي، ويتعلق بالرقية، وهذا ينافي كمال التوكل على الله -جل جلاله-.

وأما ما جاء في بعض الروايات أنهم الذين لا يرقون فهذا غلط؛ لأن الراقي محسن إلى غيره، وهي لفظة شاذة، والصواب ما جاء في هذه الرواية من أنهم الذين لا يسترقون يعني: لا يطلبون الرقية؛ وذلك لأن طالب الرقية يكون في قلبه ميل إلى هذا الذي رقاه، وإلى الرقية، ونوع توكل، أو نوع استرواح لهذا الذي يرقى، أو للرقية.

قال: ولا يكتوون والكي مكروه في أصله؛ لأن فيه تعذيبا بالنار، مع أنه مأذون به شرعا، لكن فيه كراهة، والعرب تعتقد أن الكي يحدث المقصود دائما؛ فلهذا تتعلق قلوبهم بالكي، فصار تعلق القلب بهذا الكي من جهة أنه سبب يؤثر دائما، ومعلوم أن الكي يؤثر بإذن الله -جل وعلا- إذا اجتمعت الأسباب، وانتفت الموانع، فالنفي لأجل أن في الكي بخصوصه ما يتعلق الناس به من أجله.

قال: ولا يتطيرون والطيرة: شيء يعرض على القلب من جراء شيء يحدث أمامه، إما أن يجعله يقدم على أمر، أو أن يحجم عنه، وهذه صفة من لم يكن التوكل في قلبه عظيم.

قال بعدها: وعلى ربهم يتوكلون وهي جامعة للصفات السابقة، هذه الصفات لا يعنى بذكرها أن الذين حققوا التوحيد لا يباشرون الأسباب، كما فهمه بعضهم من أن تحقيق التوحيد، أو أن الكمال ألا يباشر سببا البتة، أو ألا يتداول بتة، هذا غلط؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رقي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولأنه -عليه الصلاة والسلام- تداوى، وأمر بالتداوي، وأمر -أيضا- بعض الصحابة بأن يكتوي ونحو ذلك.

فليس فيه أن أولئك لا يباشرون الأسباب مطلقا، أو لا يباشرون أسباب الدواء، وإنما فيه ذكر لهذه بخصوصها، هذه الثلاث بخصوصها؛ لأنها يكثر تعلق القلب، والتفاته إلى الراقي، أو إلى الكي، أو الكاوي، أو إلى التطير، ففيها إنقاص من التوكل.

أما التداوي فهو مشروع، إما واجب، أو مستحب، وفي بعض الأحوال يكون مباحا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: تداووا عباد الله، ولا تتداووا بحرام المقصود من هذا أن التداوي فعلا يعني: أن يفعل التداوي، وأن يطلب الدواء ليس خارما لتحقيق التوحيد، ولكن الذي هو من صفة أهل تحقيق التوحيد أنهم لا يسترقون بخصوص الرقية، ولا يكتوون بخصوص الكي، ولا يتطيرون، وأما ما عدا ذلك مما أذن به، فلا يدخل في ما يختص به أهل تحقيق التوحيد، فإذا يكون الأظهر عندي مما في هذا الحديث أنه مخصوص بهذه الثلاثة لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون .

أما الأسباب الأخرى المأذون بها فلا تدخل في صفة الذين حققوا التوحيد، قال: فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: سبقك بها عكاشة هذا فيه دليل على أن أهل تحقيق التوحيد قليل، وليسوا بكثير؛ ولهذا جاء عديدهم في هذا الحديث بأنهم سبعون ألفا، قد جاء في بعض الروايات عند الإمام أحمد وعند غيره بأن الله -جل وعلا- أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- مع كل ألف من السبعين ألفا أعطاه سبعين ألفا، فيكون العدد قرابة خمسة ملايين من هذه الأمة، فإن كان ذلك الحديث صحيحا، فقد صحَّح إسناده بعض أهل العلم، فإنه لا يكون للعدد في هذا الحديث مفهوم، أو كان قبل سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يزاد في عدد أولئك الذين حققوا التوحيد.

ما معنى أن يزاد في عددهم؟ يعني: أن الله -جل وعلا- يمن على أناس من هذه الأمة أكثر من السبعين ألفا ممن سيأتون، فيوفقهم لعمل تحقيق التوحيد، والله -جل وعلا- هو الذي يوفق، وهو الذي يهدي، ثم هو الذي يجازي، فما أعظمه من محسن بر كريم رحيم.

الباب الثالث الذي بعد باب "من حقق التوحيد" هو باب "الخوف من الشرك" وكل من حقق التوحيد فلا بد أن يخاف من الشرك؛ ولهذا سيد المحققين للتوحيد محمد -عليه الصلاة والسلام- كان يكثر من الدعاء بأن يبعد عنه الشرك، وكذلك إبراهيم -عليه السلام- كان يكثر من الدعاء بأن لا يدركه الشرك، أو عبادة الأصنام.

فمناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة من أن تحقيق التوحيد عند أهله معه الخوف من الشرك، وقل من يكون مخاطرا بتوحيده، أو غير خائف من الشرك، فيكون على مراتب الكمال، بل لا يوجد، فكل محقق للتوحيد، كل راغب فيه حريص عليه يخاف من الشرك، وإذا خاف من الشرك، فإن الخوف -وهو فزع القلب وهلعه وهربه من ذلك الشيء- فإن هذا الذي يخاف من الشرك سيسعى في البعد عنه.

والخوف من الشرك يثمر ثمرات منها: أن يكون متعلما للشرك بأنواعه حتى لا يقع فيه.

ومنها: أن يكون متعلما للتوحيد بأنواعه حتى يقوم في قلبه الخوف من الشرك، ويعظم ويستمر على ذلك.

ومنها: أن الخائف من الشرك يكون قلبه دائما مستقيما على طاعة الله مبتغيا مرضاة الله، فإن عصى أو غفل كان استغفاره استغفار من يعلم عظم شأن الاستغفار، وعظم حاجته للاستغفار؛ لأن الذين يستغفرون أنواع، لكن من علم حق الله -جل وعلا- وسعى في توحيده، وتعلم ذلك وسعى في الهرب من الشرك، فإنه إذا غفل وجد أنه أشد ما يكون حاجة إلى الاستغفار؛ لهذا لصلاح القلب بوَّب الشيخ-رحمه الله- هذا الباب "باب الخوف من الشرك" وكأنه قال لك: إذا كنت تخاف من الشرك كما خاف منه إبراهيم -عليه السلام-، وكما توعد الله أهل الشرك بأنه لا يغفر شركهم، فإذن تعلم ما سيأتي في هذا الكتاب، فإن هذا الكتاب إنما هو لأجل الخوف من الشرك، ولأجل تحقيق التوحيد.

فهذا الكتاب موضوع لتحقيق التوحيد، وللخوف من الشرك، والبعد عنه، فما بعد هذين البابين -باب من حقق التوحيد، وباب الخوف من الشرك- ما بعد ذلك تفصيل لهاتين المسألتين العظيمتين -تحقيق التوحيد، والخوف من الشرك ببيان معناه، وبيان أنواعه-.

ذكرت لك فيما سبق أن الشرك: هو إشراك غير الله معه في نوع من أنواع العبادة، فقد يكون أكبر، وقد يكون أصغر، وقد يكون خفيا، قال الشيخ-رحمه الله-: وقول الله -عز وجل-: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ هذه الآية من سورة النساء فيها قوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ والمغفرة: هي الستر لما يخاف وقوع أثره، وفي اللغة يقال: غفر إذا ستر، ومنه سمي ما يوضع على الرأس "مغفرا" لأنه يستر الرأس، ويقيه الأثر المكروه من وقع السيف ونحوه على الرأس، فمادة المغفرة راجعه إلى ستر الأثر الذي يخاف منه، والشرك أو المعصية لها أثرها إما في الدنيا، وإما في الآخرة، أو فيهما جميعا، وأعظم ما يمن به على العبد أن يغفر ذنبه، وذلك بأن يستر عليه، وأن يمحى أثره، فلا يؤاخذ به الدنيا، ولا يؤاخذ به في الآخرة، ولولا المغفرة لهلك الناس.

قال -جل وعلا- هنا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ "لا يغفر" يعني: أبدا لا يغفر أن يشرك به، يعنى أنه بوعده هذا لم يجعل مغفرته لمن أشرك به، قال هنا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ قال العلماء: في هذه الآية دليل على أن المغفرة لا تكون لمن أشرك شركا أكبر، أو أشرك شركا أصغر؛ فإن الشرك لا يدخل تحت المغفرة، بل يكون بالموازنة، ما يغفر إلا بالتوبة، فمن مات على ذلك غير تائب فهو غير مغفور له ما فعله من الشرك، قد يغفر غير الشرك كما قال: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فجعلوا الآية دليلا على أن الشرك الأكبر والأصغر لا يدخلون تحت المشيئة.

وجه الاستدلال من الآية أن قوله: لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ "أن يشرك" "هذه أن موصول حرفي" مع "يشرك": فعل، وتقدر "أن" المصدرية مع ما بعدها من الفعل -كما هو معلوم- بمصدر، والمصدر نكرة وقع في سياق النفي، وإذا وقعت النكرة في سياق النفي عمَّت، قالوا: فهذا يدل على أن الشرك هنا الذي نفي الأكبر والأصغر و -أيضا- الخفي، كل أنواع الشرك لا يغفرها الله -جل وعلا- وذلك لعظم خطيئة الشرك؛ لأن الله -جل وعلا- هو الذي خلق، وهو الذي رزق، وهو الذي أعطى، وهو الذي تفضَّل، فكيف يتوجه القلب عنه إلى غيره، لا شك أن هذا ظلم، وهو ظلم في حق الله -جل وعلا -، ولذلك لم يغفر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وأكثر علماء الدعوة.

قال آخرون من أهل العلم: إن قوله هنا: لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ دالة على العموم، ولكن هذا عموم مخصوص، هذا عموم مراد به خصوص الشرك الأكبر لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ يعني: الشرك الأكبر فقط دون غيره، وأما ما دون الشرك الأكبر، فإنه يكون داخلا تحت المشيئة، فيكون العموم في الآية مرادا، يكون العموم مرادا به الخصوص لماذا؟ قالوا: لأن القرآن فيه هذا اللفظ "أن يشرك به" ونحو ذلك، ويراد به الشرك الأكبر دون الأصغر غالبا.

فالشرك غالبا ما يطلق في القرآن على الأكبر دون الأصغر، قال -جل وعلا-: وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ "من يشرك بالله" هنا يشرك -أيضا- فعل داخل في سياق الشرط فيكون عاما، فهل يدخل الشرك الأصغر والخفي فيه؟ بالإجماع لا يدخل؛ لأن تحريم الجنة، وإدخال النار والتخليد فيها إنما هو لأهل الموت على الشرك الأكبر، فدلنا ذلك على أن المراد بقوله: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ إنهم أهل الإشراك في الشرك الأكبر، فلم يدخل الأصغر، ولم يدخل ما دونه، أو أنواع الأصغر، فيكون إذا فهم آية "النساء" على فهم آية "المائدة" ونحوها، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ في الشرك الأكبر ونحو ذلك، فيكون إذا على هذا القول المراد بما نفي هنا، أن يغفر الشرك الأكبر.

ولما كان اختيار إمام الدعوة كما هو اختيار عدد من المحققين كشيخ الإسلام وابن القيم وكغيرهما أن العموم هنا للأكبر والأصغر والخفي بأنواع الشرك، كان الاستدلال بهذه الآية صحيحا؛ لأن الشرك أنواع، وإذا كان الشرك بأنواعه لا يغفر، فهذا يوجب الخوف منه أعظم الخوف، إذا كان الرياء لا يغفر، إذا كان الشرك الأصغر، الحلف بغير الله، أو تعليق التميمة أو حلقة أو خيط، أو نحو ذلك من أنواع الشرك الأصغر، ما شاء الله وشئت، نسبة النعم إلى غير الله، إذا كان لا يغفر، فإنه يوجب أعظم الخوف منه، كذلك الشرك الأكبر، وإذا كان كذلك فيجتمع إذا في الخوف من الشرك.

منهم على غير التوحيد يعني: من يعبدون غير الله، ويستغيثون بغير الله، ويتوجهون إلى غير الله، ويذبحون لغير الله، وينذرون لغير الله، ويحبون محبة العبادة غير الله، ويرجون غير الله رجاء العبادة، ويخافون خوف السر من غير الله إلى غير ذلك، يكون هؤلاء أولى بالخوف، يكون هؤلاء أولى بالخوف من الشرك؛ لأنهم وقعوا فيما هو متفق عليه في أنه لا يغفر، كذلك يقع في الخوف، ويكون الخوف أعظم ما يكون في أهل الإسلام الذين قد يشركون بعض أنواع الشرك من الشرك الخفي، أو الشرك الأصغر بأنواعه، وهم لا يشعرون، أو وهم لا يحذرون.

فيكون الخوف إذا علم العبد المسلم أن الشرك بأنواعه لا يغفر وأنه مؤاخذ به، فليست الصلاة إلى الصلاة يغفر بها الشرك الأصغر، وليس رمضان إلى رمضان يغفر به الشرك الأصغر، وليست الجمعة إلى الجمعة يغفر به الشرك الأصغر، فإذا يغفر بماذا؟ يغفر بالتوبة فقط، فإن لم يتب، فإنه ثم الموازنة بين الحسنات وبين السيئات، وما ظنكم بسيئة فيها التشريك بالله مع حسنات من ينجو من ذلك؟ ليس ثم إلا من عظمت حسناته، فزادت على سيئة ما وقع فيه من أنواع الشرك، ولا شك أن هذا يوجب الخوف الشديد؛ لأن المرء على خطر في أنه توزن حسناته وسيئاته، ثم يكون في سيئاته أنواع الشرك، وهي -كما هو معلوم- عندكم أن الشرك بأنواعه من حيث الجنس أعظم من الكبائر، كبائر الأعمال المعروفة.

إذا وجه الاستدلال من آية "النساء" أن قوله -جل وعلا- إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ أن فيها عموما يشمل أنواع الشرك جميعا، وهذه لا تغفر؛ فيكون ذلك موجبا للخوف من الشرك، وإذا وقع أو حصل الشرك في القلب، فإن العبد يطلب معرفة أنواعه حتى لا يشرك، ومعرفة أصنافه وأفراده حتى لا يقع فيها، وحتى يحذر أحبابه، ومن حوله منها؛ لذلك كان أحب الخلق، أو أحب الناس، وخير الناس للناس من يحذرهم من هذا الأمر، ولو لم يشعروا، ولو لم يعقلوا، قال -جل وعلا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ؛ لأنهم يدلون الخلق على ما ينجيهم، فالذي يحب للخلق النجاة هو الذي يحذرهم من الشرك بأنواعه، ويدعوهم إلى التوحيد بأنواعه؛ لأن هذا أعظم ما يدعى إليه.

ولهذا لما حصل من بعض القرى في زمن إمام الدعوة تردد، وشك، ورجوع عن مناصرة الدعوة، وفهم ما جاء به الشيخ-رحمه الله-، وكتبوا للشيخ وغلظوا، وقالوا: إن ما جئت به ليس بصحيح، وإنك تريد كذا وكذا، قال في آخرها: قال بعد أن شرح التوحيد وضده ورغَّب ورهَّب قال في آخرها -رحمه الله-: "ولو كنتم تعقلون حقيقة ما دعوتكم إليه لكنت أغلى عندكم من آبائكم وأمهاتكم وأبنائكم، ولكنكم قوم لا تعقلون" وهذا صحيح، ولكن لا يعقله إلا من عرف حق الله -جل وعلا-، رحمه الله -تعالى-، وأجزل له المثوبة، وجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، ورفع درجته في المهديين والنبيين والصالحين.

ثم ساق الشيخ-رحمه الله- بعد هذه الآية قول الله -جل وعلا-: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ الذي دعا بهذه الدعوة هو إبراهيم -عليه السلام-، ومر معنا في الباب قبله أن إبراهيم قد حقق التوحيد، وقد وصفه الله بأنه كان أمة قانتا لله حنيفا، وبأنه لم يك من المشركين، فمن كان على هذه الحال هل يطمئن من أنه لن يعبد غير الله، ولن يعبد الأصنام أم يظل على خوفه؟ حال الكُمَّل الذين حققوا التوحيد هل هم يطمئنون أم يخافون؟

هذا إبراهيم -عليه السلام- كما في هذه الآية خاف الشرك، وخاف عبادة الأصنام، فدعا الله بقوله: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فكيف ممن دون إبراهيم ممن ليس من السبعين ألفا فهم عامة هذه الأمة؟ والواقع أن عامة الأمة لا يخافون من الشرك فمن الذي يخاف؟ هو الذي يسعى في تحقيق التوحيد، قال إبراهيم التيمي-رحمه الله من سادات التابعين- لما تلا هذه الآية قال: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم" إذا كان إبراهيم -عليه السلام- هو الذي حقق التوحيد، وهو الذي وصف بما وصف به، وهو الذي كسَّر الأصنام بيده، ويخاف فمن يأمن البلاء بعده؟، إذا ما ثم إلا غرور أهل الغرور.

وهذا يوجب الخوف الشديد؛ لأنه ما أعطى إبراهيم الضمانة على ألا يشرك، وعلى ألا يزغ قلبه مع أنه سيد المحققين للتوحيد في زمانه، بل وبعد زمانه إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فهو سيد ولد آدم، ومع ذلك خاف، قوله هنا: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ الأصنام: جمع صنم، والصنم هو ما كان على صورة مما يعبد من دون الله، يصور صورة على شكل وجه رجل، أو على شكل جسم حيوان، أو رأس حيوان، أو على شكل صورة كوكب، أو نجم، أو على شكل الشمس والقمر ونحو ذلك، فإذا صوَّر صورة، فتلك الصورة يقال لها: صنم.

والوثن هو ما عبد من دون الله مما هو ليس على شكل صورة، فالقبر وثن، وليس بصنم، والمشهد، مشاهد القبور عند عبادها هذه أوثان، وليست بأصنام، وقد يطلق على الصنم أنه وثن، كما قال -جل وعلا- في قصة إبراهيم في سورة العنكبوت: إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا قد يطلق على قلة، وقال بعض أهل العلم: هم عبدوا الأصنام، وعبدوا الأوثان جميعا، فصار في بعض الآيات ذكر الأصنام لعبادتهم الأصنام، وفي بعض ذكر الأوثان لعبادتهم الأوثان، والأول أظهر في أنه قد يطلق على الصنم أنه وثن؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد فدعا الله أن لا يجعل قبره وثنا، فصار الوثن ما يعبد من دون الله مما ليس على هيئة صورة.

قال-رحمه الله-: وفي الحديث أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه قال: "الرياء" الرياء قسمان: رياء المسلم، ورياء المنافق، رياء المنافق: رياء في أصل الدين. يعني: راءى بإظهار الإسلام، وأبطن الكفر، يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ورياء المسلم الموحد أن يحسن صلاته من أجل نظر الرجل، أو أن يحسن تلاوته لأجل التثنية، أن يمدح ويثنَّى، لا لأجل التأثير.

فالرياء مشتق من الرؤية، فما كان من جهة الرؤية، يعني: أن يحسن عبادة لأجل أن يُرَى من المتعبدين، يطيل في صلاته، يطيل في ركوعه في سجوده، يقرأ في صلاته أكثر من العادة من أجل أن يُرَى ذلك منه، يقوم الليل لأجل أن يقول الناس عنه أنه يقوم الليل، هذا شرك أصغر، والشرك الأصغر هذا الذي هو الرياء قد يكون محبطا لأصل العمل الذي تعبد به، وقد يكون محبطا للزيادة التي زادها؛ فيكون محبطا لأصل العمل الذي تعبد به إذا ابتدأ النية بالرياء، يعني: فيما لو صلى دخل الصلاة لأجل أن يُرى أنه يصلي، ليس عنده رغبة في أن يصلي الراتبة، لكن لما رأى أنه يُرى، ولأجل أن يمدح بما يراه الناس منه صلى، فهذا عمله يعني: تلك الصلاة حابطة، ليس له فيها ثواب، وإن جاء الرياء في أثناء العبادة، فإن ما زاده لأجل الرؤية يبطل، كما قال عليه -الصلاة والسلام-: قال الله -تعالى-: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه .

الشاهد من الحديث قوله -عليه الصلاة والسلام-: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر هو أخوف الذنوب التي خافها النبي -عليه الصلاة والسلام- على أهل التوحيد؛ لأنهم ما داموا أهل توحيد، فإنهم ليسوا من أهل الشرك الأكبر، فبقي أن يخاف عليهم الشرك الأصغر، والشرك الأصغر تارة يكون في النيات، وتارة يكون في الأقوال، وتارة يكون في الأعمال، يعني: في القلب يكون الشرك الأصغر، وفي المقال، وفي الفعال -أيضا-، وسيأتي في هذا الكتاب بيان أصناف من كل واحدة من هذه الثلاث.

إذن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فهو أخوف الذنوب على هذه الأمة؛ لماذا خافه -عليه الصلاة والسلام -، وكان أعظم الذنوب خوفا؟ لأجل أثره وهو أنه لا يغفر، ولأجل أن الناس قد يغفلون عنه؛ ولهذا خافه عليهم -عليه الصلاة والسلام-، والشيطان حرصه على أهل التوحيد أن يدخل فيهم الشرك الأصغر من جهة الرياء، ومن جهة الأقوال، والأعمال، والنيات أعظم من فرحه بغير ذلك من الذنوب.

بعد ذلك ساق حديث ابن مسعود قال: وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار وجه الاستدلال منه أنه قال: من مات وهو يدعو من دون الله ندا ودعوة الند من دون الله من الشرك الأكبر؛ لأن الدعاء عبادة، وهو أعظم العبادة، فقد جاء في الحديث الصحيح الدعاء هو العبادة وفي معناه حديث أنس الذي في السنن الدعاء مخ العبادة فهو أعظم أنواع العبادة، فمن مات وهو يصرف هذه العبادة، أو شيئا منها لغير الله -ند من الأنداد- فقد استوجب النار.

وقوله: "دخل النار" يعني: كحال الكفار "خالدا فيها" لأن الشرك الأكبر إذا وقع من المسلم فإنه -ولو كان أصلح الصالحين- يحبط العمل0 قد قال -جل وعلا- لنبيه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ فلو أشرك النبي -عليه الصلاة والسلام- فإن الله عظيم، والله أكبر، وخلقه هم المحتاجون إليه، العبيد له سبحانه، فلو أشرك النبي -عليه الصلاة والسلام- لحبط عمله، ولكان في الآخرة من الخاسرين، أفلا يوجب هذا أن يخاف من هو دونه ممن يدعي الصلاح والعلم من الشرك؟ بل قد شاع في هذه الأمة أن بعض المنتسبين إلى العلم يدعو إلى الشرك، ويحض عليه، ويكره ويبغض في التوحيد، وهذا كما قال الله -جل وعلا- عن أسلافهم: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ .

فإذن وجه الاستدلال ظاهر، من مات وهو يدعوا لله ندا من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار وذلك يوجب الخوف؛ لأن قصد المسلم، بل قصد العاقل أن يكون ناجيا من النار، ومتعرضا لثواب الله في الجنة.

لفظ: من دون الله يكثر في القرآن والسنة، "ومن دون الله" عند علماء التفسير وعلماء التحقيق، يراد بها شيئان:

الأول: معنى "مع": يدعو من دون الله. يعني: مع الله، والثاني: أن كل، وهذا بل قبل الثاني تتمه للأول، الأول أن تكون بمعنى ما "من دون الله" يعني: مع الله، وعبر عن المعية بلفظ "من دون الله" لأن كل من دُعي مع الله فهو دون الله -جل وعلا-، فهم دونه، فالله -جل وعلا- هو الأكبر، هو العظيم، وفي هذا دليل على بشاعة عملهم.

والثاني: أن قوله: "من دون الله" يعني: غير الله من مات وهو يدعو من دون الله يعني: وهو يدعو إله غير الله، فتكون "من دون الله" يعني: أنه لم يعبد الله، وأشرك معه غيره، بل دعا غيره استقلالا، فشملت من دون الله الحالين: من دعا الله، ودعا غيره، ومن دعا غير الله، وتوجه إليه استقلالا، قال: رواه البخاري.

ولمسلم عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار من لقي الله لا يشرك به شيئا ذكرت لكم بالأمس أن قوله: لا يشرك به شيئا هذا فيه نوعان من العموم: عموم في أنواع الشرك، فهي منفية، وعموم في المتوجه إليهم، في المشرك بهم، في قوله: "شيئا" من لقي الله لا يشرك يعني: بأي أنواع من الشرك، "به شيئا" يعني: لم يتوجه إلى أي أحد لا لملك، ولا لنبي، ولا لصالح، ولا لجني، ولا لطالح، ولا لحجر، ولا لشجر، إلى غير ذلك.

دخل الجنة يعني: أن الله -جل وعلا- وعده بدخول الجنة برحمته -سبحانه- وتفضله، وبوعده الصادق الذي لا يخلف، قال: ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار فكل مشرك متوعد بالنار، بل وجه الدلالة، كما يستقيم مع استدلال الشيخ بالآية بأن من لقي وهو على شيء من الشرك الأكبر، أو الأصغر، أو الخفي فإنه سينال العقوبة والعذاب في النار -والعياذ بالله-. قال: ومن لقيه يشرك به شيئا فهذه فيها عموم -أيضا كما ذكرنا-؛ لأن "من" هنا شرطية، و"يشرك" فيها نكرة، وهي عامة لأنواع الشرك، و"شيئا" عامة في المتوجه إليه من لقيه يشرك به شيئا دخل النار وهنا دخول النار هل هو أبدي أم أمدي؟ بحسب الشرك، فإن كان الشرك أكبر، ومات عليه فإنه يدخل النار دخولا أبديا، وإن الشرك ما دون الشرك الأكبر، أصغر أو خفي، فإنه متوعد بالنار، وسيدخل النار ويخرج منها؛ لأنه من أهل التوحيد.

هل يدخل الشرك الأصغر في الموازنة أم لا، ذكرت لك في أول الدرس أن الشرك الأصغر يدخل في الموازنة، موازنة الحسنات والسيئات، وأن من رجحت حسناته أنه لا يعذب على الشرك الأصغر، لكن هذا ليس في كل الخلق، لكن منهم من يعذب على الشرك الأصغر؛ لأن الموازنة بين الحسنات والسيئات ليست في كل الخلق، وليست في كل الذنوب، بل قد يكون من الذنوب ما يستوجب النار، ولو رجحت الحسنات على السيئات فإنه يستوجب الجنة، ولكن لا بد من أن يطهر في النار، وهذا دليل على وجوب الخوف من الشرك؛ لأن من لقي الله وهو من لقي الله يشرك به شيئا دخل النار فإذا كان كذلك.

وهذا يشمل الشرك الأكبر والأصغر والخفي، فإن المرء يجب عليه أن يهرب أشد الهرب من ذلك. والشرك الأصغر والخفي يستعيذ المرء بالله -جل وعلا- منه، ويقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه ؛ لأنه إذا علم، فأشرك، فإنه سيترتب الأثر الذي ذكرناه، وهو عدم المغفرة ففي هذا الدعاء الذي علمناه رسولنا -عليه الصلاة وا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الباب الثالثباب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى راجعون الى الله :: المنتدى الاسلامى العام :: قسم العقيدة والفقه الاسلامي-
انتقل الى:  
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط راجعون الى الله على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى راجعون الى الله على موقع حفض الصفحات