جهة سيادية تعكف على إعداد استراتيجية لمواجهة تقليص حصة مصر من مياه النيل
كتب أحمد حسن بكر (المصريون): : بتاريخ 17 - 9 - 2009
أحال الرئيس حسني مبارك ملف مياه النيل، وتهديدات دول المنبع لمصر بتعديل
اتفاقيات حوض النيل لتقليص حصة مصر والسودان إلى جهة سيادية، لإعداد تصور
عن كيفية التعامل مع تلك القضية التي تهدد الأمن القومي المصري، خاصة مع
صدور تقارير أمنية تتحدث عن ضلوع "الموساد" الإسرائيلي في إثارة دول
المنبع خاصة إثيوبيا وكينيا ضد مصر.
وتعكف الجهة السيادية حاليا على إعداد استراتيجية شاملة للتعامل مع القضية
من مختلف جوانبها، مستعينة بالعديد من الخبراء المصريين في هذا الشأن، حيث
ينتظر أن تعرض تلك الاستراتيجية على الرئيس حسني مبارك خلال الأسابيع
القادمة لإقرارها، خاصة بعد أن رصدت دور إسرائيلي مشبوه في دول المنبع،
بالإضافة إلى تواجد العديد من الخبراء الإسرائيليين في المجالات العسكرية،
والمياه، والتشييد.
وقالت مصادر طلبت من "المصريون" عدم نشر اسمها، إن وزارة الري طلبت تدخل
جهات سياسية عليا للتعامل مع الأزمة بعد أن تحولت من مسألة نزاع قانوني
إلى قضية أمن قومي تهدد مستقبل مصر، وأوضحت أن كافة الخيارات ستكون متاحة
أمام مصر للرد والتعامل إذا ما استشعرت أن دول المنبع مصممة على تنفيذ
تهديداتها بتقليص حصة مصر من مياه النيل، دون أن توضح ماهية تلك الخيارات.
إلا أنها أكدت على أن مصر تعتبر أن التعاون في كافة المجالات، وإقامة
مشروعات مشتركة بين دول حوض النيل هي أفضل الطرق لحل الخلافات وتسوية
المشاكل العالقة.
يأتي ذلك في ضوء رفض مصر لتهديد دول المنبع بإقامة سدود تقلل من حصة مصر
والسودان من مياه النهر، والمطالبة بتعديل اتفاقية 1929 والتي تتيح لمصر
الحصول على 55.5 مليار متر مكعب سنويا، بالإضافة إلى الاعتراض على أي
مشروعات أو سدود تقيمها دول الحوض من شانها تقلل من حصة مصر أو السودان.
ويتزامن ذلك مع تحركات إسرائيلية في دول الحوض، حيث قام وزير الخارجية
الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان الأسبوع الماضي بزيارة ثلاث دول من دول منابع
النيل هي إثيوبيا وكينيا وأوغندا، بالإضافة إلى نيجيريا وغانا.
وتعتبر إثيوبيا من أهم الدول الموالية لإسرائيل في القرن الإفريقي لعدة
عقود، باستثناء فترة حكم مانجستو هيلا مريام، إما كينيا فهي مركز
"الموساد" في أفريقيا، بينما تعتبر أوغندا مركز انطلاق الحروب السرية
الإسرائيلية في أفريقيا، وهي الممر الآمن لتزويد إسرائيل لحركات التمرد
الأفريقية بالأسلحة.
واجتمع ليبرمان خلال زياراته لإثيوبيا مع الرئيس جرما ولد جيورجيس، ورئيس
الوزراء ميلس زيناوى، ونظيره وزير الخارجية سيوم مسفن، بالإضافة إلى عدد
من كبار المسئولين ورجال الأعمال.
كما حضر حفل الافتتاح الرسمي، لمركز "بوتاجيرا لزراعات البساتين
المتميزة"، المتخصص في تكاثر الفواكه والخضروات الاستوائية، والذي تم
تأسيسه من جانب وزارة الزراعة والتنمية الريفية الإثيوبية، بالتعاون مع
الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "يو إس إيد"، والوكالة الإسرائيلية
لتنمية التعاون الدولي "ماشاف".
كما حضر أيضا منتدى اقتصاديا، عقد على هامش الزيارة، بين عدد من كبار
ممثلي قطاع الأعمال الإسرائيلي المرافقين له، ورجال أعمال إثيوبيين بارزين.
وفى كينيا، كشفت صحيفة "دايلى نايشن" الكينية عن أسرار زيارة ليبرمان حيث
نقلت عنه القول "لقد وقعنا عدة اتفاقيات في جو جيد، وكينيا أكثر دولة
تتمتع بعلاقة مستقرة مع إسرائيل في أفريقيا"، وأضاف "لقد عانت إسرائيل من
الجفاف ونقص المياه، ولكن الآن لدينا حلا جيدا نريد مشاركته مع الدول
الصديقة مثل كينيا".
كما كشفت الصحيفة عن توقيع إسرائيل مع كينيا اتفاقية لتصدير القهوة
للأسواق الإسرائيلية، في ظل سعي كينيا لزيادة صادراتها من القهوة للأسواق
العالمية.
وأضافت الصحيفة أن ليبرمان حاول إغراء المسئولين في كينيا بالاستفادة
الكبيرة التي ستجنيها كينيا من التعاون مع إسرائيل قائلا "بالرغم من أن
إسرائيل دولة صحراوية إلا أنها استطاعت الاستثمار بكثافة في الري،
واستطاعت أن تزيد من إنتاجها الزراعي لدرجة تسمح بالتصدير"، ودعا الكينيين
إلى التعاون مع بلاده في هذا المجال لحاجتها الشديدة لزيادة إنتاجها
الزراعي لمواجهة الجفاف والأزمة الغذائية التي تعانى منها حاليا.
وكانت "المصريون" قد نشرت من قبل تقريرا كشفت فيه عن أن المخابرات
الإسرائيلية تحضر لاجتماع أمني مع بعض دول حوض النيل ـ من بينها إثيوبيا
وكينيا وأوغندا وبوروندي وأريتريا ـ للضغط على مصر مجددا لتعديل اتفاقية
دول حوض النيل.
وهذه الاجتماعات تتم بصورة غير منتظمة، وتعقد غالبيتها تتم في إثيوبيا أو
إسرائيل، وعلى ما أكدت مصادر مطلعة فإن مصر تعي وتعلم تماما المساعي
الإسرائيلية لتحريض دول حوض النيل وتقديم المساعدات المالية لها لإنشاء
سدود ومشروعات عملاقة على النيل، بهدف تقليل كميات المياه الواردة لمصر
والتعلل أمام المجتمع الدولي بأن هناك مشاريع ولابد من تقليل حصة المياه
لمصر.
وكشف مصدر أمني سابق عن ضغوط أمريكية وإسرائيلية للتأثير على مصر من أجل
دفعها لقبول بعض التعديلات على اتفاقية دول حوض النيل التي أبرمت عام
1929، والتي تعطي مصر حق استغلال 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل ،
إضافة إلى حق الاعتراض على أية مشاريع تضر بهذه الحصة.
وأضاف "أنه برغم صدور حكم من محكمة العدل الدولية عام 89 ينص على أن
اتفاقيات المياه شأنها شأن اتفاقيات الحدود لا يجوز تعديلها، إلا أن
الضغوط الأمريكية والإسرائيلية التي تثير الرأي العام العالمي على مصر
مازالت تتواصل لإجبارها على قبول تعديل الاتفاقية، وهو ما يضر مصر".
وأشار إلى أن إسرائيل تلعب بورقة إهدار مصر كميات كبيرة من مياه النيل في
الصحراء وأن بعض الدول أولى بها، موضحا أن إسرائيل تحاول الضغط على مصر
لتعديل الاتفاقية لإمداد إسرائيل بالمياه عبر ترعة السلام خلال السنوات
الثلاثة القادمة، خاصة بعد نفاد مواردها المائية في الضفة الغربية، وفشل
مشروعها لجر المياه عبر بالونات من تركيا.
يذكر أن الدكتور محمود أبو زيد وزير الري والموارد المائية السابق كان قد
اعترف لـ "المصريون" في مؤتمر المياه الذي تنظمه شركة أبو قير للأسمدة
العام الماضي بوجود صراع على المياه الآن سواء بدول حوض النيل أو مناطق
أخرى، وأن هناك العديد من الدول بخلاف إسرائيل موجودة حاليا بالدول
المتشاطئة، لإقامة مشروعات مائية وزراعية، وتقوم مصر بمراقبة الموقف حفاظا
على مصالحها العليا.
كما أشار الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري
الحالي- على هامش الاجتماع السابع عشر لدول الحوض بمدينة الإسكندرية أواخر
يوليو الماضي، والذي استمر يومين تحت عنوان "تعزيز الشراكة من أجل الرخاء"
– إلى أن مصر تعلم جيدا بوجود أصابع إسرائيلية ضدها في دول منابع النيل،
وان الأمر مازال تحت السيطرة.
يذكر أن وزراء الموارد المائية بدول حوض النيل في الجلسة الختامية لمؤتمر
وزراء دول حوض النيل والذي اختتم أعماله في الإسكندرية في 28 يوليو الماضي
قد فشلوا في التوصل إلى اتفاق بشأن نقاط الخلاف حول الاتفاقية الإطارية
لمبادرة دول حوض النيل والتي تتمثل في ثلاث نقاط أساسية هي "الأمن المائي،
والموافقة المسبقة لمصر على اى سدود أو مشروعات تقيمها دول المنبع على
النيل، والحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل".
وقال الدكتور محمد نصر الدين علام وقتها إن الوزراء قرروا استمرار التفاوض
لمدة ستة شهور قادمة على أن يتم الانتهاء من حسم جميع نقاط الخلاف من خلال
اللجان الفنية والخبراء والمتخصصين لدول الحوض للوصول إلى اتفاق موحد بين
دول حوض النيل جميعا.
في حين أكد الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء أمام المؤتمر أن مصر تنظر
بصورة ايجابية لمبادرة حوض النيل انطلاقا من أهميتها الأساسية والفرص
المتاحة من المياه التي تزخر بها دول حوض النيل لصالح تنمية شعوب المنطقة.
وقال نظيف إن مصر تفتح ذراعيها لدول حوض النيل ولديها برامج للتنمية في
أفريقيا، مؤكدا حرص مصر على أن تكون معظم ما تقدمه من مساعدات فنية ومالية
لدول الحوض من خلال الصندوق الفني للتعاون مع الدول الأفريقية.
وأكد أهمية أن تتخطى دول الحوض الحساسيات الدائرة تجاه موارد حوض النيل
والخلافات في وجهات النظر بين دول الحوض، وقال إن التحول من إدارة موارد
مياه النيل إلى تنمية دول الحوض يعد نقطة تحول كبيرة للمبادرة.
وأوضح أن مصر ستعمل خلال الستة أشهر المقبلة على تطوير تلك المبادرة
بالشكل المناسب ووفقا للهدف الجديد بما يحقق مصالح شعوب دول حوض النيل،
مشيرا إلى استمرار مصر في تقديم الدعم الفني والتقني لدول حوض النيل
وتوسيع نطاق التعاون بما يتناسب مع طبيعة كل دولة من دول الحوض.
يذكر أن مبادرة دول حوض النيل الجديدة انطلقت في عام 1999 لبحث كيفية
توزيع مياه نهر النيل بين دول المنبع والمصب، في ظل مطالبات دول في شرق
إفريقيا، خاصة أوغندا وكينيا، بإلغاء اتفاقية أبرمتها بريطانيا عام 1929
لتقسيم مياه النهر؛ بدعوى أنها لم تراع احتياجات دول المنبع.
وبمقتضى اتفاقية عام 1929 الموقعة بين مصر وبريطانيا (المستعمر) يحق
للقاهرة تعطيل أي مشروعات في حوض النهر كفيلة بالتأثير على حصتها السنوية
من المياه.
وعام 1969 وقعت مصر والسودان اتفاقية تحصل القاهرة بموجبها على 55.5 مليار
متر مكعب من مياه النيل سنويا، وهو ما تعترض عليه الدول الثماني الأخرى،
وتقول مصر إنها ستكون بحاجة إلى 86.2 مليار متر مكعب من المياه في عام
2017، ولا تملك سوى مصادر تكفي لتأمين 71.4 مليار متر مكعب فقط.http://www.almesryoon.com/ShowDetail...D=70062&Page=1