ما جاء في ليلة النصف من شعبان

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن والاه.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

ما جاء في ليلة النصف من شعبان

حَدَّثَني مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ قالَ: حَدَّثَنا هَارُونُ بنُ سَعِيدٍ قالَ: حَدَّثَنا ابنُ وَهْبٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحمن بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَم قالَ: لَمْ أُدرك أَحَداً من مشيختنا ولا فقهائنا يَلْتَفِتُونَ إلى ليلةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ، ولَمْ نُدْرِك أَحَداً منهم يَذْكُرُ حديثَ مَكْحُولٍ ولا يَرى لَهَا فَضْلاً على سِوَاها من اللّيالي.

قالَ ابنُ زيدٍ: والفقهاءُ لم يَكُونُوا يَصْنَعُونَ ذلِكَ.

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ قالَ: حَدَّثَنا ابنُ أبي مريمَ قالَ: حَدَّثَنا نُعيمُ بنُ حَمَّادٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرّزاقِ عن مَعْمَرٍ عن ابن أبي مُلَيْكة قالَ: قِيْلَ له: إنَّ زياداً النّميري يقولُ: إنَّ ليلةَ النِّصْفِ من شَعْبَانَ أجرُها كأَجْرِ ليلةِ القَدْرِ. فقالَ ابنُ أبي مليكة: لو سَمِعْتُهُ منه وبيدي عصاً لضربتُهُ بها. وكانَ زيادُ قَاضِياً.


--------------------------------------------------------------------------------


وكان زياد قاصا، هذا تصحيف شنيع عندكم وكان زياد قاصا.

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذه من الأمثلة على البدع الإضافية: الذكر والصلاة والتهجد وقراءة القرآن هذه من شرعنا ومن ديننا، لكن أهل الشام في العصر الأول حدثت عندهم هذه المحدثة؛ وهو أنهم يخصون ليلة النصف من شعبان لصلاة وتهجد وصيام يومها وعبادة خاصة، وذكر ابن رجب في " لطائف المعارف " أن هذا عرف عند أهل الشام ولم يعرف لهم دليل، قال: ولعلهم أخذوا ذلك من بعض الإسرائيليات وأخبار بني إسرائيل أنهم كانوا يعظمون هذه الليلة، أو أنها مثلما قال هذا القاص: أجرها كأجر ليلة القدر. ثم قال ابن رجب: إنهم انقسموا على قسمين - أهل الشام الأوائل - فبعضهم كانوا يصلونها جماعات في المساجد، وترى المساجد تلك الليلة - ليلة النصف من شعبان - تراها مليئة بالعباد والمتهجدين يصلون جماعات قالوا: هذا منكر. يقول ابن رجب: هذا منكر.

وقال بعضهم: حتى من أكابرهم من يحيها في بيته، يصليها في بيته. ثم كان ابن رجب سهل هذا ومال إليه أنه إذا صلاها في بيته لا بأس. والصواب أنه لا هذا ولا هذا، الصواب أنها ليلة كغيرها من الليالي لا تخص لا بصيام ولا يومها بصيام ولا ليلتها بزيادة تهجد ولا ذكر إلا أن يأتي بدليل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل الأحاديث التي في فضلها ما بين ضعيف وموضوع لا يثبتون شيئا، خاصة وأنه الجنس لم يثبت فيه شيء، جنس هذه الليلة لم يثبت فيه شيء فلا يتساهل في الأحاديث الضعيفة، إنما يتساهل في الأحاديث الضعيفة في الفضائل إذا ثبت جنس العمل عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل تخصيص هذه الليلة، أما هذه الليلة لم يثبت فيها شيء.

وحتى بعض العلماء يقول: إن الأحاديث التي في فضلها غير الأحاديث التي تخصها بزيادة أعمال. يعني يقول: لو سلمنا أنه ورد فيها فضل فإنا نحتاج إلى أحاديث أخرى تثبت أن فيها زيادة عمل؛ لأن هذا الدين.

وعلى كل حال كما استقر عليه العلم وكما قال ابن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم - رحمه الله - وهو من خيار التابعين، وتفسيره من أحسن التفاسير، وينقل عنه ابن كثير بكثرة وابن جرير الطبري، لا تكاد تخلو آية هذه من تفسير عبد الرحمن بن زيد، وهو إن كان في الحديث ليس ضابطا إلا أنه في التفسير تفسيره طيب للغاية، وهو وأبوه وجده من موالي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جده أسلم مولى عمر بن الخطاب، فيقول هذا المدني العالم يقول: لم أدرك أحدا من مشيختنا ولا من فقهائنا - يعني بالمدينة - يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولم يدرك أحدا منهم يذكر حديث مكحول ولا يرى لها فضل على سواها من الليالي.

قال عبد الرحمن بن زيد: الفقهاء لم يكونوا يصنعون ذلك، ثم ذكر حديثا آخر عن ابن أبي مليكة أنه قيل له: إن زياد النميري يقول: إن ليلة النصف من شعبان أجرها كأجر ليلة القدر. فقال ابن أبي مليكة: لو سمعته منه وبيدي عصا لضربته بها. قال: وكان زياد قاصا - يعني لا يستغرب منه - الكلمة الأخيرة في التعريف بزياد بأنه من القصاص يعني لا يستغرب منه أن يأتي بهذا الكذب؛ لأن هذا ديدن القصاص أنهم يأتون بالكذب، يقول يعني يخطب ويقول: ليلة النصف من شعبان أجرها كأجر ليلة القدر. وليس عنده دليل في ذلك، فلذلك أتوا بهذا التعريف وهذا من الفوائد، يعني أنه الأصل فيه الذم أنه لا يستغرب منه هذا، وكان زياد قاصا.

وقول ابن أبي مليكة: لو سمعته وبيدي عصا لضربته؛ لأنها سيأتينا إن شاء الله في قصة ...... أن البدع إنما تموت بالوحي أو بالجلد أو بالقتل بالسيف كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ماتت هذه البدع حتى في الشام، وسبحان الله مع إنهم حديث العهد كما قال ابن مسعود لأهل الكوفة: ما أسرع هلكتكم يا أمة محمد، هذه ثياب رسول الله لم تبل، وهذه آنيته لم تكسر وهؤلاء أصحابه متوافرون وأنتم تحدثون هذه الأحداث.

فهذا حدث -سبحان الله العظيم- في العصر الأول تعظيم هذه الليلة، وكما قال ابن رجب

: إنما مستندهم أخبار عن بني إسرائيل. فعلى كل حال الحق أولى، ثم ماتت يذكر ابن الطرطوشي عن ابن محمد المقدسي يقول: إنا كنا في بيت المقدس لا نعرف بهذه الليلة - يعني في القرن الخامس لا نعرف لها زيادة فضل - حتى جاءنا رجل اسمه ابن أبي الحمرة من نابلس، وكان حسن الصوت فصلى في بيت المقدس ليلة النصف من شعبان، واجتمع له رجل واثنان وثلاثة وأربعة، ولم ينصرف تلك الليلة إلا وقد صلى خلفه جمع كثير فلما جاء العام القابل - سبحان الله الناس يسارعون إلى البدع؛ لأنها خفيفة عليهم تضاهي المشروع، المشروع ثقيل عليهم، الشرع يثقل عليهم ويريدون شيء يضاهي المشروع يخفف عنهم - فلما جاء العام القابل قال: وإذا معه أمم كثيرة تواعدوا أن يصلوا تلك الليلة، ثم انتشرت من بيت المقدس من جديد إلى سائر بلاد الشام.

فهي ماتت بسبب العلماء ثم حيت من جديد بسبب قلة العلماء الذين ينكرون عليهم، وعلى كل حال هذه لا يثبت فيها شيء لما قيل لابن مبارك: إنه هناك حديث أن الله ينزل ليلة النصف من شعبان، قال ابن مبارك: ربنا ينزل كل ليلة. الحديث ثابت أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، نعم.

جزاكم الله كل خيرا