الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على الهادي الأمين المبعوث رحمة للعالمين ،وآله ، وصحبه ، والتابعين ، أما بعد :
فإن الاستفادة من تجارب العلماء من أَولَى ما يعتني به طالب العلم خاصة إن كانت لأكابر علماء السنة ، والمسألة في باب الاعتقاد ، وما أريد ذكره هنا هو مايتعلق بموضوع الشبهات التي غدت في عصرنا كالريح تأتيك من كل مكان في كل مكان ! فإلى الله المفر .
وهذه فائدة أنقلها لك من تجربة الإمام ابن القيم نصحه بها شيخه الإمام ابنتيمية ، وأتبعها إن شاء الله ببعض النقول النافعة نفعني الله ، وإياك بما نقولونسمع.
قال الإمام المحقق ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه عظيم النفع مفتاح دارالسعادة 1/140:
[في شرحه لحديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لكميل بن زيادالنخعي ـ رحمه الله ـ ..]
وقوله " ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة" :
هذا لضعف علمه ، وقلة بصيرته إذا وردت على قلبه أدنى شبهة قدحت فيه الشك والريب؛ بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالتيقينه ولا قدحت فيه شكا ؛ لأنه قد رسخ في العلم ، فلا تستفزه الشبهات ، بل إذاوردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة .
والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له فمتى باشر القلبحقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه ، بل يقوى علمه ويقينه بردها ، ومعرفةبطلانها ، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه قدحت فيه الشك بأول وهلة ، فإنتداركها و إلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكا مرتابا .
والقلب يتوارده جيشان من الباطل:
جيش شهوات الغي .
وجيش شبهات الباطل .
فأيما قلب صغا إليها ، وركن إليها تشربها ، وامتلأ بها ، فينضح لسانه ، وجوارحه بموجبها ،
فإن أشرب شبهات الباطل = تفجرت على لسانه الشكوك ، والشبهات ، والإيرادات = فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه ؛ وإنما ذلك من عدم علمه ، ويقينه ، وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه ـ وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد ـ : لا تجعلقلبك للإيرادات ، والشبهات مثل السفنجة ، فيتشربها فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ،ويدفعها بصلابته ، و إلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات. أو كما قال .
فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها ، فإنها تلبس ثوب الحق علىجسم الباطل ، وأكثر الناس أصحاب حسن ظاهر ، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس، فيعتقد صحتها و أما صاحب العلم واليقين فإنه لا يغتر بذلك ، بل يجاوز نظرهإلى باطنها ، وما تحت لباسها = فينكشف له حقيقتها .
ومثال هذا: الدرهم الزائف ، فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظرا إلى ما عليه منلباس الفضة ، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك ؛ فيطلع على زيفه .
فاللفظ الحسن الفصيح هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضة على الدرهم الزائف ،والمعنى كالنحاس الذي تحته ، وكم قد قتل هذا الاغترار من خلق لا يحصيهم إلاالله .
وإذا تأمل العاقل الفطن هذا القدر ، وتدبره رأى أكثر الناس يقبل المذهب ،والمقالة بلفظ ، ويردها بعينها بلفظ آخر ، وقد رأيت أنا من هذا في كتب الناس ماشاء الله ، وكم رد من الحق بتشنيعه بلباس من اللفظ قبيح .
قال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله في شرح الطحاوية
شريط (10) دقيقة (34) ثانية (50) :
المعتصم هو :كتاب الله ، وسنة رسولهصلى الله عليه وسلم، إذا أشكل عليك أمر ، ولم تدركه بعقلكالناقص القاصر ؛ فاعتصم بحبل الله ، وبكتابه ، وحسبك حسبك .
وقبلها في شريط (
دقيقة (23) ثانية (30)
كل ما يخالف الحق أي نظرية ، أو استدلال يعارض به ما جاء عن الله ، ورسولهصلى الله عليه وسلم = فهو باطل منذ الوهلة الأولى ، فكل ما يعارض الحق فهو باطل .
وليس بلازم أن يكون الإنسان عنده القدرة على تزييف تلك الشبهة ، ما يلزم .
المهم أن الحق عندي ثابت فما يدعى أن هذا يعارضه أو هذا يعرض كذا = فهو مردودمدفوع .
اعتصم بالحق ، واثبت على الحق ، واطرح كل ما خالفه .
أحببت أؤكد على هذا ، فهو ينفع المسلم ، ويريح باله ، عند ورود الشبهات علىقلبه ، أو ورود الشبهات على أذنه وسمعه ، وقد انفتح على الناس أبواب شر في هذاالعصر ممثلة في وسائل الإعلام ، وفي تلك الشبكة المعروفة بالإنترنت ، هي وسائلعظيمة الأثر في الخير والشر ، ولكن أكثر ما تستعمل في الشر لأن أكثر الناس علىغير هدى ..
كونوا على حذر مما يطرح في هذه الوسائل ، فإن الآن أصبح الناس في فتنة ، فتنةمدلهمة أصبح كل مبطل يستطيع أن يتكلم ، المبتدع يتكلم ، والملحد يتكلم ، يطرحالشبهات ، المبتدع المعروف بالبدعة ، والمتسنن الذي ينتسب للسنة ، فإن منالمنتسبين للسنة من تتسرب إليه أفكار ، وتوجهات فيحملها ، ويحمل لواءها = فيصيرـ والعياذ بالله ـ داعي فتنة سواء مما يتعلق بالاعتقادات ، أو السلوكيات .
ومن أخبث من ظهر من المنتسبين للسنة في هذا البلد من يعرف بـ "حسن بن فرحانالمالكي" هذا الذي ينسب للسنة ، وطرحه ، وعرضه ، وكلامه = يكذب انتسابه ، فإنهاتخذ أئمة السنة هدفا له فيما يلقيه في محضراته في الأمكنة المشبوهة ، وفيماينشره نشرا خاصا ، أو عاما ، فحذار من الاغترار به ، فكل من يتضامن معه ، أويعتذر عنه = فهو متهم في دينه ..اهـ [ويراجع بقية كلام الشيخ على هذا الضال].
فأتمسك أخي المسلم بهذه التوجيهات تجد الراحة في الدين والدنيا والآخرة .
والله اعلم .
عبد الرحمن بن صالح السديس
أنفع وصية من شيخ الإسلام ابن تيمية لابن القيم في دفع الشبهات