متى نزل الوحى على حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم؟

راح محمد صلى الله عليه وسلم قبل الأمر بالبعثة يختلي بنفسه اكثر فأكثر، باحثاً متأملاً ولما يبلغ الأربعين، فكان يعتكف كل عام في أثناء شهر رمضان في غار حراء بالقرب من مكة لكي يفرغ للصيام والتأمل.وهناك ذات ليلة من سنة 610 نزل عليه جبريل قائلاً له: انه “رسول الله”. شدت هذه الدعوة من عزيمته فأعلن عن نفسه جهاراً في السنوات التالية انه نبي الله، وكان اعتقاده خالصاً بأن عليه واجب قيادة الشعب العربي إلى الدين الحق وإلى أخلاق جديدة.


والواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم آثر العزلة وألف النسك والعبادة، فكان يذهب الى غار حراء يتحنث فيه ويتأمل عجائب الكون، ويفكر في البعث والحساب والجنة والنار، حتى إذا فرغ ما معه من الزاد عاد إلى بيت خديجة فتزود مرة أخرى لمثل ذلك الثغيب، ولم يزل كذلك حتى نزل عليه الوحي، وكان أول ما بدأ به من الوحي الرؤيا الصالحة، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك ستة أشهر حتى بلغ الأربعين من عمره، فنزل عليه الوحي يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فرأى جبريل الذي ظهر أمامه وقال: إقرأ، فقال: ما أنا بقارئ فضمه ضمة قوية حتى بلغ منه الجهد، وقال له: “إقرأ” فقال: ما أنا بقارئ، فضمه كذلك ثم أطلعه وقال له في الثالثة: “إقرأ باسم ربك الذي خلق”، فكانت هذه الآيات أول ما نزل من القرآن.

وسرعان ما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خديجة وهو يرتجف مما أصابه فقال: زملوني زملوني: (أي لفوني في ثياب)، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، وأخبر خديجة بما رأى وقال: قد خشيت على نفسي، من شدة ما لاقاه من الملك، فقالت: كلا والله ما يخزيك الله أبداً. ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان شيخاً كبيراً يحفظ الإنجيل، فقالت له: يا ابن العم اسمع من ابن أخيك فأخبره عليه الصلاة والسلام بما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس أي ملك الوحي الذي نزل على موسى عليه السلام، ثم قال: يا ليتني كنت فيها جذعا، أي شابا قويا إذ يخرجك قومك. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أومخرجي هم؟ فقال ورقة: لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وأن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم يلبث ورقة أن توفي.

وعاود الرسول الذهاب إلى غار حراء مدة، وقد سمع ذات يوم صوتا من السماء، فرفع إليه بصره، فإذا الملك الذي جاءه أولا بين السماء والأرض، فرجع إلى داره فقال: دثروني دثروني! فنزل قوله تعالى: “يا أيها المدثر * قم فأنذر”. وهذا هو بدء دعوته صلى الله عليه وسلم .

ويقول المؤرخون في تاريخ البعثة النبوية الشريفة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلو شهرا من كل سنة بغار حراء حتى نزل عليه الوحي وبعث حين بلغ الأربعين وكان من أمره ما في حديث بدء الوحي، ودعا إلى الإسلام فأسلمت خديجة فعلي فزيد مولاه فأبوبكر الذي دعا عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبدالرحمن وأتى بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا ثم أسلم أبو عبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح وعبيدة بن الحرث وسعيد بن زيد بن عمرو وابن نفيل بن عبدالعزى وعبدالله بن مسعود وعمار بن ياسر وكانت دعوته صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام سرا ثلاث سنين ثم أمر بإظهار الدعوة ونزل “وأنذر عشيرتك الأقربين” فقال لعلي بن أبي طالب: اصنع طعاما واجمع بني طالب لأبلغهم ما أمرت به فحضر اربعون أو واحد وأربعون فيهم أبوطالب وحمزة والعباس وكذا أبولهب الذي ابتدر بعد الأكل بقوله أشد ما سحركم صاحبكم فتفرق القوم.

وصنع علي في الغد طعاما جمعهم عليه ثانيا وأكلوا فقال صلى الله عليه وسلم: ما أعلم انسان في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم، فأحجم القوم جميعاً قال: علي فقلت: وإني لأحدثهم سنا وأرمضهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليهم. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برقبة علي قائلاً: فاسمعوا له واطيعوا فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب مستهزئين قد أمرك ان تسمع لابنك وتطيع.

ثم عاب صلى الله عليه وسلم آلهتهم ونسبهم إلى الكفر والضلال فعادوه إلا من عصم بالإسلام وقالوا لأبي طالب إن ابن أخيك قد عاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل أبناءنا فانهه عنا أو خل بيننا وبينه، فردهم ردا حسنا حتى عظم عليهم أمر النبي فأتوه ثانيا قائلين إن لم تنهه نازلناك وإياه حتى يهلك أحد الفريقين. وأخبر أبو طالب بذلك النبي فظن أن عمه خاذله وقال: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر وولى. فقال عمه: اقبل يا ابن اخي وقل ما احببت فوالله لا اسلمك لشيء أبداً فأخذت كل قبيلة تعذب من أسلم منها وحفظ الله رسوله بعمه أبي طالب.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعيش بين قريش وهي جماعة تشتغل بالتجارة، يعتمد دخلها الأساسي على النذور التي كانت تؤدى إلى أصنام الكعبة في أثناء الحج، لذلك لم يلبث لهؤلاء وهم القائمون على الثروة أو الطبقة إذ أخذوا ينظرون إليه على أنه منافس خطير يجب الوقوف في وجهه، وكانوا لا يجسرون على محاسبته خوفاً من مشاحنات دامية لأن افراد عشيرته حتى الثائرين على دعوته سيجدون انفسهم ملزمين بالدفاع عنه وفاء لعاداتهم القديمة، ولكنهم لم يكفوا عن اضطهاد أتباعه الأولين، الذين نفد صبرهم وهاجروا إلى الحبشة، حيث كانت تنتشر النصرانية. فوجدوا في فضائها متسعاً لحريتهم الدينية وما كانوا يؤمنون به من وحدة الخالق ويوم الحساب.

تسلمى على تشريفك