التجنيد وتاريخه

موضوع: التجنيد وتاريخه 18th يونيو 2010, 1:36 pm

لحرب قديم عهد نشؤها كقدم عهد نشوء الانسان . وأول دم أراقه الانسان دم الحيوانات المخالفة له في الجنسية ، اقتنص الضعيفة منها ليتغذى بلحمها ويتخذ من جلودها كساء له وسترا . وقتل القوية منها خشية افتراسها له . وهو مسوق في كلتا الحالتين بفطرتين فطر الله عليهما كل كائن حي . ألا وهما ميل الكائنات الحية الى حفظ حياتها بالتغذي واتقاء المؤثرات الجوية ثم الدفاع عن هذه الحياة .

وما لبث الانسان طويلا حتى فسدت نفسه بتأثير النزغات الشيطانية فاعتدى على أخيه الانسان فاهرق دمه . وأول فطرة أرافها من هذا الدم الزكي كانت من دم هابيل حيث اغتاله أخوه قابيل كما هو معروف .

حتى اذا تكاثر النوع الانساني تكونت العشائر . وضرب كل امريء بعشيرته في اكناف الغبراء يبتغي متبرأ صالحا وموطنا رغدا . ثم لما استقرت كل عشيرة فبما طاب لها من المقام لم تلبث ان كثر عديدها بحكم التناسل وتباعدت أطرافها فتفرق بعضهم عن بعض . وانتجعت صغار العشائر عن اخواتها أماكن قصية . ثم لم تعتم هذه أيضا ان أصبحت عشائر كبيرة . وهكذا أصبح الناس شعوبا وقبائل . ثم انقسمت الى بطون وافخاذ .

ومازال النسان ينمو ويتكاثر نوعه حتى ضاق بكل شعب أو قبيلة أو بطن أو فخذ ما استوطن من الارض فدفعتها الضرورة الى توسيع نطاق موطنها ، ولم تكن اذ ذاك حقوق ولا ملكيات بل كانت (القوة) كل شئ وهي الحكم الفصل في كل شئ فأغار القوي على أرض الضعيف واستنجد كل امرئ بأهله وعشيرته ووقع القتال ، ولا حكم بين المتنازعين سوى القوة تبرر ابتلاع القوى حقوق أخيه الضعيف ، وهكذا كان أول عهد الانسان بالحرب .

فالحرب اذن تنحصر على ذلك العهد في أمرين اغارة شعب على شعب لتوسيع نطاق الوطن ، أو دفاع شعب عن أرضه صداً للمغيرين عليها .

ولم يكن القتال مقصورا على فئة من الناس دون فئة بل كان اذا استنفر النفير الى الحرب هرع القبيل عن بكرة أبيه فاحتمل كل من استطاع النضال عدته وزاده بلا نظم ولا ترتيب فلا يتخلف الا مقعد أو طفل أو نساء . وهذا هو السبب – على الارجح – في كثرة تعداد المقاتلين في تلك الازمان الغابرة .

وعلى ذلك فقد كان كل من استطاع القتال اذ ذاك محاربا فلم تكن هناك فئة مخصوصة موسومة بسمة الجندية .

توسعت الاملاك ونمت الشعوب حتى أصبحت أمما ، واختصت كل أمة بما غزت من أرض واتخذته لها وطنا تدافع عنه وحرما تذب عن حوضه ، وبطلت الاغارات نوعا ، فمصرت الامصار وانصرف الخلق عن القتال المستديم الى الاشتغال بالحرث والضرع والصناعة والتجارة ، وأصبحت الامم ذات مدنية أو شبة مدنية ، على رأس كل منها عاهل يدير حركتها ، فزادت أطماعها في اغتيال الامم الاخرى وطمحت نفوسها الى الفخر بالتغلب على من هم أضعف منها بأسا وأقل منها عدة ونفرا . والشعوب كلما خطت خطوة في سبيل الحضارة ازداد طمعها وودت لو جمعت العالم بأسره في قبضة يدها لتكون هي السيدة المسيطرة وهم العبيد المرغمون .

فكان اذا دعا داعي الحرب اذ ذاك لم يستطه الزارع مغادرة أرضه . ولا الصانع ترك صناعته ولا التاجر ولا كل ذي مهنة الانصراف عن مهنته . كما انه لم يكن من صالح الامة نفسها سوق كل أبنائها الى ساحات الوغي ليهلكوا . فتندثر معالمها وتعفو اثارها . فكان من الحكمة تخصيص نفر من الناس في كل أمة يستدعون اذا مست الحاجة الى قتال . وسمى من خصص لهذه الغاية جنديا . ومجموع هؤلاء الجنود جيشا . وقبل هذا التاريخ لم يكن جيش ولا جند .

وقد اختلف المؤرخون في تاريخ أول عهد الانسانية بالجيوش والتجنيد . فقد قرأت في دائرة المعارف الفرنساوية للاروس أن أول الجيوش المنظمة المكونة من الجنود يرجع عهده الى قدماء اليونان أولا ثم الى الرومان ثانيا . على أن الادلة كثيرة تثبت أن قدماء المصريين كانت لهم الجنود المرتبة والجيوش المنظمة . والقلاع والحصون والمراكب الحربية وهذه النقوش المحفورة على العاديات أصدق دليل على ما نقول .

ولقد سارت الجندية في أدوارها ورقت من الادهر سلم الترقي تبعا لتقدم الامم في معارج المدينة وتبعا لكثرة الاختراعات . سنة الله في كل شئ . ولن تجد لسنة الله تبديلا . حتى بلغت المبلغ الذي هي عليه الان .

وهي في كل أدوارها تجري على نظامات مخصوصة وأصول مربوطة تختلف باختلاف الازمان والبلدان .

ولندع هذه الادوار التي مرت فيها فلسنا في مقام تمحيص تاريخها وأدوار رقيها ولننظر اليها في الحالة التي وصلت اليها .

اختلفت الامم المتمدنة الان في طرق التجنيد باختلاف المنازع والنظامات فمنها من تجعل حقا على كل وطني متمتع بحقوق الوطنية تخصيص زمان من حياته لحمل السلاح والتدرب على استعماله ، والانقطاع الى خدمة أوطانه بالدفاع عن شرفها في ساحات الوغي . فينزح عن أهله وولده ويوقف نفسه على هذه الغاية . وفي نظير ذلك تقوم الامة أو الوكيل عنها وهي الحكومة بما يلزمه من مأكل ومشرب وملبس ومسكن . ويسمى بالتجنيد الاجباري .

ومنها من تستأجر أبناءها استئجارا فلا تحتم على أحد منهم حمل السلاح لخدمة وطنه الا من رغب . ويسمى بالتجنيد الاختياري .

أما التجنيد في مصر الان فهو سائر على نظام لم يكن له نظير في البلاد المتمدنة الاخرى . فهو اجباري واختياري في ان واحد . اجباري لانه يحتم على كل وطني متمتع بحقوق الوطنية أن يخدم الخدمة العسكرية الا من توفرت فيهم شروط مخصوصة . واختياري لانه يخول لمن أراد الحق في الاستعفاء من هذه الخدمة في نظير دفع ضريبة قدرها عشرون جنيها مصريا . فكل من استطاع أداء هذه الضريبة للحكومة عوفي من الجندية .

وعلى كل حال فان في ايقاف الجندي حياته في سبيل الدفاع عن حياض بلده وفي تعريضه اياها للهلاك شجاعة وبسالة لا يستهان بهما . لذلك كانت الجندية من أشرف الخدمات التي يقوم بها الوطني نحو وطنه .

والخوف منها أو الرغبة عنها احتقارا لشأنها يعد خروجا عن المبادئ العامة أو نقصها في حب المرء وطنه .

هذا وفي التدرب على حمل السلاح فوائد لا تعزب الا عن فكر من ضل سواء السبيل وأقل هذه الفوائد أهمية استطاعة المرء الدفاع عن حياته وشرفه الشخصيين عند الضرورة .

فكل من سهل للوطني سبيل عدم خدمة بلاده أو ساعد على ذلك يعد غاشا له أو مداجيا ، اللهم الا اذا كان ممن يذهبون الى مذهب وجوب سيادة السلام على ربوع العالم بأسره ، وقيام الاتحاد العام والاخاء مقام الشقاق والخلافات والحرب والنضال ، أولئك أقوام يريدون قلب النظامات والمبادئ العامة ، ويرغبون في تغيير النفس البشرية وصرفها عن السبيل التي سارت فيها منذ أتات الارض بني الانسان ، ولعمرى لن يكون لهم ما يطلبون ما دام الانسان انسانا ، بين جنبيه ذلك الفؤاد الطموح الى فخر التغلب ، وفي بردية تلك النفس الطماعة ، أو يبيد الله هذا الخلق ويأتي بخلق غيره له نفوس غير هذه النفوس وقلوب غير هذه القلوب .

فلقد طالما حلق طائر السلام فوق الارض وأرادها قرارا له ، ولكن أبت الاطماع الا ذوده عن عرصاتها واطارته عنها الى العوالم الاخرى حيث مقره ومستودعه حتى حين ، بل طفقت الامم تستحدث كل ما من شأنه تنفير ذلك الطائر عنها واقصاؤه منها ، من مثل طيارات حربية مسيرة ، وسفن هائلة كذلك ومواد مدمرة تستطيع ان تقضي على جيش باكمله في أقرب وقت .

يؤخذ من كل ذلك أن الشرف كل الشرف في حمل السلاح في سبيل الجندية ، كما أنه من الضروري لكل امرئ ان يتدرب على حمل السلاح لفائدته الخصوصية فالامة التي لا تسري فيها هذه المبادئ لا تعتبر أمة سرت في نفوسها روح حب الوطن ، وكل من يعمل على تنفيرها من الجنديه بأي سبب كان وفي أي ظرف من الظروف لا يعد مخلصا لها في سعيه ، ومصر من الامم التي جمعت بين هذا النقص المتقدم في نظام التجنيد ، وعيب اخر في نفوس أفراد الامة وهو احتقارهم للجندية ورغبتهم عنها لهذا الاحتقار ، بل وخوفهم على الابناء منهم الذين يدعون اليها .

وهما عيبان لا يليق بأمة مثل مصر خطت خطوات واسعة في سبيل الحضارة والمدنية ، بل يقول عنها قادة الافكار منها انها اصبحت أكثر تعلقا بحب الوطن وأشد اهتماما بالمستقبل مما كانت أبدا ، لا يليق بها أن تسكت عن هذين العيبين ، ولا أجد عذرا قط لمن يدعي الاهتمام بالشؤون المصرية ثم هو لا يبث في قلوب المصريين حب التجند وحمل السلاح في ساحات الوغي .

كنت مرة أتحادث مع فرنساوي في الؤون المصرية فأول وصمة وصم بها المصريين هي انصرافهم عن التجند واحتقارهم للجندية ، وختم حديثه معي بقوله "انكم لن تنالوا بغية ما الا اذا عرفتم قيمة الجندية وفوائدها وما دام الغني منكم يأنف منها مهما التمس من الاعذار فانكم لن تتقدموا نحو غايتكم قيد اصبع" .

فأسكتني الرجل بهذه الفكرة وقلت لعل قادتنا يستطيعون محو أثر طبائع الاستبداد القديم من نفوس الامة بما اوتوا من قوة بيان فيحملون أفرادها على حب التجند ولكن يظهر أن البعض منهم أراد قضاء لبانة في نفسه فلم يجد طريقا اليها سوى العمل على استفحال هذا السبب الشائن .

ولكن لنا أمل في أن يثوب كل من يرى غير هذا الرأي الى الصواب فيصلح ما أفسد والسلام .

موضوع: رد: التجنيد وتاريخه 18th يونيو 2010, 2:01 pm

موضوع: رد: التجنيد وتاريخه 18th يونيو 2010, 5:04 pm

الله الله الله الله الله
علي المواضيع الجامده يا محمود باشا
بجد موضوع جميييييييييييييل
جداااا
شكرا يا باشا علي الموضوع الجميل

موضوع: رد: التجنيد وتاريخه 18th يونيو 2010, 5:08 pm

والله انت الاجمل يا قناص اى خدمة شوفت بقى بحب اساعد برضو هههههههههه

متشكر ليك يا منوفى منور والله

موضوع: رد: التجنيد وتاريخه 18th يونيو 2010, 5:50 pm

هههههههههههههههههههه
طبعا
ومنووووووووووووووووووووور ياباشا

» دليل التجنيد وأداء الخدمة العسكرية فى مصر