[frame="2 10"]
بسم الله الرحمن الرحيم
الهجرة من المعاصي هي الهجرة الأولى التي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحبها:
{المهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}{1}
فقد هاجر إلى الآخرة لأنه ترك الدنيا وترك المعاصي والهجرة الثانية من الدنيا إلى الآخرة ، فالدنيا هي الأعمال الدنيئة التي لا تليق بالمؤمن ، سميت الدنيا من الدنو والدناءة فكل عمل دنئ لا يليق بالمؤمن عمله يهاجر منه إلى الطاعات فيصير إلى الآخرة ومن أهل الآخرة؟ هم الملائكة ، وما أعمال الملائكة؟
{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} التحريم6
فالذي يراهم يجد منهم الذي يسبح الله والذي يقف يذكر الله والذي يقف يقدس الله والذي يتلو كتاب الله والذي يستغفر الله ليس لأنفسهم لكن لنا:
{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} غافر7
يا سبحان الله ربنا وظفهم يستغفرون لنا فكأنهم موظفون عندنا ومن هم؟ حملة العرش وليس الملائكة العاديين وحملة العرش الرسول يقول في الواحد منهم
{أُذِنَ لِي أَنْ أحَدِّثَ عن مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ الله تَعَالَى مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمَائَةِ عَامٍ}{2}
ومع ذلك فالله سخرهم لكي يستغفروا لي ولك لكي تظهر مكانتك أنت عند الله وتعلم أنها ليست مكانة هينة أو عادية وإنما هي مكانة عظيمة جداً جداً فلأجل أني مهاجر إلى الآخرة مثله ، فأترك الأعمال الدنيئة التي ذكرناها كاللعب واللهو وأكون ليس لي بها شأن ، فأما غيري الذي يلعب إذا كان يلعب على نقود يكون من أهل الجحيم لأن هذا هو القمار
وإذا كان يلعب على غير نقود فهو من أهل الغفلة ومن أهل الذنوب ومن أهل الدنيا لأن هذا يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{اللاَّعِبُ بالنِّرْدِ كَوَاضِعِ يَدِهِ في لحْمِ الخِنْزِير ِ، وَالنَّاظِرُ إِلَيْها [الكوتشينة ، الطاولة ، الدومينو] كَواضِعِ يَده في دَم الخِنْزير}{3}
ودم الخنزير طاهر أم نجس؟ إنه أنجس النجاسة فالذي يلعب ويقول: الكلب راح ، الكلب جاء ، أو شيش بيش ، كل هذا كغامس يده في دم خنزير لأن هذا في اللعب والمؤمن ليس لديه وقت لهذا الكلام ليس لديه وقت للعب ولا للزينة ولا للتفاخر والتكاثر ، إذا أين يكون المؤمن؟ نجده مع كتاب الله أو نجده يذكر الله أو نجده ينصح عبداً من عباد الله أو يزور مريضاً طلباً لمرضاة الله أو يشيع جنازة ابتغاء وجه الله هذا هو عمل المؤمن يتقلب في الطاعات:
{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} الشعراء219
أي أنه يتقلب مع الساجدين دائماً وبهذا يكون في عمل الآخرة ومثل هذا من أهل الآخرة الهجرة الثالثة وهي لرجل ثانٍ قال ماذا أفعل بالآخرة؟ سوف أذهب إلى هناك والذي حرمت منه هنا أجده هناك ، لكن أنا يعجبني شئ ثانٍ فليست تعجبني الجنة والذي فيها ، أنا يعجبني الأخلاق العظيمة الكريمة التي يعاملنا بها الله ، انظر كيف نعصي ونغفل ونجهل وهو حليم علينا وتاركنا؟ وما يفتأ يرزقنا وينعم علينا ويستر علينا فيقول أنا أريد أن أكون حليماً مثل الحليم عز وجل الواحد يبعد عنه سنين ويلطخ نفسه بالمعاصي والطين ويرجع يقول له: أنا تبت ، فيقول عز وجل وأنا قبلت ، ما هذا العفو العظيم؟
أنا أريد أن أكون عفواً مثل عفوه عز وجل لا أركب رأسي ويقولون لي فلان جاء يعتذر إليك وأقول له يدفع خمسة عشر أو عشرين ألف ، يا أخي إن رسول الله قال:
{مَنْ أَتَاهُ أَخُوهُ مُتَنَصلاً [معتذراً] فَلْيَقْبَلْ ذٰلِكَ مِنْهُ مُحِقّاً أَوْ مُبْطِلاً ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُ لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الْحَوْضَ}{4}
يقول أنا ليس لي شأن بهذا الكلام ، يا أخي ما دام جاء إليك ويقول لك أنا أعتذر لك ، ألا ترى أن الذي خلقه ورباه وكلأه بنعماه ويعصاه وهو يراه لكن أنت لم تره أو تسمعه وإنما أحد أبلغك أنه قال في حقك كذا ، لكن هو سامعه ويراه وعندما يقول له تبت، يقول له وأنا قبلت
ولما ينشط العبد ويصطلح مع مولاه يفرح به الله وهو الغنى عنه فرحا يقول فيه الحَبيب صلى الله عليه وسلم : يقول الله للملائكة اعملوا له فرح عندكم
{لله أَفَرْحُ بِتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ قَدَ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ فِي أَرْضٍ مُهْلِكَةٍ ، يَخَافُ أَنْ يَقْتُلَهُ الْجُوعْ}{5}
وهل ربنا يحتاج من العبد شيئاً؟ هل ينفعه العبد أو يقدم له شيئاً؟ لكن هو يعلمنا نحن أن نقول:
{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} النساء128
حتى لو لم أكن أنا فى ظاهر الأمر أو فى تقديرى الشخصى الدنيوى ورؤيتى القاصرة والمحدودة محتاجٌ إلى من جاء ليصالحنى ، أو لو كنت غنياُ عنه فيجب علىَّ أن أفرح بالصلح عندما يأتي أحد يصالحني علىَّ أن أفرح أقول له تعالَ ياأخى ، قال لنا صلى الله عليه وسلم:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كالْجَمَلِ الأَنِفِ ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ [طفل يشد لجام الجمل فيمشي وراءه مع أن الجمل لو هاج لا يقف أمامه سبعة رجال ، لكنه سبحانه وتعالى حليم] وإن استنيخ على صخرة أناخ}{6}
لا يطلب شيئاً ليناً ينيخ عليه
والمؤمن نفس النظام إذا قيل له اصطلح فإنه يقول على بركة الله لا يطلب شروطاً أو غيرها ويريد أن يقيم الدنيا أو يقعدها ليقبل أن يصطلح مع أخيه ، فالشروط ليست مع المؤمنين وهو يريد أن يتخلق بخلق العفو أو خلق الجود يبحث عن الأشياء التي فيه فيجد أن الله جبله عليها
{1} متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهم
{2} رواه الطبراني عن أنس وأبو داود والضياء عن جابر
{3} رواه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجة عن أبي موسى رضي الله عنه
{4} أخرجه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه
{5} سنن النسائى الكبرى عن أبى هريرة ، وررد فى روايات عديدة باختلاف ألفاظ
{6} أخرجه البيهقي والقضاعي والعسكري عن ابن عمر رضي الله عنهم http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php…
منقول من كتاب {الخطب الإلهامية_ج1_الهجرة ويوم عاشوراء}
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً https://www.youtube.com/watch?v=7DcF1RmrpF8
[/frame]