منتدى راجعون الى الله
شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله 5e6e128532

انرت منتدانا زائرنا الغالى اذا اردت التسجيل فمرحبا بك
منتدى راجعون الى الله
شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله 5e6e128532

انرت منتدانا زائرنا الغالى اذا اردت التسجيل فمرحبا بك
منتدى راجعون الى الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى راجعون الى الله


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولالتسجيل
النيابة العامة والنيابة الادارية ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة موضوعات متجددة تجدها بمصداقية فقط على منتدى راجعون الى الله ....
تابعوا معانا يوميات حنفى وحمديه والناس الموئعتيه فقط وحصريا بقسم القصص والمواعظ بمنتدانا منتدى راجعون الى الله
بمناسبة اقتراب شهر رمضان الكريم اعاده الله علينا وعليكم باليمن والخير والبركات ندعوكم لزيارة قسم (رياض الجنه الرمضانى )بمنتدانا لمتابعة كل ماهو مفيد وجديد فى الشهر الكريم
عايز تتابع وتعرف كل حاجه عن علماء بتحبهم ومفكرين وشيوخ اجلاء بتتمنى تكون زيهم تابع معانا فى منتدانا بقسم المفكرين والعلماء وسوف تجد كل ماتتمنى ان تعرفه عن مشايخنا وعلمائنا ومفكرينا
عندك موهبة الكتابه ؟؟؟عايز تقول رأيك ونفسك تبقا صحفى والكل يقرا مقالاتك ؟؟؟؟نورنا فى جريدة منتدانا منتدى راجعون الى الله (مقالات الاعضاء وبس)

 

 شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
تركيه الخضرى

راجع متفوق
راجع متفوق



الساغة الأن :
الاقامة : المملكه العربيه السعوديه
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 788
نقاط : 1750
تاريخ التسجيل : 22/08/2009

شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty
مُساهمةموضوع: شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله   شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty10th مارس 2010, 4:24 pm

قام بشرح الكتاب الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ فى دوره علميه بجامع شيخ الاسلام ابن تيميه
كتاب التوحيد
كتاب التوحيد، وقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال شيخ الإسلام والمسلمين مُجَدِّد الدعوة والدين الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: كتاب التوحيد، وقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وقوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وقوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وقوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد -صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتمه فليقرأ قوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا إلى قوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا .

وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار، فقال: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا. قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس قال: لا تبشرهم فيتكلوا أخرجاه.


--------------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي بعث عباده المرسلين بتوحيده، فأقاموا الحجة على العباد، واتفقوا من أولهم إلى آخرهم على ألا معبود حقٌ إلا الله، وعلى أن عبادة غيره باطلة، وأنه ما عُبِدَ غير الله إلا بالبغي والظلم والعدوان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تأكيدا بعد تأكيد، ببيان مقام التوحيد، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد.

فهذا الكتاب، وهو كتاب التوحيد للإمام المصلح المجدد شيخ الإسلام والمسلمين محمد بن عبد الوهاب وهو غني عن التعريف؛ لما جعل الله -جل وعلا- لدعوته من أثر في شرق الأرض وفي غربها وفي شمالها وفي جنوبها ذلك أنها دعوة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.

وكتاب التوحيد -الذي نحن الآن بصدد شرحه- كتاب عظيم جدا، وأجمع العلماء أعني: علماء التوحيد على أنه لم يُصَنَّف في الإسلام في موضوعه مثلُه، فهو كتاب وحيد وفريد في بابه؛ لأنه -رحمه الله- طرق في هذا الكتاب مسائل توحيد العبادة، وما يضاد ذلك التوحيد إما من أصله وإما يراد كماله، وهذا على نحو التفصيل الذي ساق به الشيخ -رحمه الله- تلك المسائل والأبواب لم يوجد في كتاب على نحو سياقته مجموعا.

ولهذا طالب العلم لا يستغني ألبتة عن هذا الكتاب من جهة معرفته بمعانيه؛ لأنه مشتمل على الآي والحديث، وقد شبه بعض العلماء هذا الكتاب بأنه قطعة من صحيح البخاري -رحمه الله- وهذا ظاهر في أن الشيخ -رحمه الله- جعل هذا الكتاب ككتاب البخاري من جهة أن الترجمة فيها آية وحديث، والحديث دال على الترجمة، والآية دالة على الترجمة، وما بعدها مُفَسِّر لها، وما ساق من كلام أهل العلم من الصحابة أو من التابعين، أو من كلام أئمة الإسلام، فهو على نسق طريقة أبي عبد الله البخاري -رحمه الله- فإنه يسوق أقوال أهل العلم في بيان المعاني.

هذا الكتاب صنَّفه إمام الدعوة ابتداءً في البصرة لما رحل إليها، وكان الداعي إلى تأليفه ما رأى من شيوع الشرك بالله -جل جلاله- ومن افتقاد التوحيد الحق في المسلمين، فرأى مظاهر الشرك الأكبر والأصغر والخفي، فابتدأ في البصرة جمْعَ هذا الكتاب وتحرير الدلائل لمسائله.

ذكر ذلك تلميذه وحفيده الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله- في المقامات ثم حرَّره الشيخ -رحمه الله- وأكمله لما قدم نجدا، وصار هذا الكتاب كتاب دعوة فهو يمثل الدعوة إلى التوحيد؛ لأن الشيخ -رحمه الله- بيَّن فيه أصول دلائل التوحيد، بيَّن فيه معناه وفضله، وبيَّن ضده والخوف من ضده، بيَّن أفراد توحيد العبادة، وأفراد توحيد الأسماء والصفات إجمالا.

وبيَّن الشرك الأكبر وصورا من الشرك الأكبر، وبيَّن الشرك الأصغر وصورا من الشرك الأصغر، وبيَّن الوسائل، وبيَّن حماية التوحيد، وما يكون به، وبيَّن أيضا شيئا من أفراد توحيد الربوبية، فهذا الكتاب -كتاب التوحيد- كتاب عظيم جدا.

ولهذا يعظم أن تعتني به عناية حفظ ودرس وتأمل؛ لأنك أينما كنت فأنت محتاج إليه في نفسك، أو في تبليغ العلم لمن وراءك، سواء كان ذلك في البيت أم كان في المسجد، أم كان في العمل، أم في أيِّ جهة، فمن فهم هذا الكتاب فهم أكثر مسائل توحيد العبادة، بل فهم جُلَّها وأغلبها.

نبتدأ الشرح، وقد كنت نظرت في كيف تكون طريقة شرح هذا الكتاب، والكتاب كما تعلمون طويل، لا يمكن شرحه بتوسط أو ببسط في نحو ثمانية عشر درسا، والعلماء الذين شرحوه -وهم كُثر- كانوا بين مطيل ومتوسط ومختصِر، فنظرت في ذلك فتقرر أن يكون الشرح فيه ذكر للفوائد التي كثيرا ما تلتبس على طلبة العلم، وفيه بيان مناسبة الآي والأحاديث في الترجمة.

وفيه بيان وجه الاستدلال من الآية أو من الحديث على المقصود، وفيه ذكر شيء من تقرير الحجج مع الخصوم في هذه المسائل ربما بما لا يطالعه كثير منكم في الشروح، وهذه الطريقة التي سنسلكها طريقة مختصرة سوف نأتي بها إن شاء الله تعالى، ونسأله المدد منه والإعانة والتوفيق، سنأتي بها على الكتاب كله بإذن الله، مع عدم الإخلال بإفهامه وعدم الإخلال بمعانيه.

قوله: كتاب التوحيد، وقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ عادة المصنفين والمؤلفين أن يضعوا بعد البسملة، والحمد له خطبة للكتاب يذكرون فيها طريقتهم في هذا الكتاب، ومرادهم من تأليفه، وهاهنا سؤال معروف، وهو أن الشيخ -رحمه الله- خالف طريقة المصنفين فلم يجعل للكتاب خطبة يبين فيها طريقته، بل قال: كتاب التوحيد وقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فأخلاه من الخطبة والسبب في ذلك والسر فيه فيما يظهر لي أن التوحيد الذي سيبينه الشيخ -رحمه الله- في هذا الكتاب هو توحيد الله جل جلاله.

وتوحيد الله بيَّنه الله -جل وعلا- في القرآن، فكان من الأدب في مقام التوحيد ألا يجعل فاصلا بين الحق، والدال على الحق، وكلام الدال عليه فالحق الذي لله هو التوحيد، والذي دل على هذا الحق هو الله -جل جلاله-، والدليل عليه هو كلامه، وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وهذا من لطائف أثر التوحيد على القلب كما صنع البخاري -رحمه الله- في صحيحه؛ إذ لم يجعل لصحيحه خطبة بل جعل صحيحه مبتدئا بالحديث ذلك أن كتابه كتاب سنة، ومن المعلوم أن الأدب ألا يتقدم بين يدي الله ورسوله، فلم يقدم كلامه على كلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- فجعل البخاري صحيحه مفتتحا بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وكتابه كتاب سنة، فجعل كتابه في ابتدائه مبتدئا بكلام صاحب السنة -عليه الصلاة والسلام- وهذا من لطيف المعاني التي يرعاها مَن نوَّر الله قلوبهم لمعرفة حقه، وحق رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

كتاب التوحيد، التوحيد مصدر وحَّد يوحد توحيدا، وقد جاء هذا اللفظ التوحيد بقلة، وجاء في السنة الدعوة إلى توحيد الله كما جاء في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال: إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله إلى أن يوحدوا الله - يوحدوا مصدره التوحيد.

وفي الرواية الأخرى من حديث ابن عباس هذا الذي فيه قصة بعث معاذ إلى اليمن، وهي في الصحيحين قال: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فدل على أن التوحيد هو: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتحقيق هاتين الشهادتين هو تحقيق التوحيد.

التوحيد جعل الشيء واحدا، وحَّد يعني جعله واحدا، نقول: وحدت المتكلم إذا جعلته واحدا، ووحَّد المسلمون الله إذا جعلوا المعبود واحدا وهو الله -جل وعلا- والتوحيد المطلوب يشمل ما أمر الله -جل وعلا- به في الكتاب من توحيده، وهو ثلاثة أنواع:

الأول: توحيد الربوبية.

والثاني: توحيد الألوهية.

والثالث: توحيد الأسماء والصفات.

توحيد الربوبية معناه توحيد الله بأفعاله، أفعال الله كثيرة منها: الخلق والرزق، والإحياء، والإماتة، وتدبير الملك، والنفع والضر، والشفاء، والإجارة يجير ولا يجار عليه، وإجابة دعوة المضطر، وإجابة دعوة الداعي، ونحو ذلك من أفراد الربوبية. فالمتفرد بذلك على الكمال هو الله -جل وعلا- فتوحيد الربوبية توحيد الله بأفعاله، سبحانه.

وتوحيد الألوهية مأخوذٌ من أَلِهَ يأله إلهة وألوهة إذا عبد مع المحبة والتعظيم، يقال: تأله إذا عبد معظما محبا فَفَرْقٌ بين العبادة والألوهة، فإن الألوهة عبادة فيها المحبة والتعظيم، والرضا بالحال، والرجاء والرَّغَب والرَّهَب ـ فمصدر أله، يأله، ألوهة، وإلهة ـ ولهذا قيل: توحيد الإلهية وقيل: توحيد الألوهية، وهما مصدران لأله يأله، ومعنى أله في لغة العرب يعني: عبد مع المحبة والتعظيم، والتأله: العبادة على ذاك النحو قال الراجز:

لله در الغانيات المدف

سبحن واسترجعن من تأله



يعني: من عبادته، فتوحيد الإلهية أو توحيد الألوهية هو توحيد العبادة يعني جعل العبادة لواحد، وهو الله، جل جلاله.

والعبادة أنواع، والعبادة يفعلها العبد والله -جل وعلا- هو المستحق للألوهة وللعبادة يعني: هو ذو الألوهة، وهو ذو العبادة على خلقه أجمعين.

توحيد الألوهية: هو توحيد الله بأفعال العبد، أفعالك متنوعة التي تفعلها تقربا، فإذا توجهت بها لواحد كنت لواحد، وهو الله -جل وعلا- كنت موحدا توحيد الإلهية، فإذا توجه العبد بها لله ولغيره كان مشركا في هذه العبادة.

والنوع الثالث من التوحيد توحيد الأسماء والصفات ومعناه أن يعتقد العبد أن الله -جل جلاله- واحد في أسمائه وصفاته لا مماثل له فيهما ـ وإن شرك بعض العباد الله -جل وعلا- في أصل بعض الصفات لكنهم لا يشركونه -جل وعلا- في كمال المعنى، بل الكمال فيها لله وحده دون من سواه.

فمثلا المخلوق قد يكون عزيزا، والله -جل جلاله- هو العزيز، له للمخلوق من صفة العزة ما يناسب ذاته الحقيرة الوضيعة الفقيرة، والله -جل وعلا- له من كمال هذه الصفة منتهى ذلك، ليس له فيها مثيل، وليس له فيها مشابه على الوجه التام قال جل وعلا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

هذه الأنواع الثلاثة من التوحيد ذكرها الشيخ -رحمه الله- في هذا الكتاب لكن لما كانت التصانيف قبله اعتنى فيها العلماء -أعني: علماء السنة والعقيدة- ببيان النوعين الأول والثالث، وهو توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، هما توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات؛ لما اعتنى العلماء بهما لم يبسط الشيخ -رحمه الله- القول فيهما، وإنما بسط القول فيما الناس بحاجة إليه، ويفتقدون التصنيف فيه.

وهذه طريقة الإمام -رحمه الله- فإن كتاباته مختلفة، وإن مؤلفات الشيخ إنما كانت للحاجة ليست للتكاثر، أو للاستكثار أو للتفنن، وإنما كتب فيما الناس بحاجة إليه، لم يكتب لأجل أن يكتب، ولكن كتب لأجل أن يدعو وبين الأمرين فرق، فإن الشيخ -رحمه الله- في هذا الكتاب بين توحيد الإلهية والعبودية، وبيَّن أفراده من التوكل والخوف والمحبة والرجاء والرغبة ونحو ذلك، والاستعانة والاستغاثة، والذبح والنذر كل هذه عبادات لله سبحانه دون من سواه.

والشيخ -رحمه الله- لما بسط ذلك بيَّن أيضا ضده وهو الشرك فهذا الكتاب كتاب التوحيد الذي فيه بيان توحيد العبادة والربوبية والأسماء والصفات، وفيه أيضا بيان ضد ذلك، وضد التوحيد الشرك، والشرك اتخاذ الشريك يعني أن يجعل واحدا شريكا لآخر، يقال: أشرك بينهما إذا جعلهما اثنين أو أشرك في أمره غيره إذا جعل ذلك الأمر لاثنين، فالشرك فيه تشريك.

والله -جل وعلا- نهى عن الشرك، كما سيأتي الشرك في كلام أهل العلم مبينين ما دلت عليه النصوص يقسم إلى قسمين باعتبار ويقسم إلى ثلاثة باعتبار آخر، الشرك يقسم إلى شرك أكبر وإلى شرك أصغر، ويقسم أيضا باعتبار آخر إلى شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي، والشرك هو اتخاذ الشريك مع الله -جل وعلا- في الربوبية، أو في العبادة أو في الأسماء والصفات، والمقصود هنا النهي عن اتخاذ الشريك مع الله -جل وعلا- في العبادة والأمر بتوحيده سبحانه.

التقسيم الأول: أن يكون الشرك أكبر وأصغر، الأكبر هو المُخرج من الملة، والأصغر ما حَكَمَ الشارع عليه بأنه شرك، وليس فيه تنديد كامل يلحقه بالشرك الأكبر، وعبر عنه بعض العلماء بقوله: ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر، على هذا يكون الشرك الأكبر ثَمَّ منه ما هو ظاهرٌ وثَمَّ منه ما هو باطن خفيّ.

الظاهر من الشرك الأكبر كشرك عباد الأوثان والأصنام، وعباد القبور، والأموات، والغائبين، والباطن كشرك المتوكلين على المشايخ، أو على الآلهة المختلفة، أو كشرك وكفر المنافقين؛ لأن المنافقين مشركون في الباطن، فشركهم خفي، ولكنه أكبر وفي الباطن وليس في الظاهر.

الشرك الأصغر على هذا التقسيم منه ما هو ظاهر، ومنه ما هو باطن خفي، الظاهر من الشرك الأصغر كلبس الحلقة، والخيط وكالتمائم، وكالحلف بغير الله، ونحو ذلك من الأعمال والأقوال.

والباطن من ذلك الخفي كيسير الرياء، ونحو ذلك فيكون إذن الرياء على هذا التقسيم منه ما هو أكبر كرياء المنافقين يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ومنه رياء المؤمنين، رياء المسلمين حيث يتصنع في صلاته، أو يحب التسميع أو المراءاة.

التقسيم الثاني للشرك: أن يكون ثلاثة أقسام أكبر، أصغر، خفي، وهذا التقسيم يعنى به أن الأكبر ما هو مخرج من الملة، مما فيه صرف العبادة لغير الله -جل جلاله-.

والأصغر ما كان وسيلة لذلك الشرك الأكبر، فيه تنديد لا يبلغ به من ندَّد أن يخرج من الإسلام، وقد حكم الشارع على فاعله بالشرك أو حقيقة الحال أنه ندد وأشرك.

الشرك الخفي هو يسير الرياء، ونحو ذلك في هذ التقسيم، من أهل العلم من يقول بالأول، ومنهم من يقول بالثاني، وهما متقابلان، وهما متساويان أحدهما يوافق الآخر ليس بينهما اختلاف، فإذا سمعت من يقول: إن الشرك أكبر وأصغر، هذا صحيح، وإذا سمعت -وهو قول أئمة الدعوة- أن الشرك أكبر وأصغر وخفي، فهذا أيضا صحيح.

إذا تبين ذلك فالشرك يعبر عنه بالتنديد، ولهذا قال جل وعلا: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك التنديد منه تنديد أعظم ومنه تنديد ليس فيه صرف العبادة لغير الله، فإذا كان التنديد في جعل العبادة لغير الله صار التنديد أكبر صار شركا أكبر، وإذا كان التنديد فيه جعل غير الله -جل وعلا- ندا لله في عمل، ولا يبلغ ذلك الشرك الأكبر، فإنه يكون تنديدا أصغر، وهو الشرك الأصغر، هذه مقدمات وتعاريف مهمة بين يدي شرح هذا الكتاب العظيم.

قال إمام هذه الدعوة -رحمه الله-: "كتاب التوحيد، وقول الله -تعالى-" قول هذه كما في صحيح البخاري تنطقها إما على العطف كتاب التوحيد وقول الله يعني وكتاب قول الله، أو على الاستئناف، وقول الله -تعالى- قال: وقول الله -تعالى-: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ هذه الآية فيها بيان التوحيد، وجه ذلك أن السلف فسروا إلا ليعبدون يعني إلا ليوحدون.

دليل هذا الفهم أن الرسل إنما بعثت لأجل التوحيد، توحيد العبادة فقوله: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ يعني إلا ليوحدون، قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا هذا فيه حصر، ومعلوم أن "ما" النافية مع "إلا" تفيد الحصر والقصر، معنى الكلام خلقت الجن والإنس لغاية واحدة هي العبادة دون ما سواها، ففيه قصر علة الخلق على العبادة، وقوله: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ إلا هذه تسمى أداة استثناء مفرغ، مفرغ من أعم الأحوال، كما يقول النحاة يعني: وما خلقت الجن والإنس لشيء أو لغاية من الغايات أبدا إلا لغاية واحدة وهي أن يعبدوني.

وقوله: لِيَعْبُدُونِ اللام هذه تسمى لام التعليل، ولام التعليل هذه قد يكون المعنى تعليل غاية، أو تعليل علة. تعليل الغاية يكون ما بعدها مطلوبا لكن قد يكون، وقد لا يكون، يعني: هذه الغاية ويسميها بعض العلماء لام الحكمة، وفرق بين العلة والحكمة يعني: ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟ أن يعبدوا الله وحده دون ما سواه هذا التعليل بقوله: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قلنا: تعليل عناية مثلا قلت لك لما أحضرت الكتاب؟ قلت: أحضرته لأقرأ، فيكون علة الإحضار أو الحكمة من الإحضار القراءة، قد تقرأ، وقد لا تقرأ بخلاف اللام التي يكون معناها العلة التي يترتب عليها معلولها، والتي يقول العلماء في نحوها: الحكم دائر مع علته وجودا وعدما.

هذه علة القياس التي لا يتخلف فيها المعلول عن العلة، فهنا اللام هذه لام علة الغاية؛ لأن من الخلق من أوجد وخلقه الله -جل وعلا- لكن عبد غيره، ولام الحكمة شرعية ما بعدها يكون مطلوبا شرعا، قال جل وعلا هنا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ نفهم من هذا أن هذه الآية دالة على التوحيد من جهة أن الغاية من الخلق هو التوحيد، والعبادة هنا هي التوحيد، حقيقة العبادة الخضوع والذل، فإذا انضافت إليها المحبة والانقياد صارت عبادة شرعية.

قال طرفة في وصف ناقة:

تباري عتاق الناجيات وأتبعت

وظيفـا وظيفـا فوق مور معبد



المور الطريق، والمعبد هو الذي ذلل من كثرة وطء الأقدام عليه.

وقال أيضا في معلقته:

إلى أن تحامتني العشيرة كلها

وأفـردت إفراد البعير المعبد



يعني الذي صار ذليلا؛ لأنه أصيب بالمرض فجعل بعيدا عن باقي الأبعرة فصار ذليلا؛ لعدم المخالطة.

في الشرع العبادة هي امتثال الأمر والنهي على جهة المحبة والرجاء والخوف، قال بعض العلماء: إن العبادة هي ما أمر به من غير اقتضاء عقلي ولا اضطراب عرفي، وهذا تعريف الأصوليين.

وقال شيخ الإسلام في بيان معناها في أول "رسالة العبودية": العبادة اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. إذن فيكون دلالة هذه الآية أن كل فرد من أفراد العبادة يجب أن يكون لله وحده دون ما سواه؛ لأن الذي خلقهم خلقهم؛ لأجل أن يعبدوه فكونهم يعبدون غيره، وهو الذي خلقهم هذا من الاعتداء والظلم؛ لأنه ليس من يخلق كمن لا يخلق قال جل وعلا: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ .

قال الشيخ -رحمه الله-: وقوله وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ هذه الآية تفسير للآية قبلها، الآية قبلها فيها بيان الغرض من الخلق، وأنه لأجل العبادة، هذه العبادة أرسلت بها الرسل بدليل قوله: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ بعثت الرسل بهاتين الكلمتين اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ففي قوله: اُعْبُدُوا اللَّهَ إثبات، وفي قوله: اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ نفي.

وهذا معنى التوحيد وهو أنه مشتمل على إثبات ونفي: لا إله إلا الله اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ لأن النفي فيه اجتناب الطاغوت وهو كل إله عبد بالبغي والظلم والعدوان، والإثبات إثبات العبادة لله وحده دون ما سواه ففي قوله: اُعْبُدُوا اللَّهَ التوحيد المثبت، وفي قوله: اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ نفي الإشراك.

والطاغوت هو فعلوت من الطغيان، وهو كل ما جاوز به العبد حدَّه من متبوع أو معبود أو مطاع. قال: وقوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ قضى -كما فسرها عدد من الصحابة- هنا بمعنى أمر ووصى، وأمر ووصى فيها معنى القول دون حروف القول.

فتكون أن لا تعبدوا أن هنا تفسيرية يعني أمر ووصى بماذا بلا تعبدوا إلا إياه وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا قوله: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ هذا معنى لا إله إلا الله بالمطابقة؛ لأن "لا" نفي في الجملتين، وهنا تعبدوا وفي كلمة التوحيد "إله" والإله هو المعبود أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ يعني احصروا العبادة فيه وحده دون ما سواه أمر بهذا، ووصى بهذا، وهذا معنى التوحيد، فإن دلالة الآية على التوحيد ظاهرة في أن التوحيد إفراد العبادة لله، أو تحقيق كلمة لا إله إلا الله، وهذا الذي دلت عليه هذه الآية.

قال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا يعني: وأحسنوا بالوالدين إحسانا، قال: وقوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا هذا أيضا فيه إثبات ونفي، فيها أمر ونهي، أما الأمر ففي قوله: واعْبُدُوا اللَّهَ والنهي في قوله: وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .

وقد مر معك دلالة قوله: اعْبُدُوا اللَّهَ مع النفي على توحيد الله قوله هنا: وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا لاحظ أن لا هنا نافية، ومن المتقرر في علم الأصول أن النفي إذا تسلط على نكرة فإنه يفيد العموم، ولا بعدها نكرة وهو المصدر المستكن في الفعل؛ لأن الفعل المضارع مشتمل على مصدر وزمن أَلَّا تُشْرِكُوا يعني لا إشراكا به فتشركوا متضمنة لمصدر، والمصدر نكرة.

فيكون قوله: أَلَّا تُشْرِكُوا يعني بأي نوع من الشرك وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا و"شيئا" هنا أيضا نكرة في سياق النهي أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا فدلت على عموم الأشياء، فصار إذن عندنا في قوله -تعالى -: وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثَمَّ عمومان:

الأول: دلت الآية على النهي عن جميع أنواع الشرك وذلك؛ لأن النهي تسلط على الفعل، والفعل فيه مصدر مستكن، والمصدر نكرة.

والثانية: أن مفعول تشرك شيئا، وشيئا نكرة، والنكرة جاءت في سياق النهي وذلك يدل على عموم الأشياء يعني لا الشرك الأصغر مأذون به، ولا الأكبر ولا الخفي بدلالة قوله: وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ .

وكذلك ليس مأذونا أن يشرك لا بملك ولا بنبي ولا بصالح ولا بعالم ولا بطالح ولا بقريب ولا ببعيد بدلالة قوله: شَيْئًا وهذا استدلال ظاهر الوضوح في الدلالة على التوحيد بالجمع بين النفي والإثبات، قال: وقوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا قُلْ تَعَالَوْا يعني يا مَن حرَّم بعض الأنعام، وافترى على الله في ذلك قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .

قال العلماء: "أن" هنا تفسيرية متعلقة بمحذوف تقديره وصاكم؛ لأن "أن" التفسيرية تتعلق كما ذكرت لك بكلمة فيها معنى القول دون حروف القول وحددوها بقوله: وَصَّاكُم ؛ لأنه في آخر الآي جاء ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ في الآية الأولى، ثم لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ في الآية الثانية، ثم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ في الآية الثالثة كلها فيها الوصية.

فإذن يكون تقدير الكلام: "قل تعالوا أتلو ما حرم ربكم عليكم وصاكم ألا تشركوا به شيئا" يعني: أمركم، والوصية هنا شرعية، وإذا كانت الوصية من الله شرعية، فهي أمر واجب، فقوله: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا دلالتها على التوحيد كدلالة آية النساء قبلها.

ثم ساق الشيخ -رحمه الله- ـ أثر ابن مسعود قال: قال ابن مسعود: "من أراد أن ينظر إلى وصية محمد -صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتمه، فليقرأ قوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا إلى قوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا .

يعني: التي كانت من آخر ما وصَّى به، من آخر ما أمر به يعني: التي لو قُدِّرَ أنه وصى وختم على هذه الوصية، وفتحت بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- وانتقاله إلى الرفيق الأعلى لكانت هذه الآيات التي فيها الوصايا العشر.

هذا من ابن مسعود للدلالة على عظم شأن هذه الآيات التي افتتحت بالنهي عن الشرك، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ابتدأ دعوته بالأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن الشرك، واختتمها أيضا -كما دل عليه كلام ابن مسعود هذا- بالأمر بالتوحيد، والنهي عن الشرك، فدل على أن ذلك أولى المطالب وأول المطالب وأهم المطالب.

قال -بعد ذلك-: وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار فقال لي: يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا .

هذا موطن الشاهد حق العباد على الله حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وهذا قد مر بيان معناه، لكن الشاهد من هذا الحديث، ومناسبته للابتداء ابتداء كتاب التوحيد أنه أتى فيه بلفظ حق أتدري ما حق الله على العباد، ثم قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا هذا الحق حق واجب لله -جل وعلا- لأن الكتاب والسنة؛ بل ولأن المرسلين جميعا أتوا بهذا الحق وببيانه، وأنه أوجب الواجبات على العباد.

ثم قال: وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا حق العباد على الله، هذا حق أحقه الله على نفسه باتفاق أهل العلم، وبإيجابه على نفسه في بعض أقوالهم، كما قاله الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله-.

حق العباد على الله، هل هذا الحق واجب أم لا؟ نقول: نعم هو حق واجب، لكن بإيجاب الله ذلك الحق على نفسه، والله -جل وعلا- يحرم على نفسه ما يشاء بما يوافق حكمته، ويوجب على نفسه ما يشاء بما يوافق حكمته إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا .

حرم الله الظلم على نفسه، كذلك أوجب على نفسه أشياء، بعض أهل العلم تحاشى لفظ الإيجاب على الله، وقال: يعبر بأنه حق، يتفضل به، حق تفضل لا حق إيجاب، وهذا ليس بمتعين؛ لأن الحق الواجب أوجبه الله على نفسه، والعباد لا يوجبون على الله -جل وعلا- شيئا من الحقوق، وهو -جل وعلا- أوجبه على نفسه؛ لأنه تفضل على عباده بذلك، والله -جل جلاله- لا يخلف الميعاد.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تركيه الخضرى

راجع متفوق
راجع متفوق



الساغة الأن :
الاقامة : المملكه العربيه السعوديه
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 788
نقاط : 1750
تاريخ التسجيل : 22/08/2009

شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثانى   شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty10th مارس 2010, 4:29 pm

ب فضل التوحيد، وما يكفر من الذنوب
باب: فضل التوحيد، وما يكفر من الذنوب، وقول الله -تعالى-: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ وعن عبادة بن الصامت -رباضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل أخرجاه.

ولهما في حديث عتبان: فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : قال موسى: يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به قال: قل يا موسى لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله رواه ابن حبان والحاكم، وصححه.

وللترمذي وحسنه عن أنس سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله -تعالى-: يا ابن آدم لو آتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة .


--------------------------------------------------------------------------------


هذا الباب باب فضل التوحيد، وما يكفر من الذنوب، التوحيد بأنواعه له فضل عظيم على أهله، ومن أعظم فضله أنه به تكفر الذنوب ولهذا قال الشيخ -رحمه الله- في التبويب:

باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب ما يكفر، "ما" هنا موصولة موصول حرفي يعني: تقدر مع ما بعدها بمصدر يكون المعنى: باب فضل التوحيد وتكفيره الذنوب، فالتوحيد يكفر الذنوب جميعا لا يكفر بعض الذنوب دون بعض. فإن التوحيد حسنة عظيمة لا تقابلها معصية إلا وأحرق نور تلك الحسنة أثر تلك المعصية إذا كمل ذلك النور.

باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب يعني وتكفيره الذنوب، فالتوحيد يعني: مَن كمَّله كمَّل توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية وتوحيد الأسماء والصفات، فإنه تكفر ذنوبه، كما سيأتي في الباب بعده، أنه من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، وكلما زاد التوحيد كلما محا من الذنوب بمقدار عظمه، وكلما زاد التوحيد كلما أمن العبد في الدنيا، وفي الآخرة بمقدار عظمه.

وكلما زاد العبد في تحقيق التوحيد كلما كان متعرضا بدخول الجنة على ما كان عليه من العمل، بهذا ساق الإمام -رحمه الله- آية الأنعام فقال: باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب وقول الله تعالى…، من أهل العلم من قال: إن قوله: وما يكفر من الذنوب، "ما" هنا موصول اسمي يعني: والذي يكفره من الذنوب، وهذا أيضا سائغ ظاهر الصحة.

وقول الله -تعالى-: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ الظلم هنا هو الشرك كما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في هذه الآية حينما استعظم الصحابة هذه الآية وقالوا: يا رسول الله! أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال: ليس الذي تذهبون إليه الظلم الشرك ألم تسمعوا لقول العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .

فالظلم هنا في مراد الشيخ هو الشرك فيكون معنى الآية بما يناسب هذا الباب "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بشرك أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" ففضل الذي آمن يعني وحَّد، ولم يلبس إيمانه بشرك لم يلبس توحيده بشرك أن له الأمن التام، والاهتداء التام.

وجه الدلالة: أن قوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أن قوله: بِظُلْمٍ هنا نكرة في سياق وَلَمْ يَلْبِسُوا وهذا يدل على عموم أنواع الظلم، هل العموم هنا العموم المخصوص أو العموم الذي يراد به الخصوص؟ هنا يراد العموم الذي يراد به الخصوص؛ لأننا قلنا فيما سبق لك آنفا: إن النكرة في سياق النفي أو النهي تدل على العموم.

العموم عند الأصوليين تارة يكون باقيا على عمومه هذه حالة، وتارة يكون عموما مخصوصا، يعني دخله التخصيص، وتارة يكون عموما مرادا به الخصوص، يعني: لفظه عام ولكن يراد به الخصوص، وهذا الثالث هو الذي أراد به الشيخ -رحمه الله- وجه الاستدلال من النهاية.

فيكون الظلم هنا صحيح نكرة في سياق لم تدل على العموم؛ لأنه عموم مراد به الخصوص، وهو خصوص أحد أنواع الظلم، وهو الشرك فيصير العموم في أنواع الشرك، لا في أنواع الظلم كلها؛ لأن من أنواع الظلم ما هو من جهة ظلم العبد نفسه بالمعاصي، ومن جهة ظلم العبد غيره، بأنواع التعديات، ومنه ما هو ظلم من جهة حق الله -جل وعلا- بالشرك.

فهذا هو المراد بهذا العموم، فيكون عموما في أنواع الشرك، وبهذا يحصل وجه الاستدلال من الآية فيكون المعنى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم يعني توحيدهم بنوع من أنواع الشرك، أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون".

والأمن هنا هو الأمن التام في الدنيا، المراد به أمن القلب وعدم الحزن على غير الله -جل وعلا- والاهتداء التام في الدنيا وفي الآخرة.

وكلما صار ثَمَّ نقص في التوحيد بغشيان العبد بعض أنواع الظلم الذي هو الشرك، الشرك الأصغر، أو الشرك الخفي، وسائر الشرك ونحو ذلك، فيذهب منه من الأمن والاهتداء بقدر ذلك، هذا من جهة تفسير الظلم بأنه الشرك.

فإذا فسرت الظلم بأنه جميع أنواع الظلم كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه يكون هناك مقابلة بين الأمن والاهتداء، وبين حصول الظلم فكلما انتفى الظلم وجد الأمن والاهتداء، كلما كمل التوحيد، وانتفت المعصية عظم الأمن والاهتداء، وإذا زاد الظلم قلَّ الأمن والاهتداء بحسب ذلك.

قال: وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل .

مناسبة هذا الحديث للباب قوله: على ما كان من العمل وقوله: "على ما كان" يعني على الذي كان عليه من العمل، ولو كان مقصرا في العمل، وعنده ذنوب وعصيان، فإن فضل توحيده لله وشهادته لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، ونفي إشراك المشركين بعيسى، وإقراره بالغيب وبالبعث، فإن ذلك له فضل عليه، وهو أن يدخله الله الجنة، ولو كان مقصرا في العمل، وهذا من فضل التوحيد على أهله.

قال: ولهما في حديث عتبان فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله .

قوله: من قال لا إله إلا الله المراد بالقول هنا الذي معه تمام الشروط، كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: الحج عرفة يعني: إذا أتى ببقية الأركان والواجبات.

قوله هنا: من قال لا إله إلا الله يعني باجتماع شروطها، وبالإتيان بلازمها يبتغي بذلك وجه الله؛ ليخرج حال المنافقين؛ لأنهم حين قالوها لا يبتغون بذلك وجه الله، فإن الله حرَّم عليه النار، وقوله: حرم على النار .

التحريم في نصوص الكتاب والسنة يأتي على درجتين، تحريم النار في نصوص الكتاب والسنة على درجتين: الأولى تحريم مؤبد، والثانية تحريم بعد أمد.

التحريم المؤبد يقتضي أن من حرم الله عليه النار فإنه إذا كان التحريم تحريما مؤبدا، فإنه لن يدخلها، يغفر الله له، أو يكون من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب.

وإذا كان التحريم بعد أمد، يعني: ربما يدخلها، ثم يحرم عليه البقاء فيها، وهذا الحديث يحتمل الأول، ويحتمل الثاني، فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، والذي أتى بالتوحيد وانتهى عند ضده وكانت عنده بعض الذنوب والمعاصي، ومات من غير توبة فهو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه، ثم حرم عليه النار، وإن شاء الله غفر له، وحرم عليه النار ابتداء.

فإذا وجه الشاهد من الآية وجه الشاهد من الحديث للباب أن هذه الكلمة، وهي كلمة التوحيد، وسيأتي بيان معناها مفصلا، إن شاء الله تعالى، هذه الكلمة لما ابتغى بها صاحبها وجه الله، وأتى بشروطها وبلوازمها تفضل الله عليه، وأعطاه ما يستحقه من أنه حرم عليه النار، وهذا فضل عظيم، نسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا من أهله.

حديث أبي سعيد الخدري بعد ذلك فيه: قال موسى: يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به قال: قل يا موسى لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا … .

في هذا الحديث دلالة على أن أهل الفضل والرفعة في الدين والإخلاص والتوحيد قد يُنَبَّهُون على شيء من مسائل التوحيد، فهذا موسى -عليه السلام- وهو أحد أولي العزم من الرسل، وهو كليم الله -جل وعلا- أراد شيئا يختص به غير ما عند الناس، وأعظم ما يختص به أولياء الله وأنبياؤه ورسله وأولو العزم منهم هو كلمة التوحيد لا إله إلا الله، فأراد شيئا أخص فعلم أنه لا أخص من كلمة التوحيد، فهي أفضل شيء، وهي التي دل عليها أولي العزم من الرسل، ومن دونهم من الناس.

قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري- يعني ومن في السماوات السبع من الملائكة ومن عباد الله غير الله -جل وعلا- - والأرضين السبع في كفة- يعني لو تمثلت السماوات أجساما والأرض جسما - والجميع سيوضع في ميزان له كفتان وجاءت لا إله إلا الله في الكفة الأخرى كما قال هنا- ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله .

لا إله إلا الله كلمة توحيد فيها ثقل لميزان من قالها، وعظم في الفضل لمن اعتقدها، وما دلت عليه؛ فلهذا قال: مالت بهن لا إله إلا الله وجه الدلالة أنه لو تصور أن ذنوب العبد بلغت ثقل السماوات السبع وثقل ما فيها من العباد والملائكة وثقل الأرض، لكانت لا إله إلا الله مائلة بذلك الثقل من الذنوب، وهذا هو الذي دل عليه حديث البطاقة حيث جعل على أحد العصاة سجلات عظيمة فقيل له: هل لك من عمل؟ فقال: لا؟ فقيل له: بلى ثم أخرجت له بطاقة فيها لا إله إلا الله فوضعت في الكفة الأخرى فطاشت سجلات الذنوب وثقلت البطاقة .

وهذا الفضل العظيم لكلمة التوحيد إنما هو لمن قويت في قلبه، ذلك أنها في قلب بعض العباد تكون قوية؛ لأنه مخلص فيها مُصَدِّق لا ريب عنده فيما دلت عليه، معتقد ما فيها محب لما دلت عليه فيقوى أثرها في القلب ونورها، وما كان كذلك فإنها تحرق ما يقابلها من الذنوب.

وأما من لم يكن من أهل تمام الإخلاص فيها، فإنه لا تطيش له سجلات الذنوب، فإذن يكون هذا الحديث وحديث البطاقة يدل على أن لا إله إلا الله لا يقابلها ذنب، ولا تقابلها خطيئة، لكن هذا في حق من كملها وحققها بحيث لم يخالطها في قلبه في معناها ريب، ولا تردد.

ومعناها مشتمل على الربوبية بالتضمن وعلى الأسماء والصفات باللزوم، وعلى الإلهية بالمطابقة، فإذن يكون من يكمل له الانتفاع بهذه الكلمة، ولا يقابلها ذنوب وسجلات، ولو كانت في ثقل السموات وما فيها والأرض يكون ذلك في حق من كمل ما دلت عليه من التوحيد، وهذا معنى هذا الحديث، وحديث البطاقة.

وهذا أيضا هو الذي دل عليه الحديث الآخر في الباب عن أنس قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله -تعالى-: يا ابن آدم لو آتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لآتيتك بقرابها مغفرة .

وهذا من فضل التوحيد وتكفيره الذنوب، ومناسبة هذا الحديث للباب ظاهرة، وهي أنه ممن أتى بذنوب عظيمة، ولو كانت كقراب الأرض خطايا يعني كعظم وقدر الأرض خطايا، ولكنه لقي الله لا يشرك به شيئا لأتى الله لذلك العبد بمقدار تلك الخطايا مغفرة.

وهذا لأجل فضل التوحيد، وعظم فضل الله -جل وعلا- على عباده بأن هداهم إليه ثم أثابهم عليه، هذا بعض ما تيسر، وأسأل الله -جل وعلا- لي ولكم التوفيق والرشد والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعد يونس
النائب الاعلامى للمدير
النائب الاعلامى للمدير
سعد يونس


الساغة الأن :
الاقامة : الجيزة
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 7089
نقاط : 13464
تاريخ التسجيل : 05/01/2010

شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله   شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty10th مارس 2010, 4:49 pm

جزاكى الله خيرا

واشكر حضرتك

على مساندة ماتكتبية بالمصدر المنقول عنة

شكرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تركيه الخضرى

راجع متفوق
راجع متفوق



الساغة الأن :
الاقامة : المملكه العربيه السعوديه
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 788
نقاط : 1750
تاريخ التسجيل : 22/08/2009

شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty
مُساهمةموضوع: البابع الراب   شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty10th مارس 2010, 5:08 pm

باب الخوف من الشرك


وقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 116‏]‏‏.‏

* مناسبة الباب للبابين قبله‏:‏

في الباب الأول ذكر المؤلف رحمه الله تحقيق التوحيد، وفى الباب الثاني ذكر أن من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، وثلث بهذا الباب رحمه الله تعالى، لأن الإنسان يرى أنه قد حقق التوحيد وهو لم يحققه، ولهذا قال بعض السلف‏:‏ ‏(‏ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص‏)‏، وذلك أن النفس متعلقة بالدنيا تريد حظوظها من مال أو جاه أو رئاسة، وقد تريد بعمل الآخرة الدنيا، وهذا نقص في الإخلاص، وقل من يكون غرضه الآخر في كل عمله، ولهذا أعقب المؤلف رحمه الله ما سبق من البابين بهذا الباب، وهو الخوف من الشرك، وذكر فيه آيتين‏:‏

الأولى قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ‏}‏‏.‏

‏{‏لا‏}‏‏:‏ نافية، ‏{‏أن يشرك به‏}‏‏:‏ فعل مضارع مقرون بأن المصدرية، فيحول إلى مصدر تقديره‏:‏ أن الله لا يغفر الإشراك به، أو لا يغفر إشراكًا به، فالشرك لا يغفره الله أبدًا، لأنه جناية على حق الله الخاص، وهو التوحيد‏.‏

أما المعاصي، كالزنى والسرقة، فقد يكون للإنسان فيها حظ نفس بما نال من شهوة، أما الشرك، فهو اعتداء على حق الله تعالى، وليس للإنسان فيه حظ نفس، وليس شهوة يريد الإنسان أن ينال مراده، ولكنه ظلم، ولهذا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 13‏]‏‏.‏

وهل المراد بالشرك هنا الأكبر، أم مطلق الشرك‏؟‏

قال بعض العلماء‏:‏ إنه مطلق يشمل كل شرك لو أصغر، كالحلف بغير الله، فإن الله لا يغفره، أما بالنسبة لكبائر الذنوب، كالسرقة والخمر، فإنها تحت المشيئة، فقد يغفرها الله، وشيخ الإسلام ابن تيمية المحقق في هذه المسائل اختلف كلامه في هذه المسألة، فمرة قال‏:‏ الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر، ومرة قال‏:‏ الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر، وعلى كل حال فيجب الحذر من الشرك مطلقًا، لأن العموم يحتمل أن يكون داخلًا فيه الأصغر، لأن قوله‏:‏ ‏{‏أن يشرك به‏}‏ أن وما بعدها في تأويل مصدر، تقديره‏:‏ إشراكًا به، فهو نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏ويغفر ما دون ذلك‏}‏، المراد بالدون هنا‏:‏ ما هو أقل من الشرك، وليس ما سوى الشرك‏.‏

* * *

وقال الخليل عليه السلام‏:‏ ‏{‏واجنبني وبني أن نعبد الأصنام‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 35‏]‏

الآية الثانية‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏واجنبني وبني أن نعبد الأصنام‏}‏‏.‏

قيل‏:‏ المراد ببنيه‏:‏ بنوه لصلبه، ولا نعلم له من صلبه سوى إسماعيل وإسحاق، وقيل‏:‏ المراد ذريته وما توالد من صلبه، وهو الأرجح، وذلك للآيات التي دلت على دعوته للناس من ذريته، ولكن كان من حكمة الله أن لا تجاب دعوته في بعضهم، كما أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا أن لا يجعل بأس أمته بينهم فلم يجب الله دعاه‏.‏

وأيضًا يمنع من الأول أن الآية بصيغة الجمع، وليس لإبراهيم من الأبناء سوى إسحاق وإسماعيل‏.‏

ومعنى‏:‏ ‏{‏اجنبني‏}‏، أي‏:‏ اجعلني في جانب والأصنام في جانب، وهذا أبلغ مما لو قال‏:‏ امنعني وبني من عبادة الأصنام، لأنه إذا كان في جانب عنها كان أبعد‏.‏

فإبراهيم عليه السلام يخاف الشرك على نفسه، وهو خليل الرحمن وإمام الحنفاء، فما بالك بنا نحن إذن‏؟‏‍‏.‏

فلا تأمن الشرك، ولا تأمن النفاق، إذ لا يأمن النفاق إلا منافق، ولا يخاف النفاق إلا مؤمن، ولهذا قال ابن أبي مليكة‏:‏ ‏(‏أدركت ثلاثين من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يخاف النفاق على نفسه‏)‏ ‏[‏‏(‏2‏)‏ البخاري‏:‏ كتاب الإيمان/ باب خوف المؤمن أن يحبط عمله‏.‏‏]‏‏.‏

وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه خاف على نفسه النفاق، فقال لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه الذي أسر إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأسماء أناس من المنافقين، فقال له عمر رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏أنشدك الله، هل سماني لك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع من سمى من المنافقين‏؟‏‏.‏ فقال حذيفة رضي الله عنه‏:‏ لا، ولا أزكي بعدك أحدًا‏)‏ ‏[‏‏(‏3‏)‏ أنظر‏:‏ ‏"‏طريق الهجرتين‏"‏ لابن القيم آخر الطبقة الخامسة عشرة‏.‏

‏]‏، أراد عمر بذلك زيادة الطمأنينة، وإلا، فقد شهد له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجنة‏.‏

ولا يقال‏:‏ إن عمر رضي الله عن أراد حث الناس على الخوف من النفاق ولم يخفه على نفسه، لأن ذلك خلاف ظاهر اللفظ، والأصل حمل اللفظ على ظاهره، ومثل هذا القول يقوله بعض العلماء فيما يضيفه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى نفسه في بعض الأشياء، يقولون‏:‏ هذا قصد به التعليم، وقصد به أن يبين لغيره، كما قيل، إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقل‏:‏ رب اغفر لي لأن ليس له ذنباَ ولكن لأجل أن يعلم الناس الاستغفار، وهذا خلاف الأصل وقول بعضهم‏:‏ إنه جهر بالذكر عقب الفريضة ليعلم الناس الذكر، لا لأن الجهر بذلك من السنة ونحو ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏أن نعبد الأصنام‏}‏‏.‏ أن والفعل بعدها في تأويل مصدر‏:‏ مفعول ثان لقوله‏:‏ اجنبني‏.‏

والأصنام‏:‏ جمع صنم، وهو ما جعل على صورة إنسان أو غيره يعبد من دون الله‏.‏

أما الوثن، فهو ما عبد من دون الله على أي وجه كان، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏لا تجعل قبري وثنًا يعبد‏)‏ ‏[‏موطأ الإمام مالك ‏(‏1/172‏)‏

‏]‏ ، فالوثن أعم من الصنم‏.‏

ولا شك أن إبراهيم سأل ربه الثبات على التوحيد، لأنه إذا جنبه عبادة الأصنام صار باقيًا على التوحيد‏.‏

* الشاهد من هذه الآية‏:‏

أن إبراهيم خاف الشرك، وهو إمام الحنفاء، وهو سيدهم ما عدا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

* * *

وفي الحديث‏:‏ ‏(‏أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر‏)‏‏.‏ فسئل عنه فقال‏:‏ ‏(‏الرياء‏)‏ ‏[‏مسند الإمام أحمد ‏(‏5/428‏)‏ وشرح السنة ‏(‏14/324‏)‏‏.‏

‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏وفي الحديث‏"‏‏.‏ الحديث‏:‏ ما أضيف إلى الرسول، والخبر‏:‏ ما أضيف إليه والى غيره، والأثر‏:‏ ما أضيف إلى غير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي‏:‏ إلى الصحابي فمن بعده، إلا إذا قيد فقيل‏:‏ وفي الأثر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيكون على ما قيد به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخوف ما أخاف عليكم‏)‏‏.‏ الخطاب للمسلمين، إذ المسلم هو الذي يخاف عليه الشرك الأصغر، وليس لجميع الناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏الرياء‏"‏، مشتق من الرؤية مصدر راءى يرائي، والمصدر رياء، كقاتل يقاتل قتالًا‏.‏

والرياء‏:‏ أن يعبد الله ليراه الناس فيمدحوه على كونه عابدًا، وليس يريد أن تكون العبادة للناس، لأنه لو أراد ذلك، لكان شركًا أكبر، والظاهر أن هذا على سبيل التمثيل، وإلا، فقد يكون رياء، وقد يكون سماعًا، أي يقصد بعبادته أن يسمعه الناس فيثنوا عليه، فهذا داخل في الرياء، فالتعبير بالرياء من باب التعبير بالأغلب‏.‏

أما إن أراد بعبادته أن يقتدي الناس به فيها، فليس هذا رياء، بل هذا من الدعوة إلى الله - عز وجل ـ، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏فعلت هذا لتأتموا بي وتعلموا صلاتي‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الجمعة/باب الخطبة على المنبر، ومسلم‏:‏ كتاب المساجد/باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة‏.‏

‏]‏‏.‏

والرياء ينقسم باعتبار إبطاله للعبادة إلى قسمين‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون في أصل العبادة، أي ما قام يتعبد إلا للرياء، فهذا عمله باطل مردود عليه لحديث أبي هريرة في ‏"‏الصحيح‏"‏ مرفوعًا، قال الله تعال‏:‏ ‏(‏أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه‏)‏‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون الرياء طارئًا على العبادة، أي أن أصل العبادة لله، لكن طرأ عليها الرياء، فهذا ينقسم إلى قسمين‏:‏

الأول‏:‏ أن يدافعه، فهذا لا يضره‏.‏

مثاله‏:‏ رجل صلى ركعة، ثم جاء أناس في الركعة الثانية، فحصل في قلبه شيء بأن أطال الركوع أو السجود أو تباكى وما أشبه ذلك، فإن دافعه، فإنه لا يضره لأنه قام بالجهاد‏.‏

القسم الثاني‏:‏ أن استرسل معه، فكل عمل ينشأ عن الرياء فهو باطل، كما لو أطال القيام، أو الركوع، أو السجود، أو تباكى، فهذا كل عمله حابط، ولكن هل هذا البطلان يمتد إلى جميع العبادة أم لا‏؟‏

نقول‏:‏ لا يخلو هذا من حالين‏:‏

الحال الأولى‏:‏ أن يكون آخر العبادة مبينًا على أولها، بحيث لا يصح أولها مع فساد آخرها، فهذه كلها فاسدة‏.‏

وذلك مثل الصلاة، فالصلاة مثلًا لا يمكن أن يفسد آخرها ولا يفسد أولها، وحينئذ تبطل الصلاة كلها إذا طرأ الرياء في أثنائها ولم يدافعه‏.‏

الحال الثانية‏:‏ أن يكون أول العبادة منفصلًا عن آخرها، بحيث يصح أولها دون آخرها، فما سبق الرياء، فهو صحيح، وما كان بعده، فهو باطل‏.‏

مثال ذلك‏:‏ رجل عنده مئة ريال، فتصدق بخمسين بنية خالصة، ثم تصدق بخمسين بقصد الرياء، فالأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة، لأن آخرها منفك عن أولها‏.‏

فإن قيل‏:‏ لو حدث الرياء في أثناء الوضوء، هل يلحق بالصلاة فيبطل كله، أو بالصدقة فيبطل ما حصل فيه الرياء فقط‏.‏

فالجواب‏:‏ يحتمل هذا وهذا، فيلحق بالصلاة لأن الوضوء عبادة واحدة ينبني بعضها على بعض، ليس تطهير كل عضو عبادة مستقلة، ويلحق بالصدقة لأنه ليس كالصلاة من كل وجه ولا الصدقة من كل وجه، لأننا إذا قلنا ببطلان ما حصل فيه الرياء، فأعاد تطهيره وحد لم يضر، لأن تكرر غسل الوضوء لا يبطل الوضوء ولو كان عمدًا بخلاف الصلاة‏.‏ فإنه إذا كرر جزءًا منها كركوع أو سجود لغير سبب شرعي، بطلت صلاته، فلو أنه بعد أن غسل يديه رجع وغسل وجهه، لم يبطل وضوؤه، ولو أنه بعد أن سجد رجع وركع، لبطلت صلاته، والترتيب موجود في هذا وهذا، لكن الزيادة في الصلاة تبطلها، والزيادة في الوضوء لا تبطله، والرجوع مثلًا إلى الأعضاء الأولى لا يبطله أيضًا، وإن كان الرجوع في الحقيقة لا يعتبر وضوءًا لأنه غير شرعي، وربما يكون في الأولى غسل وجهه على أنه واحدة، ثم غسل يديه، ثم قال‏:‏ الأحسن أن أكمل الثلاث في الوجه أفضل، فغسل وجهه مرتين، وهو سيرتب أي سيغسل وجهه ثم يديه، فوضؤه صحيح‏.‏

ولو ترك التسبيح ثلاث مرات في الركوع، وبعدما سجد قال‏:‏ فوت على نفس فضيلة، سأرجع لأجل أن أسبح ثلاث مرات، فتبطل صلاته، فالمهم أن هناك فرقًا بين الوضوء والصلاة، ومن أجل هذا الفرق لا أبت فيها الآن حتى أراجع وأتأمل إن شاء الله تعالى‏.‏

* * *

وعن أبي مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏من مات وهو يدعو من دون الله ندًا، دخل النار‏)‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏من‏"‏‏.‏ هذه شرطية تفيد العموم للذكر والأنثى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدعو من دون الله ندًا‏)‏، أي‏:‏ يتخذ لله ندًا سواء دعاء عبادة أم دعاء مسألة، لأن الدعاء ينقسم إلى قسمين‏:‏

الأول‏:‏ دعاء عبادة، مثاله‏:‏ الصوم، والصلاة، وغير ذلك من العبادات، فإذا صلى الإنسان أو صام، فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له، وأن يجيره من عذابه، وأن يعطيه من نواله، وهذا في أصل الصلاة، كما أنها تتضمن الدعاء بلسان المقال‏.‏

ويدل لهذا القسم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 60‏]‏، فجعل الدعاء عبادة، وهذا القسم كله شرك، فمن صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله، فقد كفر كفرًا مخرجًا له عن الملة، فلو ركع لإنسان أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود، لكان مشركًا، ولهذا منع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الانحناء عن الملاقاة لما سئل عن الرجل يلقى أخاه أن يحني له‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏‏.‏

خلافًا لما يفعله بعض الجهال إذا سلم عليك انحنى لك، فيجب على كل مؤمن بالله أن ينكره، لأنه عظمك على حساب دينه‏.‏

الثاني‏:‏ دعاء المسألة، فهذا ليس كله شركًا، بل فيه تفصيل، فإن كان المخلوق قادرًا على ذلك، فليس بشرك، كقوله‏:‏ اسقني ماء لمن يستطيع ذلك‏.‏ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من دعاكم فأجيبوه‏)‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 8‏]‏‏.‏

فإذا مد الفقير يده، وقال‏:‏ ارزقني، أي‏:‏ اعطني، فليس بشرك، كما قال تعال‏:‏ ‏{‏فارزقوهم منه‏}‏، وأما أن دعا المخلوق بما لا يقدر عليه إلا الله، فإن دعوته شرك مخرج عن الملة‏.‏

مثال ذلك‏:‏ أن تدعو إنسانًا أن ينزل الغيث معتقدًا أنه قادر على ذلك‏.‏

والمراد بقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من مات وهو يدعو من دون لله ندًا‏)‏ المراد الند في العبادة، أما الند في المسألة، ففيه التفصيل السابق‏.‏

ومع الأسف، ففي بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن فلانًا المقبور الذي بقى جثة أو أكلته الأرض ينفع أو يضر، أو يأتي بالنسل لمن لا يولد لها، وهذا - والعياذ بالله - شرك أكبر مخرج من الملة، وإقرار هذا أشد من إقرار شرب الخمر والزنا واللواط، لأنه إقرار على كفر، وليس إقرارًا على فسوق فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دخل النار‏)‏‏.‏ أي‏:‏ خالدًا، مع أن اللفظ لا يدل عليه، لأن دخل فعل، والفعل يدل على الإطلاق‏.‏

وأيضًا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 72‏]‏، وإذا حرمت الجنة، لزم أن يكون خالدًا في النار أبدًا، فيجب أن نخاف من الشرك مادامت هذه عقوبته، فالمشرك خسر الآخرة، لأنه في النار خالد، وخسر الدنيا أيضًا، لأنه لم يستفد منها شيئًا، وقامت عليه الحجة، وجاءه النذير، ولكنه خسر - والعياذ بالله ـ، ما استفاد شيئًا من الدنيا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 37‏]‏، وقال الله - عز وجل ـ‏:‏ ‏{‏ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين * يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد * يدعو لمن ضره اقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 11-13‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 15‏]‏‏.‏

فخسر نفسه، لأنه لم يستفد منها شيئًا، وخسر أهله، لأنهم إن كانوا من المؤمنين فهم في الجنة، فلا يتمتع بهم في الآخرة، وإن كانوا في النار فكذلك، لأنه كلما دخلت أمة لعنت أختها، والشرك خفي جدًا، فقد يكون في الإنسان وهو لا يشعر إلا بعد المحاسبة الدقيقة، ولهذا قال بعض السلف‏:‏ ‏"‏ما جاهدت نفسي على شيء ما جاهدتها على الإخلاص‏"‏‏.‏

فالشرك أمره صعب جدًا ليس بالهين، ولكن ييسر الله الإخلاص على العبد، وذلك بأن يجعله الله نصب عينيه، فيقصد بعمله وجه الله لا يقصد مدح الناس أو ذمهم أو ثناءهم عليه، فالناس لا ينفعونه أبدًا، حتى لو خرجوا معه لتشييع جنازته لم ينفعه إلا عمله، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏يخرج مع الميت أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان‏:‏ أهله وماله، ويبقى عمله‏)‏ ‏.‏

وكذلك أيضًا من المهم أن الإنسان لا يفرحه أن يقبل الناس قوله لأنه قوله، لكن يفرحه أن يقبل الناس قوله إذا رأى أنه الحق لأنه الحق، لا أنه قوله، وكذا لا يحزنه أن يرفض الناس قوله لأنه قوله، لأنه حينئذ يكون قد دعا لنفسه، لكن يحزنه أن يرفضوه لأنه الحق، وبهذا يتحقق الإخلاص‏.‏

فالإخلاص صعب جدًا، إلا أن الإنسان إذا كان متجهًا إلى الله اتجاهًا صادقًا سليمًا على صراط مستقيم، فإن الله يعينه عليه، ويسره له‏.‏

ولمسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار‏)‏ 1‏.‏

* * *

قوله‏:‏ ‏"‏من‏"‏‏.‏ شرطية تفيد العموم، وفعل الشرط‏:‏ ‏"‏لقي‏"‏، وجوابه قوله‏:‏ ‏(‏دخل الجنة‏)‏، وهذا الدخول لا ينافي أن يعذب بقدر ذنوب إن كانت عليه ذنوب، لدلالة نصوص الوعيد على ذلك، وهذا إذا لم يغفر الله له، لأن داخل تحت المشيئة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يشرك‏)‏‏.‏ في محل نصب على الحال من فعل ‏"‏لقي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏شيئًا‏"‏‏.‏ نكرة في سياق الشرط، فيعم أي شرك حتى ولو أشرك مع الله أشرف الخلق، وهو الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل النار، فكيف بمن يجعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعظم من الله، فيلجأ إليه عند الشدائد، ولا يلجأ إلى الله، بل ربما يلجأ إلى ما دون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏؟‏‏!‏ وهناك من لا يبالي بالحلف بالله صادقًا أم كاذبًا، ولكن لا يحلف بقوميته إلا صادقًا، ولهذا اختلف فيمن لا يبالي بالحلف بالله، ولكنه لا يحلف بقوميته إلا صادقًا، ولهذا اختلف فيمن لا يبالي بالحلف بالله، ولكن لا يحلف بملته أو بما يعظمه إلا صادقًا، فلزمته يمين، هل يحلف بالله أو يحلف بهذا‏؟‏

فقيل‏:‏ يحلف بالله ولو كذب، ولا يعان على الشرك، وهو الصحيح‏.‏

وقيل‏:‏ يحلف بغير الله، لأن المقصود الوصول إلى بيان الحقيقة، وهو إذا كان كاذبًا لا يمكن أن يحلف، لكن نقول‏:‏ إن كان صادقًا حلف ووقع في الشرك‏.‏

* مسألة‏:‏ هل يلزم من دخول النار الخلود لمن أشرك‏؟‏

هذا بحسب الشرك، إن كان الشرك أصغر كما دلت عل ذلك النصوص، فإنه لا يلزم من ذلك الخلود في النار‏.‏ وإن كان أكبر، فإنه يلزم منه الخلود في النار‏.‏

لكن لو حلمنا الحديث على الشرك الأكبر في الموضعين في قوله‏:‏ ‏(‏من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة‏)‏، وفي قوله‏:‏ ‏(‏ومن لقي الله يشرك به شيئًا دخل النار‏)‏، وقلنا‏:‏ من لقي الله لا يشرك به شركًا أكبر دخل الجنة، وإن عذب قبل الدخول في النار بما يستحق، فيكون مآله إلى الجنة، ومن لقيه يشرك به شركًا أكبر دخل النار مخلدًا فيها لم نحتج إلى هذا التفصيل‏.‏

* * *

* فيه مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ الخوف من الشرك‏.‏ الثانية‏:‏ أن الرياء من الشرك‏.‏ الثالثة‏:‏ أنه من الشرك الأصغر‏.‏

فيه مسائل‏:‏

* الأولى‏:‏ الخوف من الشرك‏.‏ لقوله‏:‏ ‏{‏إن الله لا يغفر أن يشرك به‏}‏، ولقوله‏:‏ ‏{‏واجنبني وبني أن نعبد الأصنام‏}‏‏.‏

* الثانية‏:‏ أن الرياء من الشرك‏.‏ لحديث‏:‏ ‏(‏أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر‏)‏، فسئل عنه فقال ‏"‏الرياء‏"‏، وقد سبق بيان أحكامه بالنسبة إلى إبطال العبادة‏.‏

* الثالثة‏:‏ أنه من الشرك الأصغر، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما سئل عنه فقال‏:‏ ‏"‏الرياء‏"‏، فسماه شركًا أصغر، وهل يمكن أن يصل إلى الأكبر‏؟‏

ظاهر الحديث لا يمكن، لأنه قال‏:‏ ‏"‏الشرك الأصغر‏"‏، فسئل عنه، فقال‏:‏ ‏"‏الرياء‏"‏‏.‏

لكن في عبارات ابن القيم رحمه الله أنه إذا ذكر الشرك الأصغر قال‏:‏ كيسير الرياء، فهذا يدل على أن كثيره ليس من الأصغر، لكن إن أراد بالكمية، فنعم، لأنه لو كان يرائي في كل عمل لكان مشركًا شركًا أكبر لعدم وجود الإخلاص في عمل يعمله، أما إذا أراد الكيفية، فظاهر الحديث أنه أصغر مطلقًا‏.‏

* * *

الرابعة‏:‏ أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين‏.‏ الخامسة‏:‏ قرب الجنة والنار‏.‏ السادسة‏:‏ الجمع بين قربهما في حديث واحد‏.‏ السابعة‏:‏ أنه من لقيه يشرك به شيئًا، دخل النار، ولو كان من أعبد الناس‏.‏

* الرابعة‏:‏ أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين‏.‏ وتؤخذ من قوله‏:‏ ‏"‏أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر‏"‏، ولأنه قد يدخل في قلب الإنسان من غير شعور لخفائه وتطلع النفس إليه، فإن كثيرًا من النفوس تحب أن تمدح بالتعبد لله‏.‏

* الخامسة‏:‏ قرب الجنة والنار‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏من لقي الله لا يشرك به شيئًا، دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا، دخل النار‏)‏‏.‏

* السادسة‏:‏ الجميع بين قربهما في حديث واحد‏.‏ ‏(‏من لقي الله لا يشرك به شيئًا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

* السابعة‏:‏ أن من لقيه يشرك به شيئًا دخل النار، ولو كان من أعبد الناس‏.‏ تؤخذ من العموم في قوله‏:‏ ‏(‏من لقي الله‏)‏، لأن ‏"‏من‏"‏ للعموم، لكن إن كان شركه أكبر، لم يدخل الجنة وإن كان أعبد الناس، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 72‏]‏، وإن كان أصغر، عذب بقدر ذنوبه ثم دخل الجنة‏.‏

* * *

الثامنة‏:‏ المسألة العظيمة سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام‏.‏ التاسعة‏:‏ اعتباره بحال الأكثر، لقوله‏:‏ ‏{‏رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 36‏]‏‏.‏ العاشرة‏:‏ فيه تفسير ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏ كما ذكره البخاري‏.‏ الحادية عشرة‏:‏ فضيلة من سلم من الشرك‏.‏

* الثامنة‏:‏ المسألة العظيمة سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام، تؤخذ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واجنبني وبني أن نعبد الأصنام‏}‏‏.‏

* التاسعة‏:‏ اعتباره بحال الأكثر، لقوله‏:‏ ‏{‏رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس‏}‏‏.‏ وفيه إشكال، إذ المؤلف يقول‏:‏ بحال الأكثر، والآية‏:‏ ‏{‏كثيرًا من الناس‏}‏، وفرق بين كثير وأكثر، ولهذا قال تعالى في بني آدم‏:‏ ‏{‏وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 70‏]‏، فلم يقل على أكثر الخلق، ولا على الخلق، فالآدميون فضلوا على كثير ممن خلق الله، وليسوا أكرم الخلق على الله، ولكنه كرمهم‏.‏

* العاشرة‏:‏ فيه تفسير لا إله إلا الله كما ذكره البخاري‏.‏ الظاهر أنها تؤخذ من جميع الباب، لأن لا إله إلا الله فيها نفي وإثبات‏.‏

* الحادية عشرة‏:‏ فضيلة من سلم من الشرك‏.‏ لقوله‏:‏ ‏{‏ويغفر ما دون ذلك‏}‏، وقوله‏:‏ ‏(‏من لقي الله لا يشرك به شيئًا، دخل الجنة‏)‏‏.‏

* * *


باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

وقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة‏}‏ الآية ‏[‏يوسف‏:‏ 108‏]‏‏.‏

هذا الترتيب الذي ذكره المؤلف من أحسن ما يكون، لأنه لما ذكر توحيد الإنسان بنفسه ذكر دعوة غيره إلى ذلك، لأنه لا يتم الإيمان إلا إذا دعا إلى التوحيد، قال تعالى‏:‏ ‏{‏والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر‏}‏ ‏[‏سورة العصر‏]‏‏.‏

فلا بد مع التوحيد من الدعوة إليه، وإلا، كان ناقصًا، ولا ريب أن هذا الذي سلك سبيل التوحيد لم يسلكه إلا وهو يرى أنه أفضل سبيل، وإذا كان صادقًا في اعتقاده، فلابد أن يكون داعيًا إليه، والدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله من تمام التوحيد، ولا يتم التوحيد إلا به‏.‏

* * *

قوله‏:‏ ‏{‏قل هذه سبيلي‏}‏، المشار إليه ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الشرع عبادة ودعوة إلى الله‏.‏

سبيلي‏:‏ طريقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏أدعو‏}‏، حال من الياء في قوله‏:‏ ‏{‏سبيلي‏}‏، ويحتمل أن تكون استئنافًا لبيان تلك السبيل‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏إلى الله‏}‏، لأن الدعاة إلى الله ينقسمون إلى قسمين‏:‏

1- داع إلى الله‏.‏

2- داع إلى غيره‏.‏

فالداعي إلى الله تعالى هو المخلص الذي يريد أن يوصل الناس إلى الله تعالى‏.‏

والداعي إلى غيره قد يكون داعيًا إلى نفسه، يدعو إلى الحق لأجل أن يعظم بين الناس ويحترم، ولهذا تجده يغضب إذا لم يفعل الناس ما أمر به، ولا يغضب إذا ارتكبوا نهيًا أعظم منه، لكن لم يدع إلى تركه‏.‏

وقد يكون داعيًا إلى رئيسه كما يوجد في كثير من الدول من علماء الضلال من علماء الدول، لا علماء الملل، يدعو إلى رؤسائهم‏.‏

من ذلك لما ظهرت الاشتراكية في البلاد العربية قام بعض علماء الضلال بالاستدلال عليها بآيات وأحاديث بعيدة الدلالة، بل ليس فيها دلالة، فهؤلاء دعوا إلى غير الله‏.‏

ومن دعا إلى الله ثم رأى الناس فارين منه، فلا ييأس، ويترك الدعوة، فإن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعلي‏:‏ ‏(‏انفذ على رسلك، فوالله، لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم‏)‏ ، يعني‏:‏ أن اهتداء رجل واحد من قبائل اليهود خير لك من حمر النعم، فإذا دعا إلى الله ولم يجب، فليكن غضبه من أجل أن الحق لم يتبع، لا لأنه لم يجب، فإذا كان يغضب لهذا، فمعناه أنه يدعو إلى الله، فإذا استجاب واحد، كفى، وإذا لم يستجب أحد، فقد أبرأ ذمته أيضًا، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏والنبي وليس معه أحد‏)‏ ‏.‏

ثم إنه يكفي من الدعوة إلى الحق والتحذير من الباطل أن يتبين للناس أن هذا حق وهذا باطل، لأن الناس إذا سكتوا عن بيان الحق، وأقر الباطل مع طول الزمن، ينقلب الحق باطلًا، والباطل حقًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏على بصيرة‏}‏، أي‏:‏ علم، فتضمنت هذه الدعوة الإخلاص والعلم، لأن أكثر ما يفسد الدعوة عدم الإخلاص، أو عدم العلم، وليس المقصود بالعلم في قوله ‏{‏على بصيرة‏}‏ العلم بالشرع فقط، بل يشمل، العلم بالشرع، والعلم بحال المدعو، والعلم بالسبيل الموصل إلى المقصود، وهو الحكمة‏.‏

فيكون بصيرًا بحكم الشرع، وبصيرًا بحال المدعو، وبصيرًا بالطريق الموصلة لتحقيق الدعوة، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمعاذ‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا أهل كتاب‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب المغازي/ باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، ومسلم‏:‏ كتاب الإيمان/ باب الدعاء إلى الشهادتين‏.‏‏]‏‏.‏

وهذه ليست كلها من العلم بالحكم الشرعي، لأن علمي أن هذا الرجل قابل للدعوة باللين، وهذا قابل للدعوة بالشدة، وهذا عنده علم يمكن أن يقابلني بالشبهات أمر زائد على العلم بالحكم الشرعي، وكذلك العلم بالطرق التي تجلب المدعوين كالترغيب بكذا والتشجيع، كقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من قتل قتيلًا، فله سلبه‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب المغازي/ باب قول الله تعالى‏:‏ ‏(‏ويوم حنين إذ أعجبتكم‏.‏‏.‏‏.‏‏(‏، ومسلم‏:‏ كتاب الجهاد/ باب استحقاق القاتل سلب القتيل‏.‏‏]‏ ، أو بالتأليف، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعطى المؤلفة قلوبهم في غزوة حنين إلى مئة بعير، فهذا كله من الحكمة، فالجاهل لا يصلح للدعوة، وليس محمودًا وليست طريقته طريقة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن الجاهل يفسد أكثر مما يصلح‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏أنا ومن اتبعني‏}‏، ذكروا فيها رأيين‏:‏

الأول‏:‏ ‏"‏أنا‏"‏ مبتدأ، وخبرها ‏"‏على بصيرة‏"‏، ‏"‏ومن اتبعني‏"‏ معطوفة على ‏"‏إنا‏"‏ أي‏:‏ أنا ومن اتبعني على بصيرة، أي‏:‏ في عبادتي ودعوتي‏.‏

الثاني‏:‏ ‏"‏أنا‏"‏ توكيد للضمير المستتر في قوله‏:‏ ‏"‏أدعو‏"‏، أي‏:‏ أدعو أنا إلى الله ومن اتبعني يدعو أيضًا، أي‏:‏ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله ويدعو من اتبعني، وكلانا على بصيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وسبحان الله‏}‏، أي‏:‏ أن أكون أدعو على غير بصيرة‏!‏

وإعراب ‏"‏سبحان‏"‏‏:‏ مفعول مطلق عامله محذوف تقديره أسبح‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وما أنا من المشركين‏}‏، محلها مما قبلها في المعنى توكيد، لأن التوحيد معناه نفي الشرك‏.‏

* * *

وعن ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما بعث معاذًا إلى اليمن، قال له‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله‏.‏‏.‏‏.‏

* * *

‏(‏وفي رواية‏:‏ إلى أن يوحدوا الله‏)‏، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإن ليس بينها وبين الله حجاب‏)‏‏.‏ أخرجاه‏.‏

وقوله ‏(‏أي‏:‏ قول ابن عباس‏)‏‏:‏ ‏(‏بعث معاذًا‏)‏ أي‏:‏ أرسله، وبعثه على صفة المعلم والحاكم والداعي، وبعثه في ربيع الأول سنة عشرة من الهجرة، وهذا هو المشهور، وبعثه هو وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهما، بعث معاذًا إلى صنعاء وما حولها، وأبا موسى إلى عدن وما حولها، وأمرهما‏:‏ ‏(‏أن اجتمعا وتطاوعا ولا تفترقا، ويسرا ولا تعسرا، وبشرا وذكرا ولا تنفرا‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب المغازي/ باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن‏.‏‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏لما‏"‏، إعرابها شرطية، وهي حرف وجود لوجود، و‏"‏لو‏"‏‏:‏ حرف امتناع لامتناع، و‏"‏لولا‏"‏ حرف امتناع لوجود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا من أهل كتاب‏)‏، قال ذلك مرشدًا له، وهذا دليل على معرفته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأحوال الناس، وما يعلمه من أحوالهم، فله طريقان‏:‏

1- الوحي‏.‏ 2- العلم والتجربة‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏من‏"‏ بيانية، والمراد بالكتاب‏:‏ التوراة والإنجيل، فيكون المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى، وهم أكثر أهل اليمن في ذلك الوقت، وإن كان في اليمن مشركون، لكن الأكثر اليهود والنصارى، ولهذا اعتمد الأكثر‏.‏

وأخبره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك، لأمرين‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون بصيرًا بأحوال من يدعو‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون مستعدًا لهم، لأنهم أهل كتاب، وعندهم علم‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏فليكن‏"‏، الفاء للاستئناف أو عاطفة، واللام للأمر، و‏"‏أول‏"‏‏:‏ اسم يكن، وخبرها ‏"‏شهادة‏"‏، وقيل العكس، يعني ‏"‏أول‏"‏ خبر مقدم و‏"‏شهادة‏"‏ اسم يكن مؤخرًا‏.‏

والظاهر أنه يريد أن يبين أن أول ما يكون هي الشهادة، وإذا كان كذلك، يكون ‏"‏أول‏"‏ مرفوعًا على أنه اسم يكن، أي‏:‏ أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏شهادة‏"‏، الشهادة هنا من العلم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 86‏]‏، فالشهادة هنا العلم والنطق باللسان، لأن الشاهد مخبر عن علم، وهذا المقام لا يكفي فيه مجرد الإخبار، بل لابد من علم وإخبار وقبول وإقرار وإذعان، أي‏:‏ انقياد‏.‏

فلو اعتقد بقلبه، ولم يقل بلسانه‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ إنه ليس بمسلم بالإجماع حتى ينطق بها، لأن كلمة أشهد تدل على الإخبار، والإخبار متضمن للنطق، فلابد من النطق، فالنية فقط لا تجزئ، ولا تنفعه عند الله حتى ينطق، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعمه أبي طالب‏:‏ ‏"‏قل‏"‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الجنائز/ باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله، ومسلم‏:‏ كتاب الإيمان/ باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت‏.‏‏]‏، ولم يقل‏:‏ اعتقد أن لا إله إلا الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏لا إله‏"‏، أي‏:‏ لا معبود، فإله بمعنى مألوه، فهو فعال بمعنى مفعول، وعند المتكلمين، إله بمعنى آله، فهو اسم فاعل، وعليه يكون معنى لا إله، أي‏:‏ لا قادر على الاختراع، وهذا باطل، ولو قيل بهذا المعنى، لكان المشركون الذين قاتلهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ موحدين لأنهم يقرّون به، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 87‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 38‏]‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ كيف يقال‏:‏ لا معبود إلا الله، والمشركون يعبدون أصنامهم‏؟‏‏!‏

أجيب‏:‏ بأنهم يعبدونها بغير حق، فهم وإن سموها آلهة، فألوهيتها باطلة، وليست معبودات بحق، ولذلك إذا مسهم الضر، لجؤوا إلى الله تعالى، وأخلصوا له الدين، وعلى هذا لا تستحق أن تسمى آلهة‏.‏

فهم يعبدونها ويعترفون بأنهم لا يعبدونها إلا لأجل أن تقربهم إلى الله فقط، فجعلوها وسيلة وذريعة، وبهذا التقدير لا يرد علينا إشكال في قول الرسل لقومهم ‏{‏اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 59‏]‏، لأن هذه المعبودات لا تستحق أن تعبد، بل الإله المعبود حقًا هو الله - سبحانه وتعالى -‏.‏

وفى قوله‏:‏ ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏ نفي الألوهية لغير الله، وإثباته لله، ولهذا جاءت بطريق الحصر‏.‏

* * *

ولهما عن سهل بن سعد ‏(‏رضي الله عنه‏)‏‏:‏ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يوم خيبر‏:‏ ‏(‏لأعطين غدًا رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه والله ورسوله، يفتح الله على يديه‏)‏‏.‏ فبات الناس يدوكون ليلتهم، أيهم يعطاها، فلما أصبحوا، غدوا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يرجو أن يعطاها‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏لأعطين‏"‏، هذه جملة مؤكدة بثلاث مؤكدات‏:‏ القسم المقدر، واللام، والنون، والتقدير‏:‏ والله لأعطين‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏الراية‏"‏، العلم، وسمي راية، لأنه يُرى، وهو ما يتخذه أمير الجيش للعلامة على مكانه‏.‏

واللواء، قيل‏:‏ إنه الراية، وقيل ما لوي أعلاه، أو لوي كله، فيكون الفرق بينهما، أن الراية مفلولة لا تطوى، واللواء يطوى إما أعلاه أو كله، والمقصود منهما الدلالة، ولهذا يسمى علمًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏غدًا‏"‏، يراد به ما بعد اليوم، والأمس يراد به ما قبله‏.‏

والأصل أنه يراد بالغد ما يلي يومك، ويراد بالأمس الذي يليه يومك، وقد يراد بالغد ما وراء ذلك، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 18‏]‏، أي‏:‏ يوم القيامة‏.‏

وكذلك بالأمس قد يراد به ما وراء ذلك، أي‏:‏ ما وراء اليوم الذي يليه يومك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله‏)‏‏.‏ أثبت المحبة لله من الجانبين، أي أن الله تعالى يحب ويحب، وقد أنكر هذا أهل التعطيل، وقالوا‏:‏ المراد بمحبة الله للعبد إثابته أو إرادة إثابته، والمراد بمحبة العبد لله محبة ثوابه، وهذا تحريف للكلام عن ظاهره مخالف لإجماع السلف من الصحابة والتابعين وأثمة الهدى من بعدهم، ومحبة الله تعالى ثابتة له حقيقة وهي من صفاته الفعلية، وكل شيء من صفات الله يكون له سبب، فهو من الصفات الفعلية، والمحبة لها سبب، فقد يبغض الله إنسانًا في وقت ويحبه في وقت لسبب من الأسباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على يديه‏)‏، أي يفتح خيبر على يديه، وفي ذلك بشارة بالنصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدوكون‏)‏، أي‏:‏ يخوضون، وجملة يدوكون خبر بات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غدوا على رسول الله‏)‏، أي‏:‏ ذهبوا إليه في الغدوة مبكرين، كلهم يرجو أن يعطاها لينال محبة الله ورسوله‏.‏

* * *

فقال‏:‏ ‏(‏أين علي بن أبي طالب‏؟‏‏)‏‏.‏ فقيل هو يشتكي عينيه‏.‏ فأرسلوا إليه، فأتي به، فبصق في عينيه، ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال‏:‏ ‏(‏انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ أين علي‏؟‏‏)‏، القائل‏:‏ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يشتكي عينيه‏)‏، أي‏:‏ يتألم منهما، ولكنه يشتكي إلى الله، لأن عينية مريضة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فأرسلوا إليه‏)‏‏:‏ بأمر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتى به‏)‏، كأنه رضي الله عنه قد عمم على عينيه، لأن قوله‏:‏ ‏(‏أتي به‏)‏، أي‏:‏ يقاد‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏كأن لم يكن به وجع‏)‏، أي‏:‏ ليس بهما أثر حمرة ولا غيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبرأ‏)‏، هذا من آيات الله الدالة على قدرته وصدق رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ أنه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله‏:‏ لتخصيص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ له ذلك من بين سائر الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انفذ على رسلك‏)‏، أي‏:‏ مهلك، مأخوذ من رسل الناقة، أي‏:‏ حليبها يحلب شيئًا فشيئًا، والمعنى‏:‏ امش هوينًا هوينًا، لأن المقام خطير، لأنه يخشى من كمين، واليهود خبثاء أهل غدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تنزل بساحتهم‏)‏، أي‏:‏ ما يقرب منهم وما حولهم، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الأذان/ باب ما يحقن بالأذان من الدماء، ومسلم‏:‏ كتاب الحج/ باب فضل المدينة‏.‏

‏]‏‏.‏

وهذا إذا كنا على الوصف الذي عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، أما إذا كنا على وصف القومية، فإننا لو نزلنا في أحضانهم، فمن الممكن أن يقوموا ونكون في الأسفل‏.‏

* * *

ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله، لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الجهاد/ باب دعاء النبي ‏(‏ إلى الإسلام، ومسلم‏:‏ كتاب فضائل الصحابة/ باب من فضائل علي‏.‏

‏]‏‏.‏ ‏(‏يدوكون‏)‏، أي‏:‏ يخوضون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم ادعهم‏)‏، أي‏:‏ أهل خبير، ‏"‏إلى الإسلام‏"‏، أي‏:‏ الاستسلام لله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأخبرهم بما يجب عليهم‏)‏، أي‏:‏ فلا تكفي الدعوة إلى الإسلام فقط، بل يخبرهم بما يجب عليهم فيه حتى يقتنعوا به ويلتزموا، لكن على الترتيب الذي في حديث بعث معاذ‏.‏

وهذه المسألة يتردد الإنسان فيها‏:‏ هل يخبرهم بما يجب عليهم من حق الله في الإسلام قبل أن يسلموا أو بعده‏؟‏

فإذا نظرنا إلى ظاهر حديث معاذ وحديث سهل هذا، فإننا نقول‏:‏ الأولى أن تدعوه للإسلام، وإذا أسلم تخبره‏.‏

وإذا نظرنا إلى واقع الناس الآن، وأنهم لا يسلمون عن اقتناع، فقد يسلم، وإذا أخبرته ربما يرجع، قلنا‏:‏ يخبرون أولًا بما يجب عليهم من حق الله فيه، لئلا يرتدوا عن الإسلام بعد إخبارهم بما يجب عليهم، وحينئذ يجب قتلهم لأنهم مرتدون‏.‏

ويحتمل أن يقال‏:‏ تترك هذه المسألة للواقع وما تقتضيه المصلحة من تقديم هذا أو هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأن يهدي الله‏)‏، اللام واقعة في جواب القسم، وأن بفتح الهمزة مصدرية، ويهدي مؤول بالمصدر مبتدأ، ‏"‏وخير‏"‏‏:‏ خبر، ونظيرها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأن تصوموا خير لكم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 184‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حمر النعم‏)‏ بتسكين الميم‏:‏ جمع أحمر، وبالضم‏:‏ جمع حمار، والمراد بالأول‏.‏

وحمر النعم‏:‏ هي الإبل الحمراء، وذكرها لأنها مرغوبة عند العرب، وهي أحسن وأنفس ما يكون من الإبل عندهم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏لأن يهدي الله بك‏)‏، ولم يقل‏:‏ لأن تهدي، لأن الذي يهدي هو الله‏.‏

والمراد بالهداية هنا هداية التوفيق والدلالة‏.‏

وهل المراد الهداية من الكفر إلى الإسلام، أو يعم كل هداية‏؟‏

نقول‏:‏ هو موجه إلى قوم يدعوهم إلى الإسلام، وهل نقول‏:‏ إن القرينة الحالية تقتضي التخصيص، وأن من اهتدى على يديه رجل في مسألة فرعية من مسائل الدين لا يحصل له هذا الثواب بقرينة المقام، لأن عليًا موجه إلى قوم كفار يدعوهم الإسلام، والله أعلم‏.‏

* * *

* فيه مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ أن الدعوة إلى الله طريق من اتبع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ الثانية‏:‏ التنبيه على الإخلاص، لأن كثيرًا من الناس لو دعا إلى الحق، فهو يدعو إلى نفسه‏.‏

فيه مسائل‏:‏

* الأولى‏:‏ أن الدعوة إلى الله طريق من اتبع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتؤخذ من قوله تعال‏:‏ ‏{‏قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏‏.‏

والأشمل من ذلك والأبلغ في مطابقة الآية أن يقال‏:‏ إن الدعوة إلى الله طريق الرسل وأتباعهم‏.‏

* الثانية‏:‏ التنبيه على الإخلاص، وتؤخذ من قوله‏:‏ ‏"‏أدعو إلى الله‏"‏، ولهذا قال‏:‏ ‏(‏لأن كثيرًا من الناس لو دعا إلى الحق، فهو يدعو إلى نفسه‏)‏، فالذي يدعو إلى الله هو الذي لا يريد إلا أن يقوم دين الله، والذي يدعو إلى نفسه هو الذي يريد أن يكون قوله هو المقبول، حقًا كان أم باطلًا‏.‏

* * *

الثالثة‏:‏ أن البصيرة من الفرائض‏.‏ الرابعة‏:‏ من دلائل حسن التوحيد كونه تنزيهًا لله تعالى عن المسبة‏.‏ الخامسة‏:‏ أن من قبح الشرك كون مسبة لله‏.‏ السادسة‏:‏ وهي من أهمها‏:‏ إبعاد المسلم عن المشركين، لئلا يصير منهم، ولو لم يشرك‏.‏

* الثالثة‏:‏ أن البصيرة من الفرائض، وتؤخذ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أدعو إلى الله على بصيرة‏}‏، ووجه كون البصيرة من الفرائض، لأنه لا بد للداعية من العلم بما يدعو إليه، والدعوة فريضة‏.‏ فيكون العلم بذلك فريضة‏.‏

* الرابعة‏:‏ من دلائل حسن التوحيد كونه تنزيهًا لله عن المسبة، وتؤخذ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سبحان الله وما أنا من المشركين‏}‏، فسبحان الله دليل على أنه واحد لكماله‏.‏

ومعنى عن المسبة، أي‏:‏ وعن مماثلة الخالق للمخلوق، إذ تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصًا‏.‏

قال الشاعر‏:‏

ألم تر أن السيف ينقص قدره ** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا‏؟‏

* الخامسة‏:‏ أن من قبح الشرك كونه مسبة لله، وتؤخذ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أنا من المشركين‏}‏ بعد قوله‏:‏ ‏{‏وسبحان الله‏}‏‏.‏

* السادسة - وهي من أهمها - ‏:‏ إبعاد المسلم عن المشركين، لئلا يصير منهم، ولو لم يشرك‏.‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أنا من المشركين‏}‏، ولم يقل‏:‏ ‏(‏وما أنا مشرك‏)‏، لأنه إذا كان بينهم، ولو لم يكن مشركًا، فهو في ظاهره منهم، ولهذا لما قال الله للملائكة‏:‏ ‏{‏اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 34‏]‏، توجه الخطاب له ولهم‏.‏

* * *

السابعة‏:‏ كون التوحيد أول واجب‏.‏ الثامنة‏:‏ أنه يبدأ به قبل كل شيء، حتى الصلاة‏.‏ التاسعة‏:‏ أن معنى‏:‏ ‏(‏أن يوحدوا الله‏)‏‏:‏ معنى شهادة أن لا إله إلا الله‏.‏ العاشرة‏:‏ أن الإنسان قد يكون من أهل الكتاب وهو لا يعرفها، أو يعرفها ولا يعمل بها‏.‏

* السابعة‏:‏ كون التوحيد أول واجب، تؤخذ من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏فليكن أول ما تدعوهم إليه‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله‏)‏، وفي رواية‏:‏ ‏(‏أن يوحدوا الله‏)‏‏.‏

وقال بعض العلماء، أول واجب النظر، لكن الصواب أن أول واجب هو التوحيد، لأن معرفة الخالق دلت عليها الفطرة‏.‏

* الثامنة‏:‏ أن يبدأ به قبل كل شيء، تؤخذ من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه‏)‏‏.‏

* التاسعة‏:‏ أن معنى أو يوحدوا الله معنى شهادة أن لا إله إلا الله، تؤخذ من تعبير الصحابي حيث عبر في رواية بقوله‏:‏ ‏(‏شهادة أن لا إله إلا الله‏)‏، وفي رواية عبر بقوله‏:‏ ‏(‏أن يوحدوا الله‏)‏‏.‏

* العاشرة‏:‏ أن الإنسان قد يكون من أهل الكتاب وهو لا يعرفها أو يعرفها ولا يعمل بها، ومراده بقوله‏:‏ ‏(‏لا يعرفها، أو يعرفها‏)‏ شهادة أن لا إله إلا الله، وتؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏فليكن أو ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله‏)‏، إذ لو كانوا يعرفون لا إله إلا الله ويعملون بها ما احتاجوا إلى الدعوة إليها‏.‏

* * *

الحادية عشرة‏:‏ التنبيه على التعليم بالتدريج‏.‏ الثانية عشرة‏:‏ البداءة بالأهم فالأهم‏.‏ الثالثة عشرة‏:‏ مصرف الزكاة‏.‏ الرابعة عشرة‏:‏ كشف العالم الشبهة عن المتعلم‏.‏ الخامسة عشرة‏:‏ النهي عن كرائم الأموال‏.‏ السادسة عشرة‏:‏ اتقاء دعوة المظلوم‏.‏

* الحادية عشرة‏:‏ التنبيه على التعليم بالتدريج‏.‏ تؤخذ من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمعاذ‏:‏ ‏(‏ادعهم إلى أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ إلخ الحديث‏.‏

* الثانية عشرة‏:‏ البداءة بالأهم فالأهم‏.‏ تؤخذ من أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاذًا بالتوحيد ليدعو إليه أولًا، ثم الصلاة، ثم الزكاة‏.‏

* الثالثة عشرة‏:‏ مصرف الزكاة‏.‏ تؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏فترد على فقرائهم‏)‏‏.‏

* الرابعة عشرة‏:‏ كشف العالم الشبهة عن المتعلم‏.‏ المراد بالشبهة هنا‏:‏ شبهة العلم، أي‏:‏ يكون عنده جهل‏.‏

تؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏إن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم‏)‏، فبين أن هذه الصدقة تؤخذ من الأغنياء، وأن مصرفها الفقراء‏.‏

* الخامسة عشرة‏:‏ النهي عن كرائم الأموال‏.‏ تؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏فإياك وكرائم أموالهم‏)‏، إذ إياك تفيد التحذير، والتحذير يستلزم النهي‏.‏

* السادسة عشرة‏:‏ اتقاء دعوة المظلوم‏.‏ تؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏واتق دعوة المظلوم‏)‏‏.‏

* * *

السابعة عشرة‏:‏ الإخبار بأنها لا تحجب‏.‏ الثامنة عشرة‏:‏ من أدلة التوحيد ما جرى على سيد المرسلين وسادات الأولياء من المشقة والجوع والوباء‏.‏ التاسعة عشرة‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏لأعطين الراية‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ إلخ‏:‏ علم من أعلام النبوة‏.‏

* السابعة عشرة‏:‏ الإخبار بأنها لا تحجب‏.‏ تؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏فإنه ليس بينها وبين الله حجاب‏)‏، فقرن الترغيب أو ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعد يونس
النائب الاعلامى للمدير
النائب الاعلامى للمدير
سعد يونس


الساغة الأن :
الاقامة : الجيزة
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 7089
نقاط : 13464
تاريخ التسجيل : 05/01/2010

شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله   شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty10th مارس 2010, 5:13 pm

جزاكى الله كل خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تركيه الخضرى

راجع متفوق
راجع متفوق



الساغة الأن :
الاقامة : المملكه العربيه السعوديه
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 788
نقاط : 1750
تاريخ التسجيل : 22/08/2009

شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty
مُساهمةموضوع: الباب الخامس   شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty10th مارس 2010, 5:16 pm

باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب: الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وقول الله -تعالى-: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذا إلى اليمن قال: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا اله إلا الله وفي رواية: إلى أن يوحدوا الله- فإن هم أطاعوك لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب أخرجاه.

ولهما عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يشتكي عينيه، فأرسلوا إليه؛ فأوتي به، فبصق في عينيه؛ فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله -تعالى- فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم يدوكون: يخوضون.


--------------------------------------------------------------------------------


هذا الباب هو باب "الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله" باب الدعوة إلى التوحيد، وقد ذكر في الباب قبله الخوف من الشرك، وقبله ذكر فضل التوحيد، وما يكفر من الذنوب، وباب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، ولما ذكر بعده باب الخوف من الشرك اجتمعت معالم حقيقة التوحيد في النفس، في نفس الموحد، فهل من اجتمعت حقيقة التوحيد في قلبه بأن عرف فضله، وعرف معناه، وخاف من الشرك، ومعنى ذلك أنه استقام على التوحيد، وهرب من ضده، هل يبقي مقتصرا على نفسه أم أنه لا تتم حقيقة التوحيد في القلب إلا بأن يدعو إلى حق الله الأعظم؟، ألا وهو إفراده -جل وعلا- بالعبادة، وبما يستحقه -سبحانه وتعالى- من نعوت الجلال، وأوصاف الجمال.

بوَّب الشيخ في هذا الباب ليدل على أن من تمام الخوف من الشرك، ومن تمام التوحيد أن يدعو المرء إلى التوحيد، فإنه لا يتم في القلب حتى تدعو إليه، وهذه حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله علمت حيث شهد العبد المسلم لله بالوحدانية، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وشهادته معناها اعتقاده، ونطقه، وإخباره الغير بما دلت عليه، فلا بد -إذن- في حقيقة الشهادة وفي تمامها من أن يكون المرء المكلف الموحد أن يكون داعيا إلى التوحيد؛ لهذا ناسب أن يذكر هذا الباب بعد الأبواب قبله، ثم له مناسبة أخرى لطيفة، وهي أن ما بعد هذا الباب هو تفسير للتوحيد وبيان أفراده، وتفسير للشرك وبيان إفراده، فيكون -إذن- الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله الدعوة إلى التوحيد دعوة إلى تفاصيل ذلك، وهذا من المهمات؛ لأن كثيرين من المنتسبين للعلم من أهل الأمصار يسلمون بالدعوة إلى التوحيد إجمالا، ولكن إذا أتى التفصيل في بيان مسائل التوحيد، أو جاء التفصيل ببيان أفراد الشرك، فإنهم يخالفون في ذلك وتغلبهم نفوسهم في مواجهة الناس في حقائق إفراد التوحيد وإفراد الشرك.

إذن فالذي تميزت بها هذه الدعوة -دعوة الإمام المصلح رحمه الله- أن الدعوة فيها إلى شهادة أن لا إله إلا الله دعوة تفصيلية، ليست إجمالية، أما الإجمال فيدعو إليه كثيرون، نهتم بالتوحيد، ونبرأ من الشرك، لكن لا يذكرون تفاصيل ذلك، والذي ذكره الإمام-رحمه الله- في بعض رسائله أنه لما أراد هذا الأمر يعني: الدعوة إلى التوحيد عرضه على علماء الأمصار قال: وافقوني على ما قلت، وخالفوني في مسألتين: في مسألة التكفير، وفي مسألة القتال، وهاتان المسألتان سبب المخالفة -مخالفة أولئك العلماء فيها- أنهما فرعان ومتفرعتان عن البيان والدعوة إلى أفراد التوحيد، والنهى عن أفراد الشرك.

إذن الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، هو الدعاء إلى ما دلت عليه من التوحيد، والدعاء إلى ما دلت عليه من نفي الشريك في العبادة، وفي الربوبية، وفي الأسماء والصفات عن الله -جل وعلا-، وهذه الدعوة دعوة تفصيلية لا إجمالية؛ ولهذا فصَّل الإمام-رحمه الله- في هذا الكتاب أنواع التوحيد، وأفراد توحيد العبادة، وفصل الشرك الأكبر والأصغر، وبيَّن أفرادا من ذا وذا.

يأتي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله في الباب الذي بعده؛ لأنه باب تفسير التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، قال رحمه الله: وقول الله -تعالى-: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ هذه الآية من آخر سورة "يوسف" هي في الدعوة إلى الله، وسورة "يوسف" -كما هو معلوم- من تأملها هي في الدعوة إلى الله من أولها إلى آخرها، موضوعها الدعوة؛ ولهذا جاء في آخرها قواعد مهمة في حال الدعاة إلى الله، وحال الرسل الذين دعوا إلى الله، وما خالف به الأكثرون الرسل، واستيئاس الرسل من نصرهم، ونحو ذلك من أحوال الدعاة إلى الله، في آخر تلك السورة قال الله -جل وعلا- لنبيه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ هذه سبيلي أنني أدعو إلى الله.

فمهمة الرسل هي الدعوة إلى الله -جل وعلا- هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وأحسن الأقوال قول من دعا إلى الله، وأحسن الأعمال عمل من دعا إلى الله -جل وعلا-؛ ولهذا قال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ قال الحسن البصري-رحمه الله- في تفسير هذه الآية ما معناه قال: "هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله من خلقه، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، هذا خليل الله، هذا حبيب الله" وهذا أمر عظيم في أن الداعي إلى الله هو أحسن أهل الأقوال قولا وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ .

قال -جل وعلا-هنا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ قوله: أَدْعُو إِلَى اللَّهِ هذا موطن الشاهد، فإنه دعاء إلى الله -جل وعلا- لا إلى غيره، وهذه فيها فائدتان الأولى: أن الدعوة إلى الله دعوة إلى توحيده، دعوة إلى دينه -كما سيأتي- تفسير هذه الكلمة في الحديثين بعدها حديث ابن عباس في إرسال معاذ إلى اليمن، وحديث سهل بن سعد -رضى الله عنه- في إعطاء عليّ الراية، قال -جل وعلا-: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ الفائدة الأولى: أن الدعوة إلى التوحيد، الثانية: أن في قوله: أَدْعُو إِلَى اللَّهِ التنبيه على الإخلاص، وهذا يحتاجه من أراد الدعاء إلى شهادة أن لا اله إلا الله، والدعاء إلى الإسلام، يعني: الدعوة إلى الإسلام يحتاج أن يكون مخلصا في ذلك؛ ولهذا قال الشيخ-رحمه الله- في مسائل هذا الباب في قوله: "إلى الله" التنبيه على الإخلاص؛ لأن كثيرين وإن دعوا إلى الحق، فإنما يدعون إلى أنفسهم، أو نحو ذلك.

قال: "على بصيرة" والبصيرة هي العلم، البصيرة على معرفة لم يدع إلى الله على جهالة، قال: أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي يعني: أدعو أنا إلى الله ومن اتبعني ممن أجاب دعوتي، فإنهم يدعون إلى الله -أيضا- على بصيرة، وهذا -أيضا- من مناسبة إيراد الآية تحت هذا الباب؛ لأن من اتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعون إلى الله.

فإذن المتبوعون للرسول -عليه الصلاة والسلام- الموحدون لا بد لهم من الدعوة إلى الله، بل هذه صفتهم التي أمر الله نبيه أن يخبر عن صفته وعن صفتهم، قال: "قل" يعني: يا محمد هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فهذه -إذن- خصلة أتباع الأنبياء أنهم لم يخافوا من الشرك فحسب، ولم يعلموا التوحيد ويعملوا به فحسب، بل أنهم دعوا إلى ذلك، وهذا أمر حتمي؛ لأن من عرف عظم حق الله -جل وعلا- فإنه يغار على حق الرب -سبحانه وتعالى-، يغار على حق مولاه، يغار على حق من أحبه فوق كل محبوب، أن يكون توجه الخلق إلى غيره بنوع من أنواع التوجهات، فلا بد -إذن- أن يدعو إلى أصل الدين، وأصل الملة الذي اجتمعت عليه الأنبياء والمرسلين، ألا وهو توحيده -جل وعلا- في عبادته، وفي ربوبيته، وفي أسمائه وصفاته -جل وعلا وعز سبحانه-.

ثم ساق الإمام-رحمه الله- حديث ابن عباس أنه قال: لما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذا إلى اليمن قال: إنك تأتي قوما أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله -وفي رواية: إلي أن يوحدوا الله هذا موطن الشاهد، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر معاذا إذا دعا أن يكون أول الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وفسرتها الرواية الأخرى للبخاري في كتاب التوحيد من صحيحه قال: إلى أن يوحدوا الله فشهادة أن لا إله إلا الله، الدعوة إليها مأمور بها، وهي الدعوة إلى التوحيد، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر معاذا أن يدعو أهل اليمن، وهم من أهل الكتاب يعني: من أهل الكتاب الذي هو التوراة والإنجيل، بعضهم يهود، وبعضهم نصارى، أما المشركون فهم فيهم قليل، بل أكثرهم على أحد أتباع الملتين.

قال العلماء في قوله -عليه الصلاة والسلام- له: إنك تأتى قوما أهل الكتاب فيه توطين، وفيه توطئة للنفس أن يهيئ نفسه لمناظرتهم، ومعاذ بن جبل من العلماء بدين الإسلام، ومن علماء الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-، فقال له -عليه الصلاة والسلام- ذلك ليهيئ نفسه لمناظرتهم، ولدعوتهم، ثم أمره أن يكون أول الدعوة إلى أن يوحدوا الله -جل وعلا- في قوله هنا: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا اله إلا الله هذه تقرأ على وجهين: الأول: فليكن أولُ ما تدعوهم إليه شهادةَ أن لا اله إلا الله فتكون "أولُ" اسم يكن، وتكون "شهادةَ" هي الخبر، وهذا من جهة المعنى معناه أنه أخبره عن الأولين، فابتدأ بالأولية، ثم أخبره بذلك الأول. والضبط الثاني، أو القراءة الثانية أن تقر هكذا: فليكن أولَ ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله فيكون "أولَ" خبر يكن مقدم، و"شهادةُ" اسم يكن مؤخر مرفوع، وهذا معناه الإخبار عن الشهادة بأنها أول ما يدعى إليه، وهذان الوجهان جائزان، والمشهور هو الوجه الثاني، هذا بجعل "أول" منصوبة؛ وذلك لأن مقام ذكر الشهادة والابتداء بها هو الأعظم، وهو المقصود ليلتفت السامع والمتلقي -وهو معاذ- إلى ما يراد أن يخبر عنه من جهة الشهادة.

فإذن موطن الشاهد من هذا الحديث، ومناسبة إيراد هذا الحديث في الباب هو ذكر أن أول ما يدعى إليه هو التوحيد، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، ثم ساق -أيضا- حديث سهل بن سعد الذي في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم .

"بات" البيتوتة: هي المكث في الليل، معه نوم، أو ليس معه نوم، بات الناس يدوكون ليلتهم يعني: يخوضون في تلك الليلة، باتوا يعني: ظلوا ليلا يتحدثون من دون نوم لشدة هذا الفضل الذي ذكره عليه الصلاة والسلام.

جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء، ونفعنا وإياكم بما سمعنا.

ثم ساق أيضا حديث سهل بن سعد الذي في الصحيحين أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات الناس يدوكون ليلتهم بات: البيتوتة هي المكث في الليل، معه نوم أو ليس معه نوم بات الناس يدوكون ليلتهم يعني: يخوضون في تلك الليلة، باتوا يعني ظلوا ليلا يتحدثون من دون نوم؛ لشدة هذا الفضل الذي ذكره -عليه الصلاة والسلام-.

قال: فلما أصبحوا غَدَوْا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم يرجو أن يُعْطَاهَا فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يشتكي عينيه، فأرسلوا إليه فأتى به فبصق في عينيه، ثم دعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام هذا موطن الشاهد.

والمناسبة لإيراد هذا الحديث في الباب قال: ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله -تعالى- فيه الدعوة إلى الإسلام هي الدعوة إلى التوحيد؛ لأن أعظم أركان الإسلام شهادة أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله، وضم إليها -عليه الصلاة والسلام- أن يدعوهم أيضا إلى حق الله فيه يعني: إلى ما يجب عليه من حق الله فيه.

قال: وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله فيه، يعني: في الإسلام من جهة التوحيد ومن جهة الفرائض، واجتناب المحرمات، ولهذا كانت الدعوة إلى الإسلام يجب أن تكون في أصله، وهو التوحيد، وبيان معنى الشهادتين ثم بيان المحرمات والواجبات؛ لأن أصل الأصول هو المقدم فهو أول واجب.

لاحظ أن الآية، آية سورة يوسف فيها بيان أن كل الصحابة دعاة إلى الله -جل وعلا- دعاة إلى التوحيد، وحديث معاذ فيه أن معاذ كان من الدعاة إلى الله، وفصّل فيه نوع تلك الدعوة إلى الله -جل وعلا-.

وكذلك حديث سهل بن سعد الذي فيه قصة علىّ، فيه الدعوة إلى الإسلام يكون هذان الحديثان كالتفصيل لقوله في الآية:

أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فالدعوة على بصيرة هي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله إلى أن يوحدوا الله، الدعوة إلى الإسلام، وما يجب على العباد من حق الله فيه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تركيه الخضرى

راجع متفوق
راجع متفوق



الساغة الأن :
الاقامة : المملكه العربيه السعوديه
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 788
نقاط : 1750
تاريخ التسجيل : 22/08/2009

شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty
مُساهمةموضوع: الباب الساس   شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty10th مارس 2010, 5:20 pm

باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله وقول الله -تعالى-: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا .

وقوله: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وقوله: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ .

وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يُعْبَد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب.


--------------------------------------------------------------------------------


باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، مر معنا أن التوحيد هو شهادة أن لا إله إلا الله، ولهذا قال العلماء: العطف هنا التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، هذا من عطف المترادفات، ولكن هذا فيه نظر من جهة أن الترادف غير موجود، الترادف الكامل، لكن الترادف الناقص موجود، فإذن هو من قبيل عطف المترادفات التي معناها واحد لكن يختلف بعضها عن بعض في بعض المعنى.

فالتوحيد مر معنا تعريفه بأول الكتاب وقوله: باب تفسير التوحيد، يعني: الكشف والإيضاح عن معنى التوحيد، وقد قلت لك: إن التوحيد هو اعتقاد أن الله -جل وعلا- واحد في ربوبيته لا شريك له واحد في إلاهيته لا نِدَّ له، واحد في أسمائه وصفاته لا مثل له سبحانه وتعالى، قال جل وعلا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

ويشمل ذلك أنواع التوحيد جميعا، فإذن التوحيد هو اعتقاد أن الله واحد في هذه الثلاثة أشياء.

وشهادة أن لا إله إلا الله يعني: تفسير شهادة أن لا إله إلا الله، هذه الشهادة أعظم كلمة قالها مكلف، ولا شيء أعظم منها؛ وذلك لأن معناها هو الذي قامت عليه الأرض والسماوات، وما تعبَّدَ المتعبدون إلا بتحقيقها وبامتثالها، شهادة أن لا إله إلا الله، الشهادة تارة تكون شهادة حضور وبصر، وتارة تكون شهادة علم يعني: يشهد على شيء حضره ورآه أو يشهد على شيء علمه، هذان نوعان بمعنى الشهادة.

فإذا قال قائل: أشهد فيحتمل أنه سيشهد بشيء رآه أو بشيء علمه، وأشهد أن لا إله إلا الله هذه شهادة علمية، ولهذا في قوله: أشهد العلم، والشهادة في اللغة وفي الشرع، وفي تفاسير السلف لآي القرآن التي فيها لفظ شهد كقوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وكقوله: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ .

شهد تتضمن أشياء الأول: الاعتقاد بما سينطق به، الاعتقاد بما شهده، شهد أن لا إله إلا الله يعني: اعتقد بقلبه معنى هذه الكلمة، وهذا فيه العلم، وفيه اليقين بأن الشهادة فيها الاعتقاد، والاعتقاد لا يسمى اعتقادا إلا كان ثم علم ويقين.

الثاني: التكلم بها شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم صار اعتقادا وصار أيضا إعلاما ونطقا بها.

والثالث: الإخبار بذلك، والإعلام به فينطقه بلسانه من جهة الواجب، وأيضا لا يسمى شاهدا حتى يخبر غيره بما شهد، هذا من جهة الشهادة، فإذن يكون: أشهد أن لا إله إلا الله، معناها أعتقد وأتكلم وأعلم، وأخبر بأن لا إله إلا الله.

فافترقت إذن عن حال الاعتقاد، وافترقت إذن عن حال القول، وافترقت إذن عن حال الإخبار المجرد عن الاعتقاد، فلا بد من الثلاثة مجتمعة؛ ولهذا نقول في الإيمان: إنه اعتقاد الجنان، وقول اللسان، وعمل الجوارح والأركان.

لا إله إلا الله هذه هي كلمة التوحيد، وهي مشتملة من حيث الألفاظ على أربعة ألفاظ الأول: "لا" الثاني "إله" الثالث "إلا" الرابع لفظ الجلالة (الله).

أما لا هنا فهي النافية للجنس تنفى جنس استحقاق الألوهية عن أحد إلا الله -جل وعلا- يعني في هذا السياق وإذا أتى بعد النفي "إلا" وهي أداة الاستثناء صارت تفيد معنى زائدا وهو الحصر والقصر، فيكون المعنى الإلهية الحقة أو الإله الحق هو الله، بالحصر والقصر ليس ثم إله حق إلا هو دون من سواه.

وكلمة (إله) فِعَال يعني من جهة الوزن فعال، قالوا: فعال تأتى أحيانا بمعنى فاعل، وتأتى أحيانا بمعنى مفعول، وننظر هنا فنجد أن كلمة أله في اللغة بمعنى عبد، وقال بعض اللغويين: أله يأله إذا تحير، أله فلان يأله أو تأله إذا تحير، وسمي الإله عندهم إلها؛ لأن الألباب تحيرت في كنه وصفه، وكنه حقيقته.

وهذا القول ليس بجيد، بل الصواب أن كلمة إله فعال بمعنى مفعول وهو المعبود، فإله معناها معبود ويدل على ذلك ما جاء في قراءة ابن عباس أنه قرأ في سورة الأعراف: " أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وإلهتك " .

كان ابن عباس يقرأها هكذا "ويذرك وإلهتك" قال: لأن فرعون كان يُعْبَد ولم يكن يَعْبُد، فصوب القراءة بـ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ يعني وعبادتك، وقراءتنا وهي قراءة السبعة وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ يعني المتقدمين، فهذا معناه أن ابن عباس فهم من الإلهة معنى العبادة، قد قال الراجز في شعره المعروف الذي ذكرته لكم من قبل: لله در الغانيات المدف

سـبحن واسترجعن من تأله



يعني: من عبادتي، فإذن يكون الإله هو المعبود لا إله يعني لا معبود إلا الله هنا لا معبود، لا النافية للجنس -كما تعلمون- تحتاج إلى اسم وخبر؛ لأنها تعمل عمل "إن" جعل لا++ في نكرة، فأين خبر لا النافية للجنس؟ كثير من الناس من المنتسبين للعلم قدروا الخبر لا إله موجود إلا الله.

وهذا يحتاج إلى مقدمة قبله، وهو أن المتكلمين والأشاعرة والمعتزلة ومن ورثوا علوم اليونان قالوا: إن كلمة إله هي بمعنى فاعل؛ لأن فعال تأتي بمعنى مفعول أو فاعل.

فقالوا: هي بمعنى أله، والإله هو القادر ففسروا الإله بأنه القادر على الاختراع، ولهذا تجد في عقائد الأشاعرة ما هو مسطور في شرح العقيدة السنوسية التي تسمى عندهم بـ "أم البراهين" قال ما نصه فيها: " الإله هو المستغني عما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه، قال: فمعنى لا إله إلا الله: لا مستغنيا عما سواه ولا مفتقرا إليه كل ما عداه إلا الله، ففسروا الإله الألوهية بالربوبية، وفسروا الإله بالقادر على الاختراع أو بالمستغني عما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه.

وبالتالي يقدرون الخبر موجود، لا إله موجود، يعني: لا قادر على الاختراع والخلق موجود إلا الله، لا مستغنيا عما سواه، ولا مفتقرا إليه كل ما عداه موجود إلا الله؛ لأن الخلق جميعا محتاجون إلى غيرهم، وهذا الذي قالوه هو الذي فتح باب الشرك في المسلمين؛ لأنهم ظنوا أن التوحيد هو إفراد الله بالربوبية؛ فإذا اعتقد أن القادر على الاختراع هو الله وحده صار موحدا، إذا اعتقد أن المستغني عما سواه، والمفتقر إليه كل من عداه هو الله وحده صار عندهم موحدا.

وهذا من أبطل الباطل أين حال مشركي قريش الذين قال الله -جل وعلا- فيهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وفي آية أخرى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ونحو ذلك من الآيات وهي كثيرة كقوله: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ الآيات من سورة يونس.

وهذا معلوم أن مشركي قريش لم يكونوا ينازعون في الربوبية، فإذن صارت هذه الكلمة دالة على غير ما أراد أولئك، وهو ما ذكرناه آنفا من أن معنى لا إله يعني: لا معبود، فيكون الخبر إما أن يكون تقديره موجود، فيكون المعنى: لا معبود موجود إلا الله، وهذا باطل؛ لأننا نرى أن المعبودات كثيرة قد قال جل وعلا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ مخبرا عن قول الكفار أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا فالمعبودات كثيرة والمعبودات موجودة.

فإذن تقدير الخبر بموجود غلط، ومن المعلوم أن المتقرر في علم العربية أن خبر لا النافية للجنس يكثر حذفُه في لغة العرب، وفي نصوص الكتاب والسنة؛ ذلك أن خبر لا النافية للجنس يحذف إذا كان المقام يدل عليه، وإذا كان السامع يعلم ما المقصود من ذلك.

وقد قال ابن مالك في آخر باب لا النافية للجنس حينما ساق هذه المسألة:

وشاع في ذا الباب. .......

......................



يعني باب لا النافية للجنس:

وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر

إذا المــراد مـع سـقوطه ظهـر



إذا ظهر المراد مع حذف الخبر فإنك تحذف الخبر؛ لأن الكلام الأنسب أن يكون مختصرا كما قال -عليه الصلاة والسلام-: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول .

أين الخبر؟ كلها محذوفات؛ لأنها معلومة لدى السامع؛ إذن فالخبر هنا معلوم، وهو أنه ليس الخبر موجودا، يعني يقدر بموجود؛ لأن الآلهة التي عبدت مع الله موجودة، فيقدر الخبر بقولك بحق، أو حق لا إله بحق يعني لا معبود بحق أو لا معبود حق إلا الله.

إن قدرت الظرف فلا بأس، أو قدرت كلمة مفردة حق لا بأس، لا معبود حق إلا الله، هذا معنى كلمة التوحيد فيكون إذن كل من عُبِدَ غير الله -جل وعلا- عُبِدَ نعم، ولكن هل عبد بالحق أم عبد بالباطل، والظلم والطغيان والتعدي عبد بالباطل، والظلم والطغيان والتعدي، وهذا يفهمه العربي من سماع كلمة لا إله إلا الله.

ولهذا بئس قوم كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: بئس قومٍ أبو جهل أعلم منهم بلا إله إلا الله، يفهم هذه الكلمة وأبى أن يقولها، ولو كانت كما يزعم كثير من أهل هذا العصر وما قبله لقالوها بسهولة، ولم يدروا ما تحتها من المعاني لكن يعلم أن معناها لا معبود حق إلا الله، وأن عبادة غيره إنما هي بالظلم، ولن يقر بالظلم على نفسه وبالبغي، ولم يقر بأنه باغٍ متعد، وبالتعدي والعدوان، وهذا هو حقيقة معنى لا إله إلا الله، وفيها الجمع بين النفي والإثبات، كما سيأتي في بيان آية الزخرف: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ .

قال الإمام -رحمه الله- وقول الله -تعالى-: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ هذه الآية تفسير للتوحيد، وذلك أننا عَرَّفَنَا التوحيدَ بأنه إفراد الله بالعبادة، وهو توحيد الإلهية، وهذه الآية اشتملت على الثناء على خاصة عباد الله بأنهم وحَّدوا الله بالإلهية، وهذه مناسبة الآية للباب فقد وصفهم الله -جل وعلا- بقوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ ويدعون بمعنى يعبدون؛ لأن الدعاء هو العبادة، والدعاء نوعان -كما سيأتي تفصيله-: دعاء مسألة، ودعاء عبادة.

قال هنا: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يعني يعبدون يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ الوسيلة هي الحاجة، الوسيلة هي القصد والحاجة يعني أن حاجاتهم يبتغونها إلى ربهم ذو الربوبية إلى ربهم ذي الربوبية الذي يملك الإجابة.

وفي قول الله -جل وعلا- في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- وهي من مسائل نافع بن الأزرق المعروفة سئل عن قوله الوسيلة في قوله: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ما معنى الوسيلة؟ قال: الوسيلة الحاجة، فقال له: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، ألم تسمعا إلى قول الشاعر، وهو عنترة يخاطب امرأة:

إن الرجال لهم إليك وسيلة

أن يؤخـذوك تكحـلي وتخضبي



لهم إليك وسيلة يعني: لهم إليك حاجة.

ووجه الاستدلال من آية المائدة أنه قال: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ فقدم الجار والمجرور على لفظ الوسيلة، وتقديم الجار والمجرور، وحقه التأخير يفيد الحصر والقصر، وعند عدد من علماء المعاني يفيد الاختصاص، وهذا أو ذلك، فوجه الاستدلال ظاهر في أن قوله تعالى في آية الإسراء: يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أن حاجاتهم إنما يبتغونها عند الله، وقد اختص الله -جل وعلا- بذلك، فلا يتوجهون إلى غيره.

وقد حصروا وقصروا التوجه لله -جل وعلا- وقد جاء بلفظ الربوبية دون لفظ الألوهية يعني قال: يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ولم يقل يبتغون إلى الله الوسيلة؛ لأن إجابة الدعاء والإثابة هي من مفردات الربوبية؛ لأن ربوبية الله على خلقه تقتضي أن يجيب دعائهم، وأن يعطيهم سؤلهم؛ لأن ذاك من أفراد الربوبية، فإذن ظهر من قوله: يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أن فيها تفسير التوحيد، وهو أن كل حاجة من الحاجات إنما تنزلها بالله -جل وعلا- "يدعون" يعبدون.

وهم إنما يطلبون حاجاتهم من الله -جل وعلا-، فلا يعبدون بنوع من العبادات ويتوجهون به لغير الله، فإذا نحروا فإنما ينحرون يبتغون إلى ربهم الحاجة، وإذا صلوا إنما يصلون يبتغون إلى ربهم الحاجة، وإذا استغاثوا فإنما يستغيثون بالله يبتغون إليه الحاجة دون ما سواه إلى آخر مفردات توحيد العبادة.

فهذه الآية دالة بظهور على أن قوله يدعون: يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أنه هو التوحيد، وقد استشكل بعض أهل العلم في إيراد هذه الآية في هذا الباب وقال: ما مناسبة هذه الآية لهذا الباب، وبما ذكرت لك تتضح المناسبة جلية قال جل وعلا: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ وهذه حال خاصة بعباد الله أنهم جمعوا بين العبادة وبين الخوف وبين الرجاء فيرجون رحمته يخافون عذابه، وهم إنما توجهوا إليه وحده دون ما سواه فأنزلوا الخوف والمحبة والدعاء والرغب والرجاء لله -جل وعلا- وحده دون ما سواه، وهذا هو تفسير التوحيد.

قال -رحمه الله- وقوله: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وجه الاستدلال من هذه الآية في قوله: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي هذه الجملة فيها البراءة وفيها الإثبات. البراءة مما يعبدون قال: بعض أهل العلم تبرأ من العبادة ومن المعبودين قبل أن يتبرأ من العابدين لأنه إذا تبرأ من أولئك فقد بلغ به الحنق والكراهة والبغضاء، والكفر بتلك العبادة مبلغها الأعظم.

وقد جاء تفصيل ذلك في آية الممتحنة كما هو معلوم. إذن مناسبة هذه الآية للباب أن قوله: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي اشتملت على نفي وإثبات فهي مساوية لكلمة التوحيد بل هي دلالة كلمة التوحيد ففي هذه الآية تفسير شهادة أن لا إله إلا الله؛ ولهذا قال -جل وعلا- بعدها: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ما هذه الكلمة؟ هي قول لا إله إلا الله كما عليه تفاسير السلف.

فإذن قوله جل وعلا: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ هذا فيه النفي الذي نعلمه من قوله "لا إله" فتفسير شهادة أن لا إله إلا الله في هذه الآية "لا إله" معناها أنني براء مما تعبدون "إلا الله" معناها إلا الذي فطرني.

فإذن في آية الزخرف هذه أن إبراهيم -عليه السلام- شرح لهم معنى كلمة التوحيد بقوله: إنني براء مما تعبدون، والبراءة هي الكفر والبغضاء، والمعاداة تبرأ من عبادة غير الله إذا أبغضها وكفر بها وعاداها، وهذه لا بد منها، لا يصح إسلام أحد حتى تقوم هذه البراءة في قلبه؛ لأنه إن لم تكن هذه البراءة في قلبه، فلا يكون موحدا، البراءة هي أن يكون مبغضا لعبادة غير الله، كافرا بعبادة غير الله، معاديا لعبادة غير الله.

كما قال هنا: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ أما البراءة من العابدين فإنها من اللوازم، وليست من أصل كلمة التوحيد، البراءة من العابدين فقد يعادي، وقد لا يعادي، وهذه لها مقامات منها ما هو مُكَفِّر، ومنها ما هو نوع موالاة، ولا يصل بصاحبه إلى الكفر.

إذن تَحَصَّل لك أن البراءة التي هي مضمَّنَة في النفي "لا إله" بغض لعبادة غير الله، وكفر بعبادة غير الله، وعداوة لعبادة غير الله.

وهذا القدر لا يستقيم إسلام أحد حتى يكون في قلبه ذلك. قال: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي وهذا استثناء كما هو الاستثناء في كلمة التوحيد لا إله إلا الله، قال بعض أهل العلم: قال إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ذكر الفطر دون غيره؛ لأن في ذلك التذكير بأنه إنما يستحق العبادة مَن فَطَرَ، أما من لم يفطر، ولم يخلق شيئا فإنه لا يستحق شيئا من العبادة.

إذن مناسبة هذه الآية ظاهرة في الباب، ووجه الاستدلال منها ومعنى البراءة ومعنى النفي والإثبات فيها وفي كلمة التوحيد. قال: وقوله: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ أربابا: الربوبية أربابا: جمع رب، والربوبية هنا هي العبادة، يعني اتخذوا أحبارهم ورهبانهم معبودين من دون الله يعني مع الله، وذلك أنهم أطاعوهم في تحليل الحرام، وتحريم الحلال، والطاعة من التوحيد فرد من أفراد العبادة أن يطيع في التحليل والتحريم.

فإذا أطاع غير الله في التحليل وفي التحريم، فإنه قد عبد ذلك الغير فهذه الآية فيها ذكر أحد أفراد التوحيد، أحد أفراد العبادة وهو الطاعة، وسيأتي إيرادها في باب مستقل -إن شاء الله تعالى- مع بيان ما تشتمل عليه من المعاني.

قال: وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ أثبت الله -جل وعلا- أنهم اتخذوا من دون الله أندادا يعني مع الله أو من دونه أندادا، جعلوهم يستحقون شيئا من العبادات، ووصفهم بأنهم يحبونهم يعني: المشركين يحبونهم كحب الله، وقوله هنا: كَحُبِّ اللَّهِ المفسرون من السلف فمَن بعدهم هنا على قولين:

منهم من يقول: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ هي كلها في الذين اتخذوا أندادا يعني يحبون أندادهم كحبهم لله.

وقال آخرون: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ يعني يحبونهم كحب المؤمنين لله، فالكاف بمعنى مثل هنا كقوله: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً كالحجارة: الكاف هنا اسم بمعنى مثل؛ لأنه عطف عليها اسم آخر قال: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً .

يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ يعني ساووا محبة تلك الآلهة بمحبة الله، فهم يحبون الله حبا عظيما، ولكنهم يحبون تلك الآلهة أيضا حبا عظيما، وهذا التساوي هو الشرك، والتسوية هذه هي التي جعلتهم من أهل النار كما قال جل وعلا في سورة الشعراء مخبرا عن قول أهل النار: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ومعلوم أنهم ما سووا تلك الآلهة برب العالمين في الخلق والرزق ومفردات الربوبية، وإنما سووهم برب العالمين في المحبة والعبادة.

فإذن هنا يكون قوله جل وعلا: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ يعني يحبونهم محبة مثل محبتهم لله، وهذا الوجه أرجح من الوجه الآخر الذي تقديره كحب المؤمنين لله وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ .

وجه الاستدلال من الآية ومناسبتها من الباب ظاهرة في أن التشريك في المحبة منافٍ لكلمة التوحيد، منافٍ للتوحيد من أصله، بل حكم الله عليهم بأنهم اتخذوا أندادا من دون الله ووصفهم بأنهم اتخذوا الأنداد في المحبة، والمحبة محركة، وهي التي تبعث على التصرفات.

فإذن هنا فيه ذكر للمحبة، والمحبة نوع من أنواع العبادة، ولما لم يفردوا الله بهذه العبادة صاروا متخذين أندادا من دون الله، وهذا معنى التوحيد، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله.

ثم قال -رحمه الله-: في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعْبَد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل في هذا الحديث بيان التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله؛ ذلك أن ثمة فرقا بين قول لا إله إلا الله، وبين التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله فالتوحيد والشهادة أرفع درجة، ومختلف عن مجرد القول.

وهذا الحديث فيه قيد زائد عن مجرد القول، قال -عليه الصلاة والسلام-: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله فيكون الواو هنا تعطف ويكون ما بعدها غير ما قبلها؛ لأن الأصل في العطف المغايرة، ويكون كفر بما يعبد من دون الله هذه زيادة على مجرد القول، فيكون قال لا إله إلا الله ومع ذلك ومع قوله: كفر بما يعبد من دون الله يعني تبرأ مما يعبد من دون الله، هذا قول.

والقول الثاني: أن الواو هنا ليست عاطفة عطف مغايرة شيء عن شيء أصلا، وإنما هي من باب عطف التفسير يعني يكون ما بعدها بعض ما قبلها كقوله جل وعلا: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ جبريل وميكال بعض الملائكة فعطفهم وخصهم بالذكر، وأظهر اسم جبريل وميكال؛ لبيان أهمية هذين الاسمين وأهمية الملكين؛ لأن أولئك اليهود لهم كلام في جبريل وميكال، المقصود أن يكون العطف هنا عطف خاصٍ بعد عام، أو عطف تفسير؛ لأن ما بعدها داخل فيما قبلها، وهذا تفسير لقوله: "لا إله إلا الله".

فيكون إذن لا إله إلا الله، على هذا القول الثاني متضمنة للكفر بما يعبد من دون الله، وهذا هو الذي ذكرته لك في معنى البراء في آية الزخرف: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي .

قلنا: البراءة تتضمن البغض والكفر والمعاداة، الكفر بما يعبد من دون الله، وهذا تفسير ظاهر لكلمة التوحيد.

قال -عليه الصلاة والسلام-: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله هذا تفسير، وهذا الوجه الثاني هو الأظهر والأنسب لسياق الشيخ -رحمه الله تعالى- بل هو الذي يتوافق مع ما قبله من الأدلة. قال: حرم دمه وماله وحسابه على الله عز وجل ذلك أنه صار مسلما، من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله صار مسلما، والمسلم لا يحل دمه إلا بإحدى ثلاث، ولا يحل ماله، ولهذا قال هنا: حرم ماله ودمه .

إذن يظهر لك من هذه الترجمة، وما فيها من الآيات والحديث أن تفسير التوحيد هو تفسير شهادة أن لا إله إلا الله يحتاج منك إلى مزيد عناية ونظر وتأمل وتأني حتى تفهمه بحجته، وبيان وجه الحجة في ذلك.

بعد ذلك قال الشيخ -رحمه الله-: "وتفسير هذه الترجمة ما يأتي بعدها من أبواب " فالكتاب كله هو تفسير للتوحيد، وتفسير لكلمة لا إله إلا الله، وبيان ما يضاد بذلك، وبيان ما ينافي أصل التوحيد، وما ينافي كمال التوحيد، وبيان الشرك الأكبر والشرك الأصغر، والشرك الخفي، وشرك الألفاظ، وبيان بعض مستلزمات التوحيد، توحيد العبادة من الإقرار لله بالأسماء والصفات، وبيان ما يتضمن توحيد العبادة من الإقرار لله جل وعلا بالربوبية.

هذا وآمل من الإخوة إذا خرجت ألا يتبعني أحد لأن فيه شيئا من الإحراج، هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الأرباب جمع الرب والربوبية هنا بمعنى الطاعة بمعنى العبادة الرب هو المعبود كقوله في مسائل القبر: "من ربك" يعني من معبودك هذا يأتي مفصلا في الربوبية والألوهية معنى هذه وهذه إن شاء الله.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد. فموضوع كلمة هذا اليوم عن نفسية طالب العلم حين يتلقى الدرس، والمستمعون للعلم يختلفون، يختلفون من جهة رغبتهم فيما يسمعون، ويختلفون أيضا من جهة استعداداتهم، فليست الرغبات واحدة، وليست الاستعدادات واحدة، الرغبات مختلفة منهم من يستمع للعلم رغبة في تحصيله، هذا هو الغالب ولله الحمد، ومنهم من يستمع للعلم رغبة في تقييم المعلم أو في معرفة مكانته من العلم وحسن تعليمه أو حسن استعدادته للعلوم.

ومنهم من يأتي مرة ويترك عشر مرات، وهذه في رغبات أيضا متنوعة، ويهمنا منها من يأتي للعلم رغبة في العلم، فحين يأتي طالب العلم للدرس راغبا في الاستفادة ينبغي أن يكون على نفسية وحالة قلبية خاصة وحالة عقلية أيضا خاصة.

أما الحالة القلبية والنفسية، فأن يكون قصده من هذا العلم أن يرفع الجهل عن نفسه، وهذا هو الإخلاص في العلم.

لأن طلب العلم عبادة، والإخلاص فيه واجب، والإخلاص في العلم بأن ينوي بتعلمه رفع الجهل عن نفسه، وقد سئل الإمام أحمد عن النية في العلم كيف تكون؟ فقال: " أن ينوي رفع الجهل عن نفسه "

فإذا كان في طلبه للعلم يروم أن يكون معلما أو أن يكون داعيا أو أن يكون مؤلفا، ونحو ذلك فالنية الصالحة فيه والإخلاص في ذلك يكون بشيئين: الأول: أن ينوي رفع الجهل عن نفسه. الثاني: أن ينوي رفع الجهل عن غيره.

فإذا لم ينو أحد هذين، أو لم ينوهما معا، فإنه ليس بصاحب نية صحيحة، فإذا رام أحدنا أن يطلب العلم فلا بد أن يكونا ناويا رفع الجهل عن نفسه، وإذا نوى هذه النية يكون مستحضرا -بالطبع- أن الله -جل جلاله- خلقه وله عليه أمر ونهي في أصل الأصول ألا وهو حقه جل وعلا: التوحيد.

وكذلك في الأمر والنهي في الحلال وفي الحرام، وسبب الإقدام على المنهيات في العقائد، وكذلك في السلوك الجهل، من أسباب ذلك الجهل، ثم أسباب أخرى. فإذا علم ورفع الجهل عن نفسه، كان عالما بمراد الله -جل وعلا- ثم بعد ذلك يستعين الله -جل وعلا- في امتثال مُرَادَاتِهِ الشرعية هذا أمر نفسي مهم.

والأمر النفسي الثاني المهم أيضا أنه حين يتلقى العلم يتلقى وهو واثق من علم المعلم، يعني أن يكون في نفسه أن الأصل في المعلم أنه يعلم على الصواب، فإذا دخل وفي نفسه أن المعلم يعلم غلطا أو أن معلوماته مشوشة، أو أنه كذا وكذا مما يضعفه في العلم، فإنه لن يستفيد من ذلك؛ لأنه إذا استمع سيستمع بنفس المُعارض.

فسيأتي إذا قال كلمة أخذ يفكر بعدها نصف دقيقة أو دقيقة فيما قال، قال: هذا صحيح وفي اطلاعاته، وقد اطلع كذا وكذا مما يعارض كلام المعلم، ثم في هذه الدقيقة يكون المعلم قد أتى بشيء آخر، فإذا انتهى هذا من تفكيره سمع جملة أخرى، فتكون مشوشة أيضا فيدخل في اعتراضات، وهذا يحرم المستمع العلم، وإذا كان عند طالب العلم فيما يسمع إشكالات أو إيرادات فيكون عنده ورقة أو كراسة بين يديه يكتب الإشكال ثم لا يفكر فيه.

وهو يستمع العلم يكتب بحث هذه المسألة. المسألة كذا وكذا ثم بعد ذلك إذا فرغ من هذا الدرس يذهب هو ذلك اليوم أو بعده يذهب ويبحث هذه المسألة، أو يسأل عنها، ومن المعلوم أنه ليس من شرط المعلم أن يكون محققا، وليس من شرط المعلم أن يكون مصيبا دائما، فقد يكون له اختيارات، أو آراء تخالف المشهور، أو تكون له توجيهات غلط فيها.

لكن الشأن أن يكون المعلم مشهودا له بالعلم مؤصلا في العلم، يعرف ما يتكلم به، فإذا عرف ما يتكلم به وعرف أقوال الناس، وعلم العلم فإنه قد يكون عنده غفلة في مسألة، أو في حكم، أو نحو ذلك فيغلط مرة أو يغلط في تصور ونحو ذلك، هذا ليس بعجيب؛ لأن المعلم بشر والبشر خطاءون.

إذن المهم أن تتلقى العلم ممن وثقت بعلمه، وأنت في نفسية غير معارضة، وهذا يحرم كثيرين علما واسعا؛ حيث إنهم يتلقون العلم بنفسية السؤال بنفسية من يستشكل، ولهذا من أكثر السؤال في حلقات العلم لا يكون مجيدا.

وقد حضرت مرة عند الشيخ عبد الرزاق عفيفي العلامة المعروف -رحمه الله تعالى- وكان عنده من يسأله عن المسائل في الحج فإذا أتى مستفتٍ يستفتي فيأتي هذا السائل ويقول له: فإن كان كذا؟ فيحاول أن يتعلم العلم بطرح مسائل أخرى غير المسألة التي استفتى فيها السائل.

فقال له الشيخ -رحمه الله-: العلم لا يؤتى هكذا، وإنما يؤتى العلم بدراسته، وهذا صحيح؛ لأن المتعلم حين يحضر عند أهل العلم، فيسمع فإنه إذا عرض لذهنه أنه في كل ما يأتي يسأل، أو في كل ما يسمع يعترض كما مر معنا كثيرا من بعض الإخوان والشباب في حلقات العلم يريدون أسئلة ويريدون استشكالات طبعا بحسب ما عندهم من العلم سألوا واستشكلوا، ولو صبروا لكان خيرا لهم.

هذه النفسية تؤثر على الذهن وعلى صفائه وعلى تصور العلوم في أثناء الدرس؛ لهذا ينبغي لنا أننا حين نتلقى العلم أن نتلقاه بنفسية من ليس عنده علم ألبتة، يسمع ويسمع ويسمع، وإذا استشكل فيكون بعد ذلك في محله، يقيد ثم يبحث أو يسأل عن ذلك.

طبعا هذا في حق من وثقنا بعلمه، فأخذنا عنه العلم، عن ثقة بما يأتي به. نعم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تركيه الخضرى

راجع متفوق
راجع متفوق



الساغة الأن :
الاقامة : المملكه العربيه السعوديه
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 788
نقاط : 1750
تاريخ التسجيل : 22/08/2009

شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty
مُساهمةموضوع: الباب السابع   شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty10th مارس 2010, 5:24 pm

باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: " باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ".

وقول الله -تعالى-: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ .

وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذا؟ قال: من الواهنة. فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا رواه أحمد بسند لا بأس به.

وله عن عقبة بن عامر مرفوعا من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له وفي رواية من تعلق تميمةً فقد أشرك .

ولابن أبي حاتم عن حذيفة -رضي الله عنه- أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمة فقطعه، وتلا قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ .


--------------------------------------------------------------------------------


هذا باب شرع به الشيخ -رحمه الله- في تفصيل ما سبق فقال: "باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه" .

هذا شروع في بيان التوحيد ببيان ضده، ومن المعلوم أن الشيء يعرف ويتميز بشيئين بحقيقته، وبمعرفة ضده، والتوحيد يتميز بمعرفته في نفسه بمعرفة معناه، وإفراده وبمعرفة ضده أيضا.

وقد قال الشاعر:

....................

وبضدها تتميز الأشياء



وهذا صحيح فإن التوحيد إنما يعرف حسنه بمعرفة قبح الشرك، والإمام -رحمه الله- بدأ في ذكر ما هو مضاد للتوحيد، وما يضاد التوحيد، منه ما يضاد أصله، وهو الشرك الأكبر الذي إذا أتى به المكلف فإنه ينقض توحيده، يعني: يكون مشركا شركا أكبر مخرجا من الملة، هذا يقال فيه: ينافي التوحيد، أو ينافي أصل التوحيد.

والثاني: ما ينافي كمال التوحيد الواجب، وهو ما كان من جهة الشرك الأصغر ينافي كماله، فإذا أتي بشيء منه فقد نافى بذلك كمال التوحيد؛ لأن كمال التوحيد إنما يكون بالتخلص من أنواع الشرك جميعا، وكذلك الرياء، فإنه من أغراض الشرك الأصغر أعني يسير الرياء، وهذا ينافي كمال التوحيد.

ومنها أشياء يقول العلماء فيها: إنها نوع شرك فيعبرون عن بعض المسائل من الشركيات بأنها نوع شرك، أو نوع تشريك، فصار عندنا في ألفاظهم في هذا الباب أربعة:

الأول: الشرك الأكبر. الثاني: الشرك الأصغر. الثالث: الشرك الخفي. الرابع: قولهم: نوع شرك أو نوع تشريك.

وذلك من مثل ما سيأتي في قوله جل وعلا: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وفي نحو قوله: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ في قصة آدم وحواء حين عبدا ابنهما للشيطان. فهذا في الطاعة كما سيأتي بيانه مفصلا إن شاء الله.

بدأ الشيخ -رحمه الله- في تفصيل الشرك ببيان صور من الشرك الأصغر التي يكثر وقوعها، وقدم الأصغر على الأكبر انتقالا من الأدنى إلى الأعلى؛ لأن الشبهة في الأدنى ضعيفة بخلاف الشبهة في الأعلى يعني: أن تعلق المتعلق بالخيط تعلق المتعلق بالتميمة، هذا شبهته أضعف، فتعلق ذلك المتعلق بغير الله إذا وعى أنه تعلق بغير الله فإنه يكون مقدمة مهمة، ومنتجة للمطلوب في إقناعه بأن التعلق بغير الله في الشرك الأكبر أنه قبيح.

أما إذا أتى إلى ما هو من جهة الشرك الأكبر كالتعلق بالأولياء ودعائهم وسؤالهم، أو الذبح للجن، أو الذبح للأولياء، فإنه يكون هناك شبهة، وهي أن أولئك لهم مقامات عند الله -جل وعلا- والناس الذين يتوجهون إلى أولئك، ويشركون بهم الشرك الأكبر المخرج من الملة، والعياذ بالله، يقولون: إنما أردنا الوسيلة، هؤلاء لهم مقامات عند الله، وإنما أردنا الوسيلة، كحال المشركين في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين قال الله -جل وعلا- فيهم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى .

فإذن الشيخ -رحمه الله- بدأ بما هو من الشرك الأصغر انتقالا من الأدنى إلى الأعلى، حتى يكون ذلك أقوى في الحجة، وأمكن في النفوس من جهة ضرورة التعلق بالله، وإبطال التعلق بغيره.

قال -رحمه الله-: باب من الشرك "من" هذه تبعيضية، يعني: هذه الصورة التي في الباب هي بعض الشرك. هل هي بعض أفراده أو بعض أنواعه؟ هي هذه وهذه، فما ذكر وهو لبس الحلقة أو الخيط أحد نوعي الشرك، وهو الشرك الأصغر، وهو أحد أفراد الشرك بعمومه، كأنها صورة من صور الأشراك.

قال: باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما، نحو الحلقة والخيط مثل الخرز والتمائم والحديد، ونحو ذلك مما قد يلبس. كذلك مما يعلق أيضا في البيوت، أو في السيارات، أو يعلق على الصغار، ونحو ذلك مما فيه لبس أو تعليق، كل ذلك يدخل في هذا الباب، وإنه من الشرك.

قال: باب من الشرك لبس الحلقة أو الخيط، الحلقة: إما أن تكون من صفر يعني من نحاس، وإما أن تكون من حديد، أو تكون من أي معدن، والخيط مجرد خيط يعقده في يده، والخيط معروف، الحلقة والخيط كانا عند العرب فيها اعتقادات، في أشباههما مثل التمائم وغيرها يعتقدون أن من تعلق بشيء من ذلك أثر فيه ونفعه، إما من جهة دفع البلاء قبل وقوعه، وإما من جهة رفع البلاء والمرض، رفع البلاء أو المرض بعد وقوعه.

ولهذا قال الشيخ -رحمه الله- لرفع البلاء أو دفعه؛ لأن الحالتين موجودتان منهم من يعلق قبل أن يأتي البلاء ليرفعه، وهذا أعظم أن يعلق خيطا، أن يعلق حلقة، يلبس حلقة، أو يلبس خيط؛ ليدفع الشيء قبل وقوعه، وهذا أعظم؛ لأنه يعتقد أن هذه الأشياء الخسيسة الوضيعة أنها تدفع قدر الله جل وعلا.

وكذلك منها أن يلبس ليرفع البلاء بعد حصوله، مرض فلبس خيطا ليرفع ذلك المرض، أصابته عين فلبس الخيط؛ ليرفع تلك العين، وهكذا في أصناف شتى من أحوال الناس في ذلك، واعتقادات الناس كثيرة.

هذه، لبس الحلقة أو الخيط من الشرك، لم كان شركا ؟

قلنا: إنه شرك أصغر. لم كان شركا أصغر؟ لأنه تعلق قلبه بها وجعلها سببا لرفع البلاء، أو سببا لدفعه، والقاعدة في هذا الباب أن إثبات الأسباب المؤثرة لا يجوز إلا أن يكون من جهة الشرع، لا يجوز إثبات سبب، إلا أن يكون سببا شرعيا، أو أن يكون سببا قد ثبت بالتجربة الواقعة أنه يؤثر ظاهرا لا خفيا.

فهذا، مَن لبس فإنه جعل سببا ليس بمأذون به في الشرع، وكذلك من جهة التجربة، لا يحصل ذلك على وجه الظهور، وإنما هو مجرد اعتقاد ممن لبس في هذا الشيء.

فقد يوافق القدر أنه يشفى حين لبس أو بعد لبسه، أو يدفع عنه أشياء يعتقد أنها ستأتيه، فيبقى معلقا في ذلك، ويثبت أن تلك سبب من الأسباب، وهذا باطل، إذن صار لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه شركا أصغر؛ لأن من لبسها تعلق قلبه بها وجعلها تدفع أو تنفع أو جعلها تؤثر في رفع الضرر عنه، أو في جلب المنافع له. وهذا إنما يستقل به الله -جل وعلا- وحده إذ هو النافع الضار هو -جل وعلا- الذي يفيض الرحمة ويفيض الخير أو يمسك ذلك.

وأما الأسباب التي تكون سببا لمسبباتها، فهذه لا بد أن يكون مأذونا بها في الشرع، ولهذا بعض العلماء يعبر عما ذكرت بقوله: من أثبت سببا لله -يعني: يحدث المسبب يحدث النتيجة- لم يجعله الله سببا لا شرعا ولا قدرا فقد أشرك، يعني: الشرك الأصغر.

هذه القاعدة في الجملة صحيحة، قد بعض الأمثلة يشكل هل تدخل أو لا تدخل، لكن هو المقصود من هذا الباب أن إثبات الأسباب لا بد أن يكون إما من جهة الشرع، وإما من جهة التجربة الظاهرة، مثل دواء الطبيب، ومثل الانتفاع ببعض الأسباب التي فيها الانتفاع ظاهرا تتدفأ بالنار، أو تتبرد بالماء أو نحو ذلك.

هذه هي أسباب ظاهرة بيّن أثرها، لكن إذا كان السبب من جهة التعلق الذي لم يأذن به الشرع، فإن التعلق بشيء يعني: التعلق القلبي بشيء لم يأذن به الشرع يكون نوع شرك، إذا كان لدفع البلاء أو لرفعه.

وهذا مراد الشيخ في هذا الباب، فإن لبس الخيط والحلقة من الشرك الأصغر، كل أصناف الشرك الأصغر قد تكون شركا أكبر بحسب حال من فعلها، اللبس، تعليق التمائم، الحلف بغير الله، قول: ما شاء الله وشئت، ونحو ذلك من الأعمال، والاعتقادات، أو الأقوال.

الأصل فيها أن نقول: إنها شرك أصغر، لكن قد تكون تلك شركا أكبر بحسب الحال.

يعني: إن اعتقد في الحلقة والخيط مثلا أنها تؤثر بنفسها فهذا شرك أكبر إذا اعتقد أنها ليست سببا، ولكن هي تؤثر بنفسها؛ لأن هذه تدفع بنفسها، تدفع المرض بنفسها، تدفع العين بنفسها، أو ترفع المرض بنفسها، أو ترفع العين بنفسها؛ وليست أسبابا، ولكن هي بنفسها مؤثرة، فهذا شرك بالله شرك أكبر؛ لأنه جعل التصرف في هذا الكون لأشياء مع الله جل وعلا.

ومعلوم أن هذا من أفراد الربوبية فيكون ذلك شركا في الربوبية، إذن عماد هذا الباب من جهة تعلق القلب، تعلق بهذه الأشياء بالحلقة أو الخيط لدفع ما يسوءه أو لرفع ما حل به من مصائب.

الشيخ -رحمه الله- ساق بعد ذلك قول الله -جل وعلا-: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ قوله -جل وعلا- في هذه الآية من سورة الزمر: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ العلماء يقولون: إن الفاء إذا جاءت بعد همزة الاستفهام، فإنها تكون عاطفة على جملة محذوفة يدل عليها السياق.

وهذه الآية أولها: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ يعني: قل: أتقرون بأن الذي خلق السموات والأرض هو الله وحده فتدعون غيره، فتتوجهون لغيره، أتقرون بذلك فتفعلون هذه الأشياء قال جل وعلا: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ .

أو يكون التقدير: أتقرون بأن الله هو الواحد في ربوبيته هو الذي خلق السموات والأرض وحده فأقررتم فرأيتم هذه الأشياء التي تتوجهون لها من دون الله هل تدفع عنكم المضار، أو هل تجلب لي ضرا أو تجلب لكم رحمة من دون الله.

فإذن تكون الفاء هنا ترتيبية رتبت ما بعدها على ما قبلها، وهذا هو المقصود أيضا من الاحتجاج؛ لأن طريقة القرآن أنه يحتج على المشركين بما أقروا به من توحيد الربوبية على ما أنكروه من توحيد الإلهية.

وهم أقروا بالربوبية فرتب على إقرارهم أنه يلزمهم أن يبطلوا عبادة غير الله -جل وعلا- قال: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ "تدعون" يعني تعبدون، وقد تكون العبادة بدعاء المسألة، وقد تكون بأنواع العبادة الأخرى، أو نقول: "تدعون" هذه تشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة؛ لأنهما حالتان من أحوال الإشراك بالله.

و مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ "ما" هنا عامة؛ لأنها اسم موصول بمعنى الذي، أفرأيتم الذي تدعونه من دون الله، والذي يدعونه من دون الله الذي شملته هذه الآية أنواع، وهو كل ما دعي من دون الله مما جاء بيانه في القرآن.

وجاء في القرآن بيان أن الأصناف التي تشرك بها من دون الله -جل وعلا- وتوجه لها بالعبادة أنواع:

الأول: الأنبياء بعض الأنبياء والرسل والصالحون كما قال جل وعلا في آخر سورة المائدة: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ الآية، فهذا في هذا النوع.

ونوع آخر اتخذوا الملائكة كما جاء في آخر سورة سبأ بيان ذلك وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ .

هذا في الملائكة نوع آخر أيضا كانوا يتوجهون للكواكب: الشمس القمر، يعني: طائفة من الناس يتوجهون لهذه الأشياء فيعبدونها.

أيضا من الأنواع أنهم كانوا يتوجهون إلى الأشجار والأحجار، ومن الأنواع أنهم كانوا يتوجهون للأصنام والأوثان فإذن قوله: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يدخل فيه توجه أولئك في كل ما أشركوا به من دون الله -جل وعلا- في كل ما أشركوا به مع الله -جل وعلا- في نوع من أنواع العبادة يفيدنا ذلك في معرفة وجه الاستدلال من هذه الآية، كما سيأتي.

قال: إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ أبطل أن يكون بتلك الآلهة بأنواعها إضرار أو نفع إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ لا يستطيعون، إن أرادني الله -جل وعلا- برحمة هل هذه تدفع رحمة الله؟ لا تستطيع أيضا، فإذن بطل أن يكون ثم تعلق بتلك الآلهة العظيمة التي يظن أن لها مقامات عند الله -جل وعلا - موجبة لشفاعتها.

إذا تبين ذلك فقد قال بعض أهل العلم: إن هذه الآية في الشرك الأكبر فلم جعلها الشيخ -رحمه الله- في صدر بيان أصناف من الشرك الأصغر؟ والجواب عن ذلك من وجهين:

الوجه الأول: أن إيراد الآيات في الشرك الأكبر من جهة معناه، والتعلق بغيره ووجوب التعلق بالله -جل وعلا- ونحو ذلك، هذا يورده السلف فيما هو من الشرك الأصغر، فالآيات التي في الشرك الأكبر، تورد في إبطال الشرك الأصغر، بجامع أن في كلا الشركين تعلقا بغير الله -جل وعلا-، فإذا بطل التعلق بالأعظم بطل التعلق فيما هو دونه من باب أولى.

الثاني: أن هذه الآية في الشرك الأكبر، ولكن المعنى الذي دارت عليه هو أنه في إبطال إضرار أحد من دون الله، أو أن الله إذا أصاب أحدا بضر أن ثَمَّ من يستطيع أن يرفعه بدون إذن الله، أو إذا أراد الله رحمة أن ثَمَّ من يصرف تلك الرحمة بدون إذنه جل وعلا.

وهذا المعنى الذي هو التعلق بما يضر وبما ينفع هو المعنى الذي من أجله تعلق المشرك الشرك الأصغر بالحلقة وبالخيط؛ لأنه ما علق الخيط ولا علق الحلقة؛ أو لبس الحلقة والخيط إلا لأنه يعتقد أن في الحلقة تأثيرا من جهة رفع البلاء، أو دفع الضر، وأنها تجلب النفع وتدفع الضر.

وهذه أشياء مهينة أشياء وضيعة فإذا نفي عن الأشياء العظيمة كالأنبياء والمرسلين والملائكة والصالحين أو الأوثان التي لها روحانيات كما يقولون، فإنه انتفاء النفع والضر عما سواها مما هو أدنى لا شك أنه أصغر في البرهان وأدنى.

طبعا في قوله: إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هنا "بضر" هذه نكرة في سياق الشرط، وهذا يعم جميع أنواع الضرر يعني: فغير الله -جل وعلا- لا يستطيع أن يرفع ضرا، أنزله الله -جل وعلا- إلا بإذنه سبحانه وتعالى.

ثم ساق -رحمه الله- عدة أحاديث قال عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة. فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا .

مناسبة الحديث للباب ظاهرة وهي أنه -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلا في يده حلقة من صفر بحسب ما كان يعتقد أهل الجاهلية فقال -عليه الصلاة والسلام-: "ما هذه ؟" هذا الاستفهام هذا السؤال، من أهل العلم من قال: إنه استفهام إنكار، ولكن الرجل ما فهم أنه إنكار، فهم أنه استفصال، فلذلك أجاب فقال: "من الواهنة".

وقال آخرون من أهل العلم: قوله عليه الصلاة السلام: "ما هذه" يحتمل أن يكون استفهام استفصال، أو استفهام إنكار؛ فلهذا أجاب الرجل، فقال "من الواهنة"

والاستفهام الأول يعني في القول الأول للإنكار الشديد، وهو الأظهر من حيث دلالة السياق عليه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في السياق ما ذكر الحالة الأخرى، والحالة الأخرى التي يمكن أن يكون لبسها من أجله أن تكون للتحلي.

والتحلي بالصفر غير أن يلبسه لدفع البلاء أو رفعه، المقصود أن الاستفصال هنا في قوله: "ما هذه ؟" هذا السؤال لا يعني أنه يحتمل أن يكون اللبس شركا، ويحتمل أن يكون اللبس غير شرك، ولكن هذا للإنكار، وإذا كان استفهام استفصال فإنه لأجل أنه قد يلبس لأجل التحلي؛ لا لأجل التعلق، تعلق القلب بذلك، فلما أجاب "من الواهنة" تعين على كلا القولين أنه لبسها لأجل تعلقه بها لرفع المرض أو لدفعه.

والواهنة نوع مرض من الأمراض يهن الجسم ويطرحه ويضعفه قواه فقال -عليه الصلاة والسلام-: "انزعها" هذا أمر، وإنكار المنكر يكون باللسان إذا كان المأمور به يطيع. إذا كان المأمور به يطيع الأمر فإنك تأمره باللسان، ولا تنكر عليه باليد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- له ولاية وينزع هذا المنكر بيده، لكن علم من حال ذاك أنه يمتثل الأمر، فقال له: انزعها فلا تعارُض بين هذا، وبين ما سيأتي من أن حذيفة -رضي الله عنه- قطع خيطا من رجل، فإن ذلك مبني على حال أخرى.

فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمره فامتثل ذلك الأمر. قال: فإنها لا تزيدك إلا وهنا فإنها لا تزيدك إلا وهنا يعني: أن ضررها أقرب من نفعها، وهذا في جميع أنواع الشرك. فإن ما أشرك به ضرره أعظم من نفعه لو فرض أن فيه نفعا.

قد قال العلماء هنا: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا يعني لو كان فيها أثر، فإن أثرها الإضرار بدنيا، وإن أثرها أيضا الإضرار روحيا ونفسيا حيث تضعف الروح والنفس عن مقابلة الوهن والمرض؛ لأنه يكون المرء أضعف ويتعلق بهذه الحلقة أو بذلك الخيط.

قال: فإنها لا تزيدك إلا وهنا وهذا حال كل من أشرك فإنه من ضررٍ إلى ضررٍ أكثر منه، ولو ظن أنه في انتفاع. ثم قال: فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا هذا القول منه -عليه الصلاة والسلام- لأن حال المعلق يختلف، قد يكون علقها اعتقادا فيها استقلالا، وقد يكون علقها من جهة التثبت والاستقلال إذا كان الذي رئي في يد الصحابي لا شك أنه منفي، ولكن العبرة هنا في هذا اللفظ بالفائدة منه لغيره فإن من مات وهي عليه، قد يحتمل أنه علقها لأجل الاستقلال أو علقها لأجل التثبت، وبالتالي يكون الفلاح على قسمين:

القسم الأول: الفلاح المنفي، هو الفلاح المطلق وهو دخول الجنة والنجاة من النار، وهذا في حال من أشرك الشرك الأكبر، بأن اعتقد أن تلك الحلقة من الصفر، أو ذلك الخيط الذي يعلق بأنه ينفع استقلال أو يكون المنفي نوع من الفلاح، أو مطلق الفلاح درجة من درجاته دعوى الفلاح ذلك إذا كان فاعله جعل سببا مما لم يجعله الله -جل وعلا- سببا لا شرعا، ولا قدرا.

يعني: كان مشركا الشرك الأصغر، فإنه يكون الفلاح هنا المراد به مطلق الفلاح يعني درجة من درجات الفلاح، وهذان لفظان يكثران في كتب أهل العلم، وفي التوحيد بخصوصه: الأول مطلق الشيء، والثاني الشيء المطلق.

يقول مثلا: التوحيد المطلق، ومطلق التوحيد الإسلام المطلق، ومطلق الإسلام، الإيمان المطلق، ومطلق الإيمان، الشرك المطلق، ومطلق الشرك، الفلاح المطلق، ومطلق الفلاح، الدخول المطلق، ومطلق الدخول، التحريم المطلق يعني: تحريم دخول الجنة، أو تحريم دخول النار، التحريم المطلق، ومطلق التحريم.

ومن المهم أن تعلم أن الشيء المطلق هو الكامل، الإيمان المطلق هو الكامل الإسلام، المطلق هو الكامل، التوحيد المطلق هو الكامل، الفلاح المطلق هو الكامل، وأما مطلق الشيء فهو أقل درجاته، أو درجة من درجاته، فمطلق الإيمان هذا أقل درجاته فنقول: مثلا هذا ينافي الإيمان المطلق، يعني: ينافي كمال الإيمان، أو نقول: هذا ينافي كمال الإيمان أو نقول: ينافي مطلق الإيمان، يعني: ينافي أقل درجات الإيمان فهو ينافي الإيمان من أصله.

فإذن هنا نقول الفلاح يحتمل أن يكون المنفي الفلاح المطلق، يعني: كل الفلاح أو درجة من درجاته بحسب حال المعلق، فكل من لبس حلقة أو خيطا، ومات وهي عليه من غير توبة، فإنه لن يفلح أبدا.

لن يفلح يعني لن يكون مفلحا، وهذا الفلاح بحسب اعتقاده، إن كان معتقدا فيها كما ذكرت أنها تنفع باستقلال، فهو من أهل النار، أو كان يعتقد أنها سبب فهو من أهل النار كعصاة الموحدين.

ومن المهم أن تعلم أن الشيء المطلق هو الكامل، الإيمان المطلق هو الكامل الإسلام المطلق هو الكامل التوحيد المطلق هو الكامل الفلاح المطلق هو الكامل، وأما مطلق الشيء فهو أقل درجاته أو درجة من درجاته، فمطلق الإيمان هذا أقل درجاته فنقول: مثلا: هذا ينافي الإيمان المطلق يعني ينافي كمال الإيمان، أو نقول: هذا ينافي كمال الإيمان أو نقول: ينافي مطلق الإيمان يعني ينافي أقل درجات الإيمان فهو ينافي الإيمان من أصله.

فإذن هنا نقول: الفلاح يحتمل أن يكون المنفي الفلاح المطلق يعني كل الفلاح أو درجة من درجاته بحسب حال المعلق فكل من لبس حلقه أو خيطا ومات وهي عليه من غير توبة فإنه لن يفلح أبدا لن يفلح يعني لن يكون مفلحا، وهذا الفلاح بحسب اعتقاده إن كان معتقدا فيها كما ذكرت أنها تنفع باستقلال فهو من أهل النار أو كان اعتقد أنها سبب فهو من أهل النار كعصاة الموحدين.

قال -رحمه الله-: وله عن عقبة بن عامر مرفوعا من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له المقصود من هذا الحديث ذكر لفظ التعلق،

وتعلق يعني أنه علق وتعلق قلبه بما علق، لفظ تعلق يشمل التعليق وتعلق القلب بما علق فهو لبس وتعلق قلبه بما لبس علق في صدره وتعلق قلبه بما علق قال -عليه الصلاة والسلام-: من تعلق تميمة فلا أتم الله له والتميمة لها باب يأتي -إن شاء الله تعالى- لكن هي نوع خرزات وأشياء توضع على صدور الصغار أو يضعها الكبار من أجل دفع العين أو دفع الضرر أو الحسد أو أثر الشياطين ونحو ذلك.

قال من تعلق تميمة فلا أتم الله له هنا دعا عليه -عليه الصلاة والسلام- ألا يتم الله له؛ لأن التميمة أخذت من تمام الأمر سميت تميمة؛ لأنه يعتقد فيها أنها تتم الأمر فدعا عليه --عليه الصلاة والسلام- بألا يتم الله -جل وعلا- له المراد قال: ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له والودعة نوع من الصدف أو الخرز يوضع على صدور الناس أو يعلق على العضد ونحو ذلك، لأجل أيضا دفع العين ونحوها من الآفات أو رفع العين ونحوها من الآفات قال: ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له يعني فلا تركه وذلك ولا جعله في دعة وسكون وراحة.

ودعاؤه -عليه الصلاة والسلام- عليه ذلك؛ لأنه أشرك بالله -جل وعلا- قال: وفي رواية: من تعلق تميمة فقد أشرك ؛ لأن تعليق التمائم والتعلق بها شرك أصغر بالله -جل وعلا- وقد يكون أكبر بحسب الحال كما سيأتي قال: ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله -تعالى-: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ مناسبة هذا الحديث أو الأثر للباب ظاهرة من أن حذيفة الصحابي -رضي الله عنه- رأى رجلا في يده خيط هذا الخيط من الحمى، "من" هنا تعليلية، يعني علق الخيط؛ لأجل رفع الحمى، أو لأجل دفع الحمى، ومن لها استعمالات شتى مر في أول الباب أنها تبعيضية وهنا أيضا أنها تعليلية لها أحوال كثيرة جمعها ابن أم قاسم في نظمه لبعض حروف المعاني بقوله: أتتنـا مـن لتبييـن وبعض

وتعلـيل وبـدء وانـتهـاء

وزائـدة وإبــدال وفصـل

ومعنـى عن وعلى وفي بعد



فمنها أن من تكون للتعليل فقوله: رأى رجلا في يده خيط من الحمى يعني؛ لأجل دفع الحمى أو لأجل رفع الحمى فمن تعليل لوضع الخيط في اليد قال: فقطعه وهذا يدل على أن هذا منكر عظيم يجب إنكاره ويجب قطعه قال: وتلا قوله -تعالى-: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال السلف في هذه الآية: وما يؤمن أكثرهم بالله يعني بأن الله هو الرب وهو الرزاق وهو المحيي وهو المميت يعني توحيد الربوبية إلا وهم مشركون به -جل وعلا- في العبادة فليس توحيد الربوبية بمنج بل لا بد من أن يوحد الله في العبادة، وهذا الدليل في الشرك الأكبر وقد قال المصنف -رحمه الله-: إن فيه أن الصحابة يستدلون بما نزل في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر.










الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تركيه الخضرى

راجع متفوق
راجع متفوق



الساغة الأن :
الاقامة : المملكه العربيه السعوديه
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 788
نقاط : 1750
تاريخ التسجيل : 22/08/2009

شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله   شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty10th مارس 2010, 5:42 pm

باب ما جاء في الرقى والتمائم
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: باب ما جاء في الرقى والتمائم وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري -رضي الله عنه- أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره فأرسل رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك رواه أحمد وأبو داود.

التمائم شيء يعلق على الأولاد من العين لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه منهم ابن مسعود -رضي الله عنه- والرقى وهي التي تسمى العزائم وخص منها الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من العين والحمى والتولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته وعن عبد الله بن عكيم مرفوعا من تعلق شيئا وكل إليه رواه أحمد والترمذي.

وروى أحمد عن رويفع قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رويفع لعل الحياة تطول بك فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا بريء منه وعن سعيد بن جبير قال: من قطع تميمة من إنسان كان كعِدْل رقبة رواه وكيع وله عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن ومن غير القرآن


--------------------------------------------------------------------------------


باب ما جاء في الرقى والتمائم تلحظ أن الباب الأول قال فيه الإمام -رحمه الله-: باب من الشرك لبس الحلقة والخيط وهنا قال: باب ما جاء في الرقى والتمائم، ولم يقل باب من الشرك الرقى والتمائم ذلك؛ لأن الرقى منها ما هو جائز مشروع ومنها ما هو شرك والتمائم منها ما هو متفق عليه أنه شرك ومنها ما قد اختلف الصحابة فيه هل هو من الشرك أم لا؟ بهذا عبر -رحمه الله- بقوله: باب ما جاء في الرقى والتمائم وهذا من أدب التصنيف العالي.

الرقى جمع رقية، والرقية معروفة قد كانت العرب تستعملها، وحقيقتها أنها أدعية وألفاظ تقال أو تتلى ثم ينفث بها، ومنها ما له أثر عضوي في البدن ومنها ما له أثر على الأرواح ومنها ما هو جائز مشروع ومنها ما هو شرك والنبي -عليه الصلاة والسلام- رَقى ورُقي، رَقى غيره ورَقى نفسه -عليه الصلاة والسلام- ورُقي أيضا رقاه جبريل ورقته عائشة ونحو ذلك فهذا الباب معقود لبيان حكم الرقى قال باب ما جاء في الرقى والتمائم، وقد رخص الشرع من الرقى بالتي ليس فيها شرك بالرقى التي خلت من الشرك، وقد قال بعض الصحابة للنبي -عليه الصلاة والسلام- يسأله عن الرقى: فقال: اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن شرك .

قال العلماء: الرقية تجوز بثلاثة شروط أجمع عليها:

الأول : أن تكون بالقرآن أو بأسماء الله أو بصفاته.

الثاني: أن تكون بالكلام العربي بلسان عربي معلوم يعلم معناه.

والثالث: ألا يعتقد أنها تنفع بنفسها بل الله -جل وعلا- هو الذي ينفع بالرقى.

قال بعض العلماء: يدخل في الأول السنة أيضا بما ثبت في السنة يعني يكون الشرط الأول أن تكون من القرآن أو السنة وبأسماء الله وبصفاته هذه شروط ثلاثة لكون الرقى جائزة بالإجماع إذا لم تكن من الأول أو الثاني يعني إذا تخلف الأول أو تخلف الثاني ففيها اختلاف بين أهل العلم، والثالث لا بد منه شرط متفق عليه من أن الرقى لا بد لمن تعاطاها ألا يعتقد فيها وأما من جهة كونها بأسماء الله، الله وصفاته أو بالكتاب والسنة أو أن تكون بلسان عربي مفهوم، فإن هذا مختلف فيه.

وقال بعضهم: يسوغ أن تكون الرقية بما يعلم معناه ويصح المعنى بلغة أخرى لا يشترط أن تكون بالعربية ولا يشترط أن تكون من القرآن أو السنة وهذه مسائل فيها خلاف وبحث ومن جهة تأثير أيضا غير القرآن على الراقي على المرقي وفي هذا مسائل نرجئ تفصيل ذلك إلى موضع آخر إن شاء الله المقصود أن الرقى الجائزة هي بالإجماع هي ما اجتمعت فيه ثلاثة شروط.

وأما الرقى الشركية فهي التي فيها استعاذة أو استغاثة بغير الله، أو كان فيها شيء من أسماء الشياطين، أو اعتقد المرقي فيها بأنها تؤثر بنفسها، فهذا تكون الرقية غير جائزة ومن الرقى الشركية قد قال -عليه الصلاة والسلام- إن الرقى والتمائم والتولة شرك كما سيأتي إذن الحاصل من ذلك أن الرقى منها ما هو جائز مشروع ومنها ما هو شركي، علمنا ضابط الجائز المشروع، وعلمت ضابط ما هو من جهة الشرك.

والتمائم جمع تميمة وقد ذكر تفسيرها مختصرا من قبل وهي تجمع أنواعا كثيرة، فالتمائم تجمع كل ما يعلق أو يتخذ مما يراد منه تتميم أمر الخير للعبد أو دفع الضرر عنه، ويعتقد فيه أنه سبب ولم يجعل الله ذلك الشيء سببا لا شرعا ولا قدرا، فالتميمة شيء يعلق إما جلد مثلا يكون من جلد خاص يعلق على الصدر أو يكون فيه أذكار أو أدعية وتعوذات تجعل أيضا معلقة على الصدر أو في العضد أو خرزات وحبال ونحو ذلك تجعل على الصدر تعلق أو شيء يجعل على باب البيت أو يجعل في السيارة أو يجعل في مكان ما، يجمع التمائم أنها شيء يراد منه تتميم أمر الخير وتتميم أمر دفع الضر ونحو ذلك الشيء لم يؤذن به شرعا ولم يؤذن به أيضا قدرا.

فإذن التميمة ليست خاصة بصورة معينة بل تشمل أحوالا كثيرة تشمل أصنافا عديدة منها مما هو في زمننا الحاضر ما تراه على الكثيرين من شيء يعلقونه في صدورهم يعلق شيء ثم تكون جلدة صغيرة في الصدر أو على العضد أو يربط في البطن تميمة لدفع مثلا أمراض البطن أو الإسهال أو التقيؤ ونحو ذلك أو شيء يتخذ في السيارة كما ترى بعض السيارات فيها رأس دب مثلا أو أرنب، أو يضع بعض الأشكال كحدوة فرس، أو يضع خرز على المرآة الأمامية أو يضع مسبحة على شكل معين من خشب ونحو ذلك، هذه وأصنافها من أنواع التمائم، ولها أشكال كثيرة تختلف مع اختلاف الأزمان ويحدث الناس منها شيئا كثيرا، أو يلبس سلسلة وعليها شكل عين صغيرة أو يعلق على مدخل الباب رأس ذئب أو رأس غزال أو يضع على مطرق الباب حذوة فرس هذه من التمائم التي يريد منها أصحابها أن تدفع عنهم العين أو أن تجلب لهم نفعا.

بعض الناس يقول: أعلق ولا أستحضر هذه المعاني أعلق هذا في السيارة للزينة أعلقه في البيت للجمال، ونحو ذلك من قول طائفة قليلة من الناس ونقول: إن علق التمائم للدفع أو الرفع فإنه شرك أصغر إن اعتقد أنها سبب، وإن علقها للزينة فهو محرم؛ لأجل مشابهته من يشرك الشرك الأصغر، فإذن دار الأمر على أن التمائم كلها منهي عنها سواء اعتقد فيها أو لم يعتقد؛ لأن حاله إن اعتقد فهو في شرك أصغر، وإن لم يعتقد فإنه شابه أولئك المشركين وقد قال -عليه الصلاة والسلام- من تشبه بقوم فهو منهم قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري -رضي الله عنه- أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره فأرسل رسولا ألا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت هذا الحديث وجه الاستدلال منه على أن تعليق القلادة من الوتر على البعير مأمور بقطعه، والأمر بقطعه؛ لأجل أن العرب تعتقد أنها تدفع العين عن الأبعرة، تدفع العين عن النعم فيعلقون الأوتار على شكل قلائد وربما ناطوا بالأوتار أشياء إما خرز وإما شعر أو نحو ذلك ليدفعه، فهذا نوع من أنواع التمائم، فمناسبة هذا الحديث للباب ظاهرة وهي أن قوله: لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت ظاهر في النهي عن التمائم وأن هذا النوع يجب قطعه لم يجب قطعه ؟؛ لأن في تعليقه اعتقاد أنه يدفع أو أنه يجلب النفع وهذا الاعتقاد اعتقاد شركي.

قال: وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك .

هذا الحديث فيه التأكيد قال: إن الرقى والتمائم والتولة شرك ومعلوم أن دخول "إن" على الجملة الخبرية يفيد تأكيد ما تضمنته، والرقى هنا لما دخلت عليها الألف واللام عمت، فهذا الحديث أفاد أن كل الرقى من الشرك وأن كل التمائم من الشرك وأن كل التولة من الشرك قال: إن الرقى شرك فكل الرقى شرك وقال: إن التمائم شرك فإذن كل التمائم شرك وقال: إن التولة شرك فإذن كل أنواع التولة شرك وهذا العموم خص في الرقى بالنص وحدها، خصت الرقى بقوله لا بأس بالرقى ما لم يكن شرك وبأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رقى ورقي -عليه الصلاة والسلام-.

فإذن الرقى دل الدليل على أن العموم هاهنا مخصوص وليس كل أنواع الرقية شرك بل بعض أنواع الرقية وهي التي اشتملت على شرك، فإذا العموم هنا مخصوص بأنه خرج من ذلك ما لم يكن فيه شرك لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا وفي لفظ آخر قال: لا بأس بالرقى ما لم يكن شرك .

أما التمائم فلم يأت دليل يخص نوعا من نوع بل يبقى هذا اللفظ على عمومه إن الرقى والتمائم والتولة شرك فما جاء ما يخص نوعا من التمائم دون نوع من الشرك فتكون إذن التمائم بأنواعها شرك؛ لأن ما لم يرد فيه تخصيص من الشارع فإن العموم يجب أن يبقى؛ لأن التخصيص شرع، وهذا الشرع لا بد أن يأتي من الشارع فنبقي العموم على عمومه.

قال: والتولة شرك والتولة كما فسرها الشيخ -رحمه الله- شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى زوجه نوع من السحر وهو يسمى عند العامة العطف، الصرف والعطف، نوع من السحر يصنع فيجلب شيئا ويدفع شيئا في حسب اعتقادهم، وهي في الحقيقة نوع من أنواع التمائم بأنها تصنع ويكون الساحر هو الذي يرقى فيها الرقية الشركية فيجعل المرأة تحب زوجها أو يجعل الرجل يحب زوجته، وهذا نوع من أنواع السحر والسحر شرك بالله -جل وعلا- وكفر.

وهذا أيضا عموم وكل أنواعه شرك قال وعن عبد الله بن عكيم مرفوعا من تعلق شيئا وكل إليه من تعلق شيئا، شيئا هنا نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الأشياء، فكل من علق شيئا وكل إليه فمن أخرج صورة من صور التعليق كانت الحجة عليه؛ لأن هذا الدليل عام،

فهذا الدليل فيه أن من تعلق أي شيء من الأشياء فإنه يوكل إليه والعبد إذا وكل إلى غير الله -جل وعلا- فإن الخسارة أحاطت به من جنبات والعبد إنما يكون عزه ويكون فلاحه وحسن وحسن عمله أن يكون متعلقا بالله وحده، يتعلق بالله وحده في أعماله في أقواله في مستقبله في دفع المضار عنه قلبه يكون أنسه بالله يكون قلبه أنسه بالله وسروره بالله وتعلقه بالله وتفويض أمره إلى الله وتوكله على الله --جل وعلا.

فمن كان كذلك وتوكل على الله وطرد الخلق من قلبه فإنه لو كادته السماوات والأرض لجعل الله --جل وعلا- له من بينها مخرجا؛ لأنه توكل وفوض أمره على العظيم جل جلاله- وتقدست أسماؤه فقال هنا من تعلق شيءا شيئا وكل إليه فإذا تعلق العبد تميمة وكل إليها وما ظنك بمن وكل إلى خرقة أو إلى خرز أو إلى حدوة حصان أو إلى شكل حيوان ونحو ذلك لا شك أن خسارته أعظم الخسارة قال هنا: من تعلق شيئا، وجه الاستدلال كما ذكرت لك من أنه ذكر نتيجة التعلق وهو أنه يوكل إلى ذلك الشيء فمن تعلق شيئا وكل إليه، وإذا وكل إليه فمعنى ذلك أنه خسر بذلك.



الشيخ -رحمه الله- كما ذكرت لك ما صدر الباب بحكم فيكون الاستدلال بهذه على ما دلت عليه الأحاديث قال: التمائم شيء يعلق على الأولاد يتقون به العين شيء يشمل أي شيء يعلق دون صفة معينة بعض العلماء قال: التمائم خرز، وبعضهم قال: جلدة ونحو ذلك وهذا ليس بجيد بل التمائم اسم يعم كل ما يعلق لدفع العين لاتقاء الضرر أو لجلب خير نفسي قال: لكن إذا كان المعلق من القرآن ترخص فيه بعض السلف إذا كان المعلق من القرآن بمعنى أنه جعل في منزله مصحفا ليدفع العين أو علق على صدره شيئا سورة الإخلاص أو آية الكرسي؛ ليدفع العين، أو ليدفع الضرر عنه هذا من حيث التعليق تميمة فهل هذه التميمة جائزة؟ أم غير جائزة؟

قال الشيخ -رحمه الله- إن التمائم إذا كانت من القرآن فقد اختلف فيها السلف، فقال بعضهم بجوازها رخص فيها بعض السلف ويعني ببعض السلف بعض كبار الصحابة، ومال إليه بعض أهل العلم الكبار وبعضهم لم يرخص فيها كابن مسعود -رضي الله عنه- وكأصحاب ابن مسعود الكبار إبراهيم وعلقمة وعبيدة والربيع بن خثيم والأسود وأصحاب ابن مسعود جميعا فالسلف اختلفوا في ذلك.

ومن المعلوم أن القاعدة أن السلف من الصحابة فمن بعدهم إذا اختلفوا في مسألة وجب الرجوع فيها إلى الدليل والدليل دل على أن كل أنواع التمائم منهي عنها من تعلق شيئا وكل إليه إن التمائم شرك إن الرقى والتمائم والتولة شرك فمن تعلق القرآن من علقه كان داخلا في المنهي عنه لكن لما كان معلقا للقرآن فإنه لم يشرك؛ لأنه علق شيئا من صفات الله --جل وعلا- وهو كلام الله -جل وعلا- فما أشرك مخلوقا؛ لأن الشرك معناه أن تشرك مخلوقا مع الله -جل وعلا-، والقرآن ليس بمخلوق بل هو كلام الباري -جل وعلا- منه بدأ وإليه يعود.

فإذن صار تعليق التميمة من القرآن خرجت؛ لأجل كون القرآن ليس بمخلوق من العموم وهو قوله: إن التمائم شرك فبقي هل هي منهي عنها أم غير منهي عنها؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: من تعلق شيئا وكل إليه ونهى عن التمائم بأنواعها فدل ذلك على أن تخصيص القرآن بالإذن من بين التمائم ومن بين ما يعلق يحتاج إلى دليل فيه؛ لأن إبقاء العموم على عمومه هذا إبقاء لدلالة ما أراد الشارع الدلالة عليه من الألفاظ اللغوية، والتخصيص نوع من أنواع التشريع لا بد فيه من دليل واضح؛ لهذا صارت الحجة مع من يجعل التمائم التي من القرآن مما لا يرخص فيه كابن مسعود وكغيره من الصحابة -رضوان الله عليهم- وكذلك هو قول عامة أهل العلم، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها المحققون من أصحابه، وعليها المذهب عند المتأخرين.

بقي أن نقول: إن في إجازة اتخاذ التمائم من القرآن إن في تجويزها مفاسد، وفي تجويز اتخاذ التمائم من القرآن أنواع من المنكر.

الأول: أنه إذا اتخذت التميمة من القرآن، فإننا إذا رأينا من عليه التميمة فيشتبه علينا الأمر هل هذه تميمة شركية أو من القرآن؟ وإذا ورد الاحتمال، فإن المنكر على الشركيات يضعف يقول: احتمال أنها من القرآن، فإجازة تعليق التمائم من القرآن فيه إبقاء التمائم الشركية؛ لأن حقيقة التميمة التي تعلق أنها تكون مخفية غالبا في جلد أو في نوع من القماش ونحو ذلك، فإذا رأينا صورة التعليق.

وقلنا: هذا يحتمل أن يكون كذا ويحتمل أن يكون كذا فإذا استفصلت منه وقلت له هل هذه تميمة شركية أو من القرآن معلوم أن صاحب المنكر دائما سيختار أن تكون من القرآن حتى ينجو من الإنكار؛ لأنه يعتقد في هذه يريد أن يسلم له تعليقها، فهذا من المفاسد العظيمة أن في إبقائها إبقاء للتمائم الشركية، وفي النهي عنها سد لذريعة الإشراك بالتمائم الشركية ولو لم يكن إلا هذا لكان كافيا.

الثاني: أن الجهلة من الناس إذا علقوا التمائم من القرآن فإنهم يتعلقون بها يتعلق قلبهم بها، ولا تكون عندهم مجرد أسباب، وإنما يكون عندهم فيها خاصية من الخصائص التي تقوم بنفسها يأتي بالشيء أو تدفع الشيء وهذا لا شك فتح لباب اعتقادات فاسدة على الناس يجب أيضا وصده ومن المعلوم أن الشريعة جاءت بسد الذرائع.

أيضا من المفاسد المتحققة عامة في ذلك أنه إذا علق شيئا من القرآن فإنه يمتهنه ينام عليه أو يدخل به مواضع قذرة أو يكون معه في حالات لا يكون من الحسن أن يكون معه قرآن فيها أو آيات، وهذا مما ينبغي اجتنابه وتركه، إذن فتحصل أن تعليق التمائم جميعا بالدليل وبالتعليل لا يجوز فما كان منها من القرآن فنقول: يحرم على الصحيح ولا يجوز ويجب إنكاره، وما كان منها من غير القرآن وتعلق تمائم عامة فهذا نقول: إنه من الشرك بالله لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الرقى والتمائم والتولة شرك والتخصيص نوع من العلم يجب أن يكون فيه دليل نقف عند هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


هذا أيضا يسأل ما حكم من يضع آية الكرسي في السيارة أو يضع مجسما فيه أدعية أدعية ركوب السيارة وأدعية السفر وغيرها من الأدعية نقول: هذا فيه تفصيل فإن كان وضع هذه الأشياء ليتحفظها ويتذكر قراءتها فهذا جائز كمن يضع المصحف أمام السيارة أو يضعه معه؛ لأجل أنه إذا صارت عنده فرصة هو أو من معه أن يقرأ فيه فهذا جائز لا بأس به لكن إن وضعها تعلقا لأجل أن تدفع عنه فهذا هو الكلام في مسألة تعليق التمائم من القرآن فلا يجوز ذلك على الصحيح ويحرم نكتفي بهذا القدر وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


بسم الله الرحمن الرحيم - الحمد لله رب العالمين - وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

س: السؤال الأول فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى: من يوصي أحدا يبحث له عن راق يرقي له دون أن يطلب الرقية من الراقي بنفسه هل هذا يدخل من الذين يسترقون ؟

ج ) بسم الله الرحمن الرحيم - الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد فإن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصف السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب قال: هم الذين لا يسترقون يعني لا يطلبون الرقية وفهم جواب السؤال يتبع فهم التعليل ذلك أن أولئك كانوا لا يسترقون يعني لا يطلبون الرقية؛ لأجل ما قام في قلوبهم من الاستغناء بالله وعدم الحاجة إلى الخلق، ولم تتعلق قلوبهم في الخلق في هذا الأمر الذي سيرفع ما بهم، وكما ذكرت لك أن مدار العلة على تعلق القلب بالراقي في رفع أو بالرقية في رفع ما بالمرقي من أذى أو في دفع ما قد يتوقع من السوء، وعليه فيكون الحالان سواء يعني إن كان طلب بنفسه أو طلب بغيره فإنه طالب والقلب متعلق بمن طلب منه الرقية إما بالأصالة أو بواسطة.

س ) هذا يقول: يقول: أهلي يذبح الذبحة يوزعها على المساكين لدفع البلاء فهل تجوز تلك النية ؟

ج ) هذا فيه تفصيل ذلك أن ذبح الذبائح إذا كان من جهة الصدقة ولم يكن لدفع شيء متوقع أو لرفع شيء حاصل ولكن من جهة الصدقة وإطعام الفقراء، فهذا لا بأس به داخل في عموم الأدلة التي فيها الحض على الإطعام وفضيلة إطعام المساكين، وأما إن كان الذبح؛ لأن بالبيت مريضا فيذبح لأجل أن يرتفع ما بالمريض من أذى، فهذا لا يجوز ويحرم قال العلماء: سدا للذريعة ذلك؛ لأن كثيرين يذبحون حين يكون بهم مرض لظنهم أن المرض كان بسبب الجن أو كان بسبب مؤذ من المؤذين إذا ذبح الذبيحة وأراق الدم فإنه يندفع شره أو يرتفع ما أحدث، وهذا لا شك أنه اعتقاد محرم ولا يجوز، والذبيحة لرفع المرض والصدقة بها عن المريض.

قال العلماء: هي حرام ولا تجوز سدا للذريعة، وللشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق رسالة خاصة في الذبح للمريض، كذلك إذا كان الذبح لدفع أذى متوقع مثلا كان بالبلد داء معين فذبح لدفع هذا الداء أو كان في الجهات التي حول البيت ثَمَّ شيء يؤذي فيذبح ليندفع ذلك المؤذي، إما لص مثلا يتسلط على البيوت أو أذى يأتي للبيوت فيذبح ويتصدق بها لأجل أن يندفع ذلك الأذى، هذا أيضا غير جائز ومنهي عنه سدا للذريعة؛ لأن من الناس من يذبح لدفع أذى الجن وهو شرك بالله -جل وعلا.

فإذن تحصل من ذلك أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- داووا مرضاكم بالصدقة فيما رواه أبو داود وغيره وقد حسنه بعض أهل العلم وضعفه آخرون أن معنى داووا مرضاكم بالصدقة يعني بغير إراقة الدم فيكون إراقة الدم مخصوص من ذلك من المداواة بالصدقة؛ لأجل ما فيه من وسيلة إلى الاعتقادات الباطلة، ومعلوم أن الشريعة جاءت لسد الذرائع جميعا إلا يعني الذرائع الموصلة إلى الشرك، وجاءت أيضا بفتح الذرائع الموصلة إلى الخير، فما كان من ذريعة يوصل إلى الشرك والاعتقاد الباطل فإنه يُنهى عنه.

س ) وهذا يقول ما رأي فضيلتكم ببعض الأواني التي يكتب عليها بعض الآيات والتي تباع في بعض المحلات التجارية ؟

ج ) هذه الأواني يختلف حالها إن كان يستخدمها؛ لأجل أن يتبرك بما كتب فيها من الآيات فيجعل فيها ماء ويشربه؛ لأجل أن الماء يلامس هذه الآيات، فهذا من الرقية غير المشروعة؛ لأن الرقية المشروعة ما كانت الآيات في الماء، وهذه الآيات لم تنحل في الماء؛ لأنها من معدن أو من نحاس والتصاق الماء بتلك الكتابات آيات أو أدعية لا يجعل الماء بذلك مباركا أو مقروءا فيه، فإذا اتخذت لذلك فهذا من الرقية غير المشروعة، وأما إذا أخذها للزينة أو لجعلها في البيت أو لتعليقها فهذا كرهه كثير من أهل العلم؛ لأن القرآن ما نزل لتزين به الأواني أو تزين به الحيطان، وإنما نزل للهداية إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ .

س ) وهذا يقول بعض الناس يضع المصحف في درج السيارة وذلك بقصد أن للمصحف أثر في رد العين أو البلاء نرجو منكم التوضيح ؟

ج ) إذا كان يقصد من وضع المصحف في درج السيارة أو على طبلون السيارة الأمامي أو خلف السيارة أن يدفع عنه وجود المصحف العين فهذا من اتخاذ المصحف تميمة، وقد مر معكم بالأمس حكم التمائم من القرآن، وأن الصحيح أنه لا يجوز أن يجعل القرآن تميمة ولا أن يجعل القرآن بوجوده يعني المصحف دافعا للعين لكن الذي يدفع العين قراءة القرآن والأدعية المشروعة والاستعاذة بالله -جل وعلا- ونحو ذلك مما جاء في الرقية، فتحصل أن وضع القرآن لهذه الغاية داخل في المنهي عنه وهو من اتخاذ التمائم من القرآن لما كان القرآن غير مخلوق وهو كلام الله -جل وعلا- لم تصر هذه التميمة شركية.

وإنما ينهى عنها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستعمل هذا، ولم يجعل في عنق أحد من الصحابة لا الصغار ولا الكبار ولا أذن ولا وجه بأن يجعل القرآن في شيء من صدورهم أو في عضد أحدهم وفي بطنه، ومعلوم أن مثل هذا لو كان دواء مشروعا أو رقية سائغة أو تميمة مأذون بها لرخص فيها سيما مع شدة حاجة الصحابة إلى ذلك، فتعليق القرآن أيسر من البحث عن راق يرقي ويطلب منه وربما يكافأ على رقيته، فلما كان هذا أيسر والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرشدهم إلى الأيسر، وقد بعث ميسرا علم مع ضميمة الأدلة التي ذكرت لكم بالأمس أن هذا من جنس غير المشروع والله أعلم.

س ) وهذا يقول قوله: وعامرهن غيري قد يستدل به أهل البدع على أن الله في كل مكان نرجو التوضيح؟ بارك الله فيك.

ج ) في قوله -جل وعلا- في الحديث القدسي يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري السماوات السبع معروفة طباق بعضها فوق بعض، وعامرهن هي من العمارة المعنوية يعني من عمرها بالتسبيح والتهليل وذكر الله وعبادته، وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع ففيها عمار كثيرون عمروها بعبادة الله -جل وعلا- قد قال -جل وعلا- في أول سورة الأنعام وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ .

فالله -جل وعلا- هو المعبود سبحانه في السماوات وهو المعبود سبحانه في الأرض فقوله هنا: لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري يعني من يعمر السماوات والله -جل وعلا- في هذا الاستثناء في قوله: غيري يعني إلا أنا هذا يحتمل أن يكون الاستثناء راجع إلى الذات وراجع إلى الصفات، ومعلوم أن الأدلة دلت على أن الله -جل وعلا- على عرشه مستو عليه بائن من خلقه -جل وعلا- والسماوات من خلقه -سبحانه وتعالى- فعلم من ذلك أن قوله: وعامرهن غيري راجع إلى عمارة السماء بصفات الله -جل وعلا- وبما يستحقه سبحانه من التأله والعبودية، وما فيها من علم الله ورحمته وقدرته وتصريفه للأمر وتدبيره ونحو ذلك من المعاني.

س ) وهذا يقول رجل عنده ولد مريض مرض لم يجد له علاج فقال: أذهب إلى مكة وأضع ولدي عند البيت أدعو له بالشفاء، ثم وقت الظهر سوف أعزم مائة شخص من فقراء الحرم على الغداء وأقول: ادعوا الله أن يشفي ولدي. فما رأيكم في هذا العمل ؟

ج ) هذا العمل فيه تصدق ودعوة الفقراء إلى الطعام، وفيه طلب الدعاء منهم لولده، والتصدق بالطعام هذا من جنس المشروع كما ذكرت لكم، فإن كان فيه من الذبائح فعلى التفصيل الذي مر من قبل سواء أكانت دجاجا أو كان ضأنا أو غير ذلك مما يذبح يعني مما فيه إراقة دم، وإن كان أطعمهم طعاما لإشباعهم والتصدق عليهم، هذا هو القصد وطلب منهم الدعاء، وهي المسألة الثانية فهذا راجع إلى هل يشرع طلب الدعاء من الغير بهذه الصفة؟ والظاهر أن هذا من جنس ما هو غير مشروع، وإذا قلنا: غير مشروع يعني مما ليس بمستحب ولا واجب وهل يجوز ذلك أم لا؟ طلب الدعاء من الآخرين قال العلماء فيه: الأصل فيه الكراهة.

والذي يتأمل ما روي عن الصحابة وعن التابعين فيمن طلب منهم الدعاء أنهم قهروه ونهوه وقالوا: أنحن أنبياء كما قال حذيفة، وكما قال معاذ وكما قال غيرهما، ومالك بن أنس -رضي الله عنه- ورحمه إمام دار الهجر، كان ربما طلب منه الدعاء فنهى من طلب منه الدعاء لم؛ لأنه إذا عرف عند الناس أن فلانا يطلب منه الدعاء بخصوصه، فإن القلوب تتعلق بذلك وإنما يتعلق في طلب الدعاء بالأنبياء أما من دونهم فلا يتعلق بهم في هذا الأمر.

لهذا اختار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن طلب الدعاء من المسلم الحي يكون مشروعا إذا قصد به نفع الداعي ونفع المدعو له، إذا قصد الطالب أن ينفع الجهتين ينفع الداعي وينفع المدعو له فهذا محسن وطالب لنفسه فهذا من المشروع، وهذا هو الذي يحمل عليه ما جاء في السنة فيما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر لما أراد أن يعتمر قال له: لا تنسنا يا أخي من دعائك وهذا الحديث إسناده ضعيف وقد احتج به بعض أهل العلم.

وظاهر أن معناه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن ينفع عمر بهذه الدعوة، فالطالب للدعاء محتاج إلى غيره، المقصود من هذا أن فعل هذا السائل لأجل ولده الأولى تركه لأجل ألا يتعلق قلبه بأولئك في دعائهم، ومن العلاج المناسب أن يلتزم بين الركن والمقام يعني بين الحج الأسود وبين حاسر حد باب الكعبة وهو الملتزم يلتزم ويلصق بطنه وصدره وخده ببيت الله -جل وعلا- ويقف بالباب مخبتا منيبا سائلا الله -جل وعلا- منقطعا عن الخلق عالما أنه لا يشفي من الداء في الحقيقة إلا الله -جل جلاله- وأنه -جل وعلا- هو الذي يشفي وهو الذي يعافي كما قال: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ فهذا أعظم أثرا -إن شاء الله- من فعله الذي يريد أن يفعله من دعوة أولئك، فالتضرع لله في أوقات الإجابة وفي الأماكن الفاضلة وفي الأزمنة الفاضلة نرجو أن يكون مع إجابة الدعاء وشفاء المرض، هذا ونكتفي بهذا القدر ونبدأ بكتاب التوحيد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تركيه الخضرى

راجع متفوق
راجع متفوق



الساغة الأن :
الاقامة : المملكه العربيه السعوديه
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 788
نقاط : 1750
تاريخ التسجيل : 22/08/2009

شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله   شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله Empty10th مارس 2010, 7:34 pm

جزاك الله خيرا يا استاذ سعد يونس ولو اردة اسم الكتاب ورقم الصفحه ابشر المهم ان يصل الحق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مجموعه من الفتاوي للشيخ : محمد متولي الشعراوي رحمه الله
» من كلمات الامام الشافعى رحمه الله
» اليك هذه النصيحه الذهبيه من امام الواعظ فى زمانه الامام ابن الجوزى رحمه الله
» الباب الاول كتاب التوحيد
» أهمية الصبر للشيخ خالد بن عبد الله بن محمد المصلح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى راجعون الى الله :: المنتدى الاسلامى العام :: قسم العقيدة والفقه الاسلامي-
انتقل الى:  
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط راجعون الى الله على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى راجعون الى الله على موقع حفض الصفحات